من خلال وقف المساهمات الأمريكية للأونروا، يأمل الرئيس ترامب في دفع الفلسطينيين نحو قبول تسوية أقل تفضيلاً من خلال الاستفادة من الوعود بالدعم المالي المستقبلي في حال التوصل إلى اتفاق.

انتاب المدافعون عن التنمية الدولية الرعب عندما أعلنت الولايات المتحدة في أواخر أغسطس (آب) أنها ستتوقف عن دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «الأونروا»، وهي منظمة تقدم الخدمات الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء المنطقة.

وكانت الولايات المتحدة في السابق المساهم الأكبر في المنظمة، إذ قدمت ما يقرب من 360 مليون دولار في عام 2017. وعلاوة على ذلك، ذكرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية أنه ما لم تتمكن الأونروا من تعويض العجز في ميزانيتها البالغ 217 مليون دولار بحلول نهاية الشهر، فإنها ستضطر لوقف جميع الخدمات في أكتوبر (تشرين الأول)، وإغلاق المدارس والمراكز الصحية، بحسب ما ذكره تقرير لمجلة «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكية.

تقرير المجلة الأمريكية ذكر أن قرار أمريكا بوقف تمويلها للأونروا هو على الأرجح قرار سياسي. بينما ترغب إدارة ترامب في التوسط في اتفاق سلام بين فلسطين وإسرائيل، فإن دعم الرئيس ترامب العلني للموقف الإسرائيلي جعل العديد من الفلسطينيين يشعرون بالضجر من التفاوض والخوف من أن أمريكا ليست طرفًا محايدًا في النزاع.

من خلال وقف المساهمات الأمريكية للأونروا، يأمل الرئيس ترامب في دفع الفلسطينيين نحو قبول تسوية أقل تفضيلاً من خلال الاستفادة من الوعود بالدعم المالي المستقبلي في حال التوصل إلى اتفاق. وفي حين يعتقد صهر الرئيس ومبعوث الشرق الأوسط جاريد كوشنر أن هذه الإجراءات العقابية ستجبر فلسطين على الجلوس على الطاولة، تبدو القيادة الفلسطينية غير مقتنعة بهذا التكتيك.

وتابع التقرير:«علاوة على ذلك، توقعت إدارة ترامب أن قرارها بإنهاء التمويل للأونروا من شأنه أن يضر بالفلسطينيين، لكنهم ربما لم يتوقعوا العواقب الضارة التي ستلحق بحليف أمريكا في الشرق الأوسط وهو الأردن. قاد العاهل الأردني الملك عبد الله مؤخرًا الجهود الرامية إلى حشد الدعم الدولي للأونروا بسبب المخاوف من الآثار المترتبة على انهيار البرنامج على مليوني لاجئ فلسطيني يعيشون في الأردن، ولا سيما 370،000 لاجئ يقيمون حاليًا في مخيمات اللاجئين الرسمية. إن قرار أمريكا بسحب دعمها للأونروا يجعل الأردن عرضة لمشاكل اجتماعية واقتصادية حادة يمكن أن تسبب ضررًا كبيرًا».

حليف مهم لأمريكا

إن دور الأردن كحليف معتدل ومستقر عند مفترق طرق بلاد الشام مهم أيضًا، لأنه يمنح أمريكا وجودًا عسكريًا على طول حدود سوريا والمملكة العربية السعودية والعراق وإسرائيل والضفة الغربية.

لطالما كان الأردن حليفًا أساسيًا للولايات المتحدة في منطقة يصعب العثور فيها على أصدقاء يمكن الاعتماد عليهم. يدعم الأردن جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية عن طريق استضافة القوات الأمريكية، وتوفير إمكانية الوصول إلى القواعد الجوية الحاسمة، والمشاركة القوية في الجهود الاستخباراتية. وكان «مركز التقدم الأمريكي» قد خلص إلى أن «الولايات المتحدة ليس لديها شريك عربي أقرب لمكافحة الإرهاب من المملكة الأردنية الهاشمية». علاوة على ذلك، فإن الأردن معادٍ لإسرائيل بشكل موثوق ويعارض بشدة وجود الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة. إن دور الأردن كحليف معتدل ومستقر عند مفترق طرق بلاد الشام مهم أيضًا، لأنه يمنح أمريكا وجودًا عسكريًا على طول حدود سوريا والمملكة العربية السعودية والعراق وإسرائيل والضفة الغربية.

استطرد التقرير في إبراز دور المملكة الهاشمية بقوله إن الأردن مهم أيضًا بسبب دوره الكبير في استضافة اللاجئين السوريين. يضم الأردن 658،000 لاجئ سوري مسجل، وتقدر الحكومة الأردنية العدد الإجمالي للاجئين بنحو 1.4 مليون. وتتمثل إحدى المشاكل في أن الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين يعيشون تحت خط الفقر، وقد أدى تدفقهم إلى توتر كبير في ميزانية الخدمات الاجتماعية في الأردن. بالإضافة إلى ذلك، أدى تزايد عدد اللاجئين إلى ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الأجور بسبب وجود سوق عمل مفرط التشبع، مما أثار قلقًا اقتصاديًا واسع النطاق بين الأردنيين. ومع ذلك، ما يزال الأردن ملتزمًا بتقديم المساعدة إلى اللاجئين السوريين وكان فاعلًا أساسيًا في إدارة أزمة اللاجئين الإنسانية.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملك عبد الله الثاني-البيت الأبيض

إذا ما عمدت الأونروا إلى تقليص أو إلغاء خدماتها للفلسطينيين في الأردن، فإن اللاجئين الذين يعتمدون على خدمات الرعاية الصحية والتعليم الهامة التي توفرها الوكالة، سيتركون فجأة ليتحملوا أمرهم بأنفسهم. في الأردن وحدها، ذكرت الأونروا أنها «توفر التعليم الأساسي لأكثر من 118،500 طالب في 174 مدرسة تابعة للأونروا»، وتقدم خدمات لآلاف الفلسطينيين من ذوي الإعاقات. تخدم عيادات الأونروا أكثر من 1.1 مليون فلسطيني كل عام، والعديد منهم لا يحصلون إلا على القليل من نظام الرعاية الصحية الأردني. بالإضافة إلى ذلك، تقدم الأونروا قروض التمويل الصغرى للفلسطينيين في الأردن، وشهد عام 2015 توزيع 14.24 مليون دولار على شكل قروض. ومن شأن أي تعطيل أو نقص في نوعية هذه الخدمات بسبب نقص الأموال أن يؤدي إلى تفاقم الظروف الاقتصادية للسكان الأردنيين الفلسطينيين تفاقمًا كبيرًا.

وفقًا للتقرير، يمكن أن تحاول عمّان تحمل تكاليف توفير الخدمات لسكانها الفلسطينيين المحاصرين، لكن القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى تفاقم حالتها الاقتصادية الهشة بالفعل. تعاني الأردن من أزمة ديون هائلة وستواجه صعوبة في إنشاء وإدارة بنية خدمات اجتماعية كاملة دون تفاقم هذه المشكلة. حاولت عمّان فرض إجراءات تقشف اقتصادية لمواجهة الأزمة، لكن الاحتجاجات واسعة النطاق ضد اقتراح لزيادة الضرائب أدت إلى استقالة رئيس الوزراء هاني الملقي، وقد قوبلت المحاولات الأخيرة لتخفيض إجراءات تخفيض الديون بردود فعل مماثلة. ومع اقتصاد الأردن الذي يكافح بالفعل لاستيعاب سكانه اللاجئين السوريين، ستواجه المملكة الهاشمية صعوبة في تحمل التكلفة المتزايدة لرعاية اللاجئين الفلسطينيين إذا فشلت في تأمين التمويل الكافي للأونروا.

مخاطر خفض تمويل الأونروا

 كلما طالت هذه المشاكل في الأردن، بدأ شريك أمريكا الإقليمي الأقرب لمكافحة الإرهاب، أقرب لكونه أرضًا خصبة للإرهاب بدلاً من كونه حليفًا قويًا في الكفاح ضده.

ومع ذلك، ذكر التقرير أن الأردن قد يعاني من تكاليف اجتماعية كبيرة إذا فشل في توفير الخدمات الكافية للاجئين. إذا اعتبر الفلسطينيون أن الأردن غير راغب في تقديم الخدمات بشكل صحيح إلى هؤلاء اللاجئين الذين رفضت عمّان منحهم الجنسية الأردنية، فإن التوترات التي طال أمدها بين الفلسطينيين والأردنيين الأصليين يمكن أن تطفو على السطح. وبالمثل، يمكن أن ينشأ عداء متزايد تجاه اللاجئين إذا ما نظر المواطنون الأردنيون إلى اللاجئين الفلسطينيين والسوريين باعتبارهم مصدر استنزاف للاقتصاد الأردني ومساهمين في زيادة الديون الوطنية.

مخيمات اللاجئين بالأردن – عمان

لطالما كان الأردن مثالًا على الاستقرار في منطقة مضطربة. ومع ذلك، بين القلق الاقتصادي المحيط بأزمة البطالة وأزمة الديون في الأردن والعدد الكبير من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) السابقين العائدين إلى الأردن، هناك أسباب للقلق بشأن المجتمع المدني الأردني. انخفض عدد الأردنيين الذين يعتقدون أن حكومتهم تفعل كل ما في وسعها لخدمة شعبها إلى 35%، مقارنة بحوالي ثلثي تعداد السكان في عام 2011.

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي كان قد حذر من أن تعطيل خدمات الأونروا «سيعمق مناخ اليأس وسيخلق في نهاية المطاف أرضًا خصبة لمزيد من التوتر»، ولا ينبغي الاستخفاف بهذه المخاوف. ففي حين تعتقد إدارة ترامب أن تخفيضاتها للأونروا سيضعف تصميم الشعب الفلسطيني، فإن العكس هو الصحيح في الواقع. كلما وجد الفلسطينيون أنفسهم محرومين من الحصول على تعليم جيد وغير قادرين على تحسين وضعهم الاقتصادي، فإن الاستياء من هياكل السلطة الإقليمية والعالمية التي تبدو غير مهتمة برفاههم سوف يتصاعد. وهذا يعني أن هؤلاء الأفراد هم أكثر احتمالًا للبحث عن حلول جذرية للمشكلات الراسخة للوضع الراهن، بما في ذلك الانضمام إلى الجماعات المتطرفة العنيفة. كلما طالت هذه المشاكل في الأردن، بدأ شريك أمريكا الإقليمي الأقرب لمكافحة الإرهاب أقرب لكونه أرضًا خصبة للإرهاب بدلاً من كونه حليفًا قويًا في الكفاح ضده.

لا يقتصر قرار واشنطن قصير النظر بإنهاء دعمها للأونروا على وضع الصحة والرفاه الاقتصادي لملايين الفلسطينيين في خطر، بل إنه يهدد أيضًا بإلحاق ضرر دائم بواحد من أهم حلفاء أمريكا الإقليميين. فبينما قد تنجح قيادة الأردن في الحصول على تمويل كافٍ للأونروا للعمل دون تخفيضات كبيرة، إلا أن الولايات المتحدة قد تركت المملكة الهاشمية عرضة لأضرار اقتصادية واجتماعية كبيرة يمكن أن تؤدي في النهاية إلى زعزعة استقرار البلاد.

وينبغي أن تكون الطريقة التي سينجو بها الأردن في هذه الحالة المحفوفة بالمخاطر، وإذا ما كانت إدارة ترامب ستستجيب للدعوات الأخيرة لعكس موقفها من الأونروا،محل اهتمام كبير للمراقبين الإقليميين في الأشهر المقبلة.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد