يتناول تيم هيل، المحاضر في التسويق بجامعة باث البريطانية، وروبن كانيفورد، من قسم الإدارة والتسويق بجامعة ملبورن، في مقالهما المنشور على موقع «ذا كونفرزيشن» أساليب الشركات في استغلال الرياضة بفعالياتها وجماهيرها لتبييض سمعتهم فيما يخص القضايا البيئية.

Embed from Getty Images

أساليب تسويقية

يبدأ المقال بالإشارة إلى معاناة شركات التعدين والطاقة والصناعات المعتمدة على الكربون من السمعة غير الطيبة التي تلاحقها، لا سيما مع تزايد الوعي بتأثيرها البيئي السلبي؛ لذلك أصبحت هذه الشركات في أمسّ الحاجة إلى إحكام سيطرتها على مكانتها في الرأي العام، وأفكار الناس حولها.

اعتمدت الشركات لعقودٍ عديدة على أسلوب الغسيل الأخضر لإخفاء آثارها الضارة على البيئات الطبيعية، ويتمثل هذا الأسلوب في تقديم معلومات، أو انطباعات مضللة، حول مدى احترام الشركة للجانب البيئي، أو بتضليل المستهلكين بشأن الممارسات البيئية للشركة، إلا أن الحكومات بدأت بإصدار تشريعات ضد هذا الأسلوب في أماكن مختلفة من العالم.

ومع ذلك ما يزال في جعبة الشركات حيل تسويقية أكثر دهاءً وبراعة: «الغسيل الرياضي (sportswashing)»، يرمز هذا المصطلح إلى أساليب تبييض السمعة من خلال الرياضة، والتي تتجسد عادةً في رعاية الفِرق، أو الفعاليات الرياضية، وبهذه الطريقة تُسخّر الشركات والمنظمات الآثار الإيجابية للرياضة للتخلّص من الارتباطات السلبية المقرونة بمشاكل مثل التدهور البيئي، وانتهاكات حقوق الإنسان.

ويضرب المقال مثالًا بأستراليا؛ إذ غالبًا ما تشارك شركات التعدين والطاقة مع المنظمات الرياضية من القواعد الشعبية إلى مستوى النخبة سواءً بسواء. ويشير الكاتبان إلى البحث الذي عملا عليه فيما يخصّ هذا الموضوع، والذي تبين فيه أن رعاية الرياضة تُعتبر وسيلة قوية لتوجيه «الأجواء» الرياضية إلى العلامات التجارية، وصرف الانتباه عن دور الشركات في زيادة التغير المناخي.

Embed from Getty Images

كيف يُستثمَرُ الغسيل الرياضي؟

لطالما مثّلت الفعاليات الرياضية موقعًا ملائمًا لممارسة «القوة الناعمة»، ومن ذلك الألعاب الأولمبية أو كأس العالم على سبيل المثال؛ إذ تقدرُ البلدان التي تستضيفها على تحدّي الصور العالمية السلبية من خلالها. ويذكر المقال مثالًا دولة قطر التي تغتنم فرصة استضافتها لكأس العالم لكرة القدم هذا العام لتتمكن في هذه الفترة من إعادة تشكيل سمعتها في عددٍ من القضايا، بما في ذلك قضايا حقوق الإنسان.

يظهر أثر رعاية الرياضة في تحقيق نفس المقاصد للشركات، ويعدّد المقال أسماء متعددة من عمالقة التعدين والطاقة (مثل: Adani، وRio Tinto، وOrigin، وWoodside)، وتشترك جميعها برعاية مختلف الفرق والبطولات الدولية من المستويات الرياضية المحلية إلى الدولية.

ويخلُص البحث الذي عمل عليه الكاتبان إلى ملاحظةٍ واضحة: عندما ترعى الشركات الفعاليات الرياضية ترتبط علاماتها التجارية بـ«الأجواء»، أو بعبارة أخرى بالتجارب العارمة للمشاعر المشتركة. بمرور الوقت تبدأ الجماهير الرياضية بربط شعارات الرعاة وأسمائهم بهذه التجارب، بشكلٍ تُصبح فيه العلامات التجارية للرعاة مستودعات لهذه الطاقات العاطفية.

Embed from Getty Images

يصبّ هذا الأمر في مصلحة الشركات الراعية؛ لأن شعور الناس بالعاطفة تجاه علامة تجارية ما يزيد من احتمال تذكّرهم لتلك العلامة التجارية، والتحوّل لعملاء مخلصين لها. ومن جانبٍ آخر يمكن لهذه الارتباطات العاطفية الإيجابية أن تصرف الانتباه عن العلاقات الإشكالية للشركات بشأن العديد من القضايا، بما في ذلك التغير المناخي والتلوث.

هل تنقلب الحيلة على أصحابها؟

يحيل المقال إلى حوادث عدة ظهر فيها اعتراضات صريحة ضد أسلوب الغسيل الرياضي، ومنها تقرير صدر عام 2021 ذُكِر فيه أكثر من 250 صفقة رعاية، أو ترويج بين الشركات الملوثة، والفرق والمنظمات الرياضية الرائدة في مختلف أنحاء العالم. وأشار التقرير الصادر عن مؤسسة «نيو ويذر إنستيتيوت» إلى تورط مجموعة من المناسبات والبطولات الرياضية الأسترالية، بما في ذلك دوري كرة القدم الأسترالي، ودوري البيسبول الأسترالي، وبطولة إستراليا المفتوحة للتنس لعام 2021.

وأدان البعض بطولة أستراليا المفتوحة لقبولها عملاق الطاقة الأسترالي «سانتوس (Santos)» بمثابة «شريك غاز طبيعي رسمي». وفي العام الماضي قالت مجموعة «كومس ديكلر (Comms Declare)»: إن القرار يتعارض مع التزام تنس أستراليا بإطار عمل الأمم المتحدة للرياضة من أجل المناخ.

كما تعرضت منظمة «سيرف لايف سافينج أستراليا» لانتقاداتٍ لقبولها رعاية من مورّد البترول أمپول (Ampol)، لأسباب متعددة ليس أقلّها أن صناعة الوقود الأحفوري تهدد البيئات الساحلية التي تعتبرها المنظمة موطنها.

ينضم الرياضيون أيضًا إلى الأصوات الناقدة في هذا المجال، ومن ذلك ما يذكره المقال عن انتقاد كابتن الرجبي الأسترالي السابق ديفيد بوكوك لقرار الرجبي الأسترالي العام الماضي بقبول سانتوس راعيًا رئيسًا لمنتخب أستراليا لاتحاد الرجبي، مشبهًا ذلك برعاية شركات التبغ للرياضة في الثمانينات.

ماذا يعني ذلك لرعاية الرياضة؟

مع تزايد الوعي بالغسيل الرياضي، يعتقد الكاتبان أن صفقات الرعاية سيلاحقها على الأرجح تدقيق أكبر من المستهلكين والمستثمرين والشركات الأخرى، وسيكون لذلك تداعيات كبيرة على الشركات التي يُنظر إلى صفقات رعايتها على أنها نوع من تبييض السمعة الرياضي.

في السنوات الأخيرة احتجّ عشاق الرياضة على مالكي الفرق الرياضية، ومنظمي الفعاليات الرياضية فيما يخصّ قضايا متعددة، وتظهر الأبحاث أن هذا التحرّك قد يضرّ بإيرادات تلك الشركات، وأسعار أسهمها. وبصورةٍ أعمّ، قد تساهم الدعاية الإعلامية السلبية والاهتمام الحكومي في مساعدة الحراك الرياضي على تحقيق هدفه في إبطال استنفاع الشركات من صفقاتها الرياضية، وبالتالي إحداث ضررٍ أكبر في صور العلامات التجارية المعنيّة.

Embed from Getty Images

يذكر المقال أيضًا حالاتٍ استطاع النشطاء فيها أن يطالبوا بتحولاتٍ جذرية في السياسات الرياضية، ومن ذلك الحادثة التي أجبر مشجعو نادي ليفربول مالكيه على إلغاء ارتفاع أسعار التذاكر، وإصدار اعتذار عن الأمر. ومن هذا المنطلق يتطلع الكاتبان لإمكانية أن يستطيع النشطاء إحداث تغيير في مجال الغسيل الرياضي المضر بقضايا البيئة.

وبالرغم من ذلك ربما آن أوان تدخل هيئات الإدارة الرياضية والمالكين المعنيين ومديري الفعاليات، وذلك عبر إعادة النظر في مبدأ قبول المساهمات من الشركات غير المستدامة بيئيًا؛ إذ يعتبر المقال أن هذه الرعاية تتعارض مع القيمة الثقافية للفعاليات الرياضية والفوائد التي تمنحها الرياضة لمختلف مستويات المجتمع.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد