يتحدث تقرير لموقع «ميدل إيست آي» عن وثائق البنتاجون السرية التي سُربت عبر شبكة الإنترنت مؤخرًا، والتي تشير إلى معلومات استخباراتية تجمعها أمريكا حول شركائها وخصومها في الشرق الأوسط. وتوفر بعض الوثائق (التي اعترف المسؤولون الأمريكيون بصحتها) معلومات رئيسية عن الحرب في أوكرانيا، ومدى معرفة أمريكا في خطط موسكو العسكرية.
فيما كشفت وثائق أخرى عن تجسس أمريكا على حلفاء رئيسيين، من بينهم تركيا العضو في حلف الناتو، ومصر، وإسرائيل، والإمارات العربية المتحدة.
ويشير التقرير إلى أن تلك الوثائق ظهرت أول مرة على شبكة التواصل الاجتماعي «ديسكورد». كان بعضها يندرج تحت بند «سري للغاية»، فيما اندرجت وثائق أخرى تحت تصنيف أنه لا يمكن مشاركتها مع وكالات الاستخبارات الأجنبية. بعض الوثائق تتحدث عن محادثات أجراها رؤساء دول في فبراير(شباط) الماضي، فيما قدمت وثائق أخرى تحليلات معمقة للأحداث الدولية.
وثائق البنتاجون.. السيسي يحاول «رد الجميل» لبوتين
يذكر التقرير أن إحدى الوثائق المسربة (التي لم تطلع الصحيفة عليها ولا يمكن التأكد تمامًا من صحتها) تزعم أن الرئيس، المصري عبد الفتاح السيسي، أمر بخطط لتزويد روسيا سرًّا بالصواريخ. ففي فبراير الماضي، وفقًا للتسريب، أمر السيسي مسؤولين عسكريين بإنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ، وطالب بإبقاء الأمر سرًّا «لتجنب المشكلات مع الغرب».
تقول صحيفة «واشنطن بوست» إن الوثيقة، المذكورة بتاريخ 17 فبراير، تلخص المحادثات التي جرت بين السيسي، وكبار القادة العسكريين بشأن خطط لتزويد روسيا بقذائف المدفعية والذخيرة، بالإضافة إلى الصواريخ.
وفي حين أن مصدرًا مصريًّا رسميًّا (لم يُكشف عن هويته) قد أكد لقناة «القاهرة نيوز» الحكومية أن المعلومات المتداولة في الوثيقة «لا أساس لها من الصحة»، فإن مسؤولًا حكوميًّا أمريكيًّا، تحدث أيضًا شريطة عدم الكشف عن هويته، لم ينف تلك المعلومات الاستخباراتية، لكنه ذكر لـ«واشنطن بوست» أن واشنطن «ليس لديها أي علم بأن تلك الخطة قد وضعت موضع التنفيذ».
السيسي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارة سابقة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الكرملين
ويشير التقرير إلى أنه مع هذا النفي، فإن الإشارة إلى أن مصر فكرت (حتى مجرد التفكير) في تسليح روسيا من المرجح أن يثير الغضب في الولايات المتحدة، فالقاهرة هي واحدة من أقدم شركاء واشنطن في الشرق الأوسط، ويتلقى الجيش المصري نحو 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية سنويًّا، وإن كانت العلاقات قد توترت بين الجانبين في السنوات الأخيرة، ففي سبتمبر(أيلول)، حجبت إدارة بايدن نحو 130 مليون دولار من المساعدات المفترض تقديمها لمصر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. واتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» السيسي مرارًا بقمع أصوات المعارضين بالحديد والنار. في ظل حكم الجنرال السيسي، أصبحت مصر ثالث أسوأ دولة في العالم من حيث سجن الصحافيين.
يستطرد التقرير بأنَّ مصر غضبت من انتقادات واشنطن، وولت وجهها شطر روسيا، والصين أيضًا. أراد السيسي تنويع قائمة شركائه، رفضت مصر (مثل جيرانها العرب) دعم العقوبات الغربية ضد روسيا، التي تساعد في بناء محطة للطاقة النووية في مصر. كما تعاونت القاهرة وموسكو في بعض مناطق الصراع مثل ليبيا، كما أنه، وفي ظل ارتفاع التضخم وتدهور الواقع الاقتصادي في البلاد، ضاعفت مصر من واردات القمح الحيوية من روسيا.
يرى التقرير أن التقرير المسرب محرج لواشنطن بطريقة ما، لأنه يتضمن «تجسسًا» على محادثات السيسي مع وزير الدولة للإنتاج الحربي، الذي وعد بزيادة أنشطة المصانع العسكرية لتلبية الطلب الروسي، معتبرًا أن ذلك «أقل ما يمكن أن تفعله مصر لرد الجميل لروسيا». وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أنه في مارس (آذار)، طلب وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، من مصر تزويد أوكرانيا بالذخيرة المدفعية لكنه لم يتلق من القاهرة أي رد ملزم.
«فاجنر» تحط رحالها في تركيا
ينتقل التقرير إلى وثيقة أخرى نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، تذكر أن ممثلين عن مجموعة المرتزقة الروسية «فاجنر» التقوا في فبراير الماضي بـ«جهات اتصال» في تركيا (العضو في الناتو) لاستكشاف إمكانية شراء أسلحة ومعدات لمقاتليها في أوكرانيا. وتذكر الوثيقة أن دولة مالي (الواقعة في غرب أفريقيا والتي يسيطر الجيش فيها على الحكم) يمكن أن تعمل بوصفها ممر عبور لتسليم الأسلحة إلى قوات «فاجنر». ولا تذكر الوثائق إذا ما كانت الصفقة قد وصلت إلى نهايتها، ولا تشير إلى المبلغ المتفق عليه أو مدى تورط الحكومة التركية في تلك القضية.
ويذكر التقرير أن ويليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التقى بنظيره الروسي في العاصمة التركية العام الماضي لمناقشة ملف الأسلحة النووية، والسجناء الأمريكيين المحتجزين في السجون الروسية. كما يشار إلى أن تلك ليست المرة الأولى التي تسعى فيها فاجنر إلى نسج علاقات مع تركيا لتعزيز عملياتها. ففي أكتوبر (تشرين الأول)، ذكر تقرير سابق لـ«ميدل إيست آي» أن فاجنر كانت تسعى إلى تعزيز قواتها من خلال تجنيد مقاتلين من تركيا، بالإضافة إلى دول مثل صربيا، والتشيك، وبولندا، والمجر، ومولدوفا، من خلال تقديم عروض برواتب عالية.
ويتحدث التقرير عن موقف تركيا من الحرب على أوكرانيا، فمع أن تركيا عضو في الناتو، فإنها تتخذ موقفًا مستقلًّا من أوكرانيا. ففي حين زودت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان كييف بدرونز مسلحة، فإنها نصبت نفسها وسيطًا في الصراع من خلال التوسط في صفقة مدعومة من الأمم المتحدة لإعادة تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، فضلًا عن ذلك، ومثل غيره من قادة الشرق الأوسط، لم يتردد أردوغان في توفير شريان حياة اقتصادي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
فقد ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين تركيا وروسيا بنحو 200% مع تأزم الحرب، واستفادت أنقرة من انخفاض أسعار الطاقة الروسية كما استفاد الاقتصاد التركي المنهك من تدفق الروس الذين يتطلعون إلى الهروب من العقوبات وتداعيات الحرب. في المقابل تعرضت تركيا لضغوط من شركائها الغربيين لتقليص العلاقات الاقتصادية مع موسكو، إذ يفيد التقرير بأن الشركات التركية توقفت في مارس (بعد تحذيرات أمريكية) عن تقديم الخدمات للطائرات غربية الصنع المملوكة لشركات الطيران الروسية.
رجال المخابرات الروسية في دبي
سلطت التسريبات الضوء كذلك على دفء العلاقات بين روسيا وشريك آخر وثيق للولايات المتحدة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تدعي وثيقة أخرى اطلعت عليها وكالة «أسوشيتد برس»، أن الجواسيس الروس تفاخروا بأنهم نجحوا في إقناع الإماراتيين «بالعمل معًا ضد وكالات المخابرات الأمريكية والبريطانية». ويزعم التقرير أن مسؤولي «جهاز الأمن الفيدرالي الروسي» وهو خليفة «كي جي بي» جهاز التجسس الشهير في الحقبة السوفيتية.
وتنقل «أسوشيتد برس» عن الوثيقة المسربة التالي: «ربما تنظر الإمارات العربية المتحدة إلى التعامل مع المخابرات الروسية بصفتها فرصة لتعزيز العلاقات المتنامية مع موسكو، خاصة في المجال الاستخباراتي، وسط مخاوف من توجه الولايات المتحدة إلى فك ارتباطها في المنطقة».
لكن التقرير يشير إلى نفي مسؤول إماراتي في حديث لشبكة «سي إن إن» لمحتوى الوثيقة معتبرًا أن تلك «المزاعم خاطئة تمامًا». وتأتي الوثيقة في وقت تشهد فيه العلاقات بين واشنطن وأبو ظبي بوادر توتر، ففي مارس، صرحت إليزابيث روزنبرج، المسؤولة في وزارة الخزانة الأمريكية، علنًا بأن الإمارات هي «دولة محط اهتمام» في ظل جهود واشنطن لخنق علاقات روسيا بالاقتصاد العالمي. وأضافت أن الإمارات صدرت بين يونيو (حزيران) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2022 أشباه مواصلات يمكن أن يكون لها استخدامات عسكرية في روسيا.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد في لقاء سابق
ويشير التقرير إلى أنه حتى نهاية العام الماضي، كانت الإمارات مستمرة في تصدير الطائرات بدون طيار إلى روسيا. كما استفادت الإمارات من ارتفاع عائدات الطاقة نتيجة الحرب الأوكرانية. في غضون ذلك، في الوقت الذي أصبحت فيه دبي رابع أكثر أسواق العقارات الفاخرة نشاطًا في العالم بعد نيويورك ولوس أنجلوس ولندن هذا العام، وذلك يرجع إلى زيادة الاهتمام من الروس الذين أصبحوا أكثر من يشتري العقارات في دبي، تستفيد دبي أيضًا من تدفق الروس العاملين في مجال التكنولوجيا، الذين يسعون إلى تجنب تداعيات حرب فلاديمير بوتين.
ويلفت التقرير النظر إلى أنَّه تحت ضغط من الولايات المتحدة ألغت الإمارات ترخيصًا كانت قد أصدرته لبنك «إم تي إس» الروسي في مارس، وهي الخطوة التي تخوف الأمريكيون من أنها مؤشر إلى النفوذ الاقتصادي المتزايد للروس في الإمارات، حيث يرى المسؤولون في واشنطن أن روسيا تحولت إلى بنوك أصغر مثل «إم تي إس» وشركات أخرى في محاولة للتهرب من العقوبات الغربية.
أسلحة إسرائيل «الفتاكة»
ووفق التقرير تسلط الوثائق المسربة الضوء على طريقة تفكير الولايات المتحدة بشأن موقف إسرائيل من الحرب في أوكرانيا، وتذكر وثيقة بعنوان «إسرائيل: مسارات لتقديم مساعدة «فتاكة» لأوكرانيا» أن تل أبيب يمكن أن تزود أوكرانيا بالسلاح إما تحت ضغط أمريكي جبار، وإما بسبب «تدهور ملحوظ» في علاقاتها مع روسيا. كان الموقف الإسرائيلي من الحرب غير حاد، ففي حين أدانت الغزو الروسي وقدمت لأوكرانيا مساعدات إنسانية، فإنها رفضت طلبات كييف للحصول على دعم عسكري.
ولا يتحرج المسؤولون الإسرائيليون من التصريح علنًا بأنهم لا يريدون إفساد العلاقات مع موسكو، خوفًا من أن يؤثر ذلك في عملياتهم العسكرية في سوريا، حيث تحتفظ روسيا بقوات وأنظمة دفاع جوي فعالة هناك. واعتادت تل أبيب استهداف القوات الإيرانية ووكلائها في سوريا. وفي العام الماضي ذكر مايكل هيرزوج، السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، أن روسيا يمكن أن تستخدم قدراتها العسكرية في سوريا «لتعطيل» الحملات الجوية الإسرائيلية.
وينقل التقرير عن مسؤولين أمريكيين أن السيناريو «الأكثر منطقية» الذي ستتبناه إسرائيل في أوكرانيا هو «النموذج التركي»، حيث تقدم مساعدات فعالة لأوكرانيا من خلال طرف ثالث، فيما تقدم نفسها وسيطًا في الصراع. لكن هناك سيناريو آخر محتمل هو زيادة تل أبيب مساعداتها في ضوء التعاون العسكري المتنامي بين روسيا وإيران. حيث يمكن أن تنقل موسكو أنظمة إستراتيجية إلى إيران يمكن أن تساعدها في توسيع برامجها الصاروخية والنووية. وفي سيناريو آخر، قد تتسبب روسيا يومًا ما في تدهور العلاقات بإسقاط الطائرات الإسرائيلية في سوريا.
الموساد يدعم الاحتجاجات الشعبية في إسرائيل
يشير التقرير إلى زعم مجموعة أخرى من الوثائق المسربة أن الموساد، جهاز المخابرات الإسرائيلية الأبرز، يشجع الإسرائيليين «سرًّا» على الانضمام إلى الاحتجاجات الشعبية ضد محاولات التغيير القضائي التي اقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وتشير الوثائق إلى أن قيادة الموساد «دعت مسؤولي الموساد والمواطنين الإسرائيليين للاحتجاج على الإصلاحات القضائية التي اقترحتها الحكومة الجديدة».
احتجاجات في تل أبيب على مساعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتمرير التعديل القضائي
تعني تلك الوثيقة أن الولايات المتحدة تجسست على أقرب حليف لها في المنطقة، لكن مكتب نتنياهو، أدان في بيان له تلك التقارير ووصفها بأنها «كاذبة ولا أساس لها من الصحة». وذكر البيان أن «الموساد وكبار مسؤوليه لم ولن يشجعوا أفراد الجهاز على الانضمام إلى التظاهرات ضد الحكومة أو المظاهرات السياسية، وليس لهم أي نشاط سياسي».
ويختم التقرير بلفت الانتباه إلى أن الكشف عن هذه الوثائق يأتي بعد أن اتهم إسرائيليون موالون للحكومة واشنطن بتدبير الاحتجاجات سرًّا ضد نتنياهو ودعمها. ويُذكر أن إسرائيل تشهد منذ يناير (كانون الثاني) احتجاجات وإضرابات ضد خطة الإصلاح القضائي التي يقول منتقدون إنها ستضعف المحكمة العليا وتزيل القيود عن البرلمان.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».
علامات
أوكرانيا, إسرائيل, الإمارات العربية المتحدة, السيسي, الموساد, تركيا, حرب أوكرانيا, روسيا, فاجنر, مصر, وثائق البنتاجون