يسافر حوالي 3 ملايين مسلم إلى مكة سنويًّا لأداء فريضة الحج. بالنسبة لهم، يُعتبر الحج امتثالًا لأحد أعمدة الإسلام الخمسة، فريضة يجب أن يقضوها مرة في العمر. ولكن بالنسبة للسعودية، فهو تحدّ لوجستي هائل.

يعتبر الحج من أضخم التجمعات السنوية. يأتي الحجاج المرهقون من كل بلد ومنطقة تقريبًا، بعضهم أمضى حياته كلّها يجمع القروش لتوفير ثمن الرحلة، وانتظر 12 ساعة في طوابير طويلة بمطار الملك عبد العزيز الدولي، المخصص للحج، وهو مبنى على طراز شبيه بالخيمة البدوية. تُقام الأنشطة المتعلّقة بالحج، مثل الطواف بالكعبة في مكة، ورمي الجمرات في منى، على مساحة تزيد عن 291 ميلًا مربعًا. يتطلب ذلك من الحكومة تنظيم الأفواج، وتوفير الطعام والشراب والخدمات الصحية والنقل، والتأمين، والتعامل مع أي مشاكل أو حالات طارئة. يضغط توافد الحجاج على البنية التحتية للمملكة إلى أقصى درجة. وبالرغم من ذلك، فإنه نسبة إلى عدد المسلمين حول العالم، فإن 3 ملايين حاج هم قطرة في بحر. أكثر من 23 بالمائة من سكان العالم مسلمون – حوالي 1.6 مليار شخص، والعدد في زيادة، طبقًا لمركز أبحاث بيو. كلّ هؤلاء يجب عليهم أداء فريضة الحجّ مرة في العمر، إن استطاعوا إلى ذلك سبيلًا. لذا، تفرض الحكومة “كوتة” صارمة لإبقاء الأعداد في الحد المعقول، ولكن من الذي يقرر من سيذهب ومن لن يذهب هذا العام؟

يختلف الأمر من بلد إلى بلد: فالسعودية تضع كوتة مختلفة لكل دولة، تحدد عدد المواطنين الذين يمكنهم الذهاب للحج كل عام، لكن الدول نفسها هي التي تضع الآلية لملء هذه الكوتة. وفي بعض الدول، تزخر هذه الآلية بشتى صور الفساد وغياب العدالة.

إندونيسيا، أكبر دولة من حيث عدد السكان المسلمين، تحظى بالحصة الأكبر: 178 ألفًا هذا العام، بعد أن كانت 211 ألفًا عام 2013 (خفّضت الحكومة السعودية من حصصها هذا العام، لإفساح المجال لمشاريع توسعة الحرم والمقدّسات الأخرى). تُظهر الأرقام بشكل عام أن السعودية تحاول توفير مكان إضافي لكل واحد من ألف مسلم في كل بلد.

وكما في كثير من الدول ذات الكثافة السكانية العالية من المسلمين، فإن الحكومة الإندونيسية وضعت نظامًا مبتكرًا لتحديد من سيذهب ومتى. يجب على من يعتزم الخروج إلى الحج دفع 2000 دولار على الأقل؛ وهو ما يبلغ تقريبًا الحد الأدنى لأجر عام كامل في جاكرتا، العاصمة، حيث الحد الأدنى للأجور أعلى من المناطق الأخرى في إندونيسيا، أو ما يبلغ أجر 3 أعوام لأكثر من 43 بالمائة من الإندونيسيين الذين يعيشون على أقل من 2 دولار يوميًذا، طبقًا لإحصاءات البنك الدولي عام 2011. يضمن الدفع مكانًا على قائمة انتظار، يختلف طولها حسب المنطقة، أقصرها 12 عامًا، وأطولها 17 عامًا، وتذهب الأموال إلى صندوق لتمويل الحج تشرف عليه وزارة الشئون الدينية. عام 2014، تورّط سوريادارما علي، وزير الشئون الدينية ورئيس حزب التنمية المتحدة الإسلامي، في تحقيق بشأن إدارته لصندوق الحج.

أمّا باكستان، الهند وبنجلاديش، الذين يحتلون المراكز الثانية والثالثة والرابعة من حيث عدد السكان المسلمين بالترتيب، فإن كلًّا منها له نظامه الخاص. تُجري الحكومة الباكستانية قرعة على الطلبات، واضعة عشرات الآلاف ممّن لم يصبهم الحظ في قائمة انتظار. لكن المتقدمين اتهموا الحكومة باقتطاع أجزاء من حصة باكستان من الحجاج وتقسيمها على عدة شركات سياحية، في مقابل الرشاوى. واحد من كل أربعة هنود مسلمين تقدموا لأداء فريضة الحج سُمح له بالذهاب هذا العام، طبقًا لنظام معقد من الحصص والقرعات على مستويات مختلفة. في 2012، حكمت المحكمة العليا بإجبار الحكومة الفيدرالية على التخلي عن أغلب حصتها من مقاعد الحج التي خصصتها لنفسها، والتي بلغ عددها 5 آلاف، وهي حصة كبيرة غير مبررة في نظام يرفض حج الكثير من عوام الهنود. تم رفض أكثر من 30 ألف بنجلاديشي هذا العام، على الرغم من أن ثلثهم كان قد دفع الرسوم المقررة، بعد أن أدّى خطأ إلكتروني إلى تسجيل عدد أكبر من المسموح به.

حتى الدول التي لا تتمتع بكثافة عالية من المسلمين لم تسلم من النزاعات المتعلقة بالأمر. فبعد أن قلّلت الحكومة السعودية حصّة جنوب إفريقيا من 2500 إلى 2000 حاج في 2013، تضخمت أوقات الانتظار إلى أكثر من 6 أعوام.

كنتيجة طبيعية، يحاول بعض الحجاج تجاوز هذه العقبات. فطبقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، يواجه الحجاج بغير تصريح من غير السعوديين الترحيل الفوري وحظر العودة إلى الأراضي السعودية لعشرة أعوام مقبلة. أما النساء الأصغر من 45 عامًا، لا يمكنهنّ السفر دون محرم، وإلا فإنهنّ يواجهن نفس العقوبات، سواءً كان مصرّحًا لهن أم لم يكنْ.

أحد الأسباب التي دفعت إلى نظام الاقتراع هو الخوف من احتمالية وفاة الحجاج الذين يتعرضون لمشاق الحر والتزاحم، والفوضى. ويرسخ التاريخ هذه المخاوف، فبين عامي 1996 و2006، فقد الآلاف حيواتهم في حوادث متعلقة بالحج: في 1990، توفي 1426 حاجًا، معظمهم من ماليزيا، وإندونيسيا، وباكستان، في حادث تدافع بنفق مشاة، جراء التزاحم ودرجة الحرارة المرتفعة في الصحراء. وفي صباح يوم الخميس الماضي، أدّى التدافع في منى إلى مقتل 717 حاجًا وجرح 863 آخرين، في حادث هو الأعنف منذ عام 1990.

توفّي مئات من الحجاج أيضًا في حوادث أخرى: أدّت مواجهة بين متظاهرين إيرانيين ضد الولايات المتحدة من جهة، وقوات الأمن من جهة، عام 1987 إلى مقتل 402 حاج. وأودى تفجير إرهابي عام 1989 إلى مقتل شخص وإصابة 16 (فيما بعد، قطعت الحومة السعودية رؤوس 16 متمرّدًا كويتيًّا شيعيًّا، متهمة إياهم بتنفيذ الهجوم بدعم من إيران، وهو ما نفته الأخيرة). وحصد إطلاق نيران عام 1997 قرابة 340 نفسًا. هذا الشهر، حظرت الحكومة السعودية شركة الإنشاءات (بن لادن) من التعاقد على أي مشروعات جديدة بعد سقوط إحدى رافعات الشركة على رؤوس الناس، أثناء العمل على أحد مشروعات توسعة الحرم ليستع للمزيد من الحجاج، لتقتل 100 منهم. ناهيك عن مخاطر الصحة العامة: يختنق المئات كل عام جراء الأزمات القلبية أو أمراض مزمنة أخرى، كما أن مسؤولي الصحة السعوديين قلقون من مرض (ميرس MERS) الذي أودى بحياة المئات في السعودية منذ عام 2012.

إن وضعنا حادث الرافعة، و(ميرس) جانبًا، فإن الظروف كانت تبدو أكثر أمنًا في السنين الأخيرة. لكن حادث الخميس الماضي حطّم هذا السجل من التحسّن. ستواجه الحكومة السعودية مزيدًا من التحديات اللوجستية، بينما تخطط لزيادة أعداد الحجاج في الأعوام المقبلة.

تخطط الحكومة لتوفير 100 ألف فرد أمن لعام 2015. بالإضافة إلى 17 مستشفى و129 مستوصفًا في المنطقة، وفّرت الحكومة 106 فرق طبية لخدمة الحجاج خلال أسبوع الحج.

عام 1927، لم يتجاوز عدد الحجاج المائة ألف، قاطعين الرحلات الشاقة في البر والبحر. تضاعف هذا الرقم إلى ثلاثين ضعفًا نتيجة للزيادة السكانية، ولأن التنقل أصبح أكثر سهولة وأمنًا، وأقل تكلفة. يقول المؤرخ إريك تاجلياكوتزو في كتابه “الرحلة الأطول The longest Journey”:

الحجّ يمزج التاريخ العريق بصدى عالمي، والأعداد الغفيرة بتنوع كوزموبوليتاني فريد في تاريخ العالم.

يشبّه تاجلياكوتزو الحج بـ”حزام نقل عظيم يحرّك البشر”. وسيستمر الحشد في التضخّم حيث تخطط الحكومة السعودية لاستقبال 5 ملايين حاج العام المقبل، طبقًا لوزير الحج السعودي، بندر حجار. وفي الأعوام الخمس المقبلة، تخطط لزيادة العدد إلى 30 مليونًا.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد