تتعالى الأصوات بين الحين والآخر مطالبة بتمكين السيدات وتنصيبهن في المراكز القيادية؛ كي ينعم العالم ببعض السلم الذي لم يستطع الرجال تحقيقه وهم في السلطة. فهل تحمل النساء فعلًا الصفات المطلوبة لقيادة العالم على نحوٍ أفضل؟ وماذا تقول الأبحاث التي درست هذه المسألة؟ هذا ما ناقشته أبيجيل بوست، الأستاذة المساعدة في الأمن القومي والعلوم السياسية بجامعة أندرسون في ولاية إنديانا، في مقالها الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.
استهلّت أبيجيل مقالها بالإشارة إلى التصريح الذي أدلى به الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الأسبوع الماضي قائلًا: «إذا تولى المزيد من السيدات مراكز قيادية، ستقل الحروب، وسيحصل الأطفال على رعاية أفضل، وسنشهد تحسنًا عامًّا في مستوى المعيشة والدخل».
وكان أوباما قد أدلى بتصريحات مماثلة في الماضي، فعلى سبيل المثال ناقش ذات مرة أهمية «تعيين النساء في مناصب قيادية؛ لأن الرجال يبدو أنهم يواجهون بعض المشكلات هذه الأيام».
تقول أبيجيل: «يشير بحثي – الذي شاركتني فيه بارومِيتا سين – إلى أن أوباما محق ومخطئ في الآن نفسه. فبينما تشير الأبحاث إلى أن وجود المزيد من السيدات في الهيئات التشريعية يزيد من إقرار السياسات السلمية، نجد أن الدول التي تقودها سيدات، سواء في منصب الرئيس أو رئيس الوزراء أو غيرهما، تخوض نزاعات أكثر عنفًا. ونظرًا إلى أن معظم المجتمعات (بما في ذلك المجتمع الأمريكي) لديهم غالبًا تصور مسبق مفاده أن السيدات القائدات ضعيفات، إلا أن النساء اللاتي في السلطة غالبًا ما يعوّضن عن هذا الضعف المُتصوّر من خلال التصرّف بعدوانية أكبر».
المرأة القائدة.. بين مطرقة وسندان
توضح أبيجيل أن المرأة تعرف أن دورها القيادي يتطلب قوة، لكن متطلبات نوعها الجنسي تحتم عليها اتباع تكتيك أكثر رفقًا. وهكذا تواجه السيدات في المراكز القيادية مأزقًا مزدوجًا، ويجدن أنفسهن بين مطرقة النقّاد الذين يدينون النهج الناعم (مثل النسويات) بوصفه ضعفًا، وسندان وصفهم النهج الذي ينطوي على استخدام القوة (مثل: القوة العسكرية) بأنه مفرط في العدوانية.
وتواجه السيدات غالبًا صورتين نمطيّتين تعيقُهن عن السعي للسلام بدلًا من الحرب وهن في منصب القيادة. الأولى: يرى الناس أن للسيدات ميولًا اجتماعية أكثر (عاطفيات ولطيفات ومربيّات)، لكن الصورة النمطية للقيادة تتطلب (عدوانية وطموحًا وهيمنة)؛ وهي سمات غالبًا ما ترتبط بالرجال، وعندما تتبنى السيدات مثل هذه الأدوار غير المتأصلة في طبيعتهن؛ يراهن الناس أقل كفاءة.
يتفاقم هذا التصور نتيجة الاعتقاد السائد بأن النساء أكثر عاطفية من الرجال. وتنقل أبيجيل ما قاله ريتشارد نيكسون في هذا الصدد ذات مرة: «لا أعتقد أن المرأة يجب أن تتولى أي وظيفة قيادية مهما كانت. وأنا أعني ذلك حقًّا. والسبب الذي يحدوني إلى تبني هذا الرأي هو أنهن متذبذِبات وعاطفيّات. صحيح أن الرجال مذبذبون وعاطفيون أيضًا، لكن بيت القصيد هنا هو أن النساء أكثر قابلية للوقوع في فخ التذبذب والانجرار إلى حيثما تقودهم العاطفة».
بسبب هذه الصور النمطية، تنظر الجماهير إلى النساء على أنهن غير ملائمات للتعامل مع المواقف المتعلقة بالأمن القومي.
بسبب هذه الصور النمطية، تنظر الجماهير إلى النساء على أنهن غير ملائمات للتعامل مع المواقف المتعلقة بالأمن القومي. في إحدى الدراسات التي أُجريت عام 2002، قال 61% من المشاركين إنهم يعتقدون أن الرجال أكثر استعدادًا للاستجابة للأزمات العسكرية من النساء، بينما أجاب 3% فقط بأن النساء أكثر قدرة على التعامل مع هذا النوع من الأزمات. أما البقية فقد رأوا أن النساء والرجال على القدر ذاته من الكفاءة.
ومعظم هذه الآراء المتحيزة تدور حول المستوى الذي يسميه علماء النفس المستوى «الضمني». ويشير التحيز الضمني إلى المواقف والصور النمطية التي تؤثر في الناس بطريقة غير واعية. ولا يدرك معظمنا بأننا نحمل هذه التحيزات، بينما تؤثر في تفاعلاتنا اليومية.
لماذا قد تتجه النساء للتصعيد؟
تتابع أبيجيل بأن بحثها قد ناقش كيف تواجه السيدات هذه التحيزات الضمنية أكثر، حتى عندما يُدِرنَ السياسة الخارجية والأمن القومي. ذلك أن مقدار القوة المتصوّرة التي تتمتع بها المرأة – قدرتها على التوصل إلى تسوية – تعد نقطة ضعف أثناء الأزمة العسكرية. وبالتالي يصبح على النساء تصعيد الخلاف لإثبات عزمهن.
التهديدات التي تطلقها النساء من المرجح أن تُواجَه بالمقاومة من الخصوم الدوليين أكثر بنسبة 17 نقطة مئوية من نظرائهم الرجال.
لإثبات ذلك، استعرضت الباحثة جميع رؤساء الدول من السيدات اللاتي خاضت بلادهن نزاعات عسكرية مع دول أخرى في الأعوام بين 1980–2010، وخلصت إلى أن التهديدات التي تطلقها النساء من المرجح أن تُواجَه بالمقاومة من الخصوم الدوليين أكثر بنسبة 17 نقطة مئوية من نظرائهم الرجال. وبالتالي، تستخدم النساء المزيد من القوة العسكرية للتغلب على المقاومة الأولية التي يرجح أن يرد بها خصومهم.
ويلفت البحث إلى أن التحيز الجنساني داخل الحكومة الأجنبية يدفع تلك الدولة إلى مقاومة تهديدات النساء. في المقابل، يفترض أن النساء لا يُصَعِّدن النزاعات إلا عندما لا يستطعن تحقيق أهدافهنّ سلميًّا. وفي حين أن النساء لسن أكثر عنفًا بطبيعتهن، بيد أنهن يستخدمن القوة العسكرية للرد على القوالب النمطية الجنسانية، وفقًا لأبيجيل.
وتكمل الكاتبة استعراضها لما توصلت إليه الأبحاث ذات الصلة: نجد أدلة تاريخية تدعم كلًّا من المقاومة الأولية والتصعيد العسكري اللاحق، خلال الفترة التي مهدت للحرب الأهلية في بنجلاديش عام 1971م.
قالتها أنديرا غاندي – أول رئيسة وزراء سيدة للهند – بكل وضوح: إن الهند ستشنّ حربًا ما لم تحرر باكستان بنجلاديش. وكان رد الرئيس الباكستاني يحيى خان على التهديدات الهندية نموذجًا للتشكيك في تهديدات النساء؛ إذ قال: «إذا كانت تلك السيدة (أنديرا غاندي) تعتقد أنها ستجعلني أخضع فأنا أرفض ذلك. وإذا كانت تريد أن تخوض حربًا؛ فأنا لها». وهكذا قاومت باكستان تهديدات الهند، لكن الهند هزمت الجيش الباكستاني في 13 يومًا.
تأمل كيف يمكن أن يترجم هذا النموذج إلى قرارات مستقبلية بشأن الحرب والسلام: رئيسة أمريكية تدين روسيا بسبب عدوانها. ولإظهار عزمها؛ تهدد بعمل عسكري. في المقابل، يقرر الرئيس الروسي أن في الأمر حيلة؛ لأنها امرأة. وتواصل روسيا عدوانها، فلا تجد الولايات المتحدة بدًّا من خوض الحرب التي هددت بها كي لا تبدو ضعيفة.
حل آخر غير ما يقترحه أوباما
ترى أبيجيل أن أوباما يقفز قفزة كبيرة عندما يفترض أنه يمكن للمرأة أن تتغلب بسرعة على تحيزات كبار السن – الرجال عادة – الذين لن يبتعدوا بسهولة ويكفوا عن التأثير في قضايا الحرب والسلام. إذ ينظر المجتمع إلى المرأة على أنها جيدة في التوصل إلى تسويات، لكن القليل من الناخبين يريدون قائدًا يقدم تنازلات بشأن القضايا التي تمس الأمن القومي.
ربما يكون الحل هو وجود المزيد من السيدات في المراكز القيادية الرئيسية، ولكن هذا التحول يستدعي أيضًا تقليل التحيز الجنساني على مستوى العالم. وفي حين أنه من الصعب القضاء على هذا التحيز قضاء مبرمًا، فإن الدراسات وجدت أن مجرد الوعي بوجود التحيز يقلل من آثاره.
وتختم أبيجيل مقالها متسائلة: «مع تبوء مزيد من السيدات مناصب عليا، هل تتغير وجهة نظرنا حول أداء النساء في السلطة تبعًا لذلك؟».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».