ينظر الغرب إلى الحوثيين على أنهم جهة الأشرار في حرب اليمن ضد الجهات الطيبة المزعومة (السعودية والإمارات)، وهذا تصور خيالي ناتج عن الهوس المعتاد بشأن إيران.
من المؤكد أن تسوية الصراع في اليمن سيكون أفضل من إطالة أمد هذه الحرب بتوصيفها الخاطئ الذي يشير إلى أن هناك جبهة ما (الحوثيين) تسبَّبت في اندلاع صراع قائم على المبادئ على مستوى المنطقة بأسرها، وذلك حسبما خلُص إليه بول بيلار، عضو سابق في مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، في مقاله المنشور في مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية.
وفي مستهل المقال يُؤكد الكاتب أن الحرب في اليمن تُعد نموذجًا رائدًا للصراعات المحلية التي يُنظر إليها من خلال منظور متحيز يتشكَّل وفقًا لأجندات واهتمامات مختلفة؛ مما يضر كثيرًا بفهم طبيعة الصراع وبإمكانية التوصُّل إلى حلٍّ له.
وتدور المناقشات في الغالب بشأن اليمن على أنها إحدى الجبهات في حملة عدوانية ينفذها محورٌ تقوده إيران لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويقاوم ذلك تحالفٌ تقوده السعودية، والذي يحظى بتأييد معظم المراقبين، وذلك نظرًا لتصوُّر مفاده أن هذا التحالف الذي تقوده السعودية تؤيده وتدعمه إسرائيل والولايات المتحدة. ولن تؤدي هذه الطريقة الخاطئة لتصور هذه الحرب إلا إلى إطالة معاناة اليمنيين، بينما لن تُقدم شيئًا من شأنه أن يخفي حدة التوترات في أماكن أخرى في المنطقة.
الأسباب الجذرية للحرب
يُوضح الكاتب أن الأسباب الجذرية للحرب اليمنية الراهنة أسباب داخلية ضيقة الأفق ليس لها علاقة بالمحاور أو المواجهات الأوسع نطاقًا في الشرق الأوسط. إذ تدافع جماعة الحوثيين، التي تشكل أحد أطراف الصراع، عن مصالح الطائفة الزيدية في شمال اليمن، والذي يُعد مذهبهم فرعًا من فروع الشيعة، لكنه يختلف عن الشيعة الاثني عشرية الموجودة في إيران، وتُشكل الزيدية حوالي 35% من سكان اليمن. وكانت الزيدية تتمتع بقدر كبير من الحظوة، وكان الإمام الزيدي ملكًا على ما كان يُعرف سابقًا باليمن الشمالي إلى أن أُطيح بالنظام الملكي بسبب اندلاع حرب أهلية في وقت سابق.
وفي السنوات اللاحقة كانت الزيدية منزعجة من حكم الأنظمة السنية. وشعروا أن معتقداتهم الدينية تتعرض لخطر الدعاة السلفيين المُموَّلين من الدولة، والذين انتقلوا إلى منطقتهم الخاصة في اليمن، ولتهديد التأثيرات الدينية المماثلة التي تتغلغل عبر الحدود من السعودية التي تهيمن عليها الدعوة الوهابية. وبالإضافة إلى المشاحنات الدينية والثقافية، يشتكي الزيديون أن مناطقهم تتعرض لمظالم اقتصادية تتعلق بالإمدادات الغذائية والمساعدات الإنمائية الشحيحة، وهي المشكلات التي أدَّت إلى إثارة الاحتجاجات التي تصاعدت حدتها حتى اشتعل فتيل الحرب الأهلية الحالية.
وكان دور علي عبد الله صالح، الذي كان رئيسًا لليمن الشمالي ثم رئيسًا لليمن المُوحَّد لأكثر من ثلاثة عقود، وكان يُنظر إليه غالبًا على أنه رجل واشنطن، أقوى دلالة على أن هذه الحرب مسألة مناورة محلية وشخصية، وليست مواجهات واسعة النطاق يجب أن تنحاز إليها قوة خارجية مثل الولايات المتحدة. وبعد أشهر من الاحتجاجات الجماهيرية ضد نظامه الفاسد في ذروة الربيع العربي، أُجبر صالح على التنحي عن السلطة في عام 2011، وحلَّ نائبه عبد ربه منصور هادي محله.
وكان صالح قد أشرف على عديد من السياسات التي أساءت إلى الزيديين، وتحالفَ مع الحوثيين بعدما بدأوا شن هجماتهم. ويسَّرت وحدات عسكرية شكَّلتها عائلة صالح مهمة الحوثيين للسيطرة على العاصمة اليمينة صنعاء. وبعد ذلك بعامين، في عام 2017 أعلن صالح انقلابه على الحوثيين وأنهى تحالفه معهم وهي الخطوة التي كانت على ما يبدو من تدبير الإمارات بالتشاور مع السعوديين. وبعد فترة وجيزة لقيَ صالح حتفه مقتولًا أثناء محاولته الفرار إلى الأراضي التي تسيطر عليها السعودية.
التدخل السعودي في حرب اليمن
يُنوِّه المقال إلى أن الذي حوَّل الحرب الأهلية في اليمن إلى حلبة للتدخل الأجنبي كان التدخل الواسع النطاق الذي نفذته السعودية بداية من عام 2015. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتدخل فيها السعوديون في حرب يمنية؛ إذ سبق للسعودية التدخل في الحرب الأهلية التي اندلعت في الستينات من القرن الماضي بسبب معارضة شعبية ضد الملك الزيدي، وانحازت إلى «النظام الملكي» دعمًا للزيديين، بينما تدخلت مصر آنذاك في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر لدعم المعارضة. ومن الواضح أن دافع السعودية وقتئذ كان يُعزى جزئيًّا إلى رغبتها في التصدي للتحديات التي يواجهها أي نظام ملكي، لكن حافزها الدائم في التدخل كان معارضتها لوجود أي نظام في هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية يتمتع بنزعة استقلالية، وليس حليفًا للرياض.
وكانت الحرب الجوية التي شنتها السعودية منذ عام 2015 أكبر خطوة تصعيدية في الصراع، وكانت السبب الأكبر في وقوع الخسائر والدمار الذي حوَّل اليمن إلى كارثة إنسانية. حتى أن السعودية أعلنت محافظة يمنية كاملة هدفًا عسكريًّا لهجماتها، وهو ما وصفته منظمة «هيومن رايتس ووتش» بأنه انتهاك صارخ لقوانين الحرب بسبب استهداف السكان المدنيين بصورة عشوائية.
وأفاد تقرير للأمم المتحدة أن عدد القتلى اليمنيين بسبب الحرب بلغ حوالي 377 ألف حتى نهاية عام 2021. ويُقدِّر قسم اللاجئين التابع للأمم المتحدة أن أكثر من 4 ملايين يمني نزحوا داخليًّا. وبطبيعة الحال، لا بد أن تكون هناك محاولة للرد على هذه الغارات العنيفة التي تشنها السعودية وحلفاؤها ضد اليمنيين في المناطق التي يُسيطر عليها الحوثيون، وهذا أمر طبيعي وغير مفاجئ. ولذلك حاول الحوثيون استغلال ما لديهم من قدرات، مستخدمين الصواريخ والطائرات من دون طيار ضد السعودية وحليفتها الإمارات، التي لم تزل متورطة إلى حد كبير في الحرب اليمنية على الرغم من انسحابها المعلن سابقًا.
ولا يمكن أن تصل الأضرار والخسائر التي أحدثتها الغارات الانتقامية التي شنَّها الحوثيون إلى مستوى خطأ التقريب (حجم الفرق بين القيمة الدقيقة والتقريب) عند مقارنتها بحجم الموت والدمار الذي يحدث بفعل الجانب الآخر. على سبيل المثال، أدَّى هجوم طائرة مسيرة للحوثيين في أبوظبي في وقت سابق من هذا الشهر إلى تدمير العديد من ناقلات الوقود، وقتل ثلاثة أشخاص.
دافع إيران الأساسي
يستدرك الكاتب قائلًا: ومع ذلك تركز التغطية الصحافية والمناقشات السياسية على هجمات الحوثيين أكثر من التركيز على الدمار الهائل الذي يحدث في الاتجاه المعاكس. وقد يكون السبب في ذلك أن الهجمات التي تشن على مطار أو منشأة نفطية في السعودية أو الإمارات تكون أكثر ظهورًا للعيون الغربية من أي مذبحة تُرتكب في المحافظات النائية في شمال اليمن. وهناك سبب آخر وهو الإطار النظري الذي بموجبه يُنظر إلى الحوثيين على أنهم جهة الأشرار في هذا الصراع الذي تشهده المنطقة ضد الجهات الطيبة المزعومة، وهذا تصور خيالي ناتج عن الهوس المعتاد بشأن إيران.
وبالفعل قدَّمت إيران عدة مساعدات مادية للحوثيين. ويمكن القول إن الدافع الإيراني الأساسي (إلى جانب بعض التعاطف المحتمل مع الطوائف الشيعية المحاصرة) يكمن في استهداف منافستها الإقليمية، السعودية، والسعي لاستمرار استنزافها طالما أنها تصر على التدخل باستخدام القوة في اليمن، على الأقل إلى أن تحدث انفراجة كبيرة في العلاقات بين طهران والرياض، التي طالما أعلنت إيران أنها ترحب بها، أي بهذه الانفراجة.
الحوثيون وإيران
يلفت الكاتب إلى أن المنظور المتحيز ينظر بطريق الخطأ إلى أي شيء يفعله الحوثيون تقريبًا على أنه انعكاس للتدخل الإيراني. ويتجاهل هذا التصور طبيعة الحرب اليمنية وما أنجزه الحوثيون وحدهم على مدار عدة سنوات. كما أنه يتجاهل «نصل أوكام أو قانون التقتير (مبدأ لحل المشاكل ينص على أنه لا ينبغي الإكثار من شيء إذا لم تقتضِ الضرورة ذلك)»، وفيه سنجد التفسير البسيط للسبب الذي يدفع الحوثيين لإطلاق طائرات مسيَّرة ضد السعوديين أو الإماراتيين، وهو أنهم يريدون الرد على الجهات التي تهاجمهم. والتفسير القائل إن الشبكات المتعددة الجنسيات التي يقال إنها تستهدف توسيع نفوذها الإقليمي لاستخدامه لأغراض مستقبلية لن يكون إلا أعقد بكثير، إذ بطبيعة الحال سيستخدم الحوثيون أي عتاد يتوفر لهم، سواء كان مصدره إيران أم لا.
ويقال إن أكبر خطوة اتخذها الحوثيون في هذه الحرب، وهي الاستيلاء على صنعاء، اتخذوها من دون استشارة إيران. وعلى النقيض من ذلك كانت تصرفات علي عبد الله صالح، حليف واشنطن السابق، تساعد الحوثيين في السيطرة على العاصمة.
ويبدو أن علاقة إيران المستمرة بهذه الحرب تُحرك التوصيات المتعلقة بالسياسات الأمريكية للقول إن الضغط على الحوثيين هو أهم الاستجابات التي تنفذها الولايات المتحدة بشأن الحرب في اليمن. فعلى سبيل المثال يرى بعض الجمهوريين في مجلس الشيوخ ضرورة إدراج الحوثيين في القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية. ولن تُحقق مثل هذه الخطوة شيئًا على الإطلاق في اليمن باستثناء زيادة صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي في أمس الحاجة إليها.
وينشغل الحوثيون بالنزاع على النظام السياسي الحاكم في اليمن، وليس لديهم باع أو مصلحة في الإرهاب الدولي. وإذا فُسِّرت الهجمات الانتقامية التي يشنُّها الحوثيون على أنها إرهاب دولي، فعلى الولايات المتحدة إدراك كيفية تطبيق مثل هذا التفسير على بعض عملياتها السابقة.
تسوية الصراع
ويُؤكد المقال أن أهم مؤثر في هذه الحرب المأساوية هي السعودية، بالنظر إلى طبيعة معظم أعمال العنف ومصدرها والمعاناة الناتجة عنها. وأدرك الرئيس الأمريكي جو بايدن ذلك جزئيًّا بإعلانه في بداية توليه الإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة لن تقدم دعمًا مباشرًا للحرب الجوية السعودية، لكنها بدلًا عن ذلك ستزود السعوديين بالمعدات «الدفاعية» فحسب.
ومع ذلك، وعلى الرغم من إعلان بايدن، يواصل المتعاقدون التجاريون الأمريكيون توفير الصيانة وغيرها من أشكال الدعم غير المباشر التي تساعد في الحفاظ على قدرات القوات الجوية السعودية، ومنها الطائرات المستخدمة في الهجوم في اليمن. والأهم من ذلك أن الأسلحة «الدفاعية» نفسها تصب في صالح الرياض إجمالًا، لدرجة أنها تبدد أي خوف من انتقام الحوثيين بسبب القدرات الدفاعية السعودية، وبذلك يصبح حاكم السعودية الفعلي الأمير محمد بن سلمان متأكدًا من عدم وجود أي عائق لاستمرار القصف. ويجب أن تُستخدَم القوة والتأثير اللذين قد توفرهما المساعدات العسكرية الأمريكية للسعودية، يتضمن ذلك حاليًا 126 مليار دولار في صفقات المبيعات العسكرية النشطة بين الحكومتين، على نحو أكبر بكثير مما هو عليه حاليًا لدفع حسابات ولي العهد في اتجاه أقل عدوانية.
ويُضيف الكاتب أن الحوثيين أصبحوا منذ عدة سنوات حكومة الأمر الواقع لجزء كبير من اليمن، والتي تحكم حوالي نصف سكان البلاد. كما أنهم لن يتسللوا بعيدًا إلى التلال النائية في محافظة صعدة، وينبغي أن تقر أي تسوية مقترحة للنزاع بهذه الحقيقة. وربما تكون هذه التسوية نوعًا من أنواع تقاسم السلطة، لكن لا ينبغي استبعاد مقترح إعادة تقسيم اليمن، التي أصبحت متوحدة منذ عام 1990 فحسب. وتشير خريطة مناطق السيطرة الحالية إلى خطوط الحدود العامة عندما كانت اليمن دولتين، ويتوافق معظم ما يسيطر عليه الحوثيون مع حدود اليمن الشمالي سابقًا.
وفي ختام مقاله يؤكد الكاتب أنه إذا كان هناك تقسيم جديد لليمن، فلن يتمخض هذا التقسيم عن بلدين رائعين استثنائيًّا. إذ تنظر العيون الغربية إلى الحوثيين في اليمن الشمالي على أنهم يُمثلون التقاليد والممارسات القتالية البغيضة. وقد يكون جنوب اليمن الجديد أقبح، في ظل حقيقة انخفاض الدعم الشعبي لنظام هادي، بالإضافة غلى سيطرة السعودية عليه إلى حد كبير. وكذلك هناك مناطق أخرى في الجنوب يُسيطر عليها الانفصاليون المدعومين من الإمارات أو الفرع المحلي لتنظيم القاعدة. وصحيح أن التقسيم قبيح وبشع، لكن تسوية الصراع ستكون أفضل من إطالة أمد هذه الحرب بتوصيفها الخاطئ على أنها جبهة واحدة تشارك في صراع قائم على المبادئ على مستوى المنطقة.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».