إدراك الذات، يظن الجميع أنهم بارعون فيه، في حين أنهم لا يفقهون شيئًا عنه.
نشر «مارك مانسون» -كاتب ومدون أمريكي، ألف عددًا من الكتب من بينها (فن اللامبالاة) «The Subtle Art of Not Giving a Fuck»- تقريرًا على موقعه يحاول فيه شرح مراحل إدراك الذات الثلاث.
يقول «مارك» إن معظم أفكارنا وأفعالنا في الحقيقة تأتي أو تصدر منا تلقائيًّا كما الطيار الآلي، وهو ليس بالأمر السلبي أو السيئ بالضرورة، إذ إن عاداتنا وروتين حياتنا ودوافعنا وردود أفعالنا تعيننا على خوض حياتنا بحيث لا نُضطر للتوقف والتفكير في كل حركة من حركاتنا كقضاء الحاجة، أو حتى تشغيل السيارة للذهاب إلى العمل.
إلا أن المشكلة الأساسية أننا عندما نتصرف بتلك التلقائية، ننسى غالبًا أننا كذلك، لأننا عندما لا نكون على وعي تام بعاداتنا وروتين حياتنا ودوافعنا وردود أفعالنا، لا نكون قادرين على التحكم فيها، بل العكس تمامًا هي تتحكم بنا، وفي حين أن الشخص الذي لديه وعي ذاتي يكون قادرًا على التدريب على ما يعرف بـ«إدراك الإدراك»، أو «ما وراء المعرفة» وهو مصطلح يصف «معرفة الفرد لأسلوب معالجته للإدراك وكل ما يتعلق به»، فالشخص الذي يفتقر للإدراك الذاتي يتوجه لرد الفعل تلقائيًّا دون التفكير في أي أمر آخر.
ثم يعرض الكاتب ثلاثة مستويات من إدراك الذات مصحوبةً ببعض التوضيحات والمحاذير.
المستوى الأول: ماذا تفعل؟
نلجأ للكتب والأفلام والألعاب والموسيقى كي تحملنا إلى عالم حيث لا ألم وحيث يبدو كل شيء بسيطًا وصحيحًا وفي محله.
تنطوي الحياة على الكثير من الألم والتحمل على مضض، اسأل نفسك، خلال الثلاثين يومًا الماضية، كم مرة فعلت التالي:
- عانيت من علاقة مع شخص قريب منك؟
- شعرت بالوحدة أو العزلة أو أن لا أحد يوليك اهتمامًا؟
- شعرت بعدم القدرة على الإنتاج أو بالتيه في ما يخص ما يتوجب عليك فعله؟
- هل شعرت بأنك تفتقد النوم والتغذية الصحيحة وبفتور طاقتك، وأن نظام حياتك غير صحي؟
- شعرت بأنك محمل بضغوط العمل وتشع بالإجهاد؟
إذا احتسبت كل ما سبق فعلى الأرجح ستجد أنك شعرت بها خلال الثلاثين يومًا كاملة، ما يبدو بدوره كثيرًا ليتحمله إنسان خلال تلك الفترة.

يؤكد الكاتب أننا نتجنب الألم عن طريق الإلهاء والتشتيت، فنحول تفكيرنا وعقولنا بحيث نشغل تفكيرنا بشيء آخر أو بمكان آخر، مكان قد يكون آمنًا ومعزولًا عن الألم الذي نختبره بصفة يومية، فنواصل النظر إلى شاشات هواتفنا، ونتعلق بهوس بماضينا أو حتى توقعات المستقبل، ونضع خططًا لن نلتزم بها، أو ببساطة نحاول النسيان، ثم نأكل ونشرب ونلقي بأنفسنا لبراثن الخدر، كي تتبلد حقيقة مشاكلنا، ونلجأ إلى الكتب، والأفلام، والألعاب، والموسيقى كي تحملنا إلى عالم حيث لا ألم، وحيث يبدو كل شيء بسيطًا وصحيحًا وفي محله.
يقول الكاتب إن أغلب الناس يقضون جل يومهم غارقين في بحر من الملهيات، دون حتى إدراك ذلك، كلنا نفعل ذلك، بما في ذلك الكاتب نفسه. نظن جميعنا أننا نحسن استغلال وقتنا، لكننا مخطئون، ونعتقد أننا نعمل أكثر مما ينبغي علينا، إلا أن الدراسات أظهرت أن أغلب الناس يعملون بكامل طاقتهم لمدة ثلاث ساعات فقط من دوام عملهم، في حين يتسكعون بقية الوقت، ونعتقد أننا نقضي المزيد من الوقت مع أصدقائنا وأحبائنا أكثر مما نقضي فعلًا، ونعتقد أننا مستمعون جيدون أكثر من حقيقتنا، وأننا أكثر تعاطفًا ومراعاة للآخرين، وأكثر ذكاء مما نحن عليه حقيقة، لكننا في الحقيقة سيئون في كل ما سبق.
يعتقد بعض الناس أن النهج الأصعب هو محاولة استئصال كل الملهيات من حياتهم، وهو بالتأكيد نهجٌ متطرف؛ فالهدف هنا ليس هزيمة الملهيات أو التخلص منها، إنما ببساطة تطوير وعينا بها، وبالتالي التحكم فيها، فبدلًا من التذرع بالمرض من أجل التغيب عن العمل ومضيعة الوقت بالكامل في ألعاب الفيديو، يمكنك تخصيص وقت للعب في أوقات فراغ تتخلل أوقات عملك بطريقة تحقق لك الرضا والإشباع، وفي الوقت نفسه تكون آلية إلهاء صحية، لكن المهم وما يؤكد عليه الكاتب أن تكون واعيًا لما يحدث.
مترجم: ما صفات الشخصيات صعبة المراس وكيف تحصل على ما تريد منهم؟
يؤكد الكاتب أن الهدف هو تقليص حالة الإكراه في التحول للملهيات، لكن كي يتحقق ذلك يجب أولًا أن يكون الشخص على دراية بحالة الإكراه، المتمثلة في انسياقه لفعل شيء ما على الأرجح لا يود فعله، على المرء أن يدرك متى ولماذا يحاول الهروب عقليًّا من وضع ما؟ وهل يحدث ذلك أثناء وجوده مع عائلته؟ أم أصدقائه، أم زملائه في العمل؟
باختصار، يتمثل المستوى الأول من إدراك الذات في الفهم البسيط للمكان الذي يلجأ إليه العقل، ومتى تحديدًا، وإدراك المسارات التي يحبذها العقل ويلتمسها حتى قبل أن يشرع المرء في التساؤل حول أسباب سلوكها، وما إذا كانت تلك المسارات تساعده أم تضره.
المستوى الثاني.. بماذا تشعر؟
يستهل الكاتب المستوى الثاني من إدراك الذات بضرب مثال لتقريب الصورة الذهنية «هل انتابتك موجة من جنون الغضب، وعندما سألك أحد حول سبب ثورة غضبك أجبت بأنك لست غاضبًا، حقًّا، ولست غاضبًا إطلاقًا، بل إنك بأحسن حال، بل تستنكر ما الداعي لغضبك من الأساس!
يقول الكاتب إنه عندما يستأصل أغلب الناس بعض الملهيات من حياتهم، فإنهم عادة يفاجؤون بأنهم صاروا مجبورين على التعامل مع الكثير من المشاعر التي لطالما حاولوا تجاهلها، ولهذا السبب كان التأمل لفترات طويلة، يصيب الكثير من الناس بالرعب؛ فالتأمل في الأساس هو أحد الممارسات التي تنطوي على تدريب العقل بأن يكون أقل تشتتًا، وأكثر تركيزًا على التجارب الآنية، فكانت النتيجة أن بعضهم يصبحون فريسة للمشاعر التي طالما تجاهلوها، وتراكمت داخلهم فغمرتهم.
هناك تأثيرات للعلاج النفسي مشابهة للأثر المفترض جراء التأمل، إلا أنه عوضًا عن التدرب على خفض صوت عقلك، والحملقة في جدارٍ طوال ساعات، تجلس في جلسات العلاج النفسي على أريكة أمام رجل أو امرأة ودود، ويرشداك بتروٍ إلى طريقة شعورك، وتعاد العملية نفسها حتى يستسلم عقلك ويكف عن المقاومة.

يشير الكاتب إلى أن الشخص في المستوى الثاني من إدراك الذات يبدأ في معرفة واكتشاف من هو تحديدًا، يقول الكثير من الناس إنهم في هذا المستوى «يستكشفون ذواتهم، يستكشفون كيف يشعرون حقيقة إزاء الأمور السيئة في حياتهم، وعلى الأرجح كانوا يخفون تلك المشاعر طوال سنوات».
يؤكد الكاتب أن المستوى الثاني هو بلا شك مكان غير مريح، وعادة يقضي فيه الناس سنوات من العلاج النفسي كي يكتشفوا ذواتهم، ويستغرق الأمر وقتًا للشعور بالراحة مع وجود كل تلك المشاعر؛ إذ إن استكشاف كل تلك المشاعر، فضلًا عن السماح لها بالحدوث أولًا، أمر يتطلب الكثير من التركيز، والكثير من الجهد. إلا أن الكثير من الناس يعلقون في المستوى الثاني، يظنون أنه عميق؛ فيتيهون في انغماسهم في مشاعرهم للأبد، ويعتقد الكاتب أن هذا النوع من الانغماس يحدث لأسباب عدة.
أولها أن المشاعر تكون قوية حقًا، لا سيما للذين اعتادوا كبت مشاعرهم طوال حياتهم، فالانفتاح فجأة على مشاعرهم الفياضة حتمًا يشعرهم بأن الحياة تتغير، وأنها عميقة وثقيلة للغاية. وبالتالي، يبدأ الكثيرون في نسج عدد من القصص حول كون هذا المستوى هو أقصى مستويات إدراك الذات، لأنهم ببساطة يختبرون مشاعر طوال الوقت، وقد يتمادون إلى حد وصف هذا المستوى بأنه «صحوة روحية»، وربما يصفونه بكل المصطلحات العظيمة الرنانة مثل «وفاة الأنا»، و«سمو الوعي»، و«الوعي الأعلى». لذا يحذر الكاتب من هذا الشرك، فالمشاعر –حسب ما يكتشف المرء في نهاية المطاف- لا نهائية، وقد لا تعني شيئًا بالضرورة قيِّمًا، وبعبارة أخرى قد تنم المشاعر أحيانًا عن معنى حقيقي في حين أنها أحيانًا أخرى تكون دربًا من الاضطراب الذاتي، وعشوائية تعسفية تمامًا.
يقول الكاتب إنك بمجرد النظر إلى صورة جرو صغير سيراودك شعور جيد، لكن هل هناك معنى أو مغزى لهذا الشعور؟ بالتأكيد لا؛ فهو ليس إلا جروًا، الأمر كله أن بعض الناس تضفي بعدًا عميقًا لكل المشاعر التي تنتابهم، قد يبدو هذا خطأ بسيطًا في ظاهره، لكنه في حقيقة كارثي؛ فبسبب الأهمية الكبيرة لبعض المشاعر، يفترض البعض خطأ أن كل المشاعر مهمة وحيوية. الأمر يختلف في الحقيقة، إذ تفتقر العديد من المشاعر للمغزى، فضلًا عن كونها مجرد ملهيات؛ أو بالأحرى ملهيات عن مشاعر أخرى.
يوضح الكاتب تلك الفكرة قائلًا إن هناك فخًّا مخفيًّا في المشاعر، إذ إن تحليل الإنسان مشاعره سيؤدي بالضرورة إلى توليد مشاعر أخرى، فينتهي المرء إلى دوامة لا منتهية من التحقيق مع ذاته، والذي بدوره يجعل الإنسان مهووسًا بذاته بعد فترة من الزمن.
يشير الكاتب إلى أنه في كتابه بعنوان «The Subtle Art of Not Giving a Fuck» فن اللامبالاة، قارن بين الوعي بالذات وتقشير حبة بصل، موضحًا أن أيًّا كان الشعور أو التفكير الذي يراود الإنسان، هناك دائمًا طبقة أخرى تحته، وكلما تعمقت، وكلما أزلت من الطبقات نزولًا، على الأرجح ستنفجر في البكاء بشكل تلقائي من جراء ما تكشف أمامك. ويضيف أن كثيرًا من الناس يعلق في هكذا شرك، متوهمًا أنه أمر مهم، إلا أنه حقيقة لا يأتي بمنفعة، فضلًا عن أن محاولة إرجاع تلك الطبقات مكانها يولد المزيد من القلق والاضطراب وجلد الذات.
المستوى الثالث: ما البقع العمياء في مجال رؤيتك؟
يقول الكاتب إنه كلما زاد وعي المرء بمشاعره ورغباته الخاصة، يكتشف المزيد من الأمور المخيفة، من بينها أنه مليء بالترهات؛ يدرك الناس أن نسبة كبيرة من أفكارهم وأفعالهم ليست إلا انعكاسات لما يشعرون به في لحظة بعينها. ويضيف أن ميل أغلب الناس إلى الشجار أكثر مع أحبائهم دون غيرهم أمر قد يدعو للدهشة، وربما يرجع السبب إلى حد ما إلى أننا نستخدم أحباءنا ككيس الملاكمة عاطفيًّا، أو بعبارة أخرى متنفسًا لغضبنا، نسدد إليهم الضربات العاطفية لتبرير كل المشاعر السيئة التي نشعر بها، سواء أكانوا يستحقون ذلك أم لا، وفي الحقيقة هم لا يستحقون ذلك عادة.

يعتقد الناس أنهم مستقلون في تفكيرهم، يعتمد تفكيرهم على الأسباب المنطقية والحقائق والأدلة، لكن في الحقيقة تحاول عقولنا أغلب الوقت التبرير والتفسير وإيجاد الحجة لما تشعر به قلوبنا بالفعل، ولا سبيل لإصلاح ذلك ما لم يتعرف الفرد إلى ما يحدث به قلبه من الأساس.
يقول الكاتب إنه تناول القصور في الإدراك الواعي من قبل في كتابه وعلى موقعه، وإليكم الملخص:
-
لا يمكن بحال من الأحوال التعويل على ذكرياتنا، فهي عادة ما تسير في اتجاهات خاطئة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتذكر شعورنا في موقف محدد.
-
إننا نبالغ في تقدير ذواتنا باستمرار.
-
الأدلة المتناقضة والمتضاربة عادة ما تزيد من يقيننا بموقفنا.
-
ينصب تركيزنا بطبيعة الحال على الأشياء المتسقة بالفعل مع معتقداتنا المسبقة.
-
أغلبنا إذا ما أتيحت أمامه الفرصة ربما يكذب حتى يحسن من صورة النتائج أمام الآخرين.
يكتفي الكاتب بذكر أوجه القصور تلك، ويركز بشكل أساسي على المغزى الرئيسي وهو أننا سيئون، كلنا دون استثناء أحد، وطوال الوقت.
بيد أنه يؤكد أنه أمر طبيعي ولا مشكلة في ذلك، فالمهم في الأمر أن يكون الإنسان على وعي ودراية بذلك؛ فإدراكنا لنقاط ضعفنا، يجردها من صفة «الضعف»، لكن إن لم ندركها، فإننا نصبح أسرى الآليات المعيوبة لأدمغتنا.
حسب رأي الكاتب، إذا كان المرء يواجه مشكلة في التعامل مع قصور عقله، لعل أفضل الطرق لاستجماع عقله وإدراكه النقاط العمياء في إدراكه هو أن يسعى للحصول على تعليقات الآخرين وآرائهم، عادة ما يكون رأي الآخر بشأننا أفضل، لا سيما الأصدقاء وأفراد الأسرة المقربين منا.
- نتيجة إدراك الذات تقبلها
يقول الكاتب إن هناك نوعًا من الشخصيات سيقرؤون ما كتب هنا، ويمعنون التفكير فيه، ويستطيعون تحديد مشاعرهم السيئة، وكذلك أنماط تفكيرهم السيئة، ثم يصبح بإمكانهم التعرف إلى كل الخدع الأنانية والأشراك التي يزرعها عقلهم أمامهم، ويستطيعون أيضًا إنجاز ما قيل من ممارسة استكشاف الذات، والتعبير عن مشاعرهم، ثم يخلصون لنتيجة واحدة: «أنا سيئ حقًّا».
وهم أناس بإمكانهم رؤية كل عيوبهم الداخلية، وفهم تحيزاتهم وآلياتهم اللاعقلانية، وسيتسنى لهم التحكم في عناصر تشتيتهم، ومصادر إلهائهم، وكذلك مشاعرهم الواهنة؛ فيكرهونها، ما يؤدي بهم بالتبعية إلى كره أنفسهم. يؤكد الكاتب أن ترديد المرء على مسامعه باستمرار أنه شخص سيئ بسبب كل الأفكار والمشاعر التي تراوده، ليس هو المقصود من ذروة الصحة العاطفية والنفسية المنشودة، بل من المفارقات الساخرة أن سلوك هذا الطريق لعنة على صاحبه.
«نخاف المرض مثلكم تمامًا».. ماذا يدور في ذهن مريض الـ«الشيزوفرينيا»؟
يعد جلد الذات بسبب سوء إدارة المشاعر أو بسبب بعض الأفكار المتحيزة أو الأنانية أشبه بالشرك؛ عندما يبدأ الشخص في إصدار الأحكام على ذاته، قد يهيأ له أنه في إحدى مراحل الوعي بالذات، وحين يفعل الشخص ذلك ينتشي لوهلة؛ إذ يشعر أنه شخص مثالي لإدراكه مقدار سوئه.
بيد أن الأمر في حقيقته مختلف، ليس هذا الهدف، يؤكد الكاتب أن إدراك الذات أمر مهدر ولا طائل منه إن لم يؤد بالضرورة إلى تقبل الذات، أثبتت البحوث أن إدراك الذات لا يحقق بالضرورة السعادة لكل الناس، بل يؤدى بالبعض إلى حالة أكثر بؤسًا؛ إذا كان إدراك الذات مصحوبًا بمحاكمة الذات، يصبح الشخص مدركًا لكل السبل التي تبرر جلد ذاته.
ويضيف أن تلك النوبات العاطفية والتحيزات المعرفية من طبيعة الإنسان، وتتواجد داخل كل إنسان وطوال الوقت، لكن ينبغي للمرء أن يدرك أنها لا تعني أنه شخص سيئ بالضرورة، وكذلك لا تعني أن الآخرين سيئون. قال أفلاطون إن الجهل أصل كل الشرور، وإذا ما استحضرنا صورة أكثر الناس شرًا ودناءة، فإن شرهم ليس نابعًا فقط من نوبات مشاعرهم أو تحيزاتهم الفكرية، لكن لأنهم أبوا أن يقروا بأن لديهم عيوبًا.
بعض الشرور لا تصدر من الأفراد نتيجة اختيارٍ واعٍ، بل غير واع، ربما لا يكونوا مدركين مدى الخلل في أفكارهم، وافتقارها العقلانية والرشد، فهم بالكاد ركنوا إلى المستوى الأول من الإدراك بالذات، ولعل المستوى الثاني يخيفهم لأنه يتضمن الاعتراف ببشاعة فعلهم، وهم بلا شك بعيدون كل البعد عن المستوى الثالث، حيث يمكنهم إدراك مدى لا عقلانية افتراضاتهم، وعند تفهمنا ذلك ربما نشفق على حالهم.
التعاطف
يقول الكاتب إن حالة التعاطف تحدث بنسبٍ إذا ما قبلنا ذواتنا، فمن خلال تقبلنا للعيوب في مشاعرنا وعقولنا، يمكننا تقبل وجود عيوب في مشاعر الآخرين وعقولهم من حولنا، وعوضًا عن إصدار الأحكام عليهم أو كراهيتهم، نتعاطف معهم. ويؤكد الكاتب أنه لا يعني بذلك أن التعاطف والمواساة بمثابة حل سحري لكل أمراض العالم، لكنهم بالتأكيد لن يتسببا في تفاقم الوضع سوءًا.

وحسب رأي الكاتب يبدو أن العبارة المبتذلة القديمة بأننا نحب الآخرين بمقدار حبنا لأنفسنا تنطوي على شيء من الصحة، ويضيف أن إدراك الذات يفتح أمامنا فرص تقبل أنفسنا وحبها، ربما ينبغي للمرء أن يعترف لنفسه أنه أخفق بالفعل في كثيرٍ من المواقف، ولم يتمكن من إدارة مشاعره إدارة سليمة أحيانًا، وأنه لديه بعض العيوب والخطايا، فيتبعه بإدراك أن كل ذلك أمر طبيعي، ولأنه صار قادرًا على فهم تلك العيوب، يمكنه مسامحة الآخرين الذين لديهم العيوب نفسها، وبتلك الطريقة يصبح الحب الحقيقي ممكنًا.
ويختتم الكاتب تقريره مؤكدًا أننا عندما نأبى قبول ذواتنا كما هي، فإننا نصبح رهائن حاجتنا الملحة للتخدير والإلهاء، فضلًا عن أننا لن نعود قادرين على قبول الآخرين كما هم، وبالتالي سنبحث عن طرقٍ للتلاعب بالآخرين، أو تغييرهم، ومن ثم تصبح علاقاتنا علاقات تحولية مشروطة، وفي نهاية المطاف سمية وفاشلة.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».