نقلت صحيفة «واشنطن بوست» في مقال الكاتب الصحافي الأمريكي المخضرم ديفيد إغناتيوس، الجمعة، كواليس ما حدث مؤخرًا في الأردن، وملف «الفتنة» والعلاقة مع «صفقة القرن» الفاشلة.
ووصف الكاتب في مقاله الذي ترجمته «عربي21»، وينقله لكم «ساسة بوست» ما حصل من «فتنة»، بأنها واحدة من أكثر المؤامرات خطورة واستهدافًا لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة. وأشار إغناتيوس إلى أن سرده لأحداث القضية المعروفة بقضية الفتنة، مبني على «نقاشات مع 10 مسؤولين حاليين وسابقين ذوي معرفة مفصلة بالأحداث هناك».
وقال إنه تحفظ على ذكر أسمائهم بناء على طلبهم؛ «نظرًا لحساسية المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بواحدة من أكثر الخطط خفاء، لكنها الأكثر قدرة على زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية».
وأقر إغناتيوس بأن التقارير الأولية عن القضية فاجأت المراقبين، «الذين اعتقد بعضهم أن الملك عبد الله بالغ في ردة فعله تجاه الخلافات العائلية المرتبطة بالسياسة. لكن إعادة تجميع أطراف القصة بشكل دقيق من عدة مصادر أمريكية وبريطانية وسعودية وإسرائيلية وأردنية، يظهر أن الضغط الذي وقع على الملك كان حقيقيًا ومتزايدًا منذ بدء إعداد (دونالد) ترامب لخطته للسلام».
صفقة القرن
وقال إنه كان لدى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حلم مذهل بـ«صفقة القرن» الدبلوماسية للسلام العربي- الإسرائيلي، التي من شأنها أن توحد حليفيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلا أن تلك الصفقة لم تتم.
وأورد أن جزءًا كبيرًا من ذلك يعود إلى أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لم يخضع للضغط، ولم يقدم تنازلات بشأن وضع القدس والقضايا الأخرى التي تمس الفلسطينيين. وجاءت مقاومته بثمن، إذ «اهتزت مملكة عبد الله على مدى السنوات العديدة الماضية، بتشجيع من كبار القادة السياسيين في الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية«».
وقال: إن مشاكل العاهل الأردني ظهرت على الملأ في أوائل أبريل (نيسان)، عندما اعتقلت قوات الأمن التابعة للملك ثلاثة أردنيين بارزين اشتبه في تآمرهم لزعزعة استقرار نظامه: الأمير حمزة، ولي العهد السابق الذي رعته والدته المولودة في أمريكا لتولي العرش، والشريف حسن بن زيد، أحد أقارب الملك وزعيم قبلي قوي، وباسم عوض الله، الوزير الأردني السابق الذي أصبح من المقربين من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وكان المدعي العام الأردني قد أحال التهم الموجهة ضد ابن زيد وعوض الله إلى محكمة أمن الدولة في 2 يونيو (حزيران)، لكن لم يتم الكشف عن التفاصيل علنًا.
وقال إغناتيوس: إن تقريرًا استقصائيًا أردنيًا حول القضية، أطلعنا عليه مسؤول استخبارات غربي سابق مطلع، يزعم أن أفعال المتآمرين «لا ترقى إلى حد الانقلاب بالمعنى القانوني والسياسي، لكنها كانت محاولة لتهديد استقرار الأردن وتحرض على الفتنة».
موقف الأردن من القدس
ويتابع التقرير الأردني: «كان عوض الله، يعمل على ترويج صفقة القرن وإضعاف موقف الأردن، وموقف الملك من فلسطين والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس».
ويتابع الكاتب أن الاضطراب الأردني فاجأ المراقبين، الذين اشتبه بعضهم في أن الملك عبد الله كان يبالغ في رد فعله على سياسة الأسرة. لكن إعادة صياغة القصة بعناية، التي جرى جمعها من مصادر أمريكية، وبريطانية، وسعودية، وإسرائيلية، وأردنية ، تُظهر أن الضغط على الملك كان حقيقيًا، وكان يتزايد منذ أن بدأ ترامب في الدفع من أجل خطته للسلام مع نتنياهو وابن سلمان.
عداء تجاه الملك
وقال إغناتيوس: إن غاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، احتضن نتنياهو وابن سلمان – لكن العداء المتزايد تجاه الملك عبد الله ازداد. يقول مسؤول كبير سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية: «رأى ترامب أن الملك كان عائقًا أمام عملية السلام». وبينما لا يبدو أن ترامب ونتنياهو وابن سلمان كانوا يعملون للإطاحة بالملك، فإن أفعالهم أضعفته بشكل واضح وشجعت أعداءه.
وأضاف: «كانت حملة ترامب لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل على أشدها، وقد أسفرت عن ما يسمى باتفاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب. لكن الجائزة التي أرادها ترامب وكوشنر أكثر من غيرها، كانت المملكة العربية السعودية، وتمهيد الطريق لها، فحاولوا تقويض الأردن، لعقود من الزمن، أحد أقرب الحلفاء العرب للولايات المتحدة».
وتابع: «تحولت الرياح الآن: غادر ترامب منصبه، ويبدو أن نتنياهو في طريقه للخروج. لقد عاد الأردن، ويقول مستشارو الملك عبد الله إنه سيزور البيت الأبيض هذا الصيف، وهو أول زعيم عربي يلتقي شخصيًا مع الرئيس جو بايدن. ابن سلمان في مأزق مع إدارة بايدن، ولا يزال ينتظر مكالمة هاتفية أو دعوة رئاسية.
يقول الكاتب: إن هذا الوصف لمؤامرة القصر مستمد من مناقشات مع 10 مسؤولين حاليين أو سابقين لديهم معرفة مفصلة بالأحداث هناك. طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لوصف معلومات استخباراتية حساسة حول واحدة من أضخم المؤامرات المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة».
وأشار إلى أنه «في قلب هذه القصة، تقع القدس، حيث تدين الملكية الهاشمية في الأردن بالكثير من شرعيتها لدورها كوصي على المسجد الأقصى، وقد وصف العاهل الأردني حماية المسجد بأنه «خط أحمر» للأردن، ولكن على مدى السنوات الثلاث الماضية، شعر الملك عبد الله أن ترامب، ونتنياهو، ومحمد بن سلمان، كانوا جميعًا يحاولون إبعاده عن هذا الدور».
وواصل كوشنر حتى آخر يوم لترامب في البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) الضغط من أجل تحقيق اختراق، من شأنه أن يسمح لمحمد بن سلمان المتردد والسعودية بالتطبيع. ووفقًا للعديد من المسؤولين المطلعين، بحلول ذلك الوقت، كان الأردنيون قد جمعوا ملفًا يحتوي على رسائل جرى اعتراضها من «المتأمرين المزعومين»، التي تؤكد أنها أظهرت «تحريضًا ضد النظام السياسي» و«أعمال من شأنها إثارة الفتنة».
وأشار الكاتب إلى أن الملك عبد الله ورث عن والده الملك الحسين، صاحب الشخصية الجذابة، الذي نجا من مؤامرات انقلابية ومحاولات اغتيال وألعاب قوة من جيرانه، نفس الحاجة إلى التوازن الدقيق في التعامل مع المحيط، وقال إن الملك عبد الله سرعان ما أصبح محبوبًا لدى الغرب، مع زوجته الأنيقة ذات التفكير الحر، الملكة رانيا، وكان رمزًا للقيادة الشابة الحديثة المنحازة للغرب في العالم العربي، كما جسد الآمال في تجمع للسلام والإسلام المعتدل في الشرق الأوسط.
العلاقة مع السعودية
وبحسب المقال، فإنه «كانت علاقات عبد الله مع السعودية أكثر تعقيدًا، كما بدأت مكانة العاهل الأردني كأفضل صديق للولايات المتحدة في العالم العربي بالتغيير مع صعود محمد بن سلمان، والحديث للكاتب، الذي أشار إلى أن بداية ابن سلمان كان ملفتة للنظر في الغرب، وخاصة فيما يتعلق برؤية 2030 لتحديث المملكة، وتحركاته لتقليص نفوذ المؤسسة الدينية السعودية».
وقال: «تسارعت وتيرة عربة ابن سلمان عندما أصبح ترامب رئيسا في عام 2017، وجعل الرياض محطته الأولى في الخارج، ووصف ترامب ابن سلمان بأنه مصلح، حتى عندما ازداد قسوة مع سجن أكثر 100 سعودي بارز في فندق ريتز كارلتون وجريمة القتل المروعة للصحافي جمال خاشقجي».
وتناول المقال قصة عوض الله، وزير التخطيط ورئيس الديوان السابق في الأردن، الذي انضم إلى الوفد المرافق لمحمد بن سلمان، حيث بدأ بداية جديدة لتقديم المشورة بشأن خطط الخصخصة والتحديث، ووفقًا لعدة مصادر، قال ابن سلمان لعوض الله: «لماذا لم ألتق بك من قبل؟».
وأضاف إغناتيوس أن العاهل الأردني أصبح قلقا، بحلول 2018، من أن شهرة ابن سلمان الجديدة تأتي على حساب الأردن، بسبب افتتان ترامب بالرجل ورغبته في الحصول على صفقة بشأن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وأشار الكاتب إلى أن بعض دول الخليج، بما في ذلك السعودية، قد تعهدت بتقديم 2.5 مليار دولار من المساعدات للأردن بعد احتجاجات 2018، ولكن المساعدات لم تصل قط.
وفي الوقت نفسه كانت آمال كوشنر في أن تقنع الحوافز الاقتصادية الفلسطينيين والأردنيين بدعم مسعى ترامب للسلام المزعوم، وقد كشف كوشنر عن مقترحاته في مؤتمر «السلام من أجل الازدهار» في البحرين، وسافر الملك عبد الله إلى واشنطن في مارس (آذار) 2019 لإطلاعه على الخطة، ولكنه أدلى في الشهر نفسه بتصريحات علنية حادة في المعارضة، حيث قال: «لن أغير موقفي من القدس أبدًا.. لدينا واجب تاريخي تجاه القدس والأماكن المقدسة».
وقال: «كان حلم كوشنر هو أن يطغى الدعم السعودي والعربي لخطته على المعارضة الفلسطينية والأردنية، وقد ظهرت هذه الآمال في مقال افتتاحي في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في 3 يوليو (تموز) 2019 بقلم مالك دحلان، المحامي السعودي في لندن والمقرب من الأمير حمزة».
وقد زعم دحلان في ذلك المقال بأن «التكاليف قد تكون باهظة» إذا انهارت خطة كوشنر، وطرح دحلان صيغة تسوية تبدأ باتفاق على حكم القدس تقوم على فكرة «التدويل التكاملي».
ضغوط على الأردن
وتزايد الضغط على العاهل الأردني في الداخل والخارج، وبدأت الأجهزة الأمنية في التحقيق في التهديدات المحتملة للنظام، ولم يتم اختبار الأدلة على الاتهامات في المحاكم والمحافل الدولية، ولكن التحركات السريعة للولايات المتحدة ودول الغرب لاحتضان الملك، أشارت إلى أنها تأخذ المخاوف على محمل الجد.
وبحسب ما ورد، أشار تحقيق المخابرات إلى أن الشريف حسن بن زيد التقى بمسؤولين من سفارة أجنبية للاستفسار عن موقف بلادهم من دعم الأمير حمزة، كبديل للملك، وأن الشريف استمر في التواصل مع السفارة، التي من المعتقد أنها السفارة الأمريكية.
وتابع التقرير بأن بعض الشخصيات العشائرية قد تواصلت مع الأجهزة الأمنية للفت الانتباه بشأن محاولات من مساعدي الأمير حمزة للحصول على دعمهم، كما أشارت التقارير الاستخبارية إلى تكثيف الاتصالات بين الأمير حمزة، والشريف حسن، وباسم عوض الله، بحلول عام 2020.
وسارع كوشنر من مساعيه للتوصل إلى اتفاق سلام ترامب المزعوم، ولكن مخططه فشل بسبب المقاومة الفلسطينية، في حين أسفرت تحركاته عن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات في أغسطس (آب) 2020، واتفاق مماثل بين إسرائيل والبحرين في سبتمبر (أيلول).
وكشف عن أن العاهل الأردني كان يمثل مشكلة بالنسبة لهذه الأطراف على ما يبدو، وقالت الصحيفة: إن عوض الله اشتكى لضابط مخابرات أمريكي من إحباط ابن سلمان بسبب الخلاف حول الأقصى، وزعم عوض الله، بحسب المقال، أن «الملك يستخدم الأمر لتخويفنا، والحفاظ على دوره في الشرق الأوسط».
ووفقًا للمقال، فقد كان بيني غانتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الذي كان يشغل منصب وزير دفاع في الحكومة الإسرائيلية، قلقًا بشأن تدهور علاقة نتنياهو بالملك عبد الله، لدرجة أنه قام بزيارة سرية إلى عمان لطمأنة الملك في أوائل عام 2021.
وزعمت التحقيقات أن وتيرة المؤامرة المزعومة تسارعت في عام 2021، بعد أن جرى اعتراض رسائل حاسمة بين الأطراف المعنية، وقررت السلطات أن الوقت حان للتحرك، وجرى اعتقال عوض الله وابن زيد في 3 أبريل، ووُضع الأمير حمزة تحت الإقامة الجبرية.
زيارة الملك لواشنطن
وأرسل ممثلو أجهزة المخابرات الإسرائيلية (الموساد والشاباك) رسائل خاصة إلى العاهل الأردني للتنصل من المؤامرة المزعومة، ولكن وفقًا لمسؤول استخباري أمريكي سابق قرأ الرسائل، فقد كانت اللغة قريبة من «هذا ليس نحن، إنه قادم من أمامنا» في إشارة إلى نتنياهو.
وتوقع مستشارو الملك عبد الله وصوله إلى الولايات المتحدة أواخر يونيو، وستوضح الزيارة للبيت الأبيض مرة أخرى حقيقة حول أفراد الأسرة الهاشمية: وهي القدرة على النجاة في خضم الاضطرابات التي لا تنتهي في الشرق الأوسط.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».