في ظل التنمر والتجاوزات التي نشهدها جميعًا في تعليقات المستخدمين على الإنترنت، أصبح الأدب والسلوك اللائق في أي موقف أمرًا مثيرًا للدهشة. لكن بحسب تقريرٍ نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية للكاتب ديفيد شارياتماداري، مؤلف كتاب «لا تصدق ولو كلمةً واحدة: الحقيقة المذهلة عن اللغة  Don’t Believe a Word: the surprising truth about language»، فإنَّ لغة الحوار المهذبة واللائقة تؤثر على نفسية المتلقي، وربما تجعله يقبل أمورًا ليست صحيحةً بالضرورة.

إذ حلل بعض الأكاديميين في الولايات المتحدة الأمريكية مئات الآلاف من الإجابات على الموقع الإلكتروني «ستاك إكستشينج» للأسئلة والأجوبة، حيث يطرح المستخدمون أسئلةً جوهرية على غرار: «ماذا يعني الذهاب إلى غرب منطقة ويستروس؟» أو «هل يوجد في الألمانية ِشعرٌ أجوف بلا معنى؟».

وتوصل هؤلاء الباحثون إلى أنَّ الإجابات اللائقة المهذبة تحصل على تقييمٍ أكبر من السائل، وهو ما يحدد بعض الأحيان مدى وصول الإجابات للمستخدمين. وعلى الرغم من ذلك، فليس من الضروري أن تكون هذه الأجوبة مفيدة، أو موثوقة، أو واضحة.

Embed from Getty Images

ويشير التقرير إلى أنَّ المعيار الذي استند إليه الباحثون كان بسيطًا، وهو معدَّل تكرار الضمير الشخصي الأول «أنا» و«نحن» مقابل الضمير الشخصي الثاني «أنت». ربما لا تبدو هذه الطريقة  تعبيرًا واضحًا عن السلوك المهذب، لكنَّها مؤشر جيد في الواقع. فطبقًا لنظرية اللغويات، فإنَّ مخاطبة الآخرين مباشرةً، على الرغم من كون ذلك يوضح المقصود، يبدو عادةً فعلًا تهديديًا، كأنَّك تفرض شيئًا على المُخَاطب أو تصيح فيه بالأوامر. ويمكنك أن ترى ذلك في كثيرٍ من الاستراتيجيات المستخدمة في اللغات حول العالم لتجنب أسلوب الخطاب المباشر.

ففي اللغة الفارسية على سبيل المثال، البديل اللائق لضمير المخاطب «أنت shoma» هو التعبير غير المباشر «حضرتك hozuretan». وفي اللغة اليابانية، عادةً ما يُتجنب الضمير المجرد، ويُستخدم بدلًا عنه اسم الشخص، أو لقبٍ إضافي كلاحقة لإظهار الاحترام.

لكن يوضح شارياتماداري أنَّه عندما يبالغ شخصٌ ما في تعبيراته وهو يتحدث عن تجربةٍ ما، فإنَّنا لا نحكم على مساهمته بموضوعية. إذ إنَّ البشر يكونون أكثر عرضةً لقبول ما يسمعونه حينها رغبةً في تجنب الإساءة للمتحدث أو التسبب له في أذًى شعوري، حتى وإن كانت طبيعة المعلومات لا تستحق هذه المبالغة.

وهذا الأمر، كما يُزعَم، دليلٌ على ما يُعرف باسم «تحيٌّز الأدب». وما لم يتوقعه الباحثون هو أنَّه رغم كون تلك الإجابات أعجبت بالسائلين، فإنَّ الأجوبة غير المباشرة لم تحظ بتقديرٍ من القرّاء الآخرين على الموقع الإلكتروني. إذ وجدوها غير مفيدة وأعطوها تقييمًا منخفضًا.

ويشير الكاتب لوجود دروسٍ أشمل من وراء هذا الأمر. فيطرح سؤالًا: «هل ممكن أن تفكر في شخصٍ ما يستغل الأخلاق الحسنة لكي يجعل رسالةً غير دقيقة تبدو أكثر جاذبية؟ شخص يستخدم الضمير غير المباشر بكثرة؟». فبينما قد لا يُعد الالتزام الأخلاقي المفرط أكثر المسائل إلحاحًا في وقتنا الحالي، لكن رغم ذلك، ربما ينبغي لمن يخشون منا الوقوع في ذلك الفخ أن ينتبهوا لتحيُّز الأدب.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد