نشر معهد «بروكنجز» الأمريكي تحليلًا أعدَّه بروس ريدل، أحد كبار الباحثين في معهد بروكنجز لسياسة الشرق الأوسط ومدير مشروع الاستخبارات في المعهد، استعرض فيه تاريخ جماعة الحوثيين في اليمن وتحولاتها، مسلطًا الضوء على ما تُمثله الجماعة من كنز إستراتيجي لإيران، داعيًا الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى إعادة النظر في التعامل معها على اعتبار أنها واقع، مع تشديده على ضرورة وقف الحرب في اليمن فورًا.
استهل ريدل، وهو سياسي أمريكي ومستشار لأربعة رؤساء أمريكيين منذ جورج بوش الأب، وحتى أوباما، بالقول إن القرار المتهور الذي اتخذته المملكة العربية السعودية بالتدخل في اليمن منذ ست سنوات كانت نتيجته أن كسبت إيران حليفًا غير حكومي في شبه الجزيرة العربية، فضلًا عن أنه وفر لطهران إمكانية تهديد مضيق باب المندب، الممر المائي الإستراتيجي الذي يربط أوروبا بالمحيط الهندي.
كما اكتسبت طهران ميزة إستراتيجية غير مسبوقة، بينما لم تستنزف سوى قدر قليل جدًا من مواردها البشرية والمالية. لذا ينصح ريدل إدارة بايدن – هاريس بوضع خطة تضع إنهاء الحرب في اليمن في مقدمة أولوياتها.
الحوثيون.. من التأسيس وحتى عالم ما بعد الربيع العربي
أوضح الكاتب أن حليف إيران المقصود هم جماعة الحوثيين. وينتمي الحوثيون إلى الشيعة الزيديين، أو الفرقة الزيدية. وتُمثل الطائفة الشيعية الأقلية في العالم الإسلامي، وتمثل فرقة الزيدية الأقلية في الشيعة، ويختلفون اختلافًا جذريًا عن الشيعة، الذين لهم الغلبة في إيران والعراق وبلدان أخرى (ويُطلق عليهم في أغلب الأحيان فرقة «الاثنى عشرية» لإيمانهم بـ12 إمامًَا)، في العقيدة والمعتقدات.
واشتق الزيديون اسم فرقتهم من اسم زيد بن علي، حفيد علي – ابن عم النبي محمد وصهره – الذي يُبجّله جميع الشيعة. وكان زيد بن علي قد قاد انتفاضة ضد إمبراطورية الخلافة الأموية في عام 740، وهي أول إمبراطورية في التاريخ الإسلامي تتوارث سلالتها الحكم، وكانت دمشق مقر حكمها.
استُشهد زيد خلال تمرده على الحكم الأموي، ويُعتقد أن رأسه دُفن في أحد الأضرحة في مدينة الكرك بالأردن. وتعتقد الفرقة الزيدية أن زيدًا كان نموذجًا للخليفة التقيّ المُخلِص الذي كان الأحق بالحكم من الأمويين. وحكمت الفرقة الزيدية اليمن لأجيال متعاقبة، لكن الحركة السياسية الحديثة (الحوثيين) ظهرت باعتبارها معارضة لحكم الديكتاتور علي عبد الله صالح في تسعينات القرن الماضي.
يقول الكاتب: إن الغزو الأمريكي الأرعن للعراق في عام 2003 أدَّى إلى تطرف جماعة الحوثيين، مثلما فعل مع عديد من المنظمات والحركات العربية الأخرى. وفي أعقاب الغزو الأمريكي، تبنى الحوثيون شعار: «الله أكبر، الموت لأمريكا والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود والنصر للإسلام». وأطلقت الجماعة رسميًا على نفسها اسم «أنصار الله».
كانت هذه نقطة تحول غير معروفة إلى حد كبير للمتواجدين خارج اليمن، وهي إحدى النتائج غير المتوقعة لمغامرات جورج دبليو بوش الفاشلة في العراق، على حد وصف ريدل. ولفت الكاتب إلى أن حركة حزب الله الشيعية في لبنان، التي نجحت في طرد الجيش الإسرائيلي من لبنان، أصبحت مرشدًا للحوثيين، ونموذجًا يحتذي به المتمردون الزيديون.
وخاض الحوثيون سلسلة من الحملات المناهضة لحكومة عبد الله صالح في الفترة ما بين عامي 2004 و2010، ولم يحصلوا على أي دعم خارجي إلا قليلًا (كان أغلبه من حزب الله، أكثر من كونه دعمًا مباشرًا من إيران). لكن بعد اندلاع الربيع العربي في عام 2011، عكس الحوثيون مسارهم واتفقوا مع صالح.
الأمريكيون والسعوديون.. فشل التدخل في اليمن
يستشهد ريدل بما كتبه من قبل في تقرير اشترك في إعداده مع جون آر آلن، مدير معهد بروكنجز، حول قيادة السعودية تحالفًا من الدول للتدخل في الحرب الأهلية الجارية في اليمن في أوائل عام 2015، عندما استولى المتمردون الحوثيون على العاصمة اليمنية (صنعاء) ووافقوا على السماح بتسيير الرحلات الجوية المباشرة بين صنعاء وطهران، بالإضافة إلى إمكانية وصول إيران إلى ميناء الحديدة. وفي عام 2015 امتلأت اليمن بعشرات المستشارين والخبراء التابعين لإيران وحزب الله، كما تلقى حفنة من الحوثيين تدريبهم العسكري في إيران ولبنان.
وتابع الكاتب قائلًا: أما في الوقت الراهن فقد أصبح وجود إيران وحزب الله في اليمن أكبر من ذي قبل بكثير؛ إذ إنهم يُزودون الحوثيين بالخبرات والمعدات اللازمة لدعمهم ومساعدتهم في بناء برنامج الصواريخ، والطائرات المسيرة، وهو البرنامج الذي يجعل الحوثيين قادرين حتى الآن على قصف المدن والقواعد العسكرية السعودية بانتظام، بالإضافة إلى استهداف مدينة عدن الساحلية الواقعة في جنوب اليمن، حيث يتولى النظام المدعوم سعوديًا زمام الأمور.
وعلى الرغم من الحصار السعودي، والجهود الأمريكية المناهضة لهذا التدخل، يقول الكاتب: إن الإيرانيين يُواصلون بانتظام دعم المتمردين الحوثيين، وهو الأمر الذي لا يُكلف إيران سوى مبالغ زهيدة، بينما تنفق السعودية عشرات المليارات من الدولارات على هذه الحرب، بحسب الكاتب. وهكذا أصبحت الحرب في اليمن مستنقعًا مكلفًا جدًا بالنسبة للرياض.
يلفت الكاتب إلى أن إيران أرسلت في الخريف الماضي أول سفير لها إلى اليمن منذ أن طردت الحكومة اليمنية القديمة سفيرها في عام 2015. وقدَّم السفير حسن إيرلو أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية الحوثي. وتقول وزارة الخارجية الأمريكية: إن إيرلو ضابط محترف في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الإسلامي وعمل طويلًا مع حزب الله.
ويرى الكاتب أن اختيار ضابط من الحرس الثوري يعكس ثقة طهران وإيمانها بالدور الذي تؤديه في اليمن وتفاؤلها بشأن الوضع العسكري للحوثيين. وتُعد إيران الدولة الوحيدة التي اعترفت بحكومة الحوثيين، لذا لن تجد منافسًا لها في ممارسة نفوذها داخل صنعاء. كما أرسل الحوثيون سفراءهم إلى كلٍ من طهران ودمشق.
تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية.. الفوائد والمخاطر
يُبرز الكاتب أن مهندس الحرب التي قادتها السعودية في اليمن هو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي الذي لم يتلق أي تدريب عسكري، أو يملك أي مؤهلات، أو خبرات عسكرية.
يقول ريدل: إن ولي العهد أفسد الأمور منذ البداية، وهو يضغط على واشنطن لتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية. صحيحٌ أن جماعة الحوثيين منظمة عنيفة وخطيرة – تتبنى خطابًا شديد التطرف – لكنهم لم يُهاجموا الأمريكيين أو الإسرائيليين، على الرغم من خطاباتهم المعادية لهم.
في هذا الصدد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها ستُصنف الحوثيين بوصفها منظمة إرهابية أجنبية، وهو ما سيُعيق أيضًا جهود منظمات الإغاثة الإنسانية لتوصيل الغذاء والدواء إلى المدنيين اليمنيين الذين يعيشون في الأراضي التي يُسيطر عليها المتمردون الحوثيون. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن 80% من الشعب اليمني معرض لخطر سوء التغذية، وأن اليمن بدأ «العد التنازلي للوصول إلى الكارثة».
وأدَّت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم الوضع كثيرًا، في ظل الحالة المزرية للبنية التحتية للرعاية الصحية الأولية في اليمن، والذي يتعرض للضربات الجوية السعودية مرارًا وتكرارًا.
يقول قادة المنظمات الإنسانية: إن العمل مع الحوثيين صعب، لكن السعي وراء تصنيفهم منظمة إرهابية أجنبية لن يؤدي سوى إلى تفاقم الوضع الصعب القائم بالفعل إلى وضع أكثر صعوبة، ولن يجني العالم عمليًا من تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية سوى القليل من المنافع؛ لأنهم معزولون فعلًا.
ونوَّه الكاتب إلى أن الولايات المتحدة دعمت الحرب السعودية في اليمن منذ بدايتها دبلوماسيًا، وعبر عمليات تسليم الأسلحة. وكان الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عضوًا في الفريق الذي قرر دعم الرياض في عام 2015. يتابع الكاتب: يحتاج بايدن حاليًا إلى قيادة الجهود لإنهاء الحرب في اليمن. لقد مضى وقت طويل على إحداث أي تغيير جذري. ولا يستفيد من الحرب سوى إيران وحزب الله، إذ منحت إيران معقلًا في مفترق طرق عالمي مهم من الناحية الإستراتيجية.
الطريقة الصحيحة للتعامل مع الحوثيين
يشرح الكاتب أن جماعة الحوثيين جهة غير حكومية تطمح إلى الاعتراف بهم بصفتهم حكامًا شرعيين لليمن. وقد أجرت الولايات المتحدة حوارًا مع الحوثيين قبل عام 2015. وأفاد مايكل فيكرز، وكيل وزارة الدفاع آنذاك، بأن المتمردين الحوثيين زودوا الولايات المتحدة بمعلومات مفيدة عن تنظيم «القاعدة» في عام 2015، وهي المعلومات التي ساعدت في تنفيذ عدد من المهمات الأمريكية لمكافحة الإرهاب.
ولم يكن قائد القيادة المركزية الأمريكية في ذلك الوقت، وهو الجنرال لويد أوستن (الذي اختاره بايدن الآن وزيرًا للدفاع)، راضيًا عن قرار السعودية بمهاجمة الحوثيين؛ لأنهم كانوا حليفًا ضد القاعدة. لذا – وعلى الرغم من خطاباتهم المتطرفة – يرى الكاتب أن الحوثيين يمكن أن يكونوا شريكًا للولايات المتحدة.
ويضيف: إن التعامل معهم على أنهم دمية إيرانية قد تقودهم إلى ممارسة الإرهاب ضد الأمريكيين. ويمتلك الحوثيون سجلًا حقوقيًا مروعًا، وهم خارجون عن القانون. لكنهم أصبحوا واقعًا ينبغي التعامل معه، ويبدو أن الحل العسكري لن يتصدى لما يمثلونه من تحد. وآخر شيء نرغب فيه هو تحويل الحوثيين إلى منظمة إرهابية تستهدف الأمريكيين بسبب الكارثة الإنسانية المروعة في اليمن.
خطوات عملية لوقف الحرب في اليمن
وأردف الكاتب أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو أحد الأماكن التي تستطيع الولايات المتحدة أن تبدأ فيها تغيير سياستها. ففي بداية الحرب أصدر المجلس قرارًا من جانب واحد ألقى باللوم على الحوثيين في الحرب، وفرض عليهم وحدهم حظرًا على الأسلحة.
انضمت الولايات المتحدة إلى 13 من أعضاء المجلس للتصويت لصالح القرار. وامتنعت روسيا فقط عن التصويت قائلة: إن القرار غير متوازن، ولن يُسهم في تحقيق السلام. ويرى الكاتب أن موسكو كانت على حق. شدَّد الكاتب على ضرورة أن يطلب بايدن من أنتوني بلينكن، إذا تأكد تعيينه في منصب وزير الخارجية، ضمان تمرير قرار جديد متوازن يُطالب بإنهاء تدخل السعودية في اليمن، ورفع الحصار عنه فورًا وبدون شروط.
وفي ختام تقريره خلُص الكاتب إلى أن وضع أساس قانوني جديد للدبلوماسية من أجل إيقاف الحرب في اليمن ينفع أيضًا في تحفيز المجتمع الدولي لدعم هذه الجهود. وسيؤدي أيضًا إلى تعزيز انخراط مبعوث الأمم المتحدة الخاص في تلك الجهود.
ويُمكن أن تلعب إندونيسيا، وهي عضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دورًا مهمًا بصفتها أكبر دولة إسلامية في العالم لها ارتباط تاريخي بشبه الجزيرة العربية. ولا بد أن يُركز هدف الولايات المتحدة في عام 2021 على بناء إجماع دولي لإنهاء الحرب في اليمن بالطرق الدبلوماسية.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».