رصدت إيمي مورين، أخصائية العلاج النفسي والصحة العقلية، العلامات التي تدل على أن الأطفال مصابين بـ«السيكوباتية»، مستعرضة طرق العلاج المناسبة، وذلك في تقرير نشره موقع «فري ويل فاميلي» الذي يهتم بالأبوة والأمومة في كل مراحلها.
في بداية تقريرها تشير الكاتبة إلى أن العديد من الآباء ربما يكونون قد تساءلوا في بعض الأحيان، حتى ولو لجزء من الثانية، بشأن عدم شعور أطفالهم بالندم أو التعاطف مع الآخرين، وهل يُعد ذلك دليلًا على وجود مشكلة أكبر أم لا؟ إلا أن الآباء لا يرغبون أن يتخيلوا أبدًا أن أطفالهم يعانون من اضطراب نفسي.
ولحسن الحظ لا يعاني معظم الأطفال من «السيكوباتية» على الرغم من أنهم قد يُظهِرون من آن إلى آخر عدم اكتراثهم بالآخرين أو التعاطف معهم. وفي الوقت نفسه، يُظهر الأطفال الذين يعانون من السيكوباتية، في كثير من الأحيان سِمات القسوة وانعدام العاطفة.
عن السيكوباتية
تُوضح الكاتبة أنه من المهم أيضًا إدراك أن الأطفال لا يصنَّفون مضطربين نفسيًّا أو غير مضطربين؛ إذ تعد السيكوباتية سلسلة متصلة، بالإضافة إلى أن بعض عناصرها تُوجد إلى حد كبير في معظم الأطفال. وفي حين أن مصطلح مضطرب نفسيًّا لا يُعد تشخيصًا رسميًّا يُستخدَم في الصحة العقلية، إلا أنه يُستخدَم لوصف مجموعة من الخصائص والسلوكيات التي تشير إلى أن الشخص لديه سمات قسوة ومخادع وغير مكترث بالآخرين. وبوجه عام تُعرف هذه الحالة في المصطلحات النفسية الحالية، باسم اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
وفي عام 2013 أدرجت الرابطة الأمريكية للطب النفسي في دليلها التشخيصي والإحصائي (DSM) حالة «اضطراب السلوك التي تظهر عليها سمات القسوة وانعدام العاطفة» للأطفال الذين تبلغ أعمارهم 12 عامًا فأكثر. وتعكس هذه الحالة الخطيرة عجزًا في التواصل مع الآخرين ويمكن أيضًا ربطها بالتصرفات المؤذية.
وتنوه الكاتبة إلى أن الأشخاص الذين يعانون من السيكوباتية غالبًا ما يُساء فهمهم ويُصوَّرون في الأفلام على أنهم سفاحون. والحقيقة هي أن معظم الأشخاص الذين يعانون من السيكوباتية ليسوا قتلة متسلسلين. بل إن بعض الأشخاص، الذين يعانون من السيكوباتية، يواصلون في الواقع النجاح في أعمالهم حتى يصبحوا رواد أعمال ناجحين ومديري شركات. وتُقدِّر إحدى الدراسات أن حوالي 3% من قادة الأعمال التجارية قد يكونوا من الأشخاص الذين يعانون من السيكوباتية بالفعل.
انتشار السيكوباتية
يُشير التقرير إلى أن الباحثين يُقدِّرون أن حوالي 1% من البالغين قد تنطبق عليهم معايير الإصابة بالاضطراب السيكوباتي، الذي ينتشر أكثر بين الذكور منه بين الإناث، ولكنه اضطراب لا يقتصر على الذكور فحسب.
ونظرًا لأن مقدمي خدمات الصحة العقلية لا يستخدمون تسمية سيكوباتي، فإن الأرقام الدقيقة غير معروفة. ومع ذلك فإن عديدًا من التشخيصات المستخدمة في الصحة النفسية تتداخل مع السيكوباتية.
وفي الغالب يُشخَّص الأطفال القساة ومعدومو العاطفة في سن مبكرة على أنهم مصابون باضطراب العناد الشارد. وبعد ذلك وخلال سنوات المراهقة قد يُشخَّصون على أنهم مصابون باضطراب السلوك، الذي ينطوي على نمط مستمر من انتهاك حقوق الآخرين، وتجاهل القواعد الاجتماعية الأساسية. أما الكبار فيمكن تشخيص المصابين منهم باعتلال عقلي بأنهم يعانون من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. وبينما تتداخل الحالات فإنها ليست متشابهة؛ إذ يعد اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع تشخيصًا قائمًا على الشخصية، بينما تُعد السيكوباتية اضطرابًا أكثر من كونه حالة قائمة على السلوك.
علامات تبحث عنها
ووجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة ميتشيجن الأمريكية في عام 2016 أن العلامات المبكرة للسيكوباتية يُمكن ملاحظتها عند الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم سنتين. وحتى في هذا العمر، تُظهر الأطفال اختلافات في مستوى العاطفة والوجدان. وكانت الدراسة قد طلبت من مقدم الرعاية الرئيس، والوالد الآخر، والمربي/مقدم الرعاية النهارية، تقييم سلوك الطفل القاسي، ومنعدم العاطفة، في المرحلة التي يتراوح فيها عمره بين عامين وأربعة أعوام استنادًا إلى العناصر الآتية:
- الطفل لا تتبدى عليه أي علامات شعور بالذنب بعدما أساء التصرف.
- الطفل لا يُغير سلوكه بسبب العقاب.
- الطفل أناني/لا يتشارك مع الآخرين.
- الطفل يكذب.
- الطفل مخادع ويحاول المراوغة.
وتابع الباحثون مجريات الدراسة على الأطفال مرةً أخرى عندما بلغوا التاسعة من العمر، فوجدوا أن الأطفال الذين بدت عليهم معظم المشكلات السلوكية عندما كانوا حديثي السن وقبل دخولهم المدرسة هم الذين كانوا أكثر عرضة للمشكلات السلوكية المرتبطة بالسيكوباتية لاحقًا في مرحلة الطفولة. ويُظهر الطفل المصاب بالسيكوباتية سمات مشابهة للكبار المصابين بها، والتي تتضمن علامات مميزة مثل تجاهل مشاعر الآخرين وعدم الشعور بالندم مطلقًا.
أعراض تتكرر.. كن على علم بها
يلفت التقرير إلى أنه لا يوجد اختبار واحد يدل على أن الطفل قد يكون مصابًا بالسيكوباتية، لكن علماء النفس لديهم عديد من التقييمات المتوفرة لمساعدتهم في تقييم أعراض الطفل وقياسها.
ومن التقييمات الأكثