يطالب منتقدو الحكومة اللبنانية بإصلاح النظام القائم على المحسوبية، ويقول كثيرون إنه السبب في ترسيخ الفساد واسع الانتشار.
تتناول صحيفة «الجارديان» البريطانية في هذا التقرير الأوضاع المتردية في لبنان بسبب الانهيار الاقتصادي، الذي تتسارع وتيرته على نحو كارثي؛ إذ تتهاوى قيمة العملة المحلية (الليرة اللبنانيّة) يوميًا، فيما ارتفعت أسعار الأغذية الأساسية حتى أصبحت بعيدة عن متناول الكثيرين، وأُعيقت المحادثات التي كان بمقدورها إطلاق خطة الإنقاذ اللازمة بسبب ما وصفه النقاد بأنه إصرار من الطبقة الحاكمة على حماية النظام المتصدع.
يقول كاتب التقرير، مارتن شولوف، مراسل صحيفة «الجارديان» البريطانيّة في الشرق الأوسط منذ 2005: «إن الانهيار الذي تشهده البلاد أدى إلى ارتفاع أسعار اللحوم والدجاج ثلاثة أضعاف خلال الأسبوعين الماضيين، بالإضافة إلى ندرة الوقود والدقيق. وتتفاقم الأزمة من جراء بيع الإمدادات المدعومة حكوميًا إلى سوريا المجاورة بأسعار أعلى، مما سبب زيادة حادة في معدلات الجوع.
اللبنانيون يبيعون أثاثهم ليأكلوا
وعددت الصحيفة البريطانية مظاهر الانهيار الاقتصادي، ومنها إلغاء البروتين من قائمة الأغذية في ثكنات الجيش اللبناني، ولجوء المواطنين العاديين إلى بيع أثاثهم من أجل جمع ما يكفي من المال لشراء الطعام، فيما أغلقت سلسلة واسعة من متاجر البيع بالتجزئة أبوابها جماعيًا هذا الأسبوع، في الوقت التي ظلت فيه جميع فنادق البلاد تقريبًا مغلقة.
وأضاف التقرير: «أما آمال انتعاش السياحة الصيفية فتلاشت من جراء جائحة كوفيد 19، وتزايد المخاوف الأمنية في سائر أنحاء البلاد.. ويبدو أن اليأس المسيطر على البلاد بسبب الأزمة هو ما دفع شخصين لبنانيين لإزهاق روحيهما بأيديهما».
ويقول قادة المجتمع المدني، واثنان من أعضاء الفريق الذي قاد محادثات مع صندوق النقد الدولي في محاولة للحصول على مليارات الدولارات من المساعدات العالمية: «إن شبكات المحسوبية التي تدير الحكومة وتُثري قادتها يُنظر إليها على أنها أكبر قيمة من حماية الدولة نفسها».
حروب 1982 الأهلية.. «بروفة» للصراع القادم
ونقل تقرير صحيفة «الجارديان» عن أحد السياسيين البارزين قوله «عندما تصل الأمور إلى ذروتها، فسيأتي وقت التسوية ودفع فاتورة الحساب… وإذا ما تحطم ما بُني منذ سنوات الحرب، سندخل في صراع آخر يمكن أن تكون حرب عام 1982 بالنسبة له بروفة».
خلال الأسبوعين الماضيين، المأزق الذي تعيشه البلاد والمثير لليأس محل تركيز شديد حول العالم، إذ دق صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر بشأن المحادثات المتوقفة، والتي يمكن أن توفر ما يصل إلى 5 مليارات دولار من المساعدات، وتكون سببًا في تمهيد الطريق لتلقي التبرعات من فرنسا، والاتحاد الأوروبي، ودول الخليج وجميعهم كانوا من المانحين للبنان، لكنهم أصبحوا يخشون ضخ المزيد من الأموال في شرايين البلد.
ويلفت التقرير إلى أن الإصلاح الشامل لأنظمة المحسوبية، التي رسخت أقدام جنرالات الحرب في نهاية النزاع الذي استمر قرابة 15 عامًا، وحولت جميع مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات، أصبح المطلب الرئيس لصندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي.
لا يديرون دولة.. بل يبيعون سجادًا
وفي هذا الصدد يقول دبلوماسي أوروبي بارز: «لن تتصور كيف كان الأمر صعبًا، لقد توسلنا إليهم ليتصرفوا كدولة طبيعية، لكنهم تصرفوا وكأنهم يبيعون لنا سجادًا». بينما أشار دبلوماسي كبير آخر، رفض الكشف عن اسمه، إلى «أن لبنان لم يعد يمتلك شيئًا جذابًا ذا قيمة، بل يبدو وكأنه دولة فاشلة».
يتابع كاتب التقرير، الحاصل على جائزة أورويل للصحافة في عام 2015، أن الطريق إلى التعافي تبدو واضحة أمام هؤلاء الذين خرجوا إلى الشوارع منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ طالبوا بإصلاح شامل لنظام متصلب، يراه كثيرون سببًا في إضعاف البلاد من خلال ترسيخ الفساد واسع الانتشار، وحرمانهم من فرص العمل – على أساس الجدارة – وتحويل المواطنين إلى رعايا خاضعين.
يقول محمود سليمان، وهو يعمل نجارًا من مدينة شكا في شمال لبنان، «لم أتمكن من الحصول على فرصة عمل – على أساس الجدارة – في سبتمبر (أيلول) الماضي، ولن أتمكن من هذا الآن بالتأكيد حتى لو ذهبت إلى القائد السني هنا، فلا يُمكنهم تقديم العون لأنه لا يوجد فرص عمل متوفرة، كما أنهم لن يقدموا المساعدة حتى لو تمكنوا من ذلك؛ لأن اهتمامهم الأول هو مصالحهم الخاصة، هذا هو الحال دومًا».
انهيار مدوٍّ للعملة
استمر الانهيار المدوي لليرة اللبنانية (العملة المحلية) يوم الجمعة، حتى أصبح كل 10 آلاف ليرة تقريبًا تساوي دولارًا أمريكيًا واحدًا، مقارنة بسعر الصرف الثابت 1500 ليرة للدولار الواحد، الذي يستقر على هذا الوضع منذ عام 1991.
تقول شانتيل أبوزيد، صاحبة متجر في ضاحية سن الفيل ببيروت: «غيرت باركود (الرمز المعرف) للأسعار ثلاث مرات هذا الأسبوع فقط، وهذا كل ما أفعله لأنه لا يوجد من يشتري».
يكمن القلق المتنامي بشأن العملة في انهيارها المتواصل بلا توقف، لأنه لا يوجد ما يمكنه تجديد الثقة في الاقتصاد المتداعي. وحول ذلك يقول ألبرت ليتيف، وهو شريك في شركة «ليفانتين» للاستشارات: «طالما أن الدولة لا تؤدي واجبها، سيُبتلَع كل دولار يُوضع في النظام».
وتستشهد «الجارديان» البريطانية في نهاية تقريرها بما قاله شربل ميلاد، من منطقة جونيه في شمال بيروت: «إن الحديث عن أحزاب معينة هنا خطأ؛ لأنه قد يورطك في مشاكل. لكنه حقًا وقت الحساب واسترداد الحقوق؛ إذ كيف نسمح لهؤلاء الذين يحتجزون البلاد رهينة أن يفروا بثرواتها، بل ينبغي لنا أن نضع حدًا لنظام المحسوبية، وكذلك الأحزاب التي تضع (مصلحتها) فوق رفاهية الدولة».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».