نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مقالًا للمراسلة المغربية إلهام رشيدي، تصف فيه تردي الأوضاع الحقوقية والسياسية في المغرب، إذ سلطت الضوء على تراجع الحقوق السياسية التي اكتسبها الشعب المغربي خلال السنوات الماضية، والاعتقالات التي تطال منتقدي الحكومة والملك، وزيادة التضييق الأمني على الجهات والشخصيات الحقوقية في المغرب.

«سنوات الرصاص» من جديد

قارنت إلهام بين الأوضاع التي تمر بها المغرب اليوم، وعهد الملك الراحل الحسن الثاني، الذي حكم في فترة أوائل الستينيات إلى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، ولُقِّبَت فترة حكمه بـ«سنوات الرصاص». وتقول الكاتبة إنَّه على الرغم من أنَّ القمع الحالي أقل وحشية بكثير، فإنَّ مجرد شجب حملة الاعتقالات الأخيرة قد يؤدي إلى إيداع صاحبه في السجن.

عربي

منذ 4 سنوات
يدُ الملِك.. تعرّف إلى رحلة إدريس جطّو من صانع أحذية إلى صانع قرارات في المغرب

وأشارت في تقريرها إلى مقارنةٍ أخرى عقدتها الناشطة الحقوقية خديجة الرياضي، الفائزة بجائزة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان عام 2013، بين الفترة التي انضمت فيها لأول مرة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبين الأوضاع الحالية. إذ قالت خديجة: «حينها كانت الشرطة تتبعنا باستمرار. أما اليوم، فهي لا تتعقبنا وحسب؛ بل وتتنصت علينا وتصورنا في كل مكان. لم يتوقف القمع؛ لكنَّ الأدوات اختلفت، ولا أشعر الآن أبدًا بالراحة».

ارتفاع وتيرة القمع مجددًا

بحسب إلهام، يؤكد المدافعون عن حقوق الإنسان في المغرب وجود زيادةٍ كبيرة في وتيرة الاعتقالات والعنف ضد النشطاء.

ونقلت عن الناشط عبد الله لفناتسة قوله إنَّ إنجازاتٍ مثل حرية التعبير والتظاهر بدأت في التراجع. فعلى مدار السنتين الأخيرتين، اعتُقل أكثر من ألف شخص على خلفية اتهاماتٍ سياسية، بحسب يوسف الريسوني، المدير التنفيذي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وعضو حزب النهج الديمقراطي اليساري.

وإلى جانب الشخصيات الشهيرة، هناك أشخاص مثل نوال بنعيسى (37 عامًا)، التي تعرضت للاعتقال أربع مراتٍ لمشاركتها في احتجاجات «الحراك» التي شجبت الفساد، وتطالب بتوفير فرص العمل والمستشفيات والمدارس. ومع كونها أمًا لأربعة أطفال، وُجِّهَت لها تهم المشاركة في مظاهراتٍ غير مرخصة، وإهانة أفراد الشرطة، والتحريض على العنف، وحكم عليها بـ10 أشهر مع إيقاف التنفيذ، وغرامة قدرها 500 درهم (حوالي 50 دولارًا).

وذكرت إلهام حادثة إلقاء القبض على الناشط المرتضى إعمراشا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، والحكم عليه بالسجن خمس سنوات بعد نشر منشورٍ على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أحدهما في ديسمبر (كانون الأول) 2016، وهو عبارة عن تقريرٍ إخباري عن حادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا. أما الثاني فكان في يونيو (حزيران) 2017، وتضمن روايته لمحادثةٍ سأله فيها صحافي مزعوم عما إذا كان قد حاول جلب أسلحةٍ إلى المغرب لصالح تنظيم القاعدة، فرد عليه ساخرًا بأنَّه قد فعل. وأدين على خلفية ذلك بالترويج للإرهاب.

وخلال الصيف، ألقي القبض على ناصر الزفزافي وثلاثةآخرين من قادة احتجاجات الحراك، وحكم عليهم بالسجن 20 عامًا بتهمة «تقويض النظام العام». وقد أعلنت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أنَّ الزفزافي ظل في الحبس الانفرادي لما يزيد على العام، في ما يعد انتهاكًا لمعايير الأمم المتحدة.

التشاؤم سيد الموقف

توضح إلهام أنَّ المحكمة بدأت تنظر في الاستئناف الذي تقدم به 42 معتقلًا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن رغم قرار العفو الذي أصدره الملك محمد السادس لـ11 ناشطًا أدينوا في يونيو الماضي، لا يشعر المدافعون عن حقوق الإنسان في المغرب بالتفاؤل.

شهد المغرب موجاتٍ واسعة من المظاهرات والاعتقالات من قبل. ففي 2007، ثارت الاحتجاجات بسبب الأسعار المرتفعة للطعام، و2008 بسبب البطالة، وخلال الربيع العربي وبعده طالب المحتجون بالديمقراطية. لكنَّ الاعتقالات وصلت إلى مستوياتٍ مرتفعة في السنوات الحالية. فبحسب الريسوني، ارتفع عدد الملاحقات القضائية بشدة من 124 في 2016 إلى ألف منذ عام 2017.

سياسة

منذ 4 سنوات
الأجور في المغرب.. قصة صراع الحكومة والنقابات التي لا تنتهي

ومن بين المعتقلين نشطاء الحراك، والمتظاهرون من الشمال الشرقي والجنوب، وطلبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وصحافيون. وبحسب المحامي الحقوقي رشيد بيلالي، اعتُقل على الأقل 1200 متظاهر من متظاهري الحراك منذ 2017، واتهم ثلثهم بالتعبير عن دعمهم للحراك عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

لماذا الآن؟

ترى إلهام أنَّ سبب ردة الفعل الحكومية القاسية تجاه الاحتجاجات هو إحساس الحكومة العميق بعدم الأمان منذ الربيع العربي، الذي أجج مظاهراتٍ في 115 مدينة مغربية، وطالب بصياغة دستور ديمقراطي وحل البرلمان، وهي المطالب التي استطاع بشكلٍ كبير الفوز بها. ففي يوليو (تموز) 2011، أقر الشعب المغربي الدستور الجديد، وأُجريت انتخابات مبكرة أسفرت عن فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالأغلبية.

لكنَّها أوضحت أنَّ الجماعات الحقوقية والمعارضين ينفون حدوث أي تغييرٍ حقيقي؛ فأغلب السلطات التنفيذية لا تزال بين يدي الملك، والفساد لا يزال متفشيًا. وبالتالي لجأ المواطنون إلى الشوارع مرة أخرى.

وبحسب التقرير، فإنَّ الحكومة الآن تقلق بشكلٍ خاص من انتشار الحركات الاجتماعية في المدن الأصغر، التي يعاني أهلها من الظروف المعيشية الصعبة. فقد شهدت مدينة جرادة احتجاجاتٍ تطالب ببدائل اقتصادية لوظائف تعدين الفحم، بعد مقتل اثنين من عمال التعدين خلال عملهما في ديسمبر 2007. وقد ردت الحكومة باعتقالاتٍ واسعة وأحكامٍ كبيرة وصلت للسجن خمس سنوات، بحسب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والناشط جواد التلمساني.

وبينما قد تعد مثل هذه الاحتجاجات أحداثًا معزولة، لكنَّها قد تكون مؤشرًا لحراكٍ واسع في المستقبل القريب. وقد يكون هذا هو السبب خلف ازدياد حدة القمع الحكومي الشديد للاحتجاجات الأخيرة، مقارنةً بردة فعل الحكومة أثناء الربيع العربي، مع أنَّ النشطاء يطالبون بمطالب أقل حدة؛ إذ لم يطالب الحراك باستقالة الحكومة، بل زيادة الإنفاق على توفير فرص العمل والتعليم، وإنشاء مركز للأورام.

المغرب إلى أين؟

بحسب إلهام، استجابت الحكومة المغربية بإعلان تنفيذ خطة التطوير الطموحة التي أطلقتها منذ عامين بعد تأجيلها فترة طويلة. وهو النمط الذي تتبعه الحكومة عادةً، والذي يعتمد على منح النشطاء بعض المكاسب قبل تضييق الخناق عليهم مرةً أخرى. فبالتوازي مع العدد الكبير من المحاكمات، تواجه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمات المشابهة صعوبةً في الحصول على التمويل والتراخيص الرسمية من السلطات المحلية. وهذا العام، فشل 54 مكتبًا من مكاتب الجمعية في الحصول على وثائق تسجيل رسمية، وهو ما يعني عجزها عن العمل بشكل قانوني.

مجتمع

منذ 4 سنوات
لماذا يغضب الشعب من الوضع الصحي في المغرب؟

وأضافت الكاتبة أنَّ ثقافة الاحتجاج تتغلغل ببطء في كافة أنحاء البلاد، وأنَّ النشطاء والمواطنين العاديين على استعداد لانتقاد الحكومة علنيًّا، بل والملكية في بعض الأحيان، بعكس سنوات الرصاص.

وتنقل عن لفناتسة صاحب الخبرة الطويلة في العمل الحقوقي قوله: «لم يكن هذا ممكنًا في الماضي. فما يقوله الناس على مواقع التواصل الاجتماعي الآن كان ليكلفهم سنين طويلة في السجون. في الواقع، خلال سنوات الرصاص سُجن النشطات سنوات فقط لمجرد توزيع المنشورات؛ وحتى مع تكلفة الاحتجاجات اليوم، فقد تغير أمرٌ جوهري».

وأضاف لفناتسة: «الشباب الذي لم تكن له انتماءات سياسية يتحدث الآن ضد الاستبداد والتوزيع غير العادل للثروة، وفي أبعد مناطق البلاد يكافح النساء والرجال العاديون من أجل حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية». وتابع: «لم ينجح القمع في كبت حركة الاحتجاجات، وهذا أمر جديد».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد