تساعد اتفاقيات التطبيع المعروفة باتفاقيات أبراهام مع دول الخليج إسرائيل على تحسين العلاقات مع «الجيل الأول» من الشركاء العرب، هذا ما يستعرضه تقرير أعدَّه هيرب كينون ونشرته صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية.
يقول مراسل الصحيفة في مطلع تقريره: إن جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي السابق الذي يعمل حاليًا بوصفه مبعوثًا خاصًا للرئيس جو بايدن بشأن المناخ، تمكَّن أخيرًا من المساعدة في التوصُّل إلى اتفاق بشأن الشرق الأوسط وسيشهد توقيعه يوم الاثنين.
اتفاقية ثلاثية
وأوضح الكاتب أن هذا الاتفاق لم يكن اتفاقًا إسرائيليًّا فلسطينيًّا، وهو الاتفاق الذي قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعالون إن كيري كان «مهووسًا ومتحمسًا» بشأن الوساطة فيه. وبدلًا عن ذلك كان التوقيع في دبي على اتفاقية ثلاثية للطاقة والمياه بين إسرائيل، والإمارات، والأردن.
وبموجب هذا الاتفاق ستبني شركة إماراتية مملوكة للحكومة منشأة ضخمة للطاقة الشمسية في جنوب الأردن، والتي ستبيع الطاقة بعد ذلك لإسرائيل. وبدورها ستقوم إسرائيل إما ببناء محطة جديدة لتحلية المياه أو تزويد الأردن، عبر منشآتها الحالية لتحلية المياه، بحوالي 200 مليون متر مكعب من المياه سنويًّا، أي أربعة أضعاف كمية المياه المحلاة التي تبيعها حاليًا إلى المملكة الهاشمية.
ووقف كيري إلى جانب ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، حيث وقَّع الاتفاق وزيرة الطاقة والموارد المائية الإسرائيلية كارين الحرار ووزيرة التغير المناخي الإماراتية مريم المهيري ووزير المياه والري الأردني محمد النجار.
ولفت الكاتب إلى أن المفارقة كانت مذهلة لأن كيري، قال في مؤتمر عُقِد في عام 2016 إن إسرائيل لن تتوصل أبدًا إلى سلام منفصل مع أي دولة عربية من دون التوقيع أولًا على اتفاقية مع الفلسطينيين. ولم يشدَّد كيري على أن هذا لن يحدث فحسب، لكنه كان على يقين كامل من أن ذلك لن يحدث مطلقًا.
وتنقل الصحيفة الإسرائيلية ما قاله كيري في مؤتمر سابان في عام 2016: «لقد سمعت كثيرًا من السياسيين البارزين في إسرائيل يقولون في بعض الأحيان إن العالم العربي بات في وضع مختلف الآن، وعلينا فقط التواصل معهم ويمكننا إنجاز بعض الأمور مع العالم العربي وسوف نتعامل مع الفلسطينيين»، وأكد أن هذا لن يحدث. وتابع بطريقة وصفتها الصحيفة الإسرائيلية بأنها واثقة تمامًا: «لن يكون هناك سلام منفصل ومتقدم مع العالم العربي دون عملية سلام مع الفلسطينيين. ويجب أن يدرك الجميع ذلك. وهذه حقيقة صعبة».
ونوَّه الكاتب إلى أن هذه التعليقات جاءت قبل أقل من شهر من قيام إدارة أوباما، التي خدم فيها كيري وزيرًا للخارجية، في الشهر الأخير من توليها المنصب بتمكين إصدار قرار شديد اللهجة مناهض للاستيطان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقبيل أن يلقي كيري خطابًا وصفه التقرير بأنه غير مترابط، وكان بمثابة لحنه الأخير في وزارة الخارجية حول الشرق الأوسط، ألقى فيه بالمسؤولية عن الجمود الدبلوماسي مع الفلسطينيين على إسرائيل.
ومع ذلك – يستدرك النقرير – كان كيري حاضرًا يوم الاثنين، يقف إلى جانب ولي عهد الإمارات، ويشاهد الثمار تنضج وتحقق في شكل اتفاقية سلام منفصلة، مع أنه كان على يقين من أنها لن تتحقق أبدًا، ولم يفعل شيئًا من أجل تحقيقها.
أهمية الاتفاقية الجديدة بالنسبة لإسرائيل
وأوضح الكاتب أن أهمية ما جرى التوقيع عليه يوم الاثنين تتخطى توفير الطاقة المتجددة لإسرائيل والمياه المحلاة للأردن، ذلك أن هذه الاتفاقية تنقل الفوائد التي ستُجنى من اتفاقيات التطبيع لدول أخرى في المنطقة، وليس فقط للدول العربية التي توصلت معها إسرائيل إلى اتفاق، وهي: الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان.
وكما كتب غيث العمري وسيمون هندرسون في مقال لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن هذه الصفقة «توضح طرقًا إضافية للبناء على اتفاقيات أبراهام». وينقل الكاتب الإسرائيلي ما كتبه الباحثان: «حتى الآن، تركَّز معظم النشاط الدبلوماسي المحيط بالاتفاقيات على إضافة دول جديدة أو تعميق العلاقات الثنائية بين إسرائيل وشركائها الجدد. ويجب أن تستمر هذه الجهود، لكن اتفاقية الطاقة الشمسية/المياه تُظهِر كيف يمكن للاتفاقيات أن تعمِّق في الوقت نفسه علاقات إسرائيل مع الجيل الأول من صانعي السلام العرب».
ويرى الكاتب أن تعميق علاقات إسرائيل مع «الجيل الأول من صانعي السلام العرب»، أي الأردن ومصر، يُعد أمرًا بالغ الأهمية، بالنظر إلى أن علاقات إسرائيل مع هاتين الدولتين وُضِعَت في إطار ما يعرف بالسلام البارد، خاصة مع الأردن، مؤخرًا. ويمكن أن تؤدي هذه الصفقة إلى تحسُّن العلاقات مع الأردن تحسنًا كبيرًا، والتي حاولت حكومة بينيت أن تضعها على أسس أكثر قوة مما كان عليه الحال في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وقام رئيس الوزراء نفتالي بينيت بذلك مباشرةً بعد توليه منصبه من خلال السفر سرًّا إلى عمان لمقابلة الملك عبد الله الثاني، وإعلان أن إسرائيل ستزيد كمية المياه المحلاة التي تُباع إلى المملكة الهاشمية. كذلك ستأخذ هذه الصفقة العلاقة بين البلدين إلى ما هو أبعد من المجال الأمني، بحسب التقرير، والتي تكاد تكون مقتصرة عليه حتى الآن، باستثناء بيع إسرائيل للغاز الطبيعي إلى الأردن، لتمتد إلى المجال المدني.
لكن – وبحسب ما يستدرك الكاتب – لم يكن الجميع يهلِّلون لتلك الاتفاقية. ويعكس ذلك مقالة نشرها موقع «ميدل إيست مونيتور» المعادي لإسرائيل، والذي يتخذ من المملكة المتحدة مقرًا له، والتي نقلت عن الكاتب والباحث الفلسطيني صالح النعامي قوله: إن الصفقة «تثبت أن النظام الأردني يخدم المصالح الإسرائيلية على نحو متزايد».
وقال النعامي: إن الخطة ستفيد «المستوطنات» وتسمح لإسرائيل بإلقاء نفاياتها الصناعية في الأردن. وأضاف أن «الأردن لديه صحراء في الجنوب، وستُستخدَم هذه الصحراء في بناء محطة ضخمة للطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء لتصديرها إلى المستوطنات الإسرائيلية في النقب والضفة الغربية»، موضحًا أن جزءًا من البنية التحتية الصناعية الإسرائيلية، التي لها انبعاثات ملوثة تضر بالمناطق المكتظة بالسكان في إسرائيل، سوف تُنقل إلى الصحراء الأردنية تحت زَعْم توظيف عمال أردنيين.
تغيير المنطقة
وأضاف الكاتب أنه على الرغم من هذه المشاعر المعادية، التي سيتردد صداها بالتأكيد في الأردن لدى أولئك الذين يعارضون بشدة أي تعاون مع إسرائيل، فإن هذه الصفقة يمكن أن تكون مثالًا يُحتذى به لمزيد من التعاون مع الأردن، وكذلك مع مصر، وتدل على الكيفية التي تعمل بها اتفاقيات التطبيع على تغيير المنطقة.
وأشار الكاتب إلى زيارة وزير الدفاع بيني جانتس إلى المغرب في زيارة تستغرق يومين، وهي أول زيارة لوزير دفاع إسرائيلي إلى إحدى الدول التي بدأت إسرائيل التعاون معها نتيجة لاتفاقيات التطبيع. وأصدرت وزارة الدفاع الإسرائيلية بيانًا قالت فيه إن جانتس ونظيره المغربي عبد اللطيف لوديي وقَّعا مذكرة تفاهم دفاعية غير مسبوقة.
ودعا الكاتب للتأمل قليلًا في هذا الحدث؛ فقد ذهب وزير الدفاع الإسرائيلي إلى دولة عربية رفضت لسنوات الاعتراف بأي علاقات مع إسرائيل، ووقعت مذكرة دفاع «تضفي الطابع الرسمي على العلاقات الدفاعية» بين البلدين «وتضع أساسًا يدعم أي تعاون مستقبلي». وجاء في البيان أن هذه المذكرة ستمكِّن المؤسسات الدفاعية في البلدين من التمتع «بتعاون متزايد في مجالات الاستخبارات والتعاون الصناعي والعسكري والتدريب».
وقبل ثلاث سنوات كان مثل هذا التطور يبدو وكأنه حلم بعيد المنال، بحسب الكاتب. ونشرت الصحافة المغربية هذا الأسبوع أخبارًا عن كيفية تمكين الاتفاقية من تصنيع طائرات مسيَّرة في المغرب مزوَّدة بتكنولوجيا إسرائيلية، وكيف اشترى البلد، الواقع في شمال أفريقيا، الأسبوع الماضي، نظام «سكاي لوك» الإسرائيلي، وهو نظام مضاد للطائرات المسيَّرة يكشف طائرات العدو المسيَّرة ويدمرها.
ووفقًا لصحيفة «ذا نورث أفريكان بوست»: «تمنح المعدات والتكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية للمغرب ميزة إستراتيجية وتفوقًا في المنطقة، مما يجعل الجنرالات في الجزائر، الحكام الفعليين، متوترين للغاية».
وبالفعل، اشتاطَت الجزائر، جارة المغرب وعدوه اللدود، غضبًا من التقارب المغربي الإسرائيلي وحقيقة أن الولايات المتحدة اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء الغربية نتيجةً لانضمام الرباط إلى اتفاقيات أبراهام. ولطالما دعمت الجزائر جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية ضد المغرب.
وأشار الكاتب إلى أنه بعد وقت قصير من زيارة وزير الخارجية يائير لبيد إلى المغرب في أغسطس (آب)، قطعت الجزائر العلاقات مع المغرب، مُستخدمةً تصريحات لابيد في الرباط التي أعرب فيها الأخير عن مخاوفه بشأن دور الجزائر في المنطقة وعلاقتها بإيران باعتبارها واحدة من عديد من الذرائع لهذه الخطوة.
وبحسب ما يضيف الكاتب، إذا كانت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي أغضبت الجزائر إلى هذا الحد، فكيف يكون غضبها الآن بعد أن استُضيف وزير دفاع الدولة اليهودية في الرباط في زيارة رسمية وتحدث عن التعاون الأمني وصفقات الأسلحة. ويختم الكاتب تقريره بالإشارة إلى أن أحد ردود الفعل الجزائرية على التقارب الإسرائيلي المغربي تمثل في توثيق العلاقات مع إيران، وهي صداقة لن تؤدِ إلا إلى دفع المغرب وإسرائيل إلى المزيد من توثيق العلاقات بين بعضهما بعضًا، وهو دليل إضافي على الكيفية التي نجحت بها اتفاقيات أبراهام في إعادة ترتيب المنطقة بالكامل.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».