قالت كل من ستيفاني ويليامز وجيفري فيلتمان في تحليل لمعهد «بروكنجز» إن الليبيين يحيون الذكرى العاشرة للانتفاضة ضد معمر القذافي بشيء كان غائبًا منذ سقوط ليبيا عام 2014 في أتون الانقسام والحرب الأهلية: الأمل.
وأوضح الكاتبان أنه في 5 فبراير (شباط)، سهلت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عقد منتدى الحوار السياسي الليبي لاختيار سلطة تنفيذية ليبية مؤقتة جديدة. وقد خلق هذا زخمًا كبيرًا. في الوقت نفسه، يظل الوضع هشًّا، والأسابيع القليلة المقبلة حرجة.
كيف وصلنا إلى هنا؟
لقد خلقت الحقائق العسكرية انفتاحًا سياسيًّا. قبل عام، مع حصار الجنرال خليفة حفتر طرابلس، بدت ليبيا محطمة بشكل لا يمكن إصلاحه. كانت المؤسسات الوطنية في تلك المرحلة منقسمة منذ فترة طويلة بين الفصائل في شرق ليبيا وغربها، ومجردة من الشرعية المحلية. ومع توقف صادرات النفط، تدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بسرعة. وزادت جائحة كورونا من بؤس السكان بشكل كبير.
ومع ذلك، فإن هجوم حفتر، الذي بدأ في عام 2019 – بدعم كبير من الإمارات العربية المتحدة وروسيا ومصر – خلق في النهاية الظروف التي كان مبعوث الأمم المتحدة آنذاك، غسان سلامة، يستغلها لإطلاق العملية السياسية التي تعد الآن بإعادة توحيد ليبيا مرة أخرى. ولكن مع تعطل مساعي مجلس الأمن بسبب الانقسامات حول ليبيا – يستدرك الكاتبان – عقد سلامة مؤتمرًا دوليًّا استضافته ألمانيا في يناير (كانون الثاني) 2020 لبناء إجماع عالمي من شأنه أن يوفر مظلة دولية للمسارات الليبية الثلاثة، بقيادة الليبيين أنفسهم.
على الأرض في ليبيا، دفع استخدام حفتر للأسلحة المتطورة من داعميه الخارجيين – ناهيك عن إرسال قوات المرتزقة – بحكومة طرابلس اليائسة إلى التواصل مع تركيا للحصول على المساعدة. في تراجع مذل لحفتر، ساعد الدعم العسكري التركي في إنهاء حصار طرابلس ومطاردة قواته باتجاه الشرق. كانت الهدنة الفعلية التي أُقرت في وسط ليبيا في يونيو (حزيران) 2020، والمتمركزة في محيط مدينة سرت، بمثابة اعتراف ضمني من قبل الأطراف الخارجية بأنه لا يمكن لحكومة طرابلس وداعميها الأتراك ولا لقوات حفتر وداعميه الإماراتيين والروس السيطرة عسكريًّا على كل البلاد.
ضم ما يسمى بإطار عمل 5 + 5 عشرة ضباط – خمسة يمثلون حكومة الوفاق الوطني، وخمسة عينهم حفتر – غرباء بعضهم عن بعض: جميعهم خدموا في عهد الديكتاتور الليبي معمر القذافي لفترة طويلة. وقد سمحت الهدنة باقتراح لقاء وجهًا لوجه، بتيسير من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وبينما كانوا يمثلون أطرافًا متعارضة تلقت دعمًا عسكريًّا خارجيًّا، توصل الضباط العشرة سريعًا إلى إجماع على ضرورة رحيل كافة القوى الأجنبية، للمساعدة في تهدئة الموقف. نظرًا إلى العدد الكبير من المرتزقة وتزايد القواعد العسكرية الأجنبية، فقد الليبيون بسرعة القدرة على تقرير مستقبل بلادهم بأنفسهم. أصبح احتلال قواعدهم إهانة لليبيين الذين طالما عبروا عن شكوكهم بشأن المخططات الأجنبية على بلدهم.
أدى هذا الاهتمام المشترك المتمثل في عدم تنازل الليبيين عن السيطرة على بلادهم إلى إعلان 5 + 5 في 23 أكتوبر (تشرين الأول) بأن الهدنة الفعلية حول سرت أصبحت الآن وقف إطلاق نار شامل مع مهلة 90 يومًا لمغادرة جميع القوات الأجنبية.
احتفل الليبيون باتفاق وقف إطلاق النار. وأضاف التحليل أنه سرعان ما دعت 5 + 5 إلى المصالحة الوطنية. خلقت عملية 5 + 5 ضغوطًا على السياسيين. فإذا كان بإمكان الجنرالات تحقيق نتائج تجاوزت الانقسامات المتعددة في ليبيا، فلماذا لا يفعل ذلك القادة السياسيون؟ لم تنجح المؤسسات الممزقة التي قادها السياسيون إلا في إثرائهم، ولكن الشعب الليبي انحدر انحدارًا أعمق إلى بؤس الحرمان الاقتصادي والخدمات الفاشلة، مع احتدام تفشي فيروس كورونا. بالإضافة إلى وقف إطلاق النار، أتاحت محادثات 5 + 5 عملية إزالة الألغام لإعادة فتح الطريق الساحلي المهم بين أبو غرين وسرت، وسهلت تبادل العديد من المحتجزين، ومكنت من فتح طرق جوية داخلية في جميع أنحاء البلاد.
أكبر حدث سياسي منذ 2011
بعد سلسلة اجتماعات المسار الثاني التي قام بتيسيرها مركز الحوار الإنساني ومقره جنيف، وضعت البذور لعقد أول اجتماع لمنتدى الحوار الليبي في تونس في نوفمبر (تشرين الثاني) وصياغة خارطة طريق تقر بما تبرزه استطلاعات الرأي على الصعيد الوطني باستمرار: أن الليبيين يطالبون بتوحيد مؤسسات البلاد وعقد الانتخابات الوطنية. ترتكز خارطة الطريق على الحاجة إلى حماية حقوق الإنسان وتعزيز مبادئ العدالة الانتقالية، بما في ذلك المساءلة.
يتألف منتدى الحوار الليبي نفسه من ممثلين منتخبين من مؤسستي الصخيرات (في إشارة إلى اتفاق الصخيرات في المغرب)، ومجلس النواب في الشرق، والمجلس الأعلى للدولة. جُمع هؤلاء الممثلون المنتخبون من قبل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بما في ذلك قطاع عريض من القوى السياسية والشباب والنساء والجماعات العرقية والقبائل والشخصيات المتنوعة جغرافيًّا. اللافت هو أن منتدى الحوار الليبي ضم أنصار النظام السابق، وهو أول حدث سياسي كبير منذ ثورة 2011 يشمل ما يسمى بـ«الخضر».
ليس من المستغرب أن يكون هناك جدل كبير حول اختيار أعضاء منتدى الحوار الليبي – ينوه الكاتبان. من أجل تعزيز شرعية المنتدى، أنشأت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مسارات فرعية للنساء والشباب والبلديات، وأطلقت سلسلة من الحوارات عبر الإنترنت بالعمل مع وحدة الابتكار التابعة لإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام التابعة للأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة. عقدت خمسة حوارات بين أكتوبر وفبراير، شارك فيها أكثر من ألف شاب ليبي في كل جلسة.
تعمق هذا الالتزام بالشفافية في وقت سابق من هذا الشهر، عندما ظهر المرشحون الـ45 المتنافسون على مناصب في السلطة التنفيذية المؤقتة على الهواء مباشرة عبر التلفزيون و«فيسبوك» أمام الجمهور الليبي. كانت هذه طريقة غير مسبوقة لتقديم ترشيحاتهم، مما أجبرهم على الرد على الأسئلة الصعبة التي طرحها الجمهور. تبددت أي نفحة من التعاملات الخلفية المليئة بالدخان، مع متابعة الحدث من ما لا يقل عن 1.7 مليون ليبي.
بالإضافة إلى ذلك، طلبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من المرشحين الالتزام شفهيًّا والتوقيع على التعهدات لدعم خريطة الطريق، والالتزام بإجراء انتخابات وطنية في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، وقبول نتيجة عملية اختيارات منتدى الحوار، والمرشحين لرئاسة الوزراء، والموافقة على تعيين النساء في 30% من المناصب التنفيذية العليا.
