نشرت مجلة «فورين أفيرز» تحليلًا للخطوط العريضة التي حددها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بشأن سياسة ترامب تجاه إيران في مقال منشور له في المجلة ذاتها؛ إذ يرى بومبيو أن النظام الإيراني مصمم على الهيمنة على الشرق الأوسط، وترامب مصمم على إسقاط الميل المفترض للإدارات الأمريكية السابقة، لا سيما إدارة أوباما؛ لخدمة نظام الملالي في إيران.

وقال التقرير: «إنَّ بومبيو قد أعاد تأكيد انتقاد إدارة ترامب بأنَّ الصفقة النووية مع إيران لعام 2015 بين إدارة أوباما وأعضاء آخرين من مجموعة الخمسة (الصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والمملكة المتحدة)، وإيران قد فشلت في المنع الدائم للجمهورية الإسلامية من السعي للحصول على أسلحة نووية. وأكد بومبيو أيضًا على أنَّ تخفيف العقوبات الأمريكية بموجب الصفقة قد أثرى ومكن النظام الإيراني – والحرس الثوري الإيراني على وجه الخصوص – لمتابعة أجندته المزعزعة للاستقرار، بشكل أكثر عدوانية، في أفغانستان وغزة والعراق ولبنان وسوريا واليمن وأماكن أخرى. وفي المقابل، أكد بومبيو على أنَّ سياسة «الضغط الأقصى» لترامب، بما في ذلك الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية النووية في شهر مايو (أيار)، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية، والتهديدات العسكرية القابلة للتصديق، والجهود الرامية إلى فضح فساد النظام وانتهاكاته لحقوق الإنسان، سوف تعكس كل هذا وتؤدي إلى صفقة نووية أفضل، وتعزل إيران، وتجعلها تتراجع عن أنشطتها الشائنة في الشرق الأوسط. لكنَّ هذه – بحسب التقرير – محض أوهام خطيرة».

الإضرار بأمريكا

قال التقرير: إنَّ ترامب، بتخليه عن صفقة إيران (المعروفة رسميًا بخطة العمل الشاملة المشتركة) قد طرح على نحو متهور اتفاقية قد وضعت قيودًا ضخمة على قدرة إيران على إنتاج أسلحة نووية. قبل الصفقة كانت إيران في وضع يمكنها من إنتاج المادة القابلة للانشطار للأسلحة النووية في فترة تتراوح بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، لكنَّ الصفقة قللت من عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة في إيران بنسبة الثلثين، وقلصت بشكل كبير من قدرة البلاد على مراكمة اليورانيوم منخفض التخصيب، ممددة هذا الجدول الزمني إلى سنة على الأقل. وفككت الاتفاقية أيضًا قلب مفاعل البلوتونيوم الإيراني، وأغلقت سبيلًا آخر محتملًا لصنع قنبلة نووية، وفرضت أشد أنظمة الفحص والتحقق صرامة التي جرى التفاوض عليها على الإطلاق؛ مما يجعل من الصعب للغاية على إيران تطوير أسلحة نووية سرًا.

وصحيح كما لاحظ مسؤولو إدارة ترامب أنّ بعض القيود على قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم قد خففت بموجب الاتفاقية عامي 2025 و2030 (أي بعد 10 و15 عامًا من توقيع الاتفاقية)، لكنَّ العناصر الأساسية، مثل رصد مناجم ومصانع اليورانيوم الإيرانية ومنشآت الطرد المركزي وإنتاج اليورانيوم تستمر 20 – 25 عامًا. كما أنَّ التزام إيران بالسماح بالتفتيش المفاجئ لمنشآتها النووية المعلنة والمشكوك فيها، فضلا عن أنَّ التزامها، بموجب الاتفاقية، بعدم بناء أسلحة نووية، ليس له حد زمني.ً

وقال التقرير: إنَّ مواد «الغروب» (مواد الإلغاء) في الاتفاقية كان مقصودًا بها توفير اختبار للنوايا الإيرانية. فمنذ خلصت إدارة أوباما وشركائها في مجموعة الخمسة إلى أنَّ إلغاء برنامج التخصيب النووي لإيران كان أمرًا غير ممكن الإنجاز، كان الهدف توفير فترة مطولة لتحقيق الأهداف السلمية الحصرية لهذا البرنامج بطريقة يمكن التحقق منها. لو أخفقت إيران في هذا الاختبار، فسوف تكون الولايات المتحدة في موقف يتيح لها حشد المجتمع الدولي للضغط على إيران لتوسيع نطاق قيود الاتفاقية، لكنَّ إدارة ترامب أخذت أزمة نووية توقعت حدوثها عام 2030، وجلبتها بشكل مصطنع إلى عام 2018، وفعلت ذلك بطريقة تضمن القليل من الدعم لسياسة ترامب في إيران.

ويصر بومبيو على أنَّ سياسة الضغط الأقصى لترامب سوف تجبر إيران على القبول بصفقة أفضل – صفقة تزيل بنود الإنهاء وتفكك جزءً كبيرًا من ترسانة الصواريخ الباليستية الإيرانية، وتنهي الدعم الإيراني للإرهاب ونزعتها القتالية الإقليمية وتتعامل مع الانتهاك الممنهج للنظام لحقوق الإنسان في الداخل، لكن ذلك لن يحصل. ربما يأمل ترامب في عزل إيران، لكنَّ واشنطن هي من تجد نفسها وحيدة إلى حد كبير. ذلك أنَّ المعارضة الدولية الواسعة النطاق لسياسة ترامب – المدعومة من حقيقة أنَّ إيران ما تزال مستمرة في تلبية التزاماتها بموجب الصفقة النووية – تجعل من احتمالية فرض شروط أفضل من طرف واحد احتمالية طفيفة.

العقوبات لن تعمل

في القلب من حملة ضغط ترامب إعادة فرض عقوبات ثانوية قوية، كانت قد علقت بموجب الصفقة، تجبر الشركات والبنوك الأجنبية على وقف المعاملات التجارية مع إيران أو المخاطرة بالمنع من النظام المالي الأمريكي. أعيد فرض الموجة الأولى من العقوبات الأمريكية في شهر أغسطس (آب)، وسوف تبدأ الموجة الثانية، التي ربما تكون الأكثر ضررًا، إذ تستهدف القطاع المصرفي وقطاع الطاقة، في الخامس من شهر نوفمبر (تشرين الثاني).

وقال التقرير: إنَّ فعالية العقوبات سوف تتوقف في النهاية على الأثر الذي سوف تحدثه على الصادرات النفطية الإيرانية التي تمثل شريان الحياة لاقتصاد البلاد. وقد بدأت الصادرات النفطية الإيرانية في الانخفاض بالفعل، استباقًا لعقوبات نوفمبر، من حوالي 2.7 مليون برميل يوميًا أوائل العام الجاري إلى حوالي 1.9 مليار برميل في شهر سبتمبر (أيلول). (ومع ذلك فالأرقام الحقيقية غير واضحة بسبب محاولات إيران إخفاء بعض المبيعات). ومع بدء تنفيذ العقوبات بالفعل فيبدو أنَّ الصادرات الإيرانية تتجه نحو مزيد من الانخفاض.

ومع ذلك فمن غير المحتمل – بحسب التقرير – أن تحقق إدارة ترامب هدفها المكرر في مقالة بومبيو بدفع صادرات إيران إلى قرابة الصفر. إذ ربما تقلص الصين – أكبر مستوردي النفط الإيراني – من مبيعات نفطها بطريقة ما، لكنَّ بكين ليست في مزاج يسمح لها بتخفيض المبيعات بدرجة كبيرة حتى لو كانت العقوبات تلوح في الأفق. وبسبب ارتفاع سعر البرميل من 50 – 60 دولارًا عام 2017، إلى قرابة 80 دولارًا اليوم، فلن تعاني عائدات إيران كثيرًا كما تأمل إدارة ترامب، حتى مع انخفاض صادرات النفط في البلاد.

وأضاف التقرير أنَّ الصدع الكبير الذي أحدثه ترامب في العلاقة العابرة للأطلسي بخروجه من الاتفاقية قد أضعف جهود الضغط الفعال على إيران مزيدًا من الضعف. إذ يلاحظ بومبيو – محقًا – أنَّ حلفاء أمريكا الأوروبيين «يتشاركون في فهم مشترك للتهديد الذي تشكله إيران فيما يتجاوز تطلعاتها النووية». ولهذا السبب فقد كانت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة على استعداد – الربيع الماضي – للتعاون مع الإدارة في مقاومة طهران، بما في ذلك فرض عقوبات جديدة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، والحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، لكنَّ قرار ترامب بالتخلي عن الاتفاق النووي كان هدفًا سجله في مرماه؛ إذ حول تركيز أوروبا من دعم سياسة الإدارة إلى إبطالها.

ونتيجة لذلك، فحتى مع تعليق معظم الشركات الأوروبية متعددة الجنسيات أنشطتها في إيران، بما في ذلك شركات مثل «مايرسك، وبيجو، وتوتال، وسيمنز، وفولفو»، فقد أنشأ الاتحاد الأوروبي أداة ذات غرض خاص (SPV) لتسهيل استمرار التجارة الدولية مع إيران في محاولة للحفاظ على بقاء الاتفاقية على قيد الحياة. ولم يعلن بعد عن التفاصيل، لكن تفيد تقارير بأنَّ هذه الأداة سوف تشتمل على نظام ائتمان ونظام مقايضة من شأنه السماح للشركات من أوروبا والدول المشاركة الأخرى مثل الصين والهند وروسيا باستمرار التجارة مع إيران (بما في ذلك شراء النفط) من خلال قناة مخصصة منفصلة عن النظام البنكي للولايات المتحدة. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الشركات، لا سيما الكبيرة ذات التعرض الكبير للسوق الأمريكية، سوف تخاطر بالتعامل مع إيران من خلال هذه الآلية، لكنَّ الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي ليس لها هذا التعرض قد تفعل ذلك.

لا تفاوض ولا استسلام

والنتيجة أنَّ عقوبات ترامب من المحتمل أن تكون قاسية، لكنَّ الانصياع الدولي سوف يكون أقل وأضعف مما كان عليه الحال في الفترة التي سبقت الاتفاقية، وسوف تكون فرص إيران في ضرب القوى العالمية ببعضها أكبر بكثير. ويترجم هذا إلى ضغط أقل ومن الصعب تصور الحصول على 200% من الاتفاق النووي الحالي بأقل من 100% من النفوذ.

وقال التقرير: إنه حتى مع تعرض إيران للضغط، فإنَّ لديها الكثير من الأسباب لعدم الموافقة على مطالب ترامب المتطرفة. إذ استثمر النظام الإيراني موارد ضخمة وشرعية داخلية في الدفاع عن حقوقه النووية. وبالنظر إلى حقيقة أنَّ القائمة الطويلة من المتطلبات غير النووية لترامب لصفقة أفضل تتصادم مع جوهر الهوية الثورية للجمهورية الإسلامية، فإنَّ المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والمتشددين الإيرانيين الآخرين من المحتمل أن يعتبروا التسليم الكامل خطرًا أكبر على النظام من محاولة اجتياز المحنة. ومن ثم، فلا ينبغي أن يكون من قبيل المدهش لأي شخص أنَّ الزعماء الإيرانيين قالوا إنهم لن يتفاوضوا مع إدارة ترامب ما لم تعد الولايات المتحدة إلى الاتفاقية، مفضلين بدلًا عن ذلك الخروج من الأزمة وانتظار خروج ترامب.

على أنَّ بومبيو محق في التركيز على الدور المزعزع للاستقرار الذي تقوم به إيران وحرسها الثوري في الشرق الأوسط بشكل عام، لكنَّ الفكرة القائلة بأنَّ العقوبات الأمريكية سوف تحرم النظام من الأموال الضرورية للمغامرات الإيرانية فكرة خيالية.

موارد قليلة لزعزعة الاستقرار

وقال التقرير: إنَّ إجمالي ميزانية الدفاع والأمن الإيرانية قد وصل عام 2017 إلى حوالي 16 مليون دولار. حوالي سبعة إلى 8 ملايين دولار منها تذهب إلى الحرس الثوري الإيراني، الذي يأخذ أيضًا عائدات إضافية من قطاعات الاقتصاد الإيراني التي يسيطر عليها. ويذهب مبلغ فرعي من هذه الأموال لفيلق القدس، وهو جناح العمل السري الخارجي التابع للحرس الثوري الإيراني. وكما تقترح هذه الأرقام، فإنَّ إيران لا تتطلب موارد ضخمة لتمويل أنشطتها المزعزعة للاستقرار. وهذا هو السبب الذي كانت من أجله كانت إيران قادرة على تقديم دعم واسع لحزب الله، ونظام بشار الأسد في سوريا، والميليشيات الشيعية في العراق، وحماس في غزة، والمتمردين الحوثيين في اليمن، حتى ذروة العقوبات الأمريكية السابقة. وهذا أيضًا السبب الذي من أجله لم تنجح العقوبات التي أعاد ترامب فرضها، حتى الآن، في كبح جماح العدوان الإيراني.

في الواقع، قد تؤدي العقوبات إلى تعزيز ميزانية الحرس الثوري الإيراني. إذ من المحتمل أن تزيد خطوات الإيرانيين لتجنب العقوبات من حجم وقيمة التهريب، وتوسع من السوق السوداء في البلاد، التي يهيمن عليها الحرس الثوري الإيراني. ومن الناحية السياسية فإنَّ الحرس الثوري الإيراني يستخدم بالفعل التهديدات المتزايدة من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية للحصول على موارد إضافية. ومن الواضح أنَّ المرشد الأعلى، الذي دعا القوات المسلحة الإيرانية مؤخرًا إلى تعزيز قدراتها العسكرية، يستجيب لمثل هذه الحجج.

وعلى نطاق أوسع، فإنَّ استراتيجية ترامب تتجاهل بشكل كامل حقيقة أنَّ نجاح إيران في الشرق الأوسط ينبع بشكل أقل من الموارد التي بحوزتها أكثر مما هو نابع من الفرص التي خلقتها الفوضى الإقليمية وسوء الحكم وعدم الاستقرار لطهران ووكلائها. فبالتنازل عن الدبلوماسية في سوريا إلى روسيا، وإعطاء السعودية والإمارات شيكًا على بياض لتصعيد حربهما في اليمن وإفشال مجلس التعاون الخليجي من خلال حصار قطر، فإنَّ نهج ترامب قد قدم لإيران فرصًا أكثر لا أقل، لتوسيع نفوذها.

التحرك بسرعة وتحطيم الأشياء

وقال التقرير: إنه بالنظر إلى الاحتمالية الضئيلة للغاية أن تحقق استراتيجية الإدارة أهدافها المعلنة، فإنَّ المرء يعتقد أنَّ هدفها أمر آخر: تغيير النظام. والواقع أنَّ بومبيو قد استدعى مرارًا نجاح رونالد ريجان في القضاء على النظام السوفيتي بصفته مخططًا لمواجهة إيران. وعلى الرغم من الاحتجاجات بأنَّ نظام ترامب إنما يسعى لتغيير سلوك النظام فحسب، فإنَّ الإدارة تأمل بوضوح أن يؤدي الانتقاد العلني لفساد النظام وانتهاكاته لحقوق الإنسان مصوبًا بالمظالم الاقتصادية المتفاقمة بفعل العقوبات، إلى حدوث ثورة إيرانية ثانية، لكنَّ نجاح هذا المخطط يبقى سؤالاً مفتوحًا.

وقال التقرير: إنَّ من الواضح أنَّ الاقتصاد الإيراني يزداد تدهورًا: إذ انخفضت قيمة العملة الإيرانية، وزاد التضخم والبطالة، كما أنَّ العقوبات الأمريكية سوف تسرع من جميع هذه المشكلات. وقد تسبب الاستياء الشعبي من الظروف الاقتصادية والبيئية الحالية، والغضب من الفساد الحكومي المستشري وسوء الإدارة في سلسلة من التظاهرات والإضرابات في أنحاء البلاد خلال العام الماضي. ومع ذلك، فقد تخطت الجمهورية الإسلامية عقوبات تعجيزية من قبل، وليس الاقتصاد ولا النظام على حافة الانهيار. إذ ما تزال المظاهرات مبعثرة، والمعارضة للنظام غير منظمة وبلا قيادة، وتحتفظ القيادة الدينية بأدوات فعالة للاستيعاب والقمع. ومع أنَّ من المتصور زيادة الاستياء من قصور النظام مع تعمق المشكلات الاقتصادية في البلاد، فإنَّ ترامب قد أمد المتشددين الإيرانيين بفرص جديدة لتحويل اللوم في هذه المشكلات على الولايات المتحدة.

بدائل النظام الإيراني

وقال التقرير: إنَّ على إدارة ترامب أن تكون حذرة أيضًا مما تتمنى. فمع أنَّ النظام الحالي نظام كريه، فليس ثمة ضمانة على أنَّ فشله سوف يكون أمرًا إيجابيًا بالكامل للولايات المتحدة أو الأمن العالمي. فنحن ما زلنا نعيش في تبعات المحاولة الأخيرة من قبل واشنطن لهندسة تغيير للنظام في إيران (إذ دعمت وكالة الاستخبارات المركزية انقلاب عام 1953 ضد محمد مصدق)، وهو ما أدى لتغذية العداء لأمريكا في إيران حتى يومنا هذا. وقال التقرير: إنَّ الإدارة ينبغي لها أن تعي دروس الربيع العربي. ففي حال وقعت انتفاضة في إيران، قد تأتي دكتاتورية عسكرية متطرفة يهيمن عليها الحرس الثوري محل الحكم الديني الحالي. أو قد ينتج عن الثورة فوضى عنيفة في بلد يقطنه 80 مليون نسمة، ومئات الآلاف الرجال من الحاصلين على تدريب عسكري وأكثر القوات شبه العسكرية كفاءة في العالم، على مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا.

لكل هذه الأسباب، فإنَّ الاستراتيجية التي حددها بومبيو من غير المحتمل أن تنجح في حل أي من التحديات التي تشكلها إيران، بل ربما تخلق المزيد من التحديات بما في احتمالية نشوب حرب كبرى أخرى. من الواضح أنَّ بومبيو حساس تجاه هذه الاحتمالية، لذا فإنه يبذل جهودًا حثيثة لإثبات أنَّ ترامب لا يسعى لمواجهة عسكرية مع إيران، حتى مع إصدار الرئيس تهديدات عسكرية لردع إيران من إعادة تشغيل برنامجها النووي أو مهاجمة القوات الأمريكية في المنطقة. وحتى لو أخذنا مثل هذه التأكيدات على محمل الجد – مع أنَّ السجل الطويل لبومبيو، وجون بولتون مستشار الأمن القومي، من الترويج لقصف إيران، يقترح عكس ذلك – فإنَّ التاريخ حافل بزعماء ادعوا عدم سعيهم للحرب لكنهم تورطوا فيها بأية حال. من السهل تخيل حدوث هذا هنا.

ومن المفارقات أنَّه كلما زاد «عمل» سياسة النظام في شل الاقتصاد الإيراني، زادت احتمالية اتخاذ إيران إجراءات من شأنها أن تسفر عن مواجهة عسكرية. فخلال الجولات السابقة من العقوبات، وسعت إيران بسرعة من بنيتها التحتية النووية لتوليد نفوذ مضاد. وحتى الآن كانت إيران منضبطة نسبيًا في ردها على إعادة فرض ترامب للعقوبات، لكن لو ارتفعت التكاليف كثيرًا، فقد يتآكل هذا الانضباط في النهاية. ربما تبدأ إيران في التهرب من التزاماتها بموجب الاتفاقية النووية من خلال تنصيب وتشغيل المزيد من أجهزة الطرد المركزي أو زيادة مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، كل ذلك في الوقت الذي تسعى فيه للحفاظ على نفس القدر من التعاطف الدولي – لا سيما من الصين وروسيا – قدر الإمكان. وسوف يؤدي هذا الأمر بدوره إلى تجدد احتمالات وقوع ضربة عسكرية إسرائيلية أو أمريكية.

وقال التقرير: إنَّ الحرب يمكن لها أيضًا أن تنشأ من تصعيد غير مقصود؛ إذ يعترف بومبيو أنَّ التهديدات الرادعة للإدارة قد فشلت في منع المجموعات المدعومة من إيران في العراق من تنفيذ هجمات صاروخية ضد السفارة الأمريكية في بغداد والقنصلية الأمريكية في البصرية في شهر سبتمبر. ومع تفاقم التوترات الأمريكية الإيرانية، فإنَّ أحداثًا مشابهة في العراق أو سوريا أو اليمن أو مياه الخليج الفارسي المزدحمة قد تخرج عن السيطرة بسهولة.

واختتم بومبيو مقاله بالاحتفال بالـ«جرأة المدمرة» لسياسة ترامب في إيران. وقال التقرير: إنَّ هذه السياسة مدمرة وجريئة بالفعل، لكن بطريقة سيئة. إذ وضعت استراتيجية إيران هذه الولايات المتحدة في وضع أسوأ للتحقق من البرنامج النووي لطهران، ولم تفض إلى شيء في كبح جماح المغامرات الإيرانية في الشرق الأوسط. وفي غضون ذلك، فإنَّ الضرر الجانبي الجيوسياسي من انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية كان ضخمًا. إذ قوض ترك الاتفاقية من المصداقية الدبلوماسية للولايات المتحدة، ووضع ضغوطًا هائلة على التحالف العابر للأطلسي، وشجع قوى عالمية أخرى على التآمر لتصميم آليات لمراوغة النظام المالي الأمريكي، وقرب الصين وروسيا من إيران (وفي الوقت ذاته ملأت خزائن موسكو من خلال رفع أسعار النفط). وفي غضون ذلك، فإنَّ اعتماد ترامب على السعودية لمساعدته على احتواء إيران وإبقاء أسعار النفط تحت السيطرة جرأ الرياض على متابعة أجندة إقليمية أوسع (فضلًا عن الفظائع المرتكبة ضد منشقين مثل جمال خاشقجي) تتعارض مع المصالح والقيم الأمريكية. وكل ذلك يعد سوء إدارة للسياسة الخارجية من الدرجة الأولى.

ومع ذلك فثمة استراتيجية أفضل، بحسب التقرير، على الرغم من وجود القليل من الأمل في أن يسعى ترامب لتنفيذها: ينبغي أن تعود الولايات المتحدة للاتفاقية النووية، ليس بسبب أنَّ الاتفاقية مثالية أو لأنَّ إيران فاعل جيد في الشرق الأوسط، وإنما لأنَّ هذه الصفقة تبقى الأساس العملي الوحيد الذي يمكن أن تنبني عليه استجابة دولية عن حق للتحدي الإيراني.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد