تراقب إسرائيل قطاع غزة من خلال عددٍ غير محدود من الكاميرات المزروعة على الجدار الذي شيَّدته لإبعاد الفلسطينيين، حسب ما جاء في مقال للكاتب يوسف الجمل، والذي نشره موقع «بوليتيكس توداي» الأمريكي.
يستهل الباحث في دراسات الشرق الأوسط مقاله بالإشارة إلى أن وقائع تجسس الحركة الصهيونية على الفلسطينيين وقادتهم وُثِّقت في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، والتي نفَّذتها وحدة تدعى البلماح، وهي قوة سرية ضمت الفصيلة العربية، وقد جنَّدت الفصيلة العربية أشخاصًا قد يتظاهرون بأنهم عرب، مثل إسحاق شوشان، وهو ناشط إسرائيلي سوري المولد، توفي في عام 2020.
وغرَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، عن وفاته، مشيرًا إلى أنه كان أحد الأشخاص العديدين الذين تعلموا على يد شوشان، مضيفًا أن «أجيالًا من المحاربين جلسوا إليه طلبًا للتعلم»، وكذلك جمعت منظمة الهاجاناه الصهيونية معلومات عن سكان القرى والبلدات الفلسطينية، الأمر الذي مهَّد الطريق لاحتلال هذه القرى وطرد سكانها طوال عامي 1947-1948.
وأشار الكاتب إلى أن أحمد الحاج، فلسطيني ناجٍ من النكبة ومقيم في غزة حاليًا، أخبره خلال محادثاته أن الحركة الصهيونية جنَّدت يهوديًّا يمنيًّا يُدعى علي للعمل جاسوسًا، وأنه انتحل شخصية إمام فلسطيني يؤم مسلمي بلدة المجدل (أشكول اليوم) في صلاتهم، وعلم الفلسطينيون أصله وأنه كان جاسوسًا عندما دخلت المليشيات الصهيونية الغازية البلدة عام 1948 وطردت سكانها تحت تهديد السلاح، ويومها عانق ضابط إسرائيلي الإمام المفترض أمام الناس الذين تملكتهم حالة من الصدمة، وشكره على خدماته.
مراقبة شاملة
وأضاف الكاتب أن تجسس إسرائيل ومراقبتها للفلسطينيين ازداد على مر السنين، وقد أسهمت التكنولوجيا في جعل عملية التجسس والمراقبة أكثر تعقيدًا، وفي الماضي، كان الأشخاص على الأرض هم الذين يتولُّون هذه المهمة، لكن إسرائيل اليوم لا تتوقف عن التباهي بتقنياتها؛ فمن وسائل الإعلام الاجتماعية ومرورًا بالطائرات المسيَّرة والأقمار الصناعية ووصولًا إلى مراقبة المكالمات الهاتفية والإنترنت، طوَّقت إسرائيل الفلسطينيين من البر والبحر والجو، وتعلم كل خطوة يخطونها.
وقد استخدم الأمن الإسرائيلي تقنية الذكاء الاصطناعي استخدامًا متزايدًا، وأصبحت مراقبة إسرائيل للفلسطينيين أكثر اعتمادًا على التقنية الآلية من أي وقت مضى، ولم تُشكِّل هذه المراقبة الإسرائيلية مفاجأة، ذلك أن إسرائيل تعلم بولادة كل فلسطيني وتحتفظ بأرشيف للسجلات المدنية الفلسطينية، ولا تُمنح بطاقة هوية لأي فلسطيني تَعدُّه إسرائيل غير مستحق بناءً على اتفاقيات أوسلو لعام 1993، والتي تمنح إسرائيل الكلمة الأخيرة في إصدار بطاقات الهوية للفلسطينيين، مثل الفلسطينيين الذين جاءوا بتصاريح زيارة عائلية وظلُّوا في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إن القضية القانونية الأخيرة التي رفعتها شركة «أبل» ضد مجموعة «إن إس أو» الإسرائيلية لاختراقها أجهزة مستخدمي هواتف أبل لا تشكل مفاجأة للفلسطينيين، ويمزح بعض الفلسطينيين قائلين إن الطائرات الإسرائيلية المسيَّرة، التي تحلق فوق قطاع غزة على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، يمكن أن تعرف هل هناك أسرة فلسطينية ستطبخ لحمًا طازجًا أو مجمدًا وفي أي يوم، وليس هذا فحسب، ولكن يُعتقد على نطاق واسع أيضًا أن إسرائيل تزرع شرائح التجسس في كل جهاز هاتف يدخل غزة عن طريق إسرائيل، وهذه هي الطريقة الرئيسة التي يمكن بها للفلسطينيين الوصول إلى الهواتف وغيرها من التقنيات الأخرى.
ويعرف الفلسطينيون جيدًا أن السلطات الإسرائيلية يمكنها الاستماع إلى كل مكالمة هاتفية تُجرى في قطاع غزة، سواء كانت عبر خطوط أرضية أو هواتف محمولة، وتخضع شركة الاتصالات الفلسطينية «بالتل» لرقابة كاملة من إسرائيل، وإلا فلن يُسمح لها بالعمل، وفي عام 2005، ألزمت شركة جوال، شركة الاتصالات الخلوية الفلسطينية، كل مالك لبطاقة sim (وحدة تعريف المشترك) بتسجيلها رسميًّا فيما يُعتقد أنه طلب إسرائيلي لمعرفة المالكين الحقيقيين لهذه البطاقات ومَنْ يستخدمها.
وهُدِّد مَنْ رفض تسجيل بطاقاته بقطع الخطوط، وقد سُمِح لخدمات الاتصالات والإنترنت بالعمل خلال الهجمات الإسرائيلية المتكررة ضد الفلسطينيين، وذلك بهدف تسهيل المهمة على السلطات الإسرائيلية لمراقبة الفلسطينيين على نحو أكثر فاعلية.
وشدَّد الكاتب على أن إسرائيل تراقب قطاع غزة من خلال عدد غير محدود من الكاميرات المثبتة على الجدار الذي شيَّدته لإبعاد الفلسطينيين، وينطبق الأمر نفسه على الفلسطينيين في قطاع غزة الذين يستخدمون شركات الاتصالات نفسها التي تراقبها إسرائيل، وفي الضفة الغربية، تُزرع كاميرات إسرائيلية في الدوارات ونقاط التفتيش والشوارع والتقاطعات المؤدية إلى البلدات الفلسطينية للتأكد من أن الفلسطينيين مراقبون جيدًا وأنه يمكن الرجوع إلى تسجيلات هذه الكاميرات بسهولة، إذا لزم الأمر.
برمجيات التجسس
ولفت الكاتب إلى أن الكشف الأخير عن استخدام السلطات الإسرائيلية لبرنامج تجسس طوَّرته مجموعة «إن إس أو» لرصد هواتف ستة من العاملين الفلسطينيين في مجال حقوق الإنسان لم يكن مفاجئًا أيضًا، وفي ضوء أن مجموعة «إن إس أو» هي شركة إسرائيلية، تعمل تحت عين الحكومة الإسرائيلية وقد استخدمت لتحقيق أهداف الحكومة الإسرائيلية وأجندتها في المنطقة، فإنه من شبه المؤكد أن الحكومة الإسرائيلية نفسها قد استخدمت أيضًا برنامج بيجاسوس الذي أنتجته المجموعة، وأن الفلسطينيين كانوا على الأرجح الهدف في هذه الحالة كذلك.
وكشفت مقالة حديثة نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» عن أن السلطات الأمنية الإسرائيلية تطور برنامجًا يعرف باسم «الذئب الأزرق»، والذي يهدف إلى استخدام تقنية التعرف إلى الوجه لفرض مزيدٍ من المراقبة على الفلسطينيين، وإنشاء قاعدة بياناتٍ لهم، وفقًا لشهادات جنود إسرائيليين سابقين، وأضاف الجنود السابقون أنهم حصلوا على مكافآت مقابل التقاط صورٍ لفلسطينيين يعبرون الحواجز باستخدام الكاميرات والهواتف الذكية.
وأوضح الكاتب أن البرنامج، الذي أُطلق قبل عامين، كان بمثابة «فيسبوك» إسرائيلي سري للفلسطينيين، ويكمل هذا البرنامج الإسرائيلي مراقبة الفلسطينيين في البلدة القديمة بالخليل؛ حيث يسمح نظام التحديد العِرقي للجنود الإسرائيليين بالتعرف إلى الفلسطينيين عند نقاط التفتيش في البلدة القديمة قبل أن يسلموا حتى هويتهم الشخصية لإجراء عمليات تفتيش منتظمة.
خطوات مُلِحَّة
ويرى الكاتب أن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي والأتمتة بوصفها جزءًا من المراقبة الإسرائيلية الشاملة للفلسطينيين، وتصدير هذه التقنيات، والبرامج إلى دولٍ أخرى بعد اختبارها على الفلسطينيين، وإثبات فعاليتها أمر يجب على المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم التصدي له، ذلك أن آخر ما يحتاجه العالم هو استيراد برامج إسرائيلية يجري اختبارها على فلسطينيين محاصرين انتُهِكت خصوصيتهم بالكامل.
وينبغي للمجتمع المدني في جميع أنحاء العالم أن يرفع صوته ضد تقنيات المراقبة الإسرائيلية التي لن تؤدي إلا إلى انتهاك خصوصية الشعوب بالطريقة نفسها التي تُنتهك بها خصوصية الفلسطينيين.
ويُعد إدراج حكومة الولايات المتحدة لمجموعة «إن إس أو» في القائمة السوداء لاستخدام برنامجها بيجاسوس للتجسس على مختلف ناشطي حقوق الإنسان والصحافيين مؤشرًا على مدى خطورة هذه البرمجيات الإسرائيلية وضرورة حماية المواطنين الآخرين من انتهاك خصوصيتهم وإخضاعِهم للمراقبة الشاملة.
ويختم الكاتب مقاله قائلًا: لا بُدَّ وأن يكون الأمر ساديًّا للغاية فيما يخص الضباط الإسرائيليين الذين يراقبون الفلسطينيين على مدار الساعة، وهم يستمعون إلى قصص عن التأثير المدمر للاحتلال العسكري والحصار الإسرائيلي على حياة مَنْ يتجسسون عليهم، ويجب على المجتمع المدني الدولي أن يضع حدًّا لانتهاكات خصوصية الفلسطينيين وأتمتة المراقبة؛ لأنه لا أحد يعرف مَنْ سيكون عليه الدور القادم.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».