نشرت مجلة بوليتيكو الأمريكية مقالًا لكبير مراسليها الاقتصاديين، بن وايت، أشار فيه إلى أن التجار والاقتصاديين الأمريكيين على حافة صراع متصاعد، بالتوازي مع الهجمات التي استهدفت المملكة العربية السعودية نهاية الأسبوع الماضي، وتأثيراتها في أسواق النفط.
في مستهل مقاله قال بن وايت: «الاقتصاد الأمريكي، الذي يقترب بالفعل من مخاطر الركود، التي قد تنتج عن الحرب التجارية، يخيم عليه الآن شبح تهديد خطير آخر، هو: حرب محتملة مع إيران».
وتابع وايت: «فتح جبهة أخرى من الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط ربما يتسبب في ارتفاع أسعار الغاز في الولايات المتحدة، ويوجه ضربة للمستهلكين الأمريكيين، الذين حملوا على عاتقهم مهمة الحفاظ على النمو الاقتصادي، بينما تتراجع الشركات عن الإنفاق. وارتبطت الطفرات الحادة في أسعار النفط بكل فترة ركود تقريبًا، خلال نصف القرن الماضي، وحتى الآن، إذ تعد تكاليف الوقود المنخفضة إحدى نِعَم التوفير في الاقتصاد الأمريكي».
أدت هجمات نهاية الأسبوع على المنشآت النفطية الرئيسية في السعودية – وتغريدات الرئيس دونالد ترامب العدوانية التي تلقي باللوم على إيران- إلى ارتفاع شديد في أسعار النفط يوم الاثنين. وأدت هجمات الطائرات المُسيّرة في البداية إلى زيادة أسعار النفط بنحو 20%، وهو أكبر مكسب يسجل خلال يوم منذ حرب الخليج الأولى عام 1991. لكن الارتفاع الحاد تراجع وسط تقارير تفيد بأن السعودية، في الوقت الحالي، يمكنها تعويض الكثير من الإنتاج المنخفض من خلال الاحتياطيات. كما أشار ترامب إلى إمكانية الاستفادة من مخزون النفط الأمريكي إذا لزم الأمر.
«مسمار في نعش التوسع الأمريكي»
ويرى وايت أن تعليق ترامب على تويتر الذي يلوم فيه إيران بشأن الهجمات- التي أعلن المتمردون اليمنيون مسؤوليتهم عنها في البداية- وإشارته إلى أن الولايات المتحدة «في كامل عدتها وعتادها» للمعركة؛ أبقى الأسواق على حافة الهاوية. وظلت العقود الآجلة لخام برنت (معيار لتسعير ثلثي إنتاج النفط العالمي) مرتفعة بحوالي 10% عند 66 دولارًا للبرميل في تعاملات منتصف اليوم.
واستشهد وايت بتصريحات بيث آن بوفينو، كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين لدى شركة ستاندرد أند بورز للخدمات المالية، أشارت فيها إلى أن أسعار النفط المرتفعة «ربما تكون مجرد مسمار آخر في نعش هذا التوسع الأمريكي الحالي». وأرجعت تردد الشركات في الاستثمار إلى الرياح المعاكسة التجارية، وهو ما يمنحهم المزيد من الأسباب للتروي.
وأضافت بيث: «إذا شهدنا ارتفاعًا في أسعار الغاز، الذي ارتفع بالفعل، نتيجة لذلك؛ فقد نرى المستهلك الأمريكي، الذي دعم هذا التوسع بحماسة، وكان بمثابة قوة استقرار للاقتصاد بشكل عام، يحدّ من إنفاقه كذلك، لأنه كلما زاد إنفاق الأموال في مضخة الغاز، قل الإنفاق في مراكز التسوق».
وأوضح محللون أن اقتصاد الولايات المتحدة – الذي يعتمد بدرجة أقل على الأسواق الخارجية للحصول على النفط مقارنة بما كان عليه خلال صدمات الأسعار في أواخر سبعينيات القرن الماضي- ينبغي أن يكون قادرًا على التعامل مع التأثير الفوري لخفض إنتاج النفط السعودي.
كيف ستؤثر الحرب المحتملة على إيران في أسواق الطاقة؟
بيد أن القلق الأعمق السائد بين الاقتصاديين ومحللي السوق، يتمثل في أن حربًا شاملةً مع إيران يمكن أن تتسبب في المزيد من الاضطراب في سوق الطاقة، وزيادة أسعار الوقود في الولايات المتحدة؛ وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم التي بدأت بالفعل في الزيادة. وقد يؤدي ذلك إلى تعقيد عملية اتخاذ القرار في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي يُخَفِّض أسعار الفائدة الآن لتعويض تأثير حروب ترامب التجارية وإشارات التباطؤ الاقتصادي. لكن تخفيض أسعار الفائدة سيكون أكثر صعوبة إذا استمر التضخم في الزيادة.
