نشر موقع هيريتيج فاونديشن مراجعةً لكتاب مشكلة الإلحاد (The Problem of Atheism) الذي كتبه الفيلسوف الإيطالي وعضو مجلس الشيوخ الإيطالي أوجوستو ديل نوتشه، والذي يُعد أحد أهم كتبه، وذلك بمناسبة صدور الترجمة الإنجليزية للكتاب. والمراجعة كتبها ريتشارد رينسك، باحث كبير وكاتب عمود في موقع ديلي سيجنال الأمريكي، وهو موقع إخباري محافظ.

ويستهل الكاتب مراجعته بالقول: يأتي الفيلسوف الإيطالي الراحل أوجوستو ديل نوتشه حاملًا هدايا لأولئك الذين يرغبون في التعمق في فهم أزمة الغرب والسلبية الأخلاقية والروحية التي تستهلكنا. وقد تُرجِمت ثلاثة أعمال من تأليف ديل نوتشه إلى اللغة الإنجليزية هي أزمة الحداثة، وعصر التحول الى العلمانية، والآن مشكلة الإلحاد – على يد كارلو لانسلوتي، أستاذ الرياضيات في جامعة مدينة نيويورك. ويجب أن يبرز تحليل ديل نوتشه للمشروع الحديث ببطء في أذهان المحافظين الناطقين بالإنجليزية باعتباره فهمًا نهائيًّا ومحددًا لما يُعانيه الغرب.

وفي كتاب مشكلة الإلحاد، العمل التأسيسي لديل نوتشيه، نحن في أيدي فيلسوف كبير يباري تحليله لعقلانية عصر التنوير والحداثة المتأخرة تحليل ليو شتراوس وإريك فويجلين. وهذا كتاب صعب، ويتطلب دراسة وثيقة ومتكررة وعودة إلى مجموعة من المفكرين – ديكارت وباسكال وهيجل وماركس، على سبيل المثال لا الحصر – ولكنه كتاب سيوفر مكاسب للباحثين والمفكرين الذين يدركون سبب اللادينية الغربية والإنهاك الروحي.

الماركسية هي النتيجة النهائية لعقلانية الفكر الحديث

يوضح الكاتب أن ما يجعل كتاب ديل نوتشه عملًا نبوئِيًّا هو أنه نُشِر لأول مرة في إيطاليا عام 1964. والكتاب يتتبَّع رحلة ديل نوتشه الفلسفية التي قضاها في مواجهة التحديات الماركسية والفاشية للنظام الليبرالي. وتظهر المقالات في الكتاب بترتيب زمني وليس بترتيب موضوعي. وفي البداية، وعندما كان شابًا في عشرينيات القرن الماضي، أدَّت معارضة ديل نوتشه لسيطرة الفاشية على موطنه إيطاليا إلى سيره في طريق الإيمان بالاشتراكية الماركسية ودراستها، ومن ثم نبذ هذا الإيمان بمجرد أن تصالح مع الجوهر الراديكالي للعقيدة الثورية الماركسية. وتبرز الأفكار والرؤى الثاقبة لـ ديل نوتشه عندما يدرك أن الماركسية هي النتيجة النهائية لعقلانية الفكر الحديث. والادِّعاء الأكثر تحديًا الذي يقدمه ديل نوتشه هو أن الماركسية لا تزال لا يُعلى عليها في العقل الغربي الحديث وتستمر في تشكيل حضارتنا في مسارها الحالي.

Embed from Getty Images

ويقدم الكتاب فهمًا فلسفيًّا قويًّا للثورة السياسية في أوروبا من عام 1917 إلى عام 1945. وكُتِبت بعض مقالات ديل نوتشه قبل بدء الحرب الباردة، ومع ذلك فإن تقييمه لماركس ولينين يساعد في فهم الأسلوب الأيديولوجي لفن الحكم الذي اتبعه الاتحاد السوفيتي. ومن اللافت للنظر، أنه على الرغم من أن مقالات الكتاب كُتبت قبل كلٍ من الثورة الجنسية وعام 1968 الكئيب، فإنه توقَّعهما أيضًا. ويتنبأ الكتاب بالتأثير المدمر الطويل المدى لتلك الاضطرابات في المؤسسات الغربية. ويوجه ديل نوتشه أصابع الاتهام إلى التغييرات الكاسحة للعلمانية والإثارة الجنسية والنسبية باعتبارها النتائج الحتمية لانتصار ماركس الديالكتيكي على خصومه الدينيين والليبراليين.

وباستخدام مصطلح «مجتمع الوفرة» من عالم الاقتصاد جون كينيث جالبريث، كشف ديل نوتشه عن «اللادينية الغربية»، إلحادنا المنهجي، باعتباره الفاكهة الملوثة لتحلُّل الماركسية في القرن العشرين. وهنا تصبح الأمور مثيرة للاهتمام. لقد خرَّب ماركس الأنثروبولوجيا اليونانية المسيحية بشأن الإنسان باعتباره كائنًا يمارس التأمل والفهم والتعمق في أغوار النفس والمجتمع من وجهة نظره جزء من وجوده. أي إننا نعيش في ظل الإله وفي الفكر الفلسفي في المقام الأول، ومن ثم نجد أنفسنا في ارتباط مع الآخرين. لقد قوَّض ماركس خاصية التعمق في أغوار النفس لدى الإنسان وقد شكَّلت هذه الخاصية العقلَ الغربي، حتى أنها شكَّلت عقلَ الفيلسوف الألماني هيجل، الذي يُعد حجر الزاوية في مسعى ماركس الفلسفي ولكن ماركس حاول جاهدًا التغلب عليه.

أفكار ماركس والدول الشمولية في القرن العشرين

إن تقييم ديل نوتشه لماركس باعتباره سلفًا فلسفيًّا لأعمال الموت الخاصة بالحداثة لن يصدم القارئ المطَّلع لأنه ليس تقييمًا جديدًا بالضرورة. وعلى أي حال، يحمّل كثيرون أفكار ماركس المسؤولية عن الدول الشمولية في القرن العشرين. إن الجديد والذي يميز ديل نوتشه بصفته مفكرًا يتمتع بقدر كبير من الحكمة هو كيفية إعلانه عن تصوير ماركس للروح العقلانية الحديثة لعصر التنوير. لقد جعل ماركس العقلانية نقطة الانطلاق لفلسفته، وكان لا يحكم على حقيقتها من خلال الأدوات التقليدية للمنطق والحجة، ولكن من خلال فعاليتها في تحويل رؤيتها إلى حقيقة واقعة. وكان على الفلسفة أن تصبح فِعلًا، وأن تصبح خلال هذه العملية تاريخًا. لقد فقدت التزامها القديم بفهم طبيعة الأشياء أو بنية الواقع.

ويجادل ديل نوتشه بأن ماركس أخذ العقلانية الهيجلية (نسبةً إلى الفيلسوف الألماني هيجل) إلى آفاقٍ جديدة من خلال توسيع الأنثروبولوجيا الخاصة بها إلى التأثير المتعمد للنتائج الثورية. ويكتب أنه في قلب «الموقف العقلاني، ليس سوى افتراض بسيط بأن حالة الإنسان الحالية هي حالته الطبيعية» (التأكيد من الأصل). وترفض العقلانية وجهة النظر التوراتية للخطيئة الأصلية وحاجة الإنسان إلى النعمة في عالم غير كامل.

Embed from Getty Images

وتدعو العقلانية بطبيعتها إلى القضاء على ما هو خارق للطبيعة. وهذا يفتح الباب أمام الثورة، التي تحققت لأول مرة في فكر روسو السياسي. وإذا كان الإنسان صالحًا وكاملًا في ذاته، فكيف نجعل هذا صحيحًا عبر النظام الاجتماعي والسياسي بأكمله؟ يجادل ديل نوتشه بأن هذا المسعى يقف خلف دعوة ماركس لـ «تحرير الإنسان، عبر السياسة، من «الاغتراب» الذي تفرضه عليه الأنظمة الاجتماعية التي تحققت حتى الآن، والمتجذر فقط في بنية هذه الأنظمة. لذلك، فهو يعني استبدال السياسة بالدين من أجل تحرير الإنسان». ويتمثل تأثير ذلك في نفي كل من السياسة والدين.

وقصد ماركس أن يستبعد من فهم الإنسان مفاهيم الضمير والفكر والفهم. وكان هذا الفهم لا يزال حاضرًا عند هيجل، الذي حاول إعادة توحيد الشخص العقلاني والواقعي في نوع من الشمولية «من خلال نسيان نفسه» باعتباره شخصًا من نوع خاص من خلال تأمل روح العناية الإلهية للتاريخ. ويرى هيجل أن وحدة حقيقة التاريخ والشخص سوف تتجسد في الدولة الألمانية ذات التنظيم والإدارة الجيدين. وكانت هذه نتيجة متحفظة يمكن التنبؤ بها لمنهج هيجل، حسب ماركس. ويجادل ديل نوتشه بأن ماركس قصد إلغاء العقل باعتباره المقياس العام للإنسان من خلال جعل الإنسان «مقياس العقل» (التأكيد من الأصل). ومثل هذه الخطوة لا تبدو راديكالية إلى حد كبير للعقول المعاصرة. ونحن نسعى دائمًا لوضع الأفكار موضع التنفيذ. ونريد تشكيل اتجاه التاريخ. وربما كان هذا أيضًا من بقايا تأثير ماركس.

عربي

منذ سنتين
يوما ما كنت شيوعيًّا.. 4 رموز معارضة طلّقوا «ماركس» وصاروا جزءًا من السلطة

ويمضي المراجع إلى أن مشروع ماركس كان هو فصلنا بصورة قاطعة عن القدس -كرمز للديانة- وتأكيد أثينا -كرمز للفلسفة- أن الإنسان يشارك بعقله برتبة أعلى للحقيقة، وهو لوجوس (العقل الكلي أو كلمة الإله)، الذي يقيس فكره ويمكن أن يقوده إلى الإيمان بالله. ويجب أن تُحال هذه الفكرة، وفقًا لقراءة ديل نوتشه لماركس، إلى الماضي المنسي بحيث «لن تعود الفلسفة تعبر عن نفسها في شكل كتاب أو نظام (فهم، وعي ذاتي، وما إلى ذلك من الكليّة المحققة). ولكن في «تحقيق الكلية» (التأكيد من الأصل). وإذا كانت الفلسفة قد جرى تحويلها إلى لاهوت لتحرير الإنسان من الاغتراب وإدخاله إلى كلية الوجود، فما الحاجة إلى التأمل؟

الماركسية: إنكار العقلانية الفلسفية

إن تقديم ماركس فهمًا شاملًا معاديًا لمفهوم المسيحية بشأن الطبيعة البشرية جعل الجانب البارز لإلحاده ممكنًا، وهو عدم وجود الإله. لقد دفن مشكلة الإله من خلال «إنكار العقلانية الفلسفية»، أو الوسائل التي يعرف بها الإنسان الإله ويؤمن به. ويصبح الإلحاد استجابةً للإيمان الديني غير ضروري حيث يترسخ إلحاد إيجابي ويدعم تحرر الإنسان من الفئات الموجودة مسبقًا من الاعتقاد والفكر. وتصبح السياسة فلسفية، وهي الوسيلة التي تتحقق من خلالها حقيقة التاريخ. ويفسِّر رفض ماركس للضمير أيضًا رفضه المتعلق بالملكية الخاصة والمجتمع المدني والأسرة. ويتحقق تحرر الإنسان في المجموع مع الآخرين من الهياكل القمعية للمجتمع. وكل شيء خاص هو خادع وزائف وأداة للتحكم من خلال رأس المال. ومثل هذا الموقف شمولي في النظرية والتطبيق.

Embed from Getty Images

يبلغ كل هذا ذروته في ادِّعاء ديل نوتشه بأن «التاريخ المعاصر هو تاريخ فلسفي». وهنا نصل إلى نهاية العمل في الكتاب. لقد ارتأى ماركس أن الفلسفة ليست سوى عمل ثوري. ويلاحظ ديل نوتشه أن لينين هو الوحيد الذي أدرك هذه الحقيقة الماركسية إدراكًا صحيحًا، وأن ثورة لينين هي التي تستجيب لها الحركات السياسية الرئيسة في القرن العشرين أو تهدف إلى استمرارها. وتلك الحركات التي تستجيب للماركسية اللينينية – الفاشية والنازية ومجتمع الوفرة – لا تستجيب إلا في اتجاه معادٍ للثورة وتفشل فشلًا حاسمًا في التشكيك في الفرضيات المسبقة للماركسية. ويلاحظ ديل نوتشه أن مجتمعنا المعاصر موجود في انتصار ماركس الفلسفي الحديث ومن خلاله، واستملاكه الثوري أو الناشط للفلسفة.

ومن المؤكد أن هذا الادعاء سيصدم القراء على أساس أنه زائف. ورفض الغرب الحديث ماركس وهزم الاتحاد السوفيتي. ولدينا اقتصاد يعتمد بوجه عام على الربح والخسارة والملكية الخاصة ونظام الأسعار. ولم ينجح الاقتصاد الماركسي أبدًا في الغرب، ومن الواضح أنه فشل حيث جرت محاولة تطبيقه. ويعترف ديل نوتشه بهذه النقاط لكنه يضيف أن الماركسية نجحت وفشلت. وهذا النجاح هو الذي ترسم آثار أقدامه طريقنا.

تحرير الإنسان والقضاء على اغترابه

كان الهدف الماركسي الشامل هو تحرير كل إنسان من خلال لم شمل الإنسان بعمله وحريته من خلال القضاء على اغترابه عن هويته الجماعية الحقيقية. غير أن دولة لينين حققت شيئًا على عكس ذلك. وسرعان ما أصبح الاتحاد السوفيتي ديكتاتورية حزبية تحكمها نخبة ضيقة لا يمكن مقارنة قمعها القاتل بأي شيء فعلته البرجوازية. وهكذا لم تكن الفعالية النهائية للماركسية في التحرر بل في القوة الدولانية التي وضعت في معارضة الغرب الرأسمالي، وهي القوة التي كان ولا يزال عديد من المفكرين الغربيين مفتونين بها على مستويات متعددة.

لقد اختار الغرب الحديث معارضة الماركسية، كما يلاحظ ديل نوتشه، ليس من خلال تفكيك المقولات المادية والإلحادية للفلسفة. ولم يعد المفكرون الغربيون ومجتمعاتهم إلى الميتافيزيقيا الكلاسيكية لفهم مأزقهم. وبدلًا من ذلك، أكَّد الغرب على إسهاماته التكنولوجية الثورية في الحياة الجيدة والزيادات الهائلة في مستويات المعيشة المادية التي أتاحها ذلك. وباختصار، لمحاربة الفلسفة المادية، نظر الغرب إلى شكل من أشكال الإيمان بفائدة التكنولوجيا في تحسين المجتمعات البشرية والراحة التي يضمنها نظامه. لقد حارب الغرب الماركسية على مستوياتها المادية والاختزالية.

Embed from Getty Images

وقطع الغرب بعد الحرب بسرعة العلاقات مع الإنسانية المسيحية وقبل كثير من النقد الماركسي للمجتمع البرجوازي فيما يتعلق بالتعليم والدين والأسرة. وهذا يعني أن الإبادة الماركسية للفلسفة، كما وصفها ديل نوتشه، كان لها تأثير في إفراغ مزاعم الحقيقة للثقافة الغربية من خلال أسس علم الاجتماع (sociologism)، التي تدعم فكرة أن كل حجة واستنتاج هو في نهاية المطاف دفاع عن بعض المصالح أو جماعة ما للحفاظ على السلطة. والسلطة والسيطرة في هذا الرأي هما أهم شيء. ولا تزال تداعيات علم الاجتماع، أي النسبية، واضحة عبر الدول الغربية، حيث تُختزَل الادِّعاءات الشاملة حول الحق والخير في العِرق والطبقة والجنس. ووحدها الحقائق التكنولوجية والاقتصادية، التي تتكشف أمام سكان الحداثة والتي لهم دور في إنتاجها واستهلاكها، هي التي تُقبَل على أنها حقيقة. وبهذه الطريقة، تبقى القوة الحقيقية بيد الخبراء والتكنوقراط والأكاديميين والعلماء، الذين يوجهون الدول الغربية إلى غايات مخططة إلى حد كبير.

نظرية العِرق النقدية ومجتمعات ما بعد المسيحية

ويرى المراجع أننا نعيش في التكرار الأخير لهذه البصمة الماركسية في شكل نظرية العِرق النقدية، والتي يُعد هدفها المعلن فصلنا عن دستور بلدنا وتاريخه. وبهذه الطريقة، يقبل العقل الغربي الماركسية في جوانبها العدمية ويبقى، كما لاحظ ديل نوتشه، غير قادر على تجاوزها بمدرسة فكرية تستعيد اللغة القديمة للميتافيزيقا الكلاسيكية ودين الكتاب المقدس. وهكذا، فإن اللادينية الغربية تحدد مجتمعًا لا يستطيع أفراده الاقتراب أو التساؤل عن الإله والحقيقة عن أنفسهم لأن الدين والإيمان لا يبدوان حقيقيين أو ممكنين. وتتجلى قوة الإلحاد والعقلية اللادينية التي يدعمها دعمًا واضحًا لدرجة أن ديل نوتشه لاحظ في وقت ما أن المجتمعات الغربية لم تعد «قابلة للتنصير». ومن المؤكد أنه يذهب بعيدًا في هذا الحكم. لكنه بالتأكيد محق في أن مجتمعاتنا في نواحٍ حاسمة هي مجتمعات ما بعد المسيحية، وأكثر من ذلك بكثير مما كانت عليه في عام 1964.

فلسفة

منذ سنة واحدة
الفلسفة والذكاء الاصطناعي.. دور «المنطق» في اختراع الكمبيوتر!

ووجد المراجع كثيرًا من هذا النقد مدركًا على نحو لا يصدق للمسار الذي سلكه الغرب الحديث المتأخر. لقد استنفدت حضارتنا تقريبًا ويبدو أنها تفتقر إلى الرغبة في إدامة نفسها، ويتجلى ذلك على نحو صارخ في معدلات المواليد دون الإحلال عبر كل بلد تقريبًا في أوروبا وأمريكا الشمالية. لقد نتج عن انتشار العلمانية في حضارتنا رضا عن الذات واستعداد لتحمل الحياة على نحو سلبي. وتظل اقتصاداتنا منتجة وخلاقة، وتتميز بمستويات معيشية لا تصدق وتطور تكنولوجي لا مثيل له. لكن هذا الوفرة تقترن بدول الرفاهية التي تشمل تقريبًا كل مجال وجانب من الوجود الإنساني، مما يضعف الحرية الشخصية والفضيلة. والظروف السياسية والاجتماعية الشديدة الانقسام هي سمة أخرى من سمات الوجود المعاصر. والمواطن الغربي مرتبك، عملاق نائم غير مدرك إلى حد كبير لأي شيء يتجاوز اللحظة الحالية، وهي نتيجة أخرى للعلمانية الراديكالية التي يشخصها ديل نوتشه بشكلٍ موحٍ.

ويختتم الكاتب مراجعته بقوله إن ديل نوتشه لا يجنح إلى اليأس أبدًا. ويحاول أن يرسم طريقًا للمضي قدمًا من خلال اثنين من فلاسفة القرن السابع عشر، هما نيكولاس مالبرانش وجيامباتيستا فيكو. لقد فهم كلاهما مخاطر عقلانية عصر التنوير ووضعا مدرسة فكرية تسمى «الأنطولوجيا»، والتي تبني على المعرفة البديهية التي يمتلكها كل شخص عن الإله والتي يمكن أن توفر جسرًا إلى الميتافيزيقيا الكلاسيكية. إن الرسالة السامية التي يتركها لنا ديل نوتشه هي الخروج من هذا المأزق والتفكير مرةً أخرى والعيش في حقائق عن الإله والإنسان تتجاوز المادية والعلمية والعلمانية غير المُختَبرَة.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد