نشر موقع معهد الشرق الأوسط الأمريكي تقريرًا لجيسي ماركس، محلل شؤون الشرق الأوسط المقيم في العاصمة الأمريكية واشنطن، تحدث فيه عن أزمة مخيم الركبان الذي يرزح منذ سنوات تحت ظروف إنسانية سيئة دون أن تتولى أية جهة مسؤولية حل أزمته.
يفتتح الكاتب تقريره بالقول: في الشهر الماضي دعا أعضاء الكونجرس إدارة بايدن إلى معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة منذ ثماني سنوات في مخيم الركبان، وهو مخيم نزوح غير رسمي في صحراء سوريا الشرقية، ويبعد أميال فقط عن مقر قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في حامية التنف العسكرية. ومنذ عام 2015 امتنع كل من النظام السوري، والأردن، وروسيا، والولايات المتحدة عن إعلان مسؤوليتها عن المخيم؛ ما أدَّى إلى فترة طويلة من التقاعس عن العمل صاحبتها عواقب إنسانية وخيمة.
وكثيرًا ما تهاوت الجهود الدولية للتخفيف من أزمة الركبان. ورفض الأردن أيضًا فتح حدوده أمام سكان مخيم الركبان لاعتقاده أن ذلك سيتسبب في مشكلات تُلزمه أن يواجهها بمفرده في نهاية المطاف.
جهود المساعدة الأردنية الأولى في مخيم الركبان
يلفت الكاتب إلى أن الأردن في البداية بذل جهودًا لحل أزمة الركبان المتفاقمة من خلال تقديم مساعدات عبر وسطاء مختلفين، حتى أنه منح مجموعات الإغاثة إذنًا قصيرًا للدخول إلى المخيم عام 2016. إلا أن هذه الخيارات كانت محدودة، إذ إن معبر الركبان ليس معبرًا حدوديًّا رسميًّا بموجب قرار الأمم المتحدة 2449، والجهات الفاعلة في الأمم المتحدة غير مصرَّح لها قانونًا بالعبور إلى سوريا لمعالجة سكان المخيم.
ولتعويض ذلك افتتحت اليونيسف والأردن عيادة في أقصى الحدود الشمالية للبلاد لتقديم الرعاية الطبية والإنسانية الطارئة. ولكن تطلب هذا الحفاظ على الحدود مفتوحة للسماح بوصول الدعم الطبي عبرها، كما سمح الأردن في وقتٍ ما لبعض السوريين من سكان مخيم الركبان بتلقي العلاج الطارئ في العيادة الموجودة على الأرض الأردنية.
ولكن مع تفاقم الحرب في سوريا، تضاءلت رغبة الأردن بالمخاطرة الأمنية، خاصة بعد مقتل سبعة جنود على يد «داعش» ومحاولات متعددة لمهاجمة الأردن، ومن ثم تكرر إغلاق الحدود الأردنية. ومنذ اندلاع جائحة كوفيد-19 ظلت الحدود الأردنية مغلقة أمام جميع سكان الركبان، إلا في حالات نادرة عندما استدعت عمليات الإجلاء الطبي الطارئة تعاون الأردن.
المخاطر المضاعفة
يقول الكاتب إن الأردن يعتقد أن السماح لسكان الركبان بدخول المملكة الهاشمية سيؤدي على الأرجح إلى توطينهم الدائم في البلاد؛ لأن معظمهم إما غير راغبين، أو غير قادرين على العودة إلى المناطق التي يحكمها النظام في سوريا، خوفًا من الاعتقال أو انتقام النظام السوري منهم.
وفي عام 2016 سمحت الحكومة الأردنية لـ20 ألفًا من سكان الركبان بالتوطين في المملكة بصفة لاجئين، إلا أن المخاوف بشأن المخاطر المحتملة دفعتها إلى زيادة تأمين سكنهم في مخيم الأزرق للاجئين وتقييد حركتهم إلى حين تدقيق أحوالهم بالكامل.
وتركت تجربة الأزرق الأردن في مواجهة سلسلة من القضايا الإنسانية والسياسية المعقدة في نهاية المطاف والتي بقيت بلا حل وجرى تجاهلها أيضًا. وبعد خمس سنوات لم يسمح الأردن بإخلاء جميع سكان الركبان السابقين الذين وضعهم في مخيم الأزرق. إذ فرَّ عدد من سكان الركبان بداية من المناطق التي كانت تحت سيطرة «داعش»، ويخشى الأردن أن يكون لبعضهم روابط مع التنظيم الإرهابي.
وفي الوقت ذاته لا يملك آخرون وثائقهم الرسمية لأنهم فروا بسرعة هربًا من العنف في مناطقهم. ولذلك بقي كثير منهم في المخيم، وعاد بعضهم إلى سوريا: إما برغبتهم، أو مرحَّلين. ولم يصدر الحكم على سكان الركبان الذين قد يُسفِر التدقيق في أحوالهم إلى اكتشاف معلومات يَعدُّها الأمن الأردني إشكالية.
ويعلم الأردن أن التجارب الإنسانية، مثل مخيم الأزرق، معقدة جدًّا، والشركاء الدوليون الذين يدافعون عنها ليس من المرجَّح أن يقدموا موارد طويلة الأمد، أو اهتمامًا، أو إرادة لأي حل حقيقي. وترك هذا عمان، التي تنقسم مواردها المالية المحدودة بالفعل بين دعم مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والحفاظ على اقتصادها، غير قادرة على تأمين حل أو مصروفات لهذه الأزمة. وببساطة يرى الأردن أنها لعبة خاسرة.
كما يؤكد الأردن وجود عناصر تابعة لـ«داعش» داخل المخيم، معبرًا عن خوفه من تسللهم إلى البلاد؛ ما يؤدي إلى ظهور تحديات أمنية داخلية. وأجبر هجوم التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد «داعش» منذ 2016 العديد من المنتمين للتنظيم على الفرار إلى الصحراء السورية، حيث تواصل قوات التحالف عملياتها ضد فلول الجماعة. وبصفته واحدًا من المجتمعات القليلة في الصحراء التي تتردد عليها «داعش» لإعادة التجهيز، أصبح الركبان تحديًا أمنيًّا، وتفاقم أمره بسبب ضعف الاستجابة، وقلة الاهتمام.
رمز المظالم التي لم تسوَّ بعد
يشير الكاتب إلى أن احتمالية العمل المتعاون لحل مشكلة الركبان أو حامية التنف العسكرية ستتطلب من الأردن والنظام السوري أن يتصالحا مع ماضيهما المضطرب. بيد أن أيًّا من الدولتين لم تتغاضَ عن الخطايا الأخرى. فمن وجهة نظر الأردن فرض النظام السوري عليه واحدة من أسوأ أزمات اللاجئين في العالم، وهي مستمرة في زعزعة استقرار المناطق على طول الحدود بينهما.
بينما من وجهة نظر النظام السوري، فقد خان الأردن نظام الأسد من خلال دعم المعارضة ومواصلته دعم جيش أجنبي، جيش الولايات المتحدة، الذي يجري عملياته في الشرق. والوجود العسكري الأمريكي في حامية التنف العسكرية هو تذكير قوي للأسد بدعم الأردن للعمليات الأمريكية في سوريا، بينما يرى العالم الركبان على أنه مظهر من مظاهر فظائع الأسد ضد الإنسانية.
بيد أن هذه العلاقة الباردة بين الأردن والنظام السوري أبدت بعض بوادر الدفء، مع أن هذه الخطوات المتزايدة لن تحل أزمة المخيم. إذ إنه من غير المرجَّح أن تُطبِّع عمَّان علاقاتها مع الأسد بالكامل، لكنها تتجه نحو التطبيع الناعم، حيث يفكر مزيد من القادة العرب في الترحيب بعودة سوريا بقيادة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية. وفي حين أنه من المحتمل أن ينسق البلدان ضمنيًّا بشأن المخاوف الأمنية الوطنية الرئيسية، مثل الاستقرار عبر الحدود، فإن الأردن سيتجنب أي نشاط علني على الأراضي السورية، مثل عمليات الإغاثة في الركبان. ومثل هذا النشاط من وجهة نظر الأردن، يمكن أن يقوِّض الموقف السوري والروسي والأمريكي الهش في شرق سوريا، ويؤثر سلبًا على الرادع الحدودي الفعلي الذي توفره حامية التنف للأردن. ولن تفعل عمان ذلك إلا إذا أخذت واشنطن بزمام المبادرة.
وفي النهاية لا يلوح في الأفق أي برنامج، أو خطة، أو آلية، متوقَّعة لحل النزاع حول المنطقة الخالية من النزاع بطول 55 كيلومترًا في سوريا، ولذلك، لا يوجد حل للركبان. والغزو الروسي لأوكرانيا جذب انتباه العالم بعيدًا عن سوريا وصعَّد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا. ويمكن أن يمتد الحريق إلى ما وراء حدود أوكرانيا وصولًا إلى شرق سوريا، منطقة التوتر المتبقية والتوغل المتقطع. ومن المتوقع أن تتطلب أزمة اللاجئين الأوكرانيين اهتمام صانعي السياسة في واشنطن، بينما يتعمق كابوس الركبان الإنساني.
على مَنْ تقع المسؤولية؟
تشترك الجهات الفاعلة كلها، الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والأردن، والنظام السوري، في الالتزام القانوني بحماية المدنيين الذين يعانون في الركبان. ولكن الحل لهذا المستنقع الإنساني يقع على عاتق الولايات المتحدة وليس الأردن، بحسب الكاتب. وأثبتت روسيا وسوريا عدم استعدادهما للتنازل عن مطالبهما بعودة السكان إلى بلداتهم، أو بمغادرة القوات التي تقودها الولايات المتحدة في حامية التنف العسكرية، وتواصل منع أي برامج إنسانية فاعلة تقودها الأمم المتحدة.
بينما يواصل الأردن أيضًا مقاومته، وهذه المقاومة هي سلوك مكتسب يعززه ما يربو على خمس سنوات من التجارب الإنسانية، والمفاوضات الفاشلة، والقيود على اهتمام المانحين، وهجرة التمويل الذي ترك الأردن يدفع الفاتورة ويدير جزءًا كبيرًا من الأزمة بمفرده.
ومع تفاقم الأزمة الأوكرانية يمكن أن تؤدي الهزات الارتدادية العالمية، مثل ارتفاع أسعار النفط، والارتفاع الكبير في تكاليف المواد الغذائية، والنقص المتزايد في السلع الأساسية، إلى زيادة ندرة الغذاء في سوريا، وسيؤثر ذلك على مخيم الركبان تأثيرًا أشد. وإذا لم تتجاوز إدارة بايدن الخطاب الأخلاقي، وتشمر عن سواعدها، وتعمل بجدية لحماية سكان الركبان عبر تقديم المساعدة الفورية، فلن يتمكن الأردن من فعل هذا الأمر وحده، بحسب ما يختم الكاتب.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».