نشر مركز «ستراتفور» الأمريكي للدراسات الإستراتيجية والأمنية تقريرًا استعرض من خلاله إمكانية اندلاع حرب كبرى بين إسرائيل وإيران بعد الهجمات المتبادلة التي وقعت مؤخرًا.

وفي مستهل التقرير، يُشير المركز إلى أنه على الرغم من أن احتمالية اندلاع حرب كبرى بين إسرائيل وإيران لا تزال بعيدة، فإن وتيرتها تتزايد شيئًا فشيئًا مع استمرار الخَصْمَين في التصعيدات التكتيكية الانتقامية المتبادلة. وفي 13 مارس (آذار)، أعلنت إيران مسؤوليتها عن عشرات الهجمات الصاروخية الباليستية التي استهدفت قاعدة استخبارات إسرائيلية سرية في أربيل عاصمة كردستان العراق.

وفي اليوم الذي يليه، أعلنت «إدارة الفضاء الإلكتروني الوطني» في إسرائيل حالة الطوارئ بعدما قُطِع الإنترنت بصورة مؤقتة عن معظم المواقع الحكومية من جراء هجوم إلكتروني واسع النطاق أدَّى إلى الحرمان من الخدمة الموزَّعة (DDoS) والذي اتهمت وسائل الإعلام الإسرائيلية إيران بتنفيذه.

هجمات انتقامية متبادلة

يُوضِّح التقرير أن هذه الحوادث الأخيرة جاءت بعد شهرٍ من تنفيذ إسرائيل غارة جوية، لم يُتحقَّق منها بعد، على قاعدة إيرانية للطائرات من دون طيار في محافظة كرمانشاه الواقعة في غرب إيران في منتصف فبراير (شباط) (ولم توجِّه إيران لإسرائيل اتهامًا مباشرًا بتنفيذها هذا الهجوم، على الرغم من أن وكالة «أسوشيتد برس» نشرت تقارير متزامنة تفيد اندلاع حريق في القاعدة نفسها وسماع السكان المحليين دوي انفجارات تُؤكد حقيقة الغارة الإسرائيلية المفترضة).

Embed from Getty Images

ونقل موقع «ميدل إيست آي» الإخباري ما أفادته مصادر إيرانية وعراقية أخرى أن الهجمات الصاروخية التي نفَّذتها طهران في 13 مارس في أربيل كانت ردًّا على عملية تخريبية إسرائيلية نفَّذتها في مصنع طائرات من دون طيار بالقرب من مدينة تبريز الإيرانية، وقد تكون الهجمات الإيرانية الأخيرة على إسرائيل مرتبطة جزئيًّا بمقتل ضابطين من الحرس الثوري الإيراني خلال غارة جوية إسرائيلية خارج العاصمة السورية دمشق في 7 مارس، إذ تعهدت إيران بالثأر لهما.

ويُلمح التقرير إلى أنه على الرغم من أن إسرائيل ليس لها وجود رسمي في كردستان العراق، إلا أنها حافظت، منذ غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، على إقامة علاقات وثيقة مع الحكومة الإقليمية في أربيل، بما في ذلك دعم محاولة الاستقلال الفاشلة لكردستان في عام 2017، وكانت إيران قد نفَّذت عديدًا من الهجمات السيبرانية ضد إسرائيل على مر السنين، مثل محاولتها اختراق شبكات المياه الإسرائيلية بقصد تعطيل إمدادات المياه، وكان ذلك في يوليو (تمُّوز) 2020.

ولطالما نفَّذت إسرائيل عمليات تخريبية في الخفاء ضد إيران في لبنان وسوريا والعراق، وداخل إيران نفسها. وفي داخل إيران، تستهدف إسرائيل عادةً الأصول الموجودة على الأرض لتخريب المنشآت ذات الصلة بالبرنامج العسكري والنووي الإيراني، على غرار ما فعلته إسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 عندما استخدمت رُوبوتًا يجري التحكم فيه عن بُعد لاغتيال محسن فخري زادة، كبير العلماء الإيرانيين في المجال النووي، وكثيرًا ما تعهدت إيران بالرد على هذه الهجمات بالكيفية التي تراها وفي الوقت الذي تختاره.

الاتفاق النووي

يُؤكد التقرير أنه بغض النظر عن نتيجة مفاوضات الغرب مع إيران بشأن برنامجها النووي، ستستمر إيران وإسرائيل في التصعيد التكتيكي لعَملياتهما السرية بعضهما ضد بعض، ولن يتمكِّن المفاوضون الموجودون حاليًا في فيينا، الذين بصدد الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي، من فعل شيء سوى استعادة شروط الاتفاق النووي الإيراني الأساسي الذي وُقِّع في عام 2015، والذي لا يُبدد مخاوف إسرائيل بشأن سياسات طهران الخارجية، فضلًا عن مخاوفها من قدرات إيران الهجومية السيبرانية والعسكرية، وهذا من شأنه أن يضع إسرائيل في موقف يجعلها تُواصل حملتها السرية ضد إيران (وربما تزيد من حدِّتها، وبخاصة في حال عدم التوصُّل إلى اتفاق) لتقويض برامج طهران النووية والطائرات من دون طيار والصواريخ.

منطقة الشرق

منذ سنتين
كيف اغتال الموساد محسن فخري زاده؟ «نيويورك تايمز» تكشف التفاصيل للمرة الأولى

وفي الوقت نفسه، ستُواصل إيران التعامل مع إسرائيل على أنها عدوها الإقليمي والأيديولوجي الأساسي بغض النظر عن أي اتفاق نووي، وقد ترغب في استخدام قوة سافرة لا يمكن الاستهانة بها، مثل صواريخها الباليستية التي تُطلق من أراضيها، ضد أهداف إسرائيلية خارج إسرائيل، خاصة إذا فشلت المفاوضات النووية مع القوى العالمية في التوصل إلى اتفاق.

وإذا ثبتت صحة الهجوم الإسرائيلي على قاعدة إيرانية للطائرات من دون طيار في الشهر الماضي، فسيكون ذلك مؤشرًا على رغبة إسرائيل في التصعيد من عملياتها التخريبية المؤكدة ضد إيران وشن غارات جوية مباشرة على الأراضي الإيرانية، وبالنظر إلى الهجوم الصاروخي الإيراني الذي شُنَّ لاحقًا على قاعدة استخبارات إسرائيلية في أربيل، فإنه يُعد دليلًا كذلك على الرد الإيراني على مثل هذه الهجمات الإسرائيلية، وستكون إيران مستعدة لاستخدام منظومتها للصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار لاستهداف أهداف إسرائيلية في مناطق (مثل كردستان العراق) أو غيرها من الدول الصديقة لإسرائيل.

استعداد للتصعيد

يلفت التقرير إلى أن أعضاء المؤسسة العسكرية الإسرائيلية يتوقَّعون إلى حدٍّ كبير أن تُسفر محادثات فيينا عن صفقة توافق فيها إيران على تقليص بعض أنشطتها النووية فحسب مقابل تخفيف محدود للعقوبات، ومن ثمَّ تظل معظم مخاوف إسرائيل الأمنية دون معالجة، وفي حالة فشل المفاوضات النووية الإيرانية قبل التوصُّل إلى اتفاق، فإن إسرائيل ستواصل أيضًا إجراء التدريبات العسكرية «الخطة ب» التي حظيت بتغطية واسعة النطاق استعدادًا لحرب محتملة مع إيران، بما في ذلك التدريبات التي حدثت في يناير (كانون الثاني) 2022 على شن غارات جوية ضد الأهداف النووية الإيرانية المزعومة.

Embed from Getty Images

وفي الوقت الذي يسعى فيه كل من إسرائيل وإيران لتفادي خوض حرب إقليمية كبرى، فإن الهجمات المتصاعدة تكتيكيًّا بين البلدين لا تزال تحمل في طياتها مخاطر كامنة في إثارة دوائر عشوائية من العنف، والتي تشمل الدول أو المناطق الصديقة لإسرائيل، ومع إبداء كل من إسرائيل وإيران قدرًا كبيرًا من الاستعداد لاستكشاف سُبل جديدة لضرب بعضهما بعضًا، فقد تسفر مخاطر شن هجوم سيبراني أو غارة جوية أو طائرة من دون طيار أو هجوم صاروخي عن وقوع إصابات أو أضرار غير محسوبة. ويُرجَّح أن تُصعِّد إسرائيل ردًّا على أي هجوم سيبراني أسفر عن وقوع ضحايا في صفوف المدنيين، أو ردًّا على أي هجوم تقليدي تسبب في خسائر داخل إسرائيل، أو خسارة طائرة أثناء تنفيذ عمليات ضد أهداف إيرانية في جميع أنحاء المنطقة.

ومن جانبها، من المرجَّح أن تُصعِّد إيران عملياتها ردًّا على العمليات الإسرائيلية السرية التي تُنفَّذ سواء داخل إيران أو تنفذها دول ثالثة جديدة مثل البحرين والإمارات (اللتين طبَّعتا العلاقات مع إسرائيل مؤخرًا). ومن المحتمل أن ينتهج الطرفان التصعيد للرد على الاستفزاز المباشر، والعودة من جديد إلى تخفيف حدة التصعيد بعدها. ومع ذلك، ونظرًا لارتفاع حدة التوترات بين إسرائيل وإيران، لا يمكن استبعاد حدوث تصعيد سريع محتمل للحرب الإقليمية. وبالإضافة إلى ذلك، ستواجه الدول أو الأقطار الصديقة لإسرائيل، مثل كردستان العراق والبحرين والإمارات، زيادة مخاطر شن هجمات إيرانية على أراضيها، وقد تشهد الأنشطة التجارية ذات الصلة بإسرائيل، مثل الشحن، مخاطر تصعيد الهجمات الإيرانية.

هل تتحول التوترات الكامنة إلى حرب علنية؟

يُنوِّه التقرير إلى أن إسرائيل «وجدت نفسها متورطة» في عديد من الحروب، التي اندلعت دون قصد، وجاءت نتيجة للتوترات العميقة الكامنة، فعلى سبيل المثال، اندلعت الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة في العام الماضي بعدما شنَّت الشرطة الإسرائيلية حملة قمع ضد المتظاهرين الفلسطينيين في إحدى مساجد مدينة القدس، كما كانت الشرارة الأولى لحرب إسرائيل مع جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران في عام 2006 بسبب مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين خلال غارة عبر الحدود.

Embed from Getty Images

وكانت الولايات المتحدة وإيران قد أوشكتا، في أواخر عام 2019، على خوض حرب علنية بعد مقتل جندي أمريكي على أيدي عملاء إيران في العراق، مما دفع واشنطن إلى التصعيد السريع ضد طهران، وهو ما أدَّى في نهاية المطاف إلى تنفيذ الولايات المتحدة عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، وانخفضت خطورة اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران بعد إطلاق إيران صواريخ باليستية على قواعد أمريكية في العراق، مما ألحق أضرارًا بالقواعد الأمريكية ولكن دون سقوط ضحايا أمريكيين. وبدورها، رفضت واشنطن الرد على الهجمات الصاروخية الإيرانية ردًّا تقليديًّا.

وفي ختام تقريره، يُشير المركز الأمريكي إلى تعرُّض الإمارات بالفعل لهجوم نفَّذته ميلشيات عراقية تابعة لـ «قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني» في فبراير. وشنَّ المتمردون الحوثيون المدعومون إيرانيًّا في اليمن هجماتٍ صاروخية وهجماتٍ باستخدام طائرات من دون طيار ضد الإمارات، وخلال السنوات الأخيرة، استهدفت عمليات التخريب الإيرانية أيضًا السفن المملوكة لإسرائيل وذات الصلة بها التي تمر عبر المياه القريبة، كما هاجمت طهران سفارات إسرائيلية ودبلوماسيين إسرائيليين، على غرار ما حدث في جورجيا والهند عام 2012.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد