يرى محرر الاقتصاد في صحيفة «الإندبندنت» بن تشو أن اقتصاد لبنان كان يتأرجح بالفعل على حافة الهاوية قبل الانفجار المروع الذي ضرب بيروت الثلاثاء الماضي. ويتساءل في مقالٍ نشرته الصحيفة البريطانية: هل ستحل المأساة المأزق، وتفتح الطريق أمام حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي تشتد الحاجة إليها؟
أدى الانفجار الهائل الذي وقع على أرصفة ميناء بيروت إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية المادية للعاصمة اللبنانية. لكن في الحقيقة كان اقتصاد الدولة الواقعة في الشرق الأوسط قد انهار بالفعل قبل الانفجار؛ لتغرق في أسوأ أزمة منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 – 1990.
ويلفت المقال إلى أن لبنان اكتوى بنيران الحرب الأهلية في سوريا المجاورة، التي فرّ منها حوالي 1.5 مليون لاجئ إلى لبنان على مدار العقد الماضي، أي ما يعادل ربع سكان البلاد في السابق.
المعاول التي هدمت الاقتصاد اللبناني
لكن سوء الإدارة المحلية الشديد للاقتصاد، والفساد المستشري في أوساط النخبة السياسية اللبنانية؛ ضاعف الأضرار عدة مرات، بحسب محرر «الإندبندنت». وأصيب الاقتصاد اللبناني بالركود في العام الماضي لدرجة أن خُمس القوة العاملة أصبح خارج العمل، وحوالي 30% من الشباب عاطلين عن العمل، مع ارتفاع هائل في معدلات التضخم.
وفوق كل ذلك جاء الإغلاق الذي فرضته الدولة لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد ليسحق النشاط كلية، ويكبد الملايين ممن يعتمدون على الاقتصاد غير الرسمي في لبنان من أجل البقاء خسائر فادحة. وفي غياب شبكة أمان اجتماعي مناسبة كان من المحتم أن يرتفع الفقر إلى مستويات تدعو إلى اليأس.
وكانت مستشفيات لبنان أيضًا تتعرض لضغوط متزايدة جراء جائحة كوفيد-19، مع بدء تزايد حالات الإصابة بوتيرة تنذر بالخطر خلال الأسابيع الأخيرة. ومثل ميناء بيروت، تعتبر المالية العامة في لبنان منطقة منكوبة. إذ يبلغ الدين القومي مرة ونصف حجم الدخل القومي للبلاد، وكان عجز الميزانية الحكومية يقارب 10% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي.

المصدر: موقع «ماكروبوند» الاقتصادي
يُرَجح محرر الصحيفة البريطانية أن تداعيات انفجار الثلاثاء كانت لتؤدي إلى قلب مالية الدولة رأسًا على عقب، لولا حقيقة أنها كانت تتدحرج بالفعل بالقرب من حافة الهاوية منذ عدة أشهر.
تخلف لبنان عن سداد ديونه السيادية في مارس (أذار)، وكان بالفعل يخوض محادثات مع صندوق النقد الدولي لضخ 20 مليار دولار من الدول الأجنبية لتمكين البلاد من دفع ثمن وارداتها الحيوية، وتنفيذ إعادة هيكلة عاجلة لاقتصادها. بيد أن المحادثات مع الصندوق كانت متعثرة، فلم يتمكن الطرفان من الاتفاق على برنامج للإصلاحات المحلية – من بينها إصلاح قطاع الكهرباء الذي تعرقله الإعانات في البلاد والإصلاح المالي الهيكلي الرئيس – مقابل المساعدة.
الانفجار وانفراجة الأزمة
أوضحت مصادر من صندوق النقد الدولي، وشهادتهم للأسف صادقة – وفق المقال – أن النخبة في لبنان تبدو مهتمة بحماية مصالحها المالية الضيقة أكثر من اهتمامها بإنقاذ اقتصاد البلاد.
وفي أعقاب الانفجار تعهدت دول أجنبية – بما في ذلك القوى الإقليمية إيران وقطر والأردن – بتقديم مساعدات إنسانية للبنان في شكل معدات طبية وفرق إنقاذ. ولكن ماذا بشأن حزمة الإنقاذ الاقتصادي الدولي الأوسع (والأكثر تكلفة)؟
يتساءل المحرر: هل تحل مأساة هذا الأسبوع المأزق اللبناني المحلي، وتفتح الطريق أمام حزمة إنقاذ صندوق النقد الدولي؟ وهل سيقرر صندوق النقد الدولي أن حاجة البلاد الملحة للتمويل الآن يتعين أن تكون لها الأسبقية على الالتزامات بالإصلاح الهيكلي الداخلي والقضاء على فرص الفساد؟
هل تساعد الدول الغربية لبنان؟
ويضيف المقال: أو يوجد احتمال ثالث، وهو أن انشغال الحكومات الغربية بحالة الطوارئ المحلية الناجمة عن فيروس كورونا التي لا زالت محتدمة فيها، قد يثبت أنه عقبة أمام التوصل لاتفاق؟

العقبات الرئيسة التي تعوق الأعمال التجارية في لبنان (% من الشركات)
من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور. غير أنه من المشجع إلى حد ما – بحسب المقال – أن بيروقراطية صندوق النقد الدولي لا زالت تعمل في خضم الجائحة، وبالتالي فإن آلية تقديم المساعدة المالية لم تتوقف بشرط اتخاذ قرار بصرفها. قد يكون الانخراط السياسي الغربي مع بيروت هو المفتاح. ويشير قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالسفر إلى العاصمة اللبنانية إلى أن باريس على الأقل تعترف بحجم حالة الطوارئ.
لكن هل ستتدخل الحكومات الغربية الأخرى بقوة، حسبما تقتضي الكارثة الاقتصادية اللبنانية التي لا تزال تتكشّف؟ يقول الكاتب في ختام مقاله: «إن الأيام وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».