من إسطنبول كتبَ مارتن شولوف، مراسل صحيفة «الجارديان» البريطانيّة في الشرق الأوسط منذ 2005، عن اختفاء الصحافي السعودي البارز خاشقجي ذاكرًا معلومات جديدة عن القضية، وهنا نعرضُ لكم ترجمةَ مقالته.
«لستُ خائفًا فليس هنالك تحقيقٌ رسميّ ضدّي، بل على العكس طلبَ مني محمد بن سلمان مؤخرًا أن أكون مستشارًا عنده، ورفضت، وقلت: إن هذا ضد وطني ومصالح المنطقة». جمال خاشقجي.
قبل دخول القنصلية.. خاشقجي حصلَ على تطمينات
يبدأ شولوف بالقول: «إنّ خاشقجي قد وزنَ مخاطر دخوله للقنصلية السعودية في إسطنبول قبل ولوجه إليها. وسعى للحصول على ضمانات من أصدقائه، وأعطى خطيبته رقمًا لتتصل به إذا لم يخرج من القنصليّة. بل تلقّى عرضًا بالعودة إلى الرياض من محمد بن سلمان بنفسه».
ظنَّ خاشقجي، فيما يرى شولوف، أنّ الاحتمالات تقفُ في صفّه، مُقتنعًا أنه لا يواجه تهديدًا رسميًا من ولي العهد النافذ، ومع شعوره بالضغط من حَميه المستقبلي ليُتابع سير عملية الزواج.
لربما قاد هذا التصرّف خاشقجي، أشهر المُنشقين على المملكة، إلى موته من حيثُ أراد أن يبدأ حياةً جديدة. ولم يُسمع صوت خاشقجي بعد ذلك. ومع مرور كل يوم تزداد قناعة السلطات التركية بأنه لن يظهر مجددًا، وأنّ حياته انتهت على يد عملاء سعوديين انتظروه في القنصليّة، ونفّذوا عملية قتل بموافقة الدولة – السعودية – في قلب إسطنبول.
ثم، وفقًا لشولوف، رتّبت السلطات التركيّة بحلول ليلة الأحد قضيةً ضدّ عملاء سعوديين كانَ لها صداها في أنقرة والرياض، واضعةً اللاعبَين الإقليميين العملاقين في مسار صدام دبلوماسيّ، ومُؤكدةً مجددًا بالثمن الباهظ لأن تكون معارضًا في زمن الانهيار الحاد للحريات.
القنصلية السعودية في إسطنبول.
التهم الموجّهة للرياض تحبسُ الأنفاس: مسؤولون تركيّون يقولون إن خاشقجي عُذّب، ثم قُتل، ونُقل جسده خارجَ القنصليّة، وتمَّ كلّ ذلك دونَ انتباه وكالات الأمن التركيّة. في البداية سكنَ المسؤولون في صمت مع تصاعد الأسئلة عن غياب خاشقجي، وربما منعهم مسؤولوهم السياسيّون عن التحدّث، ولكن تغيّر ذلك منتصفَ ليلة الأحد عندما نشرَ مسؤول حكوميّ إعلامي تقريرًا إخباريًا يقتبسُ من مصدرين تُركيين ادّعاءهم أن خاشقجي غالبًا مات.
«لستُ خائفًا فليس هنالك تحقيقٌ رسميّ ضدّي، بل على العكس، طلبَ مني محمد بن سلمان مؤخرًا أن أكون مستشارًا عنده، ورفضت، وقلت إن هذا ضد مصالح وطني والمنطقة». جمال خاشقجي.
وعن تطوّر المشهد يقول شولوف إنّه ومنذ ذلك الحين بدأ مسؤولون أتراك في الجهازين التنفيذي والأمنيّ يذكرون القليل من المعلومات من التحقيق الجاري. ويذكر شولوف أن مصادرًا من داخل القنصليّة ساعدت على فهم ما حصل، مع مئات الساعات من السجلات الأمنية وسجلات الطيران التي تُوثّق تفاصيل قدوم ورحيل وفدٍ سعوديّ أمني من 15 شخصًا، ووفقًا لحليفٍ لخاشقجي، توثّق طريقًا سلكه موكبٌ غادرَ القنصلية يوم الثلاثاء بعد ساعات من دخول خاشقجي إليها.
وينقلُ شولوف عن طوران قشلاقجي، رئيس جمعية بيت الإعلاميين العرب، وصديقٌ لخاشقجي الذي أسرّ له قبل زيارته للقنصلية بقوله: «لستُ خائفًا؛ فليس هنالك تحقيقٌ رسميّ ضدّي، بل على العكس، طلبَ مني محمد بن سلمان مؤخرًا أن أكون مستشارًا عنده، ورفضت، وقلت إن هذا ضد وطني ومصالح المنطقة»، وتابع: «التحقيق معي أقصى ما يمكن أن يفعلوه، ويمكنني أن أجيبهم، لا شيء لدي لأخفيه».
صديقه قشلاقجي قال أيضًا: إن والد خطيبته «ضغط عليه ليحصل على الوثائق اللازمة ليبدأ معاملة الزواج الرسميّة في تركيا. صديقه السعودي الموثوق في الولايات المتحدة أعطاه الضمانة على حياته. لقد كان واثقًا مما يفعل».
أنكرت الرياض بشدّة أن يكون لها دورٌ في اختفاء خاشقجي. قالَ الأمير ابن سلمان في مقابلة الجمعة الماضية: «كنتُ لأعرِف إن كان هناك، في الرياض». اتخذت تركيا موقفًا حذرًا، ويبدو أنها في هذه اللحظة لا ترغبُ بإدانة مُنافسها الإقليميّ علنًا. قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يومَ الأحد إنه «حَزِنَ» لاختفاء خاشقجي، وإنه ينتظرُ نتائج التحقيق.

مع رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان
تركيا.. أزمة جديدة لبلد مثقل بالأزمات
موقفُ الزعيم التركي يعكسُ توازن المصالح الحسّاس بين أنقرة والرياض، القوتين الإقليميتين الثقيلتين اللتين ظلّتا على خلاف في القضايا المحورية في المنطقة، مثلَ حصار قطر الذي تقوده السعودية، الذي وقفت فيه تركيا بصفّ قطر بحزم. وقضايا مثل وضع الإخوان المسلمين وانقلاب مصر العسكريّ عام 2013، ورغمَ كل ذلك يُفضّل المسؤولون الأتراك توجيه عدائهم نحو الإماراتيين، بدلًا عن الرياض التي يُحاولون الحفاظ على لغة حيادية معها.
وبالسماح لموظفي الدولة – وليس المسؤولين الرسميين – بإدانة السعوديين لاختفاء خاشقجي. تعاملت تركيا مع الأمر بقبضة قويّة سيستخدمها أردوغان الأسبوع المُقبل مع تقديم المخابرات لنتائج تحقيقاتها.
يطرحُ شولوف احتمالية أن تكون التنازلات التي يمكن أن يضغط بها زعيمُ اقتصاد مثقل بالديوان على قائد سعوديّ يُواجه اتهامات بأن عملاء للمملكة اغتالوا عدوًا في بلد أجنبيّ تنازلات كبيرة، ولكن هذا يعتمد على مقدار خوف وريث العرش السعوديّ من النقد.
قبل أقلّ من عام واحد خطفَ الأمير ابن سلمان رئيسَ وزراء لبنان، سعد الحريري، بعد استدعائه للرياض ليُجبره على التنازل عن أصول تقدّر بملايين الدولارات، كما فعل مع كثير من نخبة الأعمال والسياسة في المملكة.
ومنذ ذلك الحين دفعَ ابن سلمان عجلة الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، كما يرى شولوف، مع تكثيف حملة ضد الحريات السياسية. «المتهور» ذو الـ33 عامًا لم يظهر تقبلًا للمعارضة. وصار خاشقجي في عيون المملكة، بمساحته في صحيفة «واشنطن بوست»، واتصاله بصانعي قرار في الولايات المتحدة وأوروبا، أكثرَ من ناقد: أصبحَ تهديدًا.
الإنكار – والتشتيت – السعودي لأي معرفة عن مكان خاشقجي مأخوذة من كتاب ألعاب «A kremlin playbook»، كما يُثبت ذلك موته المُعتمّد. وفي نفس الوقت، تجدُ تركيا – التي تعتقلُ أكبر عدد من الصحافيين في العالم – نفسها مُناصرةً لكاتب اختفى أمام أعينها.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».