في تقرير أعده موقع «ميدل إيست آي»، يتناول قصة سيارة المرسيدس الكلاسيكية المغطاة بالكتب «نانسي»، والتي تتجول في شوارع مدينة عمّان عاصمة الأردن مع صاحبها غيث بحدوشة الذي ترك عمله المريح في شركة كبيرة ليلاحق عشقه للكتب ويثري ثقافة القراءة في مدينته الأم، مادبا، وفي كافة أنحاء الأردن، وفي ما يلي ترجمة كاملة للتقرير:
سيارة مرسيدس من طراز 1974 ملفوفة في مجموعة من الكتب تقف في شارع الرينبو – واحد من أقدم الشوارع وأكثرها ازدحامًا في وسط عمان. يتوقف المارّون والعابرون الفضوليون لإلقاء نظرة على هذا المشهد الغريب، ولا يترددون في تصفح صفحات الكتب التي تجذب انتباههم.
يقول غيث بحدوشة، البالغ من العمر 28 عامًا، وهو صاحب السيارة التي أطلق عليها «نانسي»: «إنها مثل فسيفساء من الكتب». مصفوفة أمام أحد محلات الأيس كريم الشهيرة في عمان، تعرض المرسيدس البيضاء على ظهرها كتب بالعديد من اللغات والأنواع المختلفة.

زبائن يطالعون الكتب المعروضة للبيع في مكتبة الكتب المتحركة في شارع الرينبو، أحد أقدم شوارع عمان وأكثرها ازدحامًا
تنتشر الكتب العربية والإنجليزية والفرنسية من مقدمة السيارة إلى غطاء الصندوق، وتباع في المتوسط بأربعة دنانير أردنية (5.60 دولار) لكل منها، بينما تباع الكتب النادرة والطبعات القديمة المعروضة على سقف السيارة بسعر أعلى يصل إلى 100 دينار (140 دولار). يختار أحدهم ترجمة عربية لرواية جريمة قتل غامضة كتبها الكاتب الإيطالي أومبيرتو إيكو ويتناولها من مقدمة السيارة، وآخر يقلب صفحات كتاب عن التاريخ العربي التي وجدها على الزجاج الأمامي.
شغف متقدّ للكتب والقراءة
بدأ بحدوشة بيع الكتب على الطريق في فبراير (شباط) 2016، يقول غيث لـ«ميدل إيست آي»: «في البداية كنت أضع الكتب على طاولات»، لكن بعد إدراك أنه كان يحتل مساحة كبيرة في الشارع المزدحم، قرر عرض الكتب على سيارته. «كان تأثير التغيير كالسحر، فقد جذب العرض بهذا الشكل الكثير من الناس وجعلهم أكثر اهتمامًا بالكتب المعروضة للبيع».

بدأ غيث بحدوشة مبادرته «كتب على الطريق» في عام 2016 مسلحًا بمجموعة كتبه و«نانسي»
عادة ما يركن بحدوشة سيارته في شارع الرينبو وفي دوار باريس في وسط عمان في حي جبل اللويبدة، لكنه يبيع أيضًا الكتب على الطرق في مسقط رأسه، مادبا، التي تقع على بعد حوالي 40 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي من عمان، ويأمل أن يتمكن من القيادة إلى المناطق النائية في الأردن، بما في ذلك مخيمات اللاجئين، لنشر حبه للقراءة.
قرر بحدوشة في نهاية عام 2015 ترك وظيفته وتكريس نفسه لشغفه بالكتب. يقول غيث: «عملت مديرًا لدى شركة كبيرة. كان لدي راتب جيد وتأمين والكثير من المزايا. عشت حياة مريحة ولكني لم أكن سعيدًا» . بعد أن شعر أنه محبوس داخل عالم الأعمال والملابس الرسمية، قرر غيث ترك وظيفته والسعي وراء شغفه في بيع الكتب. عمل بحدوشة في واحدة من أقدم المكتبات في عمان، وتعلّم هناك كيف يدير المكتبة مع مالكها.

جمع غيث بحدوشة ما يكفي من المال لفتح مكتبة «كون» في منزل مجدد من القرن التاسع عشر في مركز مدينة مادبا
أصبح غيث مصممًا على بدء مشروعه الخاص في مسقط رأسه في مادبا بعد قضاء عدة أشهر بين آلاف الكتب والمخطوطات. يقول غيث: «أحب الكتب كثيرًا ففكرت في افتتاح مكتبة في مسقط رأسي لأنه لم يكن هناك أي شيء. لماذا على أهل مادبا السفر 40 كيلومترًا لشراء الكتب؟ كثير من الناس في مادبا لا يمكنهم فعل ذلك».
بدأ غيث بحدوشة مبادرته «كتب على الطريق» في عام 2016 مسلحًا بمجموعة كتبه و«نانسي»، وبدأ في القيادة إلى مركز مدينة عمّان وبيع الكتب بأسعار منخفضة. يذكر غيث: «لم يكن لدي أي نقود في ذلك الوقت، لذلك كان بيع الكتب على الطريق وسيلة لتمويل حلمي بفتح مكتبة في مادبا».
قدرت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2016 دراسة تفيد بأن الفرد العربي يقرأ 35 ساعة في المتوسط سنويًا. يقول بحدوشة: «لم يعد الكثير من الناس يقرؤون في الأردن». ولمعالجة هذه المشكلة، بدأ غيث نادي الكتاب في مدينته ونظّم معارض للكتب في قرى حول مادبا، في محاولة لتعزيز عادات القراءة في جميع أنحاء البلاد.
مكتبة «كون»
في كانون الأول (ديسمبر) 2016، جمع بحدوشة ما يكفي من المال لفتح مكتبة كون في منزل مجدد من القرن التاسع عشر في مدينة مادبا، والتي يديرها خلال أيام الأسبوع، بعد أن أمضى عدة أشهر في بيع الكتب على الطريق كل يوم، وبدعم من العديد من الجهات المانحة، بما في ذلك الأصدقاء والعائلة والغرباء، لكن يستمر بحدوشة في بيع الكتب على الطريق بين مادبا وعمّان في عطلة نهاية الأسبوع.

تقع مكتبة «كون» داخل منزل يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر في وسط مدينة مادبا
تشتهر مادبا بفسيفسائها البيزنطي، وهي واحدة من أكبر المجتمعات المسيحية في الأردن، ويفخر شعبها بتقاليده الطويلة من التسامح الديني، ويمكن سماع الأذان من المساجد المجاورة إلى جانب أجراس الكنائس التاريخية من داخل المكتبة. «تتحول المكتبة أحيانًا إلى مساحة للنقاش يمكن للناس أن يأتوا إليها ويتحدثوا».
أثناء حديثه عن مهمة تعزيز محو الأمية والمشاركة المجتمعية في مكتبته، قوطع بحدوشة من قبل الزوار الذين يأتون لطلب اقتراحات القراءة أو أولئك الذين يتوقفون فقط ليقولوا مرحبًا ويسألوا عما إذا كان الكتاب الذي طلبوه قد وصل.
في مكتبة كون، تتنقل امرأة شابة ترتدي الحجاب عبر صفحات رواية تاريخية إنجليزية، بينما يدخل زوجان من بلجيكا ليسألوا عما إذا كانت هناك أي كتب أردنية مترجمة إلى الفرنسية. يصور كون مكانًا للتبادل الثقافي والمشاركة مع كتب متوافرة بأكثر من 15 لغة مختلفة.
نشاطات اجتماعية
شارك بهدوشة مؤخرًا في مبادرات فنية وعمل مع فنانين محليين لتحويل المدينة من خلال فن الشارع. في مارس (آذار) من هذا العام، دعى غيث الفنانة المحلية ندى القرع لرسم عدد من اللوحات الجدارية على جدران مركز مدينة مادبا للاحتفال بيوم المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين. بدأ بحدوشة مؤخرًا العمل على مشروع جديد في مادبا من أجل الحصول على مساحة أكبر للأنشطة الثقافية ولتعزيز الفنانين المحليين.
يقول غيث: «وجدت هذا العام موقعًا جديدًا لمحل بيع كتب [آخر] وبدأت في ترميمه»، وسيضم الموقع الواسع والجديد، والأقرب إلى وسط المدينة، مقهى ومطعمًا صغيرًا وحديقة، ومن المتوقع افتتاحه بحلول الشهر المقبل. وستظل المكتبة الأصلية تستخدم لتنظيم ورش الموسيقى والأنشطة الثقافية الأخرى.
على الرغم من النضالات المالية التي ينطوي عليها الحفاظ على مشروع اجتماعي، فإن أكبر تحد يواجهه بحدوشة هو تشجيع الناس على القراءة في عصر الإنترنت، يعترف غيث بأن «تعزّيز وترويج عادات القراءة صعب»، وأن ارتفاع تكلفة المعيشة في الأردن يجعل الوصول إلى الكتب أقل سهولة، وتساهم الثقافة الرقمية في جعلها أقل جاذبية.
«هدفي الرئيسي هو إشراك المجتمع المحلي. هذا النوع من المشاريع يزيد من انفتاح الناس ويقدم لهم أفكارًا جديدة ويساعدهم على تحسين مهاراتهم اللغوية».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».