وقال ريتشارد بيرنشتاين، وهو مؤسس شركة ريتشارد بيرنشتاين أدفايزر للاستثمار: «يزداد اعتقادي بأننا نشاهد إعادة لمسلسل «عرض السبعينيات ذاك». مضيفًا: «قضية نفط الشرق الأوسط، وإضراب عمال قطاع السيارات في جنرال موتورز، وضغوط الأجور، وارتفاع مؤشر سعر المستهلك الأساسي، ناهيك عن وضع التخفيف الذي يتبناه الاحتياطي الفيدرالي».
وتابع وايت: «يمكن لحرب جديدة في الشرق الأوسط، متضافرة مع تأثير حرب ترامب التجارية مع الصين، والمصير غير المؤكد لبديل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية؛ أن تتسبب في مزيد من الكساد للاقتصاد الأمريكي، الذي نما بنسبة 2% فقط في الربع الثاني من السنة الجارية، وقد يقترب من 1% خلال بقية العام، وفقًا لتوقعات الاقتصاديين».
ويقول دان بيرجر، الرئيس والمدير التنفيذي للرابطة الوطنية للفيدرالية «فاني ماي»: «في حين أن الصدمة الأولية لتخفيض إمدادات النفط لفترة وجيزة ستستوعبها قدرات الإنتاج الأمريكية بسرعة، فإن مستثمري سلسلة التوريد سيستغلون الهجوم لرفع الأسعار».
وأضاف: سيجد المستهلكون أثر ذلك على الفور في متاجر التجزئة، ومن المرجح أن تظل تلك الأسعار مرتفعة لفترة طويلة، مما يخلق رياحًا معاكسة إضافية للاقتصاد. وتاريخيًّا، كانت أسعار الغاز ترتفع بسرعة صاروخية ثم تنخفض ببطء شديد».
الصين.. الخاسر الأكبر؟
وأشار وايت إلى تحذيرات المحللين من أن ترامب قد يتراجع عن تهديداته لإيران، خاصة بالنظر إلى التأثير السلبي المحتمل في الاقتصاد الأمريكي، قبيل بدء حملة إعادة انتخابه العام المقبل. وقد لوَّح ترامب بتهديداته في وجه أعداء أمريكيين آخرين؛ لكنه سرعان ما عكس مساره في الأسابيع والأشهر اللاحقة، خاصة منذ أن قام بحملات تعهد فيها بإخراج الولايات المتحدة من الحروب التي طال أمدها في الشرق الأوسط. وإذا هدأت التوترات مع إيران، فلن تؤثر الهجمات على حقلي النفط السعوديين بصورة كبيرة في الولايات المتحدة.
ونقل «وايت» ما قاله جريج فاليير، كبير الاستراتيجيين العالميين في شركة AGF للاستثمارات، في مقابلة مع العملاء يوم الاثنين: «يمكن للولايات المتحدة أن تصمد فترة طويلة أمام نقص الطاقة العالمي، دون أن يتأثر اقتصادها تأثرًا كبيرًا. والخاسر الأكبر يمكن أن يكون: الصين، التي تعتمد بشدة على واردات النفط».
كان رد فعل وول ستريت (شارع في مانهاتن السفلي، والذي يعد المنزل الأصلي لبورصة نيويورك، والمقر التاريخي لأكبر شركات الوساطة المالية والبنوك الاستثمارية) هادئًا إلى حد ما حيال الهجمات، إذ انخفض مؤشر داو جونز (المؤشر الصناعي لأكبر 30 شركة أمريكية في بورصة نيويورك) لأقل من 1% خلال منتصف النهار. وقال خبراء استراتيجيون في مجال الاستثمار: إن رد الفعل سيظل محدودًا ما لم تخرج الأزمة عن السيطرة.
وختم «وايت» مقاله برأي جيم بولسن، كبير استراتيجيي الاستثمار في Leuthold Group بأن مبعث القلق هو: «التصعيد». وإذا تطور ذاك التصعيد إلى صراع عسكري واسع النطاق ومستمر، فسيثير ذلك القلق. ومع ذلك، يشير «بولسن» إلى أن هذا التصعيد مستبعد جدًا. إذ يمكن للبلدان الأخرى زيادة الإنتاج لتعويض العجز السعودي قصير المدى، حتى تستعيد السعودية حيويتها الإنتاجية مجددًا.
https://sasapost.com/translation/saudi-attacks-the-world-s-oil-security-blanket-has-been-torched/
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».