من المحتمل أن تشمل الحرب النووية الشاملة أكثر من 3 آلاف رأس حربي يستخدمها كلا الجانبين، مما يؤدي إلى مقتل أكثر من 100 مليون أمريكي وروسي.

نشر موقع «بوبيلار ميكانيكس» مقالًا لكايل ميزوكامي، الذي يكتب في الشؤون الأمنية والدفاعية، حول احتمالات نشوب حرب نووية بين روسيا وأمريكا بسبب الحرب الأوكرانية.

في مطلع مقاله، يشير الكاتب إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا يُعد بالفعل أحد أكثر الحروب تدميرًا وفتكًا في الذاكرة الحديثة، من قصف المدن إلى استخدام «الأسلحة الفراغية» الحرارية. وأدَّى ذلك إلى تساؤل الخبراء والمدنيين، على حد سواء، عما قد يبدو عليه شكل الحرب النووية بين واشنطن وموسكو إذا تدخل الناتو والولايات المتحدة في الصراع.

وهنا يدرس موقع «بوبيلار ميكانيكس» سيناريوهين كلاسيكيين للهجوم النووي: أي ضرب الأسلحة (counterforce strike) وضرب الأهداف المدنية (countervalue strike). ويفحص سيناريو استهداف الأسلحة ما يمكن أن يحدث إذا هاجمت روسيا الترسانة النووية الأمريكية بأسلحتها في محاولة لتحييد القاذفات والغواصات والصواريخ الأرضية الأمريكية ذات القدرة النووية.

دولي

منذ سنة واحدة
«نيويورك تايمز»: ماذا لو استخدمت روسيا الأسلحة النووية الصغيرة في أوكرانيا؟

وينطوي السيناريو الثاني الأكثر تدميرًا للأهداف المدنية على استخدام شامل للأسلحة النووية لتدمير قدرة الولايات المتحدة على شن الحرب، مع الآثار الجانبية المتمثلة في إعادة المجتمع الأمريكي إلى ما قبل التطور الصناعي.

ويجب أن نلاحظ أنه من غير المرجَّح حدوث أي من السيناريوهين في حياتنا، ولن تحدث الحرب النووية فجأة، ويعتقد كل من الولايات المتحدة وروسيا أن الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا ينبغي خوضها أبدًا، وكلا البلدين يشتركان أيضًا في سياسة «التدمير المؤكد»، مما يعني أن أي هجوم على أي من الدولتين سيؤدي إلى تدمير المهاجم، ولكن الحرب النووية ليست مستحيلة.

كيف ستبدأ الحرب النووية بين أمريكا وروسيا؟

يلفت الكاتب إلى أن الولايات المتحدة كانت حاسمة في رفضها للانخراط بطريقة مباشرة في الحرب الروسية الأوكرانية، وبموجب المادة 5 من المعاهدة التأسيسية لحلف الناتو، وسَّعت واشنطن حماية «مظلتها النووية» إلى دول الناتو، مما يعني أن واشنطن ستتعامل مع أي هجوم نووي على تلك الدول بالطريقة نفسها التي ستتعامل بها في حال كان هذا الهجوم على الأراضي الأمريكية. بعبارةٍ أخرى، ستحميهم من خلال الوعد بالرد بالمثل على أي ضربات نووية.

غير أن الولايات المتحدة لا تتمتع بالعلاقة الأمنية نفسها مع أوكرانيا مثل الدول الأعضاء في الناتو والحلفاء مثل كوريا الجنوبية واليابان؛ ولذا، وجدت أوكرانيا نفسها بلا دولة مستعدة للدفاع عنها بنشاط ضد روسيا المسلَّحة نوويًّا خوفًا من الدخول في حرب نووية، وقررت روسيا بوتين، الهجوم على أوكرانيا التي نظرت إليها على أنها وحدها وضعيفة.

Embed from Getty Images

وفي السيناريو الخاص بنا، يأمر الرئيس الجيش الأمريكي بالتدخل لصالح أوكرانيا، وتدمير وحدات القوات البرية الروسية في الميدان، وإسقاط الطائرات المقاتلة الروسية. وتتجه خمسة ألوية من الجيش الأمريكي – مدعومة بالمقاتلات والقاذفات وصواريخ كروز – من بولندا إلى كييف، ثم إلى دونيتسك، ويهدد التدخل بزعزعة رقعة شطرنج بوتين ويضخ قوة جديدة في الصراع يمكن أن تهزم الجيش الروسي في الميدان.

وفي حين أن هذا قد يؤدي إلى انتصار تقليدي، فإن الأمور قد تأخذ منعطفًا شريرًا بسرعة، وإذا هزمت القوات الأمريكية نظراءَها الروس واقتربت من الحدود الأوكرانية الروسية، فقد تستهدفهم روسيا بأسلحة نووية تكتيكية (عادةً 20 ألف طن من مادة تي إن تي أو أقل) لوقف تقدمهم.

وبمجرد حدوث ذلك، يصعب التكهن بالنتيجة، وقد تختار الولايات المتحدة عدم الرد، من أجل تجنب التصعيد، أو قد تقرر الرد بأسلحة نووية تكتيكية، عند هذه النقطة، يمكن لأي من الجانبين أن يختار التصعيد بقوة، على اعتبار أن الجانب الأول الذي يستخدم أسلحة نووية إستراتيجية أكبر وأقوى يمكن أن يكتسب ميزة البقاء على قيد الحياة، مما يؤدي إلى توجيه ضربة أولى بحيث تدمر معظم ترسانة العدو الإستراتيجية.

الحرب الشاملة

في السيناريو الذي يذكره الكاتب، سنلقي نظرة على الضربة النووية الأولى المفاجئة التي تؤدي إلى حرب شاملة. وفيها تقرر دولة أنها استنفدت جميع الخيارات الأخرى، وأصبح لزامًا عليها تدمير القوات النووية للعدو قبل أن يتمكن من استخدامها.

سنفترض أن روسيا تضرب أولًا، وتكتشف قوات الإنذار المبكر الإستراتيجية الأمريكية فجأة صواريخ باليستية عابرة للقارات من طراز (SS-19)، كل منها محمل بمركبة انزلاقية تفوق سرعة الصوت من طراز (Avangard) ومسلَّحة نوويًّا، جرى إطلاقها من الصوامع بالقرب من أورينبورغ الروسية، والأسلحة الستة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ليست دقيقة دقة من نوع خاص، ولكنها محملة برؤوس حربية مدمرة بقوة 2 ميجا طن (مليوني طن من مادة تي إن تي)، لذلك ليست هناك حاجة لدقة بالغة، وتتساقط مركبات أفانجارد التي تفوق سرعتها سرعة الصوت على قواعد رادار الإنذار المبكر في جميع أنحاء أمريكا الشمالية، مما يؤدي إلى تدمير أجهزة الاستشعار اللازمة لاكتشاف الهجوم المفاجئ الرئيس.

Embed from Getty Images

وبعد لحظات، تُطلق روسيا كامل قوتها المكونة من 304 صواريخ أرضية باليستية عابرة للقارات تحمل ما يقرب من 1183 رأسًا نوويًّا حراريًّا، وستستهدف الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الأسلحة النووية الأمريكية، بما في ذلك صوامع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وعددها 400 المنتشرة في جميع أنحاء غرب الولايات المتحدة، وقواعد القاذفات النووية في ولايتي ميزوري ولويزيانا، وقواعد الغواصات الصاروخية في كينجز باي بجورجيا، وكيتساب بواشنطن، ومن المحتمل أن يتلقى كل موقع ما لا يقل عن اثنين من القنابل النووية في حالة فشل السلاح الأول في الانفجار.

وبحسب الكاتب سيستهدف الهجوم النووي المفاجئ، المعروف باسم «الضربة الأولى»، الترسانة النووية البرية الأمريكية بالأساس، وستتلقى ولايات مونتانا ووايومنج ونورث داكوتا ما لا يقل عن 800 ضربة نووية. ومن المحتمل أن تتعرض مدن مثل سياتل، موطن غواصات الصواريخ الباليستية التابعة لأسطول المحيط الهادئ، لبعض الأضرار.

وستتركز الضربة، بعيدًا عن المراكز السكانية والصناعية الرئيسة. ولن تهاجم أماكن مثل مدينة نيويورك ومنطقة خليج سان فرانسيسكو ومناطق بأكملها من الولايات المتحدة. ومن المرجَّح أن يؤدي مثل هذا الهجوم إلى مقتل ما لا يزيد على 20 مليون أمريكي.

كما يضيف الكاتب: الضربة لن تُفقِد واشنطن قدرتها على التواصل مع قواتها النووية، وستفتح موسكو بعد ذلك حوارًا مع واشنطن، قائلة إن الجزء الأكبر من الأسلحة النووية الأمريكية – الصواريخ البرية والقاذفات – قد جرى تدميرها، لكن البنية التحتية والمدن الأمريكية لا تزال سليمة، وستحذر القيادة الروسية بعد ذلك من أن أي محاولة للرد ستطلق العنان لبقية الأسلحة النووية في البلاد، مما يؤدي إلى مقتل ملايين آخرين وتدمير الولايات المتحدة بصفتها كيانًا عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا.

إلى أي مدى يمكن أن تصبح الأمور سيئة؟

في هذه المرحلة، يمكن للولايات المتحدة أن تستسلم وتواجه مستقبلًا غامضًا، أو يمكنها الرد. وسيعني الرد إطلاق ما تبقى من صواريخها البالستية العابرة للقارات وأي قاذفات نجَت من الهجوم الروسي واستخدامها لتعقب الأسلحة النووية الروسية المتبقية. ويمكن استخدام القاذفات في البحث الفعال عما تبقى من الصواريخ الروسية العابرة للقارات، خاصة صواريخ مثل SS-27 المثبتة على شاحنات نقل الصواريخ ذات الـ16 عجلة. وستبدأ البحرية في مطاردة غواصات الصواريخ الروسية، بما في ذلك الغواصات التي قد تكون متوقفة قبالة السواحل الشرقية والغربية للولايات المتحدة، مسلَّحةً بصواريخ كروز ذات الرؤوس النووية.

Embed from Getty Images

هل سيحقق الهجوم المضاد النووي أي شيء؟ ستجادل هيئة الأركان المشتركة بأن الولايات المتحدة ليس لديها ما تخسره من خلال المحاولة، وبذلك، يمكن أن تحاول تقليل الضرر الإجمالي لضربة ثانية حتمية. وعلى أي حال، ليس هناك سبب وجيه للثقة في روسيا في هذه المرحلة، وستشن الولايات المتحدة هجومًا مضادًا، لكن سيعوقها على نحو خطير نقص القوات، حيث جرى تدمير معظم صواريخ مينتمان 3 الباليستية العابرة للقارات وقاذفات «بي-2» و«بي-52» التابعة للقيادة الإستراتيجية الأمريكية في الضربة الأولى.

ومن ثم تطلق روسيا ما تبقى من أسلحتها النووية، بهدف تدمير أي شيء يمكن أن يسهم في المجهود الحربي، وستستهدف الضربة القواعد العسكرية الأمريكية المتبقية والصناعة والطاقة والاتصالات ومنشآت النقل – وأي شيء يجعل الحياة في القرن الحادي والعشرين محتملة. ولن تستهدف المدن أو المراكز السكانية، ولكن ستدمر المباني والمجمعات والمنشآت الأخرى بداخلها دون رحمة.

وستكون النتيجة دمارًا شاملًا. قالت تارا دروزدينكو، مديرة برنامج الأمن العالمي في اتحاد العلماء المهتمين، لموقع بوبيلار ميكانيكس: «إن هجومًا على مدينة واحدة فقط في الولايات المتحدة يمكن أن يتسبب في وفيات بمئات الآلاف وإصابات مماثلة. والحرائق التي تولد السخام يمكن أن تحجب ضوء الشمس، ربما لعقود، مما يتسبب في تبريد عالمي وقصر مواسم الزراعة، مما يتسبب في انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم».

ووفقًا لدراسة حديثة مفتوحة المصدر يذكرها الكاتب، قد يقتل مثل هذا الهجوم الشامل ما يصل إلى 104 ملايين و241 ألف أمريكي. ومن المحتمل أن يموت ملايين الجرحى الذين لا يستطيعون الوصول إلى المستشفى متأثرين بجروحهم، ومن يعيشون في اتجاه الريح من مناطق الانفجار، سيكونون عرضة لخطر المرض أو الموت من الغبار الإشعاعي، ومن بقوا على قيد الحياة سيتركون بلا كهرباء أو رعاية طبية أو اتصالات، أو شبكات توزيع للغذاء والوقود قابلة للحياة، وسيكون الشتاء التالي قاسيًا قسوة من نوع خاص، حيث لن يتحمله سوى من يتمتعون بصحة جيدة ولديهم إمكانية الوصول إلى الطعام والقدرة على تدفئة أنفسهم.

إلى أي مدى ستعاني روسيا؟ لن يكون هناك أي شخص في الولايات المتحدة في وضع يسمح له بملاحظة ذلك، ويبلغ عدد سكان روسيا 144 مليون نسمة مع وجود نسبة أكبر من سكانها في المناطق الريفية بعيدًا عن الآثار المباشرة للهجوم النووي. ومن المؤكد أن روسيا نفسها ستعاني من عشرات الملايين من القتلى، لكن في هذا السيناريو، سيخسر كلا الجانبين.

ما مدى احتمالية نشوب حرب نووية؟

يؤكد الكاتب أن نشوب حرب نووية أمر مستبعد، وتعمل جميع القوى النووية وفقًا لمبدأ التدمير المؤكد – فالهجوم النووي على قوة منها يضمن ردًّا مدمرًا. إن غريزة البقاء لدى جميع البشر العقلانيين تجعلهم يتخذون قرارات تبعدهم عن النتائج المروعة، مثل الحرب النووية.

Embed from Getty Images

وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنه يتفهم خطورة الأسلحة النووية. وتشرح تارا قائلةً: «الزعماء الأمريكيون والروس يفهمون أن حربًا نووية واسعة النطاق ستكون حدثًا ينهي الحضارة، وهذا هو السبب في أن قادة الدول الخمس الحائزة الأسلحة النووية، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، في الشهر الماضي فقط، وصفوا تجنب الحرب بين القوى النووية بأنه (مسؤولياتهم الأولى)، وأكدوا أنه لا يمكن كسب حرب نووية ولا يجب خوضها أبدًا».

وفي الوضع الحالي، وغياب المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن احتمالية نشوب حرب نووية تكاد تكون صفرًا. غير أنه يمكن أن تقع حوادث ويمكن أن تؤدي الخلافات بين طرفين يبدوان عقلانيين إلى الخروج عن نطاق السيطرة بسرعة. وقد يختار الرجال المجانين، غير المقيدين بالواقع وغريزة البقاء، أيضًا الحرب النووية. وعلى أي حال، ستكون كل الحضارة البشرية ملزمة باختياراتهم. والدرس الذي يمكن أن نستخلصه هو أنه ما دامت الأسلحة النووية موجودة، فهناك احتمال أن تُستخدَم.

كيف نتجنب هذا؟

السيناريو الموضح أعلاه غريب، لكنه لا يزال ضمن نطاق الاحتمال، وفي السيناريو، كلا الجانبين مدمَّر مع عدم وجود طرف منتصر.

العالم والاقتصاد

منذ سنة واحدة
الروبل يرتفع.. كيف قلبت روسيا طاولة «العقوبات» على الغرب؟

تقول تارا: «بسبب العواقب الوخيمة للصراع النووي، يتحتم على الدول النووية أن تسعى إلى حلول دبلوماسية. والوضع الحالي في أوكرانيا ينطوي على بعض مخاطر التصعيد النووي من سوء الفهم أو سوء التقدير. لكن من المشجع أن الولايات المتحدة لم تستجب لتهديدات بوتين برفع حالة التأهب لديها. ومن المهم أن تسود الرؤوس الأكثر اتزانًا وأن توفر مخارج دبلوماسية لهذا الصراع».

ومن المؤكد أن الغزو الروسي لأوكرانيا لن يؤدِّي إلى حرب نووية شاملة، غير أن التوتر بين أمريكا وروسيا بشأن الحرب هو تذكير بأن احتمال اندلاع حرب نووية ليس معدومًا. إن مزيدًا من الأسلحة النووية لا تجعل أي طرف أكثر أمانًا، ويمكن للدبلوماسية أن تضمن أن كلا الجانبين، على الرغم من أنهما يريدان أشياء مختلفة للغاية، يمكنهما العمل معًا لتجنب الشيء الوحيد الذي لا يريده الجميع – الحرب النووية.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد