نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية مقالًا للكاتبة نعمة ريبا، تناولت فيه ما يُسمَّى بالجبهة الوردية المُناهِضة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، موضحةً أن اللون الوردي يمثِّل لون القوة الأنثوي ولون الأمل والتفاؤل والحب، وقد انتشر اللون الوردي على يد مجموعة صغيرة من الفنانين الذين قادوا الاحتجاجات.
«الجبهة الوردية» من أجل الحفاظ على حق التظاهر
وفي بداية مقالها، تقول الكاتبة إنه في 19 سبتمبر (أيلول)، أي قبل بدء الإغلاق العام الإسرائيلي الثاني، ارْتَدت مجموعة من النساء وعدد قليل من الرجال ملابس سباحة وردية اللون، وعصابات رأس وردية، وتحدوا تعليمات الحكومة بعدم الاحتجاج بسبب تفشي مرض كوفيد-19، ونزلوا إلى أحد الشواطئ في تل أبيب حاملين لافتات وردية مكتوب عليها: «الحفاظ على حق التظاهر». وهؤلاء النشطاء الشباب، الذين أُطلق عليهم اسم «الجبهة الوردية»، مسؤولون عن تحول الاحتجاجات ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى اللون الوردي. وسيطر اللون على الاحتجاجات، ابتداءً من شهر يوليو (تمُّوز)، عندما بدأت مجموعة من المتظاهرين، يطلقون على أنفسهم اسم «المُلَّاك»، في استخدام اللون.
وتشرح كاتبة السيناريو، شيرا فلورنتين، أحد مؤسسي جماعة «المُلاَّك»، هذا الأمر قائلة: «تُنظَّم احتجاجات أمام مقر إقامة رئيس الوزراء كل يوم جمعة، وبحثنا عن طريقة لنميز بها أنفسنا وقررنا اختيار العصابات الوردية». وأضافت: «أحضرنا عصابات وردية في يوم الباستيل في 14 يوليو وبدأنا في بيعها، وسرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم. كان اللون الوردي وسيلة للتغلب على حالة التشاؤم المسيطرة على الأجواء، وشعرنا بأن اللون يعبِّر عن رغبة في تغيير الوعي، وعن مقاومة للوضع الحالي ونحن نودع الماضي ونستشرف المستقبل، لا بمشاعر الذنب والفشل والخوف، ولكن بروح بالتفاؤل».
وفي وقت لاحق، وفي أغسطس (آب)، أسَّس مؤسس آخر في جماعة «المُلاَّك»، الممثل يانيف سيجال، 30 عامًا، «الجبهة الوردية» مع عدد قليل من الشركاء من تل أبيب. وركزوا على تصميم نظَّارات بألوان وردية. وجاءت نقطة التحول عندما بدأت مجموعة في توزيع الأعلام الوردية على المتظاهرين، الذين ساروا من عند جسر القدس الصاري المعلق إلى مقر إقامة رئيس الوزراء. وأثناء الإغلاق العام، امتدت الممارسة لتشمل المشاركة في مسيرات في تل أبيب. ثم تبنَّت منظمات شبابية أخرى اللون الوردي، بما في ذلك منظمتا «قومي إسرائيل أو انهضي يا إسرائيل» و«هيتورارنو أو لقد استيقظنا».
الاحتجاجات لا تدمر إسرائيل
كان العرض الوردي الذي أصبح الآن رمزًا للاحتجاج بمثابة إعادة تفعيل لرفع العلم المحبَّر، وهو حدث رئيس في حرب الاستقلال الإسرائيلية، عندما رفع الجنود الإسرائيليون علمًا محلي الصنع بعد أن وصلوا إلى شواطئ البحر الأحمر (في حرب 48 للإشارة إلى الاستيلاء على أم الرشراش؛ حيث بُنيت لاحقًا مدينة إيلات). ورَفَعَت الفنانة إيما توكاتلي العلم الإسرائيلي ذا الخطوط ونجمة داود باللون الوردي. ووقع الحدث في وقت أحداث السبت نفسه، التي أطلق عليها «سبت الأجانب»، ردًّا على وصف يائير نتنياهو للمحتجين بأنهم «أجانب».
تقول توكاتلي: «قررنا صنع العلم الإسرائيلي الوردي بالتعاون مع عدد قليل من المنظمات الاحتجاجية ونستمر في إنتاجه وتوزيعه في المظاهرات»، وأضافت: «كان العلم المُحبَّر باللون الوردي وسيلة لإظهار أن العالم لا ينهار من الداخل. نحن بصدد تغيير شيء ما لفتح المجال أمام الحوار، وليس لمحو إسرائيل». وأضافت توكاتلي أن اللون الوردي «يرمز إلى التوق إلى التغيير، نتوق إلى قيادة جديدة وزعامة أنثوية جديدة، وإسرائيل منفتحة تعبِّر عن الشعور والرحمة، ولا تمحو التنوع أو تقضي عليه».
فنانون غاضبون: «الفساد يخنق الناس»
ولفتت الكاتبة إلى أنه بعد مرور بضعة أيام، قدَّم أعضاء «الجبهة الوردية» عرضًا مستوحًى من لوحة «غرنيكا» الجدارية للفنان بابلو بيكاسو. وتوضح الممثلة والموسيقية أور بيرون، 34 عامًا قائلةً: «حملنا أثناء العرض تمثال سيدة العدالة». وقلَّدنا أسلوب الاحتجاج النسوي الخاص بفرقة «روك بانك» النسوية الروسية «بوسي ريوت». كما ارتدى المحتجون ملابس غواصين وردية اللون في إشارة إلى قضية فساد الغواصة، التي أطلقت عليها الشرطة اسم القضية 3000. تقول أور بيرون: «لتذكير الناس بالرقم المهم 3000، حملنا أجهزة التنفس على ظهورنا والرقم بأيدينا، وفي نهاية العرض انضمت إلينا غواصة أيضًا». وفي نهاية شهر أغسطس (آب)، قدَّمت الجبهة الوردية أيضًا عرضًا بعنوان «الفساد يخنق الناس».
وتضيف بيرون قائلةً: «إنها واحدة من أكثر القصص عدوانية. بدأنا بالرقص الشعبي في ساحة رابين في تل أبيب، وأسعدنا الناس. وبعد يومين، قدَّمنا عرض «الخيول تركض، وتركض»، ردًّا على عنف الشرطة، حيث حملنا خيولًا من الورق المقوى ذي اللون الوردي. وعلَّقت قائلةً: «هذه هي الخيول الوحيدة التي يجب أن تكون في المظاهرات».
وتذكر الكاتبة أن رموز الجبهة الوردية كان شعارهم الأول، الذي صممه أورين فيشر، عبارة عن رأس وردي محاط بالنجوم. ويُظهر الشكل الحالي، الذي صممه دورون فلام، شخصًا عامًا يرتدي عصابة رأس وردية اللون. وفي الأسابيع الأخيرة، قدَّم أعضاء الجبهة بعض العروض الفنية الأخرى. يقول الممثل كالانيت شارون، 31 عامًا، إن العروض مصنوعة بأقل تكلفة. «كثير من الإبداع وقليل من التمويل». أما الممثل أتاليا زهافي، 31 سنة، فقال: «الأمر ليس مجرد احتجاج على أشخاص، نحن فنانون نعبر عن احتجاجنا».
الاحتجاجات الملونة
تقول الكاتبة إن الاحتجاجات الملونة ليست بالشيء الجديد؛ ففي ثمانينيات القرن الماضي، انتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم واتسمت معظمها بأعمال غير عنيفة. وكانت من أولى الثورات (الملونة) الثورة الشعبية في الفلبين عام 1986، والتي سُمِّيت أيضًا بالثورة الصفراء. وكان المتظاهرون ينادون بإقالة الرئيس فرديناند ماركوس. وهناك احتجاجات السترات الصفراء التي حدثت في فرنسا عام 2018.
ومن الثورات الملونة الأخرى الشهيرة نذكر الحركة الخضراء في عام 2009 في إيران: حيث تظاهر المحتجون ضد نتائج الانتخابات التي نجح فيها أحمدي نجاد. وارتدى المتظاهرون ثيابًا وأقنعة خضراء وحملوا لافتات خضراء مكتوب عليها «أين صوتي؟»
وفي إسرائيل، كانت مجموعة الفهود السود، التي تأسست عام 1971، من أوائل المجموعات التي تميزت باللون. وكان الأمر يتعلق بأصلهم العرقي في شمال أفريقيا، مما يعكس حركة الحقوق المدنية السوداء المتطرفة في الولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين.
أما الاحتجاج على فك الارتباط عن غزة عام 2005، فاستخدم اللون البرتقالي في الملابس واللافتات. وتميزت الاحتجاجات الاجتماعية في صيف 2011 باللون الأصفر، وبدأت الاحتجاجات الحالية ضد نتنياهو باللون الأسود، المُستمد من حركة الرايات السوداء.
لماذا يتمسك الناس في حركة الاحتجاج الحالية باللون الوردي؟
يوضح يانيف سيجال قائلًا: «يمثل اللون الوردي الضعفاء». ويتابع: «الوردي لون أنثوي، ونريد أن يهتم المجتمع بالضعفاء، ونريد مجتمعًا عادلًا». تقول أور بيرون إن استخدام اللون الوردي ثوري. وأضافت: «قالوا إن الرقص ممنوع»، والسؤال هو: «أي نوع من العالم هذا الذي يحظر الرقص؟» شمل ذلك كل الناس دون أي اختلافات في الدين أو العرق أو الجنس. وقال متظاهر آخر يُدعى شارون: «ألواننا وردية، لكن هناك ألم عميق بداخلنا».
نحلم بمستقبل أكثر سعادة
تقول الطالبة ياعيل راب، 25 عامًا: «أعددنا آلاف الأعلام الوردية. لم نكن نتوقع أن يتلقفها الناس بهذه السرعة عند تقديمها في المظاهرات. إن هناك شيئًا ما يجذب الناس إلى اللون الوردي. إنه يزين الاحتجاج بزهور وردية من التفاؤل، ويؤثر بقوة في الروح». وتضيف ياعيل: «في مواجهة التحريض والكراهية والعدوانية التي تسود في المجتمع الإسرائيلي، نحلم بمستقبل أكثر سعادة، مستقبل تتمثل قيمته في الرحمة، ومستقبل للقيادة النسائية، والتضامن والمساواة. نحلم بالمستقبل الذي نستحقه وقد سلبوه منا».
المصممون لهم رأي
يتمتع المصمم يوف إنهار بخبرة في الفن الإبداعي للحملات السياسية. وقد صمم حملات لحزب ميرتس، والمرشحين السياسيين، وكذلك لمنظمات غير حكومية مثل «السلام الآن»، و«بتسليم»، و«كسر الصمت». ويعمل هذه الأيام بصفته متطوعًا لصالح جماعة «انهضي يا إسرائيل».
ويرى إنهار أنه «بوعي أو بغير وعي، بحثت المنظمات الشبابية عن لون فريد لم يُحرق، وقرروا الجمع بين درجات الألوان المُضيئة المميزة. وكان اللون الوردي ما يزال غير مستخدم نسبيًّا».
ويخلُص إنهار إلى أن اللون الوردي طفولي، وله مزايا كبيرة، وليس سياسيًّا: فلا يوجد حزب واحد في إسرائيل يستخدم اللون الوردي. وهو جيد جدًّا للاحتجاجات، لأنه يشتت الخصوم ويمنع تصنيف المعارضين أو تحديد قادة لهم».
واختتمت الكاتبة مقالها متساءلةً: هل ستذكر سجلات التاريخ هذه الاحتجاجات بأنها المظاهرات الوردية؟
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».