كتبت كيلي جرينهيل، أستاذة زائرة في جامعة لندن وباحثة في مركز بلفر للعلوم واﻟﺸﺆون الدولية بكلية هارفارد كينيدي الحكومية، تحليلًا نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، تناولت فيه كيف أن المغرب يستعمل المهاجرين والنازحين غير الشرعيين بوصفهم أداة للضغط على إسبانيا وإجبارها على الرضوخ لما تريد، مسلطًة الضوء على عدد من النماذج التي نجحت في استخدام هذه الإستراتيجية.

لماذا لم تكن الهجرة إلى مدينة سبتة مصادفة أو حدثًا غريبًا؟

في مستهل تحليلها أشارت الكاتبة إلى أنه في يوم 17 مايو (أيار) سَبَح أكثر من 6 ألاف شخص، أو عبروا، أو تسلقوا الحواجز الحدودية، التي يبلغ ارتفاعها 32 قدمًا، للعبور من المغرب إلى مدينة سبتة المجاورة الواقعة على الساحل الشمالي لأفريقيا والخاضعة للسيادة الإسبانية، والتي تبلغ مساحتها ثمانية أميال مربعة (20.7 كم²). ونظرًا لأن مدينة سبتة تقع داخل أراضي الاتحاد الأوروبي، يُعد الدخول إليها أمرًا بالغ الأهمية لهؤلاء المهاجرين.

دولي

منذ سنتين
«بوليتيكو»: كيف يستخدم المغرب ورقة المهاجرين للضغط على الاتحاد الأوروبي؟

ووفقًا لسلطات إسبانيا يُعد ما حدث في مدينة سبتة أكبرَ تدفق للمهاجرين غير الشرعيين خلال يوم واحد في تاريخ البلاد. وفي اليوم الذي تلى ذلك لحق بهم ما لا يقل عن ألفي شخص آخرين.

تقول الكاتبة إن هذا الحادث لم يكن من قبيل المصادفة. إذ يبدو أن المغرب هو الذي نظَّم هذا التدفق الجماعي لآلاف المهاجرين عبر الحدود لمعاقبة إسبانيا والضغط عليها. وتظهر بعض لقطات الفيديو أن حرس الحدود من الجانب المغربي كانوا يفتحون الحواجز الحدودية ليسمحوا للمهاجرين غير الشرعيين بالعبور إلى المنطقة الخاضعة للسيادة الإسبانية. 

وتضيف الكاتبة أن الحادث لم يكن غريبًا، موضحة أن الهجرة التي يُرتَّب لها من أجل تحقيق أهداف إستراتيجية أكثر انتشارًا بكثير مما يتصوره معظم الناس. إذ قد يستعمل القادة داخل الحكومات أو خارجها، في أي وقت من الزمان، وفي مكان ما من العالم، المهاجرين أو اللاجئين أو كليهما لتحقيق أهداف سياسية، أو عسكرية، أو اقتصادية. وتقدم الكاتبة في هذا التحليل ما نعرفه عن هذه الظاهرة.

أسلحة الهجرة الجماعية

توضح الكاتبة أنه عندما تستخدم بعض الحكومات أو غيرها من الجهات الفاعلة الهجرة الجماعية سلاحًا، فإنها تستعمل تحركات التجمعات البشرية أو تستغلها، أو تهدد باستخدامها لتحقيق بعض الأهداف الإستراتيجية. وقد أطلقت المغرب العنان لتدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى إسبانيا ردًا على قرار السلطات الإسبانية بالموافقة على استقبال الأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، لتلقي العلاج الطبي. وتُعد جبهة البوليساريو حركة انفصالية تقاتل ضد المغرب من أجل استقلال منطقة الصحراء الغربية المُتنازَع عليها.

Embed from Getty Images

وفي الأيام التي سبقت فتح الحدود المغربية مع مدينة سبتة، أشار المغرب إلى أنه كان يفكر في «الرد المناسب» على موافقة إسبانيا على استقبال غالي. وبعد إغلاق الحدود مرةً ثانية حذَّر سفير المغرب في إسبانيا من تفاقم الأزمة، بناءً على كيفية تعامل إسبانيا مع غالي في المستقبل. وبهذه الطريقة لوَّح المغرب بأنه لا يريد معاقبة إسبانيا على قرارها بالموافقة على علاج زعيم المتمردين فحسب، لكنه أيضًا حاول التأثير على تصرفات إسبانيا في المستقبل.

وأردفت الكاتبة قائلة: وكما استفاض بحثي في توضيح أن بعض الحكومات وغيرها من الجهات غير الحكومية الفاعلة لطالما استخدمت تدفق الهجرة الجماعية عبر الحدود بوصفه سلاحًا لتحقيق أهدافها الخاصة. وغالبًا ما يؤدي ذلك التهديد إما إلى تحطيم القدرة المادية الموجودة لدى الدولة المُستهدَفة نظرًا لاستيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين، أو إلى سحق الإرادة السياسية لذلك المجتمع المُستهدَف. ويُمكن أن تكون مثل هذه التهديدات بالغة الخطورة على نحو مدهش.

نماذج من التاريخ الحديث!

وعلى سبيل المثال نجح رئيس كوبا السابق فيدل كاسترو في استخدام هذه الأداة ضد الولايات المتحدة ثلاث مرات على الأقل للضغط عليها من أجل تقديم بعض التنازلات السياسية. وتمثلت أشهر هذه المرات في عملية هروب ماريل الجماعي (هجرة جماعية غير شرعية لمواطنين كوبيين) بالقوارب عام 1980 عندما نظمت كوبا إرسال 125 ألف كوبي، وكان من بينهم مجرمون ومرضى عقليين، إلى ولاية فلوريدا الأمريكية. ويمكن القول إن هذه الإستراتيجية حققت نجاحًا باهرًا خلال أزمة البالسيروس (وهم الأشخاص الذين هاجروا من دون وثائق رسمية في سفن ذاتية الإنشاء أو غير مستقرة من كوبا إلى الدول المجاورة) في المدة ما بين عامي 1994-1995 عندما فتح كاسترو حدود كوبا مرةً أخرى بعدما رفضت الولايات المتحدة تلبية مطالبه. 

وبطريقة مماثلة، وفي عام 1994، رفض جان برتران أريستيد، رئيس جمهورية هايتي المخلوع، طلبًا أمريكيًّا بأن يقنع شعب هايتي بالعدول عن التوجه إلى الولايات المتحدة، على أمل أن تطيح الولايات المتحدة الطُغمة العسكرية الحاكمة في البلاد، وتُسهِّل عودته إلى السلطة.

ما هي أسباب استخدام سلاح الهجرة؟

تجيب الكاتبة قائلة: يُحدد بحثي أربعة أنماط من الهجرة التي يُرتَّب لها من أجل تحقيق أهداف إستراتيجية. ولا تتعارض هذه الأنماط مع بعضها البعض، بل إن عددًا من أهدافها يتعايش مع بعضه البعض. 

النمط الأول: في النزوح الجماعي المرتَّب لانتزاع الملكية تطرد جهة حكومية أو جهة غير حكومية فاعلة مجموعة من السكان أو بعض التجمعات البشرية من أجل الاستحواذ على أراضيهم أو ممتلكاتهم أو القضاء عليهم بوصفهم تهديد لهيمنتها العِرقية السياسية أو الاقتصادية.

Embed from Getty Images

النمط الثاني: في الهجرة الجماعية المرتَّبة لتصديرها إلى دول أخرى، تسعى بعض الحكومات إما إلى تعزيز موقفها السياسي من خلال إبعاد خصومها السياسيين، أو إلى إرباك بعض الحكومات الأجنبية وزعزعة استقرارها عبر تحميلها عواقب التكاليف الباهظة الناجمة عن تدفق تجمعات بشرية كبيرة إليها.

النمط الثالث: في الهجرات الجماعية ذات الصِبغة العسكرية، تُهجَّر التجمعات البشرية، أثناء النزاع المسلح في أغلب الأحيان، حتى يتمكن أحد الأطراف المتنازِعة من كسب أفضلية عسكرية. وربما تحاول الحكومات أو المجموعات المتمردة إرباك مركز القيادة والسيطرة التابعة لخصومها أو تدميرها، وتعطيل الخدمات اللوجستية، أو إمكانات الحركة من خلال تقويض هياكل الدعم المدني، وخلق معوقات والتسبب في أزمات إنسانية. أو أنهم قد يفعلوا ذلك للاستيلاء على أصول النازحين أو تجنيدهم قسرًا.

النمط الرابع: في عمليات الهجرة القسرية المُرتَبة تستخدم بعض الحكومات أو غيرها من الجهات الفاعلة الهجرة الجماعية أو تستغلها عن عمد لإجبار دولة ما أو عدد من الدول المستهدفة لتقديم بعض التنازلات.

وترى الكاتبة أن ممارسات المغرب في الأسبوع الماضي تندرج تحت النمط الرابع وهو «الهجرة القسرية المُرتَبة»، وهي إستراتيجية منتشرة إلى حد ما. فمنذ عام 1951، بلغ متوسط محاولات الهجرة القسرية المرتَّبة مرة واحدة على الأقل في العام الواحد. ومن بين الحالات التي كشف عنها بحثي، نُظِّم أكثر من 60% من عمليات الهجرة القسرية لتحقيق أهداف سياسية، كما حدث في مدينة سبتة.

بينما كان حوالي 30% من الهجرة القسرية لتحقيق أهداف عسكرية. في حين حوالي 50% منها تهدف إلى تحقيق هدف اقتصادي مثل الحصول على المساعدات الخارجية. ويفوق الإجمالي نسبة 100%؛ لأن هؤلاء الذين يستخدمون هذه الأداة يسعون في الغالب إلى تحقيق أكثر من هدف في آن واحد. 

طُرق استخدام سلاح الهجرة

ويُمكن للقادة ترتيب الهجرة بفاعلية باستخدام الجيش لخلق أزمة هجرة جماعية. على سبيل المثال استخدم الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش الجيش، ووحدات الشرطة الخاصة، والمدنيين الصرب المسلحين، في محاولة فاشلة لإجبار الناتو على وقف حملة القصف عام 1999، لطرد ألبان كوسوفو، خاصة في المناطق التي يوجد فيها جيش تحرير كوسوفو المتمرد. أو يمكنهم ترتيب نزوح جماعي بصورة سلبية، تاركين الحدود المغلقة دون حراسة في العادة، كما فعل المغرب مع مدينة سبتة.

دولي

منذ سنتين
لماذا أصبحت الهجرة من تركيا إلى اليونان أقرب إلى الانتحار؟

وتُشير الكاتبة إلى أن التهديدات وحدها كافية في بعض الأحيان لتحقيق الأهداف المنشودة. إذ هدد الرئيس الليبي السابق معمر القذافي مرارًا وتكرارًا بأن «قارة أوروبا المسيحية البيضاء ستصبح سوداء» إذا فشل الاتحاد الأوروبي في تلبية مطالبه مثل رفع العقوبات المفروضة على الأسلحة، وتقديم المساعدة العسكرية والاقتصادية، أو إنهاء الدعم لجماعات المعارضة الداخلية. ونجح القذافي في استخدام هذه التهديدات، ولو جزئيًّا على الأقل في أعوام 2004، و2006، و2008، و2010، لكنه تصرف بثقة زائدة مميتة في عام 2011، عندما أُطيح به، واغتيل خلال تدخل عسكري بقيادة حلف الناتو. 

وفي أحيان أخرى، يستغل القادةُ المهاجرينَ كثيري التنقل. على سبيل المثال، هدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بإغراق الاتحاد الأوروبي بالنازحين، مع فرار اللاجئين من الحرب الأهلية السورية وغيرهم من المهاجرين إلى الشمال خلال السنوات الأخيرة، من أجل الحصول على المساعدات، والحصول على وعود باستئناف المحادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن الانضمام إليه، مع تحقيق مستويات متفاوتة من النجاح في هذا الاتجاه.

الهجرة القسرية المرتَّبة قد تكون فعَّالة على نحو مدهش

وفي ختام تحليلها خلُصت الكاتبة إلى أنه في حوالي ثلاثة أرباع الحالات التي رصدتَها على الأقل، نجحت الجهات التي استخدمت الهجرة لإجبار جهات أخرى في تحقيق بعض أهدافها. بينما حققت هذه الجهات كل أهدافها أو معظمها في أكثر من نصف الحالات. ويبدو أن استخدام سلاح الهجرة الجماعية أكثر فعالية من فرض العقوبات الاقتصادية أو الدبلوماسية القسرية. ومع ذلك يصعب إلى حد كبير أيضًا إدارة هذا السلاح، والسيطرة عليه، ولذلك نادرًا ما يكون أول إستراتيجية يلجأ إليها القادة أو الجهات الفاعلة.

وسواء حصل المغرب على ما يريد أم لا، فإن ضحاياه الحقيقيين هم المهاجرون واللاجئون أنفسهم. والأمر المؤسف فيما يتعلق بهؤلاء الضحايا، أنه بإمكاننا توقع استخدام الهجرة سلاحًا على نحو متزايد في المستقبل.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد