تكشف بيانات الشبكات عن أن متوسط سرعة الإنترنت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ينخفض حاليًا.
عندما واجه العاملون في المجال الصحي، الموجودون في الخطوط الأمامية لمواجهة فيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة الأمريكية، نقصًا في معدات الوقاية الشخصية، نجح مهندسو مختبرات جامعة ويسكونسن في تصميم وإنتاج مخزون من أقنعة الوجه المنقذة للحياة، والتي تصنعها حاليًا شركة فورد. بيد أن تنفيذ مثل هذه الجهود السريعة غير ممكن في العديد من دول العالم، ليس بسبب نقص الكفاءات، وإنما بسبب عدم وجود بنية تحتية رقمية ملائمة.
ويوضح مقال منشور على موقع مدونات البنك الدولي – كتبه كلٌّ من مارولا حداد، وهي خبيرة أولى في شؤون سياسات التنمية الرقمية بالبنك الدولي، وسهيل شيرساد، الباحث المتخصص في الاقتصاد الرقمي وتحديات البنية التحتية في الأسواق الناشئة – إلى أن غياب هذه البنية التحتية الملائمة ينطبق بشكل خاص على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تتعرض بنيتها التحتية الحالية لضغوط في الوقت الراهن.
ويرى الكاتبان أنه في تلك المنطقة التي شهدت عقودًا من الصراع، من المرجح أن تؤدي جائحة كوفيد-19 إلى تأجيج المزيد من عدم الاستقرار وزيادة التفاوتات بين من يتمتعون بقدرات رقمية أقوى، وأولئك الذين يفتقرون إليها، بما في ذلك اللاجئون.
وأشارا إلى أن الجائحة العالمية الحالية أجبرت الأفراد على الابتعاد جسديًّا بعضهم عن بعض، وحوَّلت «حركة المرور» من الشوارع والطرق السريعة إلى الشبكات الرقمية، مما جعل اتصالات الإنترنت عالية السرعة والموثوقة شريان حياة حيويًّا.
وتواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الآن أكثر من أي وقت مضى، خطر التخلف عن الركب بدرجة أكبر؛ بسبب ضعف انتشار شبكات الاتصال بالإنترنت عبر الهاتف المحمول «شبكات الجيل الثالث (3G) وما بعدها» حتى في الأسواق الناضجة نسبيًّا (انظر الشكل 1).
Connected: متصلة
Disconnected: غير متصلة
Fragile: أسواق هشة
Mature: أسواق ناضجة
الشكل 1: انتشار شبكات الاتصال بالإنترنت عبر الهاتف المحمول (شبكات الجيل الثالث وما بعدها) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. المصدر: الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول.
وعلى عكس الاتجاهات الإيجابية التي ظهرت قبل انتشار كوفيد-19، تكشف بيانات الشبكات أيضًا عن أن متوسط سرعة الإنترنت في المنطقة ينخفض حاليًا. ومع اعتبار الشرق الأوسط نقطة مرجعية، ذكر الكاتبان أنهما يهدفان في هذا المقال إلى تحديد السبب الذي يجعل الاتجاهات الحالية مثيرة للقلق، ومدى المشكلة، والأسباب الكامنة وراءها، والخطوات التي يمكن أن تخفف من حدتها.
وأوضحا أن كوفيد-19 نقلنا سريعًا خمس أو عشر سنوات إلى المستقبل، حيث تُجرى معظم التفاعلات عبر الإنترنت. وتحتاج تطبيقات مثل مؤتمرات الفيديو، والوصول إلى الخدمات السحابية، وبث مقاطع الفيديو وغيرها إلى إنترنت عالي السرعة، إلا أن البيانات تكشف عن أن أعباء الجائحة تسببت في تأخر البنية التحتية الرقمية الحالية بسبب اكتظاظ الشبكات.
وأشار الكاتبان إلى أنه مع التزايد التدريجي في تعقيد تطبيقات الإنترنت، فإنها تتطلب، وعلى نحو متزامن، وجود بنية تحتية متطورة وموسعة؛ للتمكن من استخدامها بطريقة يمكن الاعتماد عليها. وفي الوقت الحاضر، تعد الألياف الضوئية – التي يجري نشرها لإنشاء شبكة اتصالات سلكية عريضة النطاق، أو شبكة الاتصالات اللاسلكية المحمولة من الجيل الثالث (أو ما بعدها مثل الجيل الرابع أو الخامس) – هي الحد الأدنى لسرعة الاتصال اللازمة لاستخدام تطبيقات الإنترنت الأكثر تقدمًا.
ومما يثير القلق، أنه حتى العديد من الأماكن التي تتمتع باتصال عالي السرعة بالإنترنت، تواجه تحديات بسبب كوفيد-19، ناجمة عن ضعف قدرة البنية التحتية على استيعاب الوجود المكثف على الشبكة. وتظهر عدم موثوقيتها في صورة انقطاعات، وسرعات أقل، وزمن أطول للوصول، ما يجعلها دون المستوى المطلوب للتطبيقات التي تحتاج إلى نطاق ترددي عريض.
وأوضحا أن بيانات الشبكات في الدول التي سجلت معدلات إصابة مرتفعة بكوفيد-19 تشير إلى وجود نمط مثير للقلق. ففي الفترة من 2 مارس (آذار) وحتى 15 أبريل (نيسان)، انخفضت سرعات تحميل شبكات الإنترنت عبر الهاتف المحمول والخطوط الثابتة في إيطاليا، وإسبانيا، وتركيا. كما بدأت تظهر اتجاهات مماثلة في الشرق الأوسط ومن المرجح أن تستمر. على سبيل المثال، انخفضت سرعات تحميل شبكات الإنترنت عبر الهاتف المحمول والخطوط الثابتة في إيران، والعراق، ولبنان وأماكن أخرى خلال الفترة من فبراير (شباط) وحتى مارس 2020 (انظر الشكل 2).
Mobile download speeds: سرعات تحميل شبكات الهاتف المحمول
Fixed download speeds: سرعات تحميل شبكات الخطوط الثابتة
الشكل 2: انخفاض سرعات تحميل شبكات الإنترنت عبر الهاتف المحمول والخطوط الثابتة بسبب كوفيد-19. المصدر: speedtest.net
ويبعث هذا الأمر على القلق بشكل خاص لأنه يعكس الاتجاهات التي سادت عام 2019، عندما كان متوسط سرعات الاتصال يتحسن تحسنًا طفيفًا في معظم أجزاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (انظر الشكل 3).
Average across all countries: متوسط السرعة في جميع البلدان
Start of COVID-19 crisis بداية أزمة كوفيد-19
الشكل 3: انخفاض متوسط سرعات التحميل عبر الهاتف المحمول بسبب كوفيد-19 (ميجابت في الثانية)
وذكر الكاتبان أن الأسباب الرئيسية الكامنة وراء اكتظاظ الشبكة هي الطفرة المتزايدة في الطلب في «الميل الأخير» من البنية التحتية الرقمية (يُستخدم مصطلح «الميل الأخير» في مجال الاتصالات لوصف صعوبة ربط المستخدم النهائي بشبكة الاتصالات الرئيسية)، والذي يستخدم المحطات القاعدية لتوفير الوصول إلى المستخدم النهائي. كما أن تحول ذروة حركة المرور خلال النهار من المناطق التجارية إلى المناطق السكنية، يفرض المزيد من الضغوط على الطوبولوجيا (هيكل) الحالية للشبكة، مثل تصميم المحطات القاعدية، وغيرها من تجهيزات البنية التحتية.
على المدى القصير، يتعين على الحكومات اتخاذ خطوات لتعزيز تشارك البنى التحتية، وبالتحديد تشارك السِعات غير المستغلة المملوكة للحكومات، وتوفير المزيد من الطيف الترددي للمُشغلين، عندما يكون ذلك متاحًا. وفي المستقبل، ستتزايد أهمية إصلاح سياسات «صندوق الخدمة الشاملة» للاستجابة للأزمة، وكذلك إزالة القيود المفروضة على استثمار النفقات الرأسمالية في قطاع الاتصالات، بما في ذلك ترشيد تكاليف نشر البنية التحتية.
واختتم الكاتبان التقرير بالقول إنه مع زيادة اعتمادنا على الاتصال الرقمي كثيرًا، تزداد حدة خطوط الصدع الحالية الموجودة في شبكات الاتصالات (السعة المحدودة، البنية التحتية غير الكافية، وما إلى ذلك). وقد عمقت هذه الأزمة التفاوتات الناجمة عن الافتقار إلى الوصول الرقمي، لذلك ينبغي توفير الوصول الشامل والموثوق إلى الإنترنت عالي السرعة، قبل أن تصبح هذه التصدعات أمرًا لا رجعة فيه، لاسيما في أكثر مناطق العالم هشاشة.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».