خلال زيارته الأخيرة إلى كينيا؛ قال الرئيس باراك أوباما في إشارة ضمنية إلى سياسات مكافحة المثلية الجنسية التي تنتهجها البلاد: “عندما تبدأ بمعاملة الناس بطريقة مختلفة، ليس بسبب أي ضرر قد يلحقونه بأي شخص وإنما فقط لأنهم مختلفون، فإن هذا هو الطريق الذي تتقوض فيه الحريات”.

وردّ عليه الرئيس الكيني أوهورو كينياتا بالقول إن حقوق المثليين “لا تشكل قضية”، وليست أولوية في بلاده.

تبادل هذين التصريحين كان بمثابة “نجاح” للزعيمين؛ فالسياسيون الكينيون أشادوا بكينياتا لبقائه “حازمًا ولكن متسمًا بالاحترام”، في دفاعه عن حظر بلاده للمثلية الجنسية، وأوباما حظي بالاحتفاء من قبل وسائل الإعلام الغربية ونشطاء حقوق الإنسان لإثارته قضية حقوق المثليين.

 

للأسف؛ فإن هذا الموقف يمثل الجزء الأكبر من سياسة أوباما تجاه إفريقيا، التي تستند إلى عقود من الفرص الضائعة في السياسة الأمريكية المتسمة بالنفاق من خلال دعم دول تنتهك حقوق الإنسان. هذا التناقض مع مبادئ الديموقراطية استمر في زيارة أوباما لإثيوبيا في تلك الجولة، حيث أشار مرتين إلى أن الحكومة الإثيوبية هي حكومة “منتخبة ديموقراطيًّا”. (فاز الحزب الحاكم في إثيوبيا بجميع المقاعد الـ 547 في البرلمان خلال الانتخابات الوطنية في مايو الأخير).

 

بعيدًا عن تلك الإشارات العابرة بشأن بواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان، فإن أوباما ضيّع فرصة ثمينة لممارسة ضغط معتبر على مضيفيه وتقديم رسالة دعم لمنظمات المجتمع المدني، الأمر الذي تُسابق إليه واشنطن في الدول غير الصديقة مثل: روسيا وفنزويلا.

بدلًا من ذلك؛ ومن خلال الالتفاف حول الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والتحدث بابتذال، أبرزت زيارة أوباما النفاق طويل الأمد للولايات المتحدة وعدم احترامها لقيمها الديموقراطية. فسياسة الولايات المتحدة الخاطئة تجاه إفريقيا، والتي تعطي الأولوية للأمن بدل الشراكة مع الشعوب الأفريقية، تأتي بنتائج عكسية ولن تساعد على الاستقرار في القارة.

 

علاوة على ذلك؛ فإن تركيز أوباما على قضايا حقوقية ذات مخاطر منخفضة يقوّض الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في القارة، ويمنح مزيدًا من المصداقية لدولة مثل الصين المتجنبة عادة هذا النوع من الشروط السياسية التي تفرضها أمريكا بصورة شفهية في كثير من الأحيان.

 

في خطابه الأخير داخل ملعب كسراني الكيني؛ لم يشر أوباما إلى احتجاز أربعة آلاف من الصوماليين والكينيين المسلمين في الملعب ذاته، ضمن عملية Usalama التي تلت سلسلة من الهجمات بمدينتي نيروبي وممباسا بالقنابل اليدوية والبنادق في أبريل 2014. وكان المعتقلون يعيشون في ظروف بائسة ودون طعام وماء كافٍ.

لقد فشل أوباما في التصدي للمضايقات المستمرة التي يتعرض لها نشطاء المجتمع المدني ودعاة إصلاح جهاز الشرطة.

في أبريل الماضي وضعت الحكومة الكينية اثنين من المنظمات غير الربحية في قائمة “المنظمات الإرهابية” (منظمة مسلمون من أجل حقوق الإنسان، ومنظمة حقي إفريقيا)، مما أدى إلى إزالتهما من السجل الكيني للمنظمات غير الحكومية.

 

حدث نفس الشيء في إثيوبيا؛ لم يضغط أوباما على الحكومة بشأن انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان، وقد تم توثيق كثير منها في التقرير القطري السنوي الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية. إذ وصف التقرير أن القيود المفروضة على حرية التعبير وحرية تأسيس الجمعيات بأنها “أخطر مشاكل حقوق الإنسان”. وأقرّ التقرير “القتل التعسفي المزعوم، والتعذيب المزعوم، والضرب، وسوء معاملة المعتقلين على يد قوات الأمن، وظروف السجن القاسية التي تهدد الحياة، والاحتجاز والاعتقال التعسفي”.

 

كتب مؤخرًا ديفيد كامبف في صحيفة نيويورك تايمز رأيه؛ “سياسة تملق الأنظمة السيئة أو البقاء بصمت في وجه الانتهاكات لم تنجح في الماضي”. وأضاف: “إنها فقط تركل المشكلات وترميها في الطريق، وغالبًا ما تخلق مشاكل جديدة. الجيل القادم من المواطنين، والقادة الذين يحمون الديموقراطية ويدافعون عن الحقوق هم الذين يجب أن تؤسس معهم الروابط”، وهو على حق.

زيارة أوباما الأخيرة إلى إفريقيا أظهرت ولاء واشنطن للشركاء في الأنظمة “المستقرة” ولكن غير الديموقراطية باسم الأمن. هذه الأولوية الإستراتيجية تعرقل جهود الجهات الفاعلة في المجتمع المدني – المحاصرة مسبقًا- والذين يطالبون بالإصلاح الديموقراطي كوسيلة للقضاء على الفساد وإحباط التطرف.

 

تهرب أوباما الدبلوماسي أتى أيضًا في جو من عدم اليقين بشأن توقيعه مبادرة طاقة إفريقيا، والتي تهدف إلى تعزيز توفير الكهرباء في المنطقة. ما لا يقل عن 5 مليارات دولار من ميزانية المشروع الإجمالية والتي تقدر بـ 7 مليارات دولار “كانت تحت رعاية بنك التصدير والاستيراد البائد حاليًا”، الأمر الذي يثير تساؤلات حول جدوى البرامج والاستثمارات المستقبلية.

 

خطاب واشنطن الفارغ عن حقوق الإنسان يأتي بنتائج عكسية في الوقت الذي تستثمر فيه الصين بكثافة في القارة الأفريقية. فبينما كان أوباما يرسل رسائل متناقضة حول دعم واشنطن لحقوق الإنسان في إفريقيا؛ أظهرت الصين مشاركة أكثر اتساقًا مع صعود القارة. في يوليو 22، وقبل يومين من وصول أوباما إلى كينيا أعلنت الصين اتفاقية بـ 17 مليون دولار، وركزت على إنشاء معهد كونفوشيوس، وتجديد مركز موي الدولي للرياضة، والمساعدة في إدارة شؤون اللاجئين في البلاد، بما في ذلك عملية إعادة اللاجئين الصوماليين – المثيرة للجدل- إلى الصومال التي مزقتها الحرب.

 

يستند الاتفاق إلى تاريخ طويل من الاستثمار الصيني في كينيا. ففي 13 أغسطس عام 2013، عقب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى كينيا، وقعت الدولتان اتفاقية بقيمة 5 مليارات دولار، لإنشاء وتوسيع وتحسين البنية التحتية للنقل والطاقة في البلاد. وفي الواقع؛ فإن الاستثمارات الصينية تمتد في كل القارة.

 

الصين التي تفوقت على الولايات المتحدة في عام 2009؛ وصارت أكبر شريك تجاري في إفريقيا؛ خصصت عام 2012 ما يقدر بـ 2.52 مليار دولار للاستثمارات في إفريقيا، ويمثل ذلك زيادة حادة من 317 مليون دولار في عام 2004. الصين لديها أيضًا وجود دبلوماسي أكثر حضورًا في إفريقيا، وفي كل عام يقوم الرئيس الصيني أو رئيس الوزراء بزيارة بلدان إفريقية منذ العقد والنصف الأخير، وحين وصل الرئيس بينغ لرئاسة الدولة كانت أولى زياراته الخارجية الرئيسة إلى تنزانيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية وجنوب إفريقيا.

 

على النقيض من ذلك؛ كان أوباما غائبًا عن إفريقيا إلى حد كبير. في ولايته الأولى كرئيس، قضى أقل من 24 ساعة في القارة التي أنجبت والده. قاعة الاتحاد الأفريقي، حيث ألقى أوباما خطابه التاريخي، شيدت بما يقارب الـ200 مليون دولار قُدّمت “هدية” من الصين.

 

لقد جاء استثمار بكين القوي دون شروط سياسية مرهقة أو خطاب وعظي بشأن السياسات والأهداف النموذجية. صحيح أن الاستثمارات الصينية في إفريقيا يمكن أن تدعم الأنظمة الاستبدادية أو يمكن أن تؤدي إلى مأسسة الأيديولوجية المعادية للديموقراطية كما يزعم النقاد، لكن الغموض الأمريكي بشأن قضايا حقوق الإنسان لا يخلو من ذلك أيضًا.

 

في الفترة التي سبقت الانتخابات الإثيوبية أكدت التقارير زيادة قمع الصحافة والأحزاب المعارضة والجمعيات الطلابية، وبُرّر القمع في كثير من الأحيان بقانون مكافحة الإرهاب وإعلان عام 2009 للجمعيات الخيرية والجماعات، وقد وضع الأخير قيودًا صارمة على أنشطة المنظمات غير الحكومية وجمعيات حقوق الإنسان التي تتلقى دعمًا من الخارج.

إن تأييد إدارة أوباما الضمني للانتخابات الشكلية في إثيوبيا سيشجع الحكومة على مواصلة الإجراءات القمعية التي تستهدف إسكات الصحفيين الناقدين والمعارضين السياسيين.

 

التشدق بالقيم الديموقراطية مثل: سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان دون الاستثمار في تنميتها يشوه صورة واشنطن في الخارج ويقزم مبادراتها الأمنية. مكافحة التطرف وعدم الاستقرار في الدول الأفريقية جنوب الصحراء أمور تتطلب كسب ثقة المواطنين، وتحالف واشنطن مع الحكومات الديكتاتورية في حين تنشر دعاية للمُثل الليبرالية أمر يُحبط ويُقلّل من قدرة المجتمع المدني الأفريقي على المطالبة بالإصلاح.

 

إن الضجة الاحتفالية التي أحاطت بزيارة أوباما إلى شرق إفريقيا تذكير بندرة الشراكات التاريخية بين واشنطن والشعوب الإفريقية، ذات الطابع غير المثمر.

 

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد