كانت أمس درجات الحرارة حارقة في بودابست عاصمة المجر، وتعد تلك آخر الموجات الحارة الحارقة منذ بداية الصيف. في محطة قطار مدينة كيليتي الشرقية، بدأ تصاعد التوتر ليبلغ عنان السماء، حيث تجمع مئات اللاجئين السوريين عند مدخل المحطة، في مواجهة شرطة مكافحة الشغب التي أظهرت هدوءًا من جانبها أمام حشود المتظاهرين. إلا أن المتظاهرين بدؤوا في الهتاف تدريجيا مؤكدين على رغبتهم بالسفر إلى ألمانيا، إذ استمروا بالهتاف باسمها “ألمانيا ألمانيا”. وفي الوقت ذاته، حاول المسافرون الآخرون بالقطار شق طريقهم لأشغالهم وسط الأُسر النائمة في محطة القطار.

 

حاليًا يتمركز الآلاف من الناس خارج مدينة كيليتي عقب إخلاء الحكومة المجرية المحطة، ومنعها اللاجئين من السفر إلى أوروبا الغربية. وكان ذلك القرار مغايرًا تمامًا للموقف السابق تجاه اللاجئين، إذ تم السماح أول أمس لمئات المهاجرين بركوب القطار المتجه إلى فيينا، والذي أدى بدوره إلى احتجاجات غاضبة من قبل المسؤولين النمساويين. وهكذا، أصبح المبنى العريق لمحطة القطار- والذي يعود للقرن التاسع عشر- نقطة ضغط رئيسية في أزمة اللاجئين المستمرة في أوروبا. ينتظر المهاجرون هناك في سأم، فهم يفترشون الأرض الخرسانية، وينامون على ورق مقوى. ولاسيما أن الكثير منهم كان على سفر لعدة أسابيع، وبعضهم دفع جميع مدخراته مقابل تذاكر القطار التي لم يعد بإمكانهم استخدامها.

 

يعتبر غلق طريق القطار خبرًا جيدًا لمهربي البشر، فبعض المهاجرين وصلوا من اليأس لدرجة تجعلهم يخاطرون بحياتهم في رحلة برية محفوفة بالمخاطر داخل سيارة مغلقة. في أغسطس، تم العثور على 17 شخصًا ماتوا بالاختناق في شاحنة مهجورة في النمسا. وأنقذت الشرطة النمساوية 24 مراهقًا أفغانيًا إثر العثور عليهم محتجزين داخل ناقلة مغلقة بإحكام.

وقد وصف السياسيون الذين يسعون لإيجاد ذريعة لرفض طالبي اللجوء بأنهم لاجئون لأسباب اقتصادية، بدلاً من كونهم  لاجئين سياسيين. للأغلبية يعتبر هذا التمييز تعسفيًّا، لأنهم فروا من الحرب والوضع الاقتصادي المدمَّر على حد سواء.

 

على سبيل المثال، ينتظر أحمد – وهو شاب دمشقي – في محطة قطار مدينة كيليتي منذ ثلاثة أيام، بعد رحلة برية  استغرقت أكثر من  ثلاثة أسابيع عبر تركيا واليونان ومقدونيا والصرب. يقول أنه يتطلع لأمرين: السلامة البدنية، والقدرة على العمل وإعادة بناء حياته. وبعد وصوله لأوروبا يأمل أحمد – الذي طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي – في إحضار بقية أسرته من سوريا، وكما يقول “لقد فررنا من الموت أربعة مرات، وأطفالنا خائفون طوال الوقت. يمكنك أن ترى الخوف في عيونهم، حتى إذا أغلقت الباب بصوت عال”.

 

رسم يوضح أعداد اللاجئين المسموح بها والمقبول في دول الاتحاد الأوروبي

رسم يوضح أعداد اللاجئين المسموح بها والمقبول في دول الاتحاد الأوروبي

 

حتى الآن، تم إنشاء مناطق للعبور في محطات القطار الرئيسية في بودابست، وقد زودت بدورات مياه، ومياه جارية، وأماكن للاستحمام. وتم تعيين طبيب وممرضة لتوفير الخدمات الطبية الأولية. ونسقت مجموعات المتطوعين لتوفير إمدادات الغذاء والمياه والملابس النظيفة. وقد صرحت سوزانا زوهار – المتحدثة باسم منظمة مساعدة اللاجئين – وهي شبكة من المتطوعين – وكان هذا النهج في التعامل مع اللاجئين فعَّالًا عندما كانت أعداد المحتشدين خارج المحطة مجرد بضع مئات من الناس. ولكن أمام تلك الأعداد الجديدة أصابه العجز. وتضيف السيدة زوهار أنه وفقا للظروف، من المدهش كيف تتصرف كل تلك الأعداد بسلمية.

ألمانيا ترحب والمجر تغلق أبوابها

 

حاول العديد من المهاجرين تجنب إجراءات الهجرة البيروقراطية في المجر في خضم اندفاعهم نحو الغرب. لكن الآن بعد غلق الباب أمامهم، سيكون من الأفضل لهم ترك المحطة، واتباع الطريق الرسمي للمرور عبر البلاد. فتقول السيدة زوهار “اذهبوا لمكاتب الهجرة، وسجلوا بها، واحصلوا على بطاقة هوية؛ ثم بعد ذلك اذهبوا لمخيمات اللاجئين المخصصة لكم، لتفكروا في خطوتكم القادمة”. ومع ذلك تضيف أنه يتعين على السلطات جعل المخيمات أكثر احتمالاً، فهي حاليًا مكتظة، والطعام سيء، والغرف ممتلئة؛ إذ ينبغي على السلطات أن تعامل الناس معاملة آدمية، وليس مثل الحيوانات.

 

وعلى الرغم من المخاطر الصحية والصرف الصحي، أعلنت السلطات أنها لن توفر المزيد من التسهيلات والخدمات في محطة كيليتي، فهو ليس ملجأ رسميًا، وليس من المفترض أن يتواجد به اللاجئون هكذا. يقول زولتان كوفاكس المتحدث باسم الحكومة المجرية: “لن تسمح الحكومة بإضفاء طابع مؤسسي على وضع غير قانوني”. وقد صرح مسؤولون مجريون أن – بهذا الوضع – نظام الهجرة في أوروبا قد تم اختراقه؛ فالمجر الآن تبني سياجًا بطول 175 كيلو مترًا على حدودها مع صربيا التي تعتبر الطريق الرئيسي لقدوم طالبي اللجوء. وحتى الآن، بدلاً من ردع المهاجرين، أثار السياج اندفاع الناس بسرعة أكثر من ذي قبل في محاولاتهم للوصول إلى أوروبا قبل الانتهاء منه.

 

تلقت المجر أكثر من 150000 وافد هذا العام، ومن المستبعد أن يتراجع هذا الزحف البشري. وقد قبلت ألمانيا المهاجرين السوريين الشهر الماضي، حيث توقفت عن تطبيق اتفاقية دبلن لدول الاتحاد الأوروبي، التي تنص على وجوب طلب اللجوء السياسي من أول بلد أوروبي يصل المهاجرون له. إلا أن ألمانيا تقبل طلبات اللجوء من جميع المهاجرين السوريين بغض النظر عن أي بلد أوروبي وطئته أقدامهم أولاً، أو حتى مروا به في سفرهم. لكنها في نفس الوقت تقول أن اتفاقية دبلن مازالت قائمة. ويصف السيد كوفاكس هذا التصرف “بالازدواجية”. وتشتكي  المجر، وكذلك حكومات دول أوروبا الوسطى الأخرى أن ما تقوم به ألمانيا ما هو إلا تشجيع المزيد من المهاجرين ليحاولوا السفر عبر بلادهم. وفي 2 سبتمبر أرسل مكتب رئيس الوزراء المجري خطابًا تهكميًا للسفارة الألمانية، طالبًا منها إرسال شخص على الفور إلى محطة قطار كيليتي ليشرح للمهاجرين هناك حقيقة سياسات اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي.

 

إلا أنه من الواضح أن النهج الذي تفرضه المجر إزاء المهاجرين غير فعَّال. لذا، أعلنت الحكومة أنها ستنشئ منطقة “رعاية اجتماعية” خلف محطة قطار كيليتي، وستزودها بمرافق أفضل للتخفيف من الفوضى. ويصر السيد كوفاكس أن طالبي اللجوء المخيمين الآن في محطة قطار كيليتي هم خارجون على القانون. وينبغي عليهم تقديم تقارير إلى المخيمات  المخصصة لتلقي بطاقات الهوية والتأشيرات. لكنه يقر أنه ليس بوسعه فعل شيء يثنيهم عما يصرون عليه، فكما يقول “لديهم هدف واحد في أذهانهم: أريد الذهاب إلى ألمانيا”.

.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد