يثير الغلاف الدعائي المؤثر والمزج بين العبرية والإنجليزية والعربية ضجة على الإنترنت، فيما يتزايد تعزيز الروابط الثقافية بين إسرائيل والإمارات.
كتب ريحان الدين، صحافي مقيم في بريطانيا ينشر موضوعات في صُحف «الجارديان» و«سبيكتاتور» و«نيوستيسمان»، تقريرًا نشره موقع «ميدل إيست آي» البريطاني الإخباري حول التطبيع الثقافي الإماراتي الإسرائيلي بعد توقيع معاهدة التطبيع بين البلدين مؤخرًا. وبالرغم من أن هذه التحركات، التي تبدو إلى حد كبير سريعة الوتيرة، تحظى بدعم في الدوائر الاسرائيلية العليا، إلا أنها تُستَقبل في العالم العربي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بنوع من الاستهجان والاستنكار والرفض.
وفي مستهل مقاله ذكر الكاتب أنه بعد أقل من شهرين من إعلان إسرائيل والإمارات العربية المتحدة تطبيع العلاقات الدبلوماسية، سارعت العلامات التجارية والشخصيات من كِلا البلدين إلى الاستفادة من الفرص المتاحة والتعاون معًا.
وبدأ الأمر بعلامة تجارية للملابس الداخلية، والتي أصبحت أول علامة تجارية إسرائيلية تنظم جلسة تصوير في الدولة الخليجية. وبعد ذلك، ذهب المؤثر الفلسطيني الإسرائيلي نصير ياسين وهو مدوِّن فيديوهات ينشرها على صفحته «ناس ديلي» على «فيسبوك»، في جولة تطبيع في الإمارات وعزز صلاته بالمنظمات التي تُموِّلها الدولة الإماراتية. ثم أصبح لاعب كرة قدم إسرائيلي أول من يُوقِّع لمنتخب عربي، بعد موافقته على الانضمام إلى فريق النصر في دبي. والآن دخل قطار المكاسب السهلة والسريعة الخاص بالتطبيع إلى صناعة الموسيقى، وأثبت أنه مثير للجدل.
فرقة أوركسترا إسرائيلية تغني أغنية إماراتية شهيرة
أشار الكاتب إلى أنه في 15 سبتمبر (أيلول)، وهو اليوم الذي وقَّعت فيه إسرائيل والإمارات اتفاق التطبيع رسميًّا في واشنطن، أصدرت فرقة النور الأوركسترالية الإسرائيلية نسخة جديدة من أغنية إماراتية احتفالًا بهذه المناسبة.
ولم تكن الأغنية التي غنَّتها الأوركسترا الإسرائيلية أغنية عادية، بل إنها أغنية «أحبك» الشهيرة، للمغني الإماراتي وعازف البيانو حسين الجسمي. وتصف فرقة النور نفسها بأنها أوركسترا لموسيقى الشرق الأوسط الكلاسيكية، وهي مكونة من موسيقيين يهود وفلسطينيين إسرائيليين، مع مغنين منفردين يغنون باللغتين العبرية والعربية. وكرَّست الجماعة مشروعها الأخير «تكريمًا لاتفاقية السلام الباعثة للأمل» بين تل أبيب وأبوظبي.
رسالة ريفلين
يبدأ الفيديو الموسيقي برسالة من الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين. يقول ريفلين: «إن توقيع معاهدة السلام.. اليوم والمعاهدة المرتقبة مع البحرين يشكلان بوابة لعهد جديد للشرق الأوسط بأسره. إنه عهد للسلام.. السلام بين الدول والسلام بين الشعوب».
وتابع قائلًا: «إن شاء الله، سنرى المزيد من هذه الإنجازات قريبًا، وسنعيش في سلام في جميع أنحاء المنطقة، مع جميع جيراننا». وأنهى ريفلين مقدمته بالتحية العربية «السلام عليكم».
وبعد المقدمة تشرع الفرقة ذات الملابس الأنيقة في السير في شوارع تل أبيب بأدواتهم الموسيقية، ويصعدون إلى حافلة صغيرة، ثم يرتقون سطح مبنى شاهق، حيث يغنون نسختهم من أغنية الجسمي.
وفي منتصف الأغنية يُطلق كل عضو في الأوركسترا حمامة بيضاء في الهواء، للدلالة على السلام. ولاحظ عديد من المراقبين في الأسابيع الأخيرة أن ما يسمى باتفاق «السلام» بين إسرائيل والإمارات أُبِرم بين دولتين لم تكونا في الواقع أبدًا في حالة حرب.
وأخيرًا يلوح الموسيقيون بالأعلام الإماراتية والإسرائيلية من على سطح المبنى، قبل الخروج الدرامي بالحركة البطيئة.
وقد أثار التعاون رد فعل عنيف على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعرض تعاون الجسمي ومقدمة ريفلين وموقع التصوير في تل أبيب لانتقادات شديدة.
وقالت الشاعرة الفلسطينية رنا طبيلة في تغريدة لها على «تويتر»:
مزيداً من الأنحدار نحو مستنقع التطبيع القذر..حسين الجسمي يشارك في تلحين اغنية إسرائيلية تبدأ برساله شكر للأمارات من الرئيس الأسرائيلي في تل ابيب على أنقاض قرانا الفلسطينية التي مسحت عن وجه الارض…خسئتم انتم عار علينا.. والعروبة والدين بريئةٌ من امثالكم #التطبيع_خيانة_عظمى pic.twitter.com/1pdoGqkZSH
— #شاعرة_فلسطينية#رناطبيلة🖋 (@Ret9Retag) September 29, 2020
وكتبتْ مغردة أخرى تسمي نفسها Alyateema
أغنية للنابح المشؤوم الصهيوني حسين الجسمي @7sainaljassmi وتوزيع أربيل كوهين .. تم تصويرها على أراضي قرى الفلسطينيين المهجرة في #يافا المحتلة التي ابتلعتها المدينة الاسرائيلية الحديثة "تل أبيب"
ليس للخيانة قاع !#فلسطين #الإمارات pic.twitter.com/FY6rRuJKGv— Alyateema (@AlaqsaLion) September 30, 2020
الإمارات متحمسة والجسمي صامت
ولفت الكاتب إلى أنه في الأسبوع الماضي، نشرت وزيرة الثقافة الإماراتية نورا الكعبي مقطع الفيديو في حسابها على «تويتر» وأشادت «بمقطوعة الجسمي الموسيقية الجميلة… بمناسبة معاهدة السلام».
لقد ثبت أن مدى مشاركة الجسمي في هذا العمل يمثل موضوعًا يحتدم النقاش حوله. ولم يُعلِّق المطرب علنا على التطبيع، ولم يشارك فرقة النور في إعداد أغنيته. وقد يؤدي القيام بأي من هذين العملين إلى إثارة نفور قاعدة معجبيه الواسعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وخلُص البعض إلى أن ظهور اسمه في نهاية الفيديو يدل على تعاون ضمني. ومع ذلك، برز آخرون للدفاع عن الجسمي.
وكتب أحد مستخدمي «تويتر»: «فرقة إسرائيلية غنت أغنية قديمة للجسمي ونشرها المتحدث باسم وزارة الخارجية الإماراتية على مواقع التواصل الاجتماعي. الجسمي لم يشارك ولم يصدر موقفًا من التطبيع».
وقالوا: «في بلد مثل الإمارات، لا يُقبَل أقل من الامتثال الكامل، ويمكن أن يكون الصمت عملًا ثوريًّا».
«أهلا بك»
وألمح الكاتب إلى ظهور تعاون موسيقي آخر بين الإمارات وإسرائيل الأسبوع الجاري، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يكون هناك شك حول الأطراف المشاركة. إذ أطلقت المطربة الإسرائيلية إلكانا مارتسيانو والمطرب الإماراتي وليد الجاسم، يوم الأربعاء، أغنية «أهلًا بك»، وهي عبارة عن مزيج من العبرية والعربية والإنجليزية جرى تصويرها في تل أبيب ودبي.
وعلى عكس التعاون الأوركسترالي، قدَّم هذا الثنائي عرضًا غنائيًّا راقصًا حتى أن ثعبانًا وجَمَلًا ظهرا في الفيديو.
ويتمنى كلا المطربين، بمرح وعلى نحو متكرر، السلام لبعضهما البعض باللغات الثلاث، قبل أن يسألا بصبر نافذ: «متى تأتي (لزيارتنا)»؟
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أوفير جندلمان لوسائل الإعلام العربية: إن الثنائي «يعكس روح السلام بين البلدين والصداقة بين الشعبين»، قبل أن يقول: «الأغنية مثيرة».
كما شارك المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال أدرعي:
فيديو كليب جديد صوّرها المطرب الإسرائيلي إلكانا مارتسيانو والمطرب الإماراتي وليد الجاسم لأغنية مشتركة لهما تسمى "أهلا بك" 🇮🇱🇦🇪🎶 pic.twitter.com/LvFRZxtTpO
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) October 1, 2020
على الرغم من الثناء على هذه التحركات في الدوائر العليا في إسرائيل، إلا أن هذا التعاون استُقبِل بردود أفعال متباينة على وسائل التواصل الاجتماعي العربية.
التطبيع الموسيقي ..الرفض والاستنكار
وقلل أحد مستخدمي «تويتر» من أهمية هذا الثنائي قائلًا: «أنا من الإمارات. لم أرَ أو أسمع في حياتي عن مطرب إماراتي اسمه وليد الجاسم».
في الوقت نفسه، دفعت الأغنية مستخدمًا آخر إلى تحليل الاختلاف بين اتفاقيتي التطبيع بين مصر والأردن مع إسرائيل، الموقعتين في 1979 و1994 على الترتيب، عن تلك الخاصة بالإمارات.
وتساءل مغرد على «تويتر»: «مصر والأردن أبرمتا اتفاقيات دبلوماسية مع المحتل منذ مليون سنة، لكن من منا رأى مطربًا أردنيًّا أو مصريًّا يفعل ذلك، أو مؤسسات ثقافية ورياضية أردنية أو مصرية توقع اتفاقيات بالمثل؟ هنا في الإمارات الوضع مختلف».
واختتم الكاتب مقاله موضحًا أنه مع وجود شراكات تتشكل بالفعل عبر عالم الأزياء والسياحة والرياضة والموسيقى في غضون أسابيع فقط، من المؤكد أن التطبيع الثقافي الإسرائيلي الإماراتي سوف يستمر.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».