بالتوازي مع هذه التطورات السياسية – يضيف الكاتبان – حدث تقدم ملحوظ في المسار الاقتصادي الذي تيسره بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا: لأول مرة منذ عام 2014، تمتلك ليبيا ميزانية موحدة. اجتمع مجلس إدارة البنك المركزي في ديسمبر، بعد انقطاع دام خمس سنوات، لتوحيد سعر الصرف في البلاد، والتخفيف من أزمة السيولة. ووافق أخيرًا على تقديم قروض للبنوك التي كانت تحت ضغط تراكم متزايد من الشيكات غير المحصلة الناتجة من نظام التسوية المصرفية المنقسم بين الشرق والغرب.
5 مهام رئيسية تكمن في قلب التطورات الجديدة
لقد أيدت جميع الجهات الفاعلة المحلية الرئيسية – بما في ذلك الجنرال حفتر – خطة منتدى الحوار الوطني الليبي. كما أشادت الجهات الخارجية الرئيسية – بما في ذلك قادة مصر وتركيا والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وروسيا – بالتطورات. انضمت الولايات المتحدة إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة في تأييد مشترك للعملية. وتغلب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الانقسامات وأصدر بيانًا يرحب بإعلان السلطات المؤقتة.
من أجل الحفاظ على هذا الزخم، يجب على أصحاب المصلحة الليبيين والمجتمع الدولي التحرك بسرعة. مع استمرارهم في توفير التسهيلات التي ساعدت الليبيين على البدء في تجاوز انقساماتهم، يجب أن تكون بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والمبعوث الخاص الجديد إلى ليبيا، يان كوبيس، قادرين على الاعتماد على الجهات الخارجية التي أمضت السنوات العديدة الماضية في إشعال الانقسامات الليبية للتركيز على دعم العملية، بالأفعال والأقوال.
أولًا: يجب على رئيس الوزراء المكلف، عبد الحميد دبيبة، تشكيل حكومة تكنوقراطية صغيرة وشاملة مع مجموعة منفصلة من المهام: تقديم الخدمات للبلديات التي تعاني من نقص الموارد منذ فترة طويلة، وتوفير الدعم على الصعيد الوطني لمكافحة الوباء، والاستثمار في البنية التحتية للكهرباء لتجنب انهيار الشبكة في صيف 2021، وتوحيد المؤسسات التنفيذية والسيادية، وتمهيد الطريق لانتخابات ديسمبر. وفقًا لخارطة الطريق، أمام دبيبة 21 يومًا منذ اختياره في 5 فبراير لتشكيل حكومته.
ثانيًا: – بحسب التحليل- يجب أن يصادق مجلس النواب الليبي ومقره طبرق، على السلطة التنفيذية الجديدة في غضون 21 يومًا من تقديم دبيبة لخيارات وزارته وبرنامجه الحكومي. للأسف، أصدرت الفصائل في مجلس النواب دعوات متنافسة للجلسات بشكل غير مفيد، بحسب التحليل، ويمكن للأمم المتحدة والمجتمع الدولي المساعدة في التوسط لتنظيم اجتماع واحد. يجب إقناع أعضاء البرلمان بمحاكاة المثال الذي حددته عمليتا منتدى الحوار الوطني و5 + 5، وتنحية خلافاتهم جانبًا من أجل مصلحة الدولة.
ثالثًا: يجب على منتدى الحوار الوطني امتلاك زمام الأمور بوصفهم أوصياء ومراقبين للعملية والسلطة التنفيذية التي أنشأوها. خارطة الطريق، التي وافق عليها أعضاء المنتدى بالإجماع في اجتماع نوفمبر في تونس، هي المرجع الأساسي للمضي قدمًا. لقد وُضعت خارطة الطريق لمنع تكرار ما حدث للاتفاق السياسي الليبي لعام 2015، عندما رفضت المؤسسات القائمة (بما في ذلك مجلس النواب) ببساطة التزاماتها بإعادة توحيد السلطات التنفيذية.
وتحسبًا لفشل المؤسسات المتوازية – وبالتحديد الحكومة المعترف بها دوليًّا في طرابلس والسلطة التنفيذية الموازية في البيضاء – في حل نفسها لصالح هيئة تنفيذية موحدة جديدة، وضع منتدى الحوار الوطني آليات احتياطية في خارطة الطريق: إذا فشلت المؤسسات في احترام نقاط الاتفاق والمواعيد النهائية، يعود الأمر إلى المنتدى.
رابعًا: – يقول الكاتبان – يجب على الحكومة الجديدة والمجتمع الدولي دعم المفوضية القومية العليا للانتخابات بقوة. بينما تعد اللجنة قادرة تقنيًّا، وتتلقى المساعدة الفنية من الأمم المتحدة منذ عام 2012، فإنها ستحتاج إلى مساعدة إضافية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر.
خامسًا: يتعين على الدول التي تتدخل بشكل مباشر في الشؤون الداخلية لليبيا الوفاء بالتزاماتها بالالتزام باستنتاجات مؤتمر برلين في يناير 2020، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2510، وحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة منذ عام 2011 ويتجدد سنويًّا. ولما كان الموعد النهائي في 23 يناير الذي حددته المحادثات الأمنية 5 + 5 في نوفمبر انتهى دون الامتثال، فإن أولئك الذين أرسلوا قوات ومرتزقة إلى ليبيا يحتاجون إلى احترام مطلب يعده الليبيون ملزمًا وذا صلة بنجاح العملية الحالية.
ماذا ينتظر الليبيون في المستقبل؟
من المهم أن نتذكر أن الحكومة المؤقتة لن تفعل كل شيء. أولئك الذين جرى اختيارهم لأدوار مؤقتة، ولا سيما رئيس الوزراء المكلف، أثاروا الجدل في الماضي. لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الجمهور على ما يبدو تبنى هذا الجهاز التنفيذي الموحد الجديد جسرًا نحو الانتخابات المطلوبة. وبالنظر إلى أن صلاحيتها محدودة، يمكن للحكومة الجديدة الحفاظ على الشرعية اللازمة للإشراف على الانتخابات من خلال إبقاء برنامج عملها بسيطًا وموجَّهًا نحو تحسين الظروف المعيشية وتقديم الخدمات.
ويجب على مجلس الرئاسة المؤقت، الذي جرى اختياره في 5 فبراير، أن يتبنى بجدية المهمة الموكلة إليه في خارطة الطريق لإطلاق برنامج المصالحة الوطنية. هناك بعض المهام – مثل اللامركزية – التي ستتطلب مزيدًا من الوقت، وحكومة منتخبة تتمتع بشرعية شعبية تمنحها انتخابات موثوقة. كما قال ديزموند توتو، الطريقة الوحيدة لأكل الفيل هي أخذ قضمة في المرة الواحدة.
يشير التحليل إلى أنه لا شك أن الطريق مليئة بالتحديات. إن إلقاء نظرة على معاناة ليبيا التي طال أمدها منذ تأرجح المؤسسات الموحدة ثم انهيارها في عام 2014 تؤكد خطأ بعض المراقبين الذين يؤمنون بإمكانية الحلول السريعة. يعد الاتفاق السياسي الليبي المجهض لعام 2015، والذي أشاد به الكثيرون عند توقيعه، سابقة واقعية.
من السهل نسبيًّا الإشارة إلى المخاطر ونقاط الضعف والعيوب في خطة منتدى الحوار الوطني الليبي. لكن الأصعب هو إيجاد مسار بديل لا يهدر أكثر اللحظات الواعدة التي مرت بها ليبيا منذ سنوات، مع وقف إطلاق النار، وعمليات مختلفة تتجاوز الانقسامات في ليبيا، والإنجازات الاقتصادية، وتوق السكان للتحرك نحو الانتخابات. وستكشف الجداول الزمنية الطموحة لخارطة الطريق قريبًا ما إذا كانت الالتزامات الشفوية المتلفزة من قبل القادة السياسيين الحاليين بالتنحي لصالح السلطات المؤقتة الجديدة قد عُرضت بحسن نية.
للمضي قدمًا، سيحتاج المجتمع الدولي إلى كبح جماح شهية حكومة دبيبة، والعمل على الحد من تدخل الجماعات المسلحة في عملها، ودفع جميع المؤسسات لإجراء انتخابات وطنية. سيحتاج منتدى الحوار الليبي إلى تحمل مسؤولياته بوصفه وصيًّا على العملية. يمكن للإدارة الأمريكية الجديدة، باستثمار صغير واستخدام سلطتها لعقد الاجتماعات، أن تساعد الأمم المتحدة، وكذلك الدول والمنظمات التي تشارك في عملية برلين. من خلال هذه الجهود المتضافرة، يمكن لليبيين الدخول في العقد الثاني بعد الثورة مع قدر من الأمل في زيادة الاستقرار والأمن وإجراء انتخابات وطنية لتجديد الشرعية الديمقراطية للمؤسسات الليبية.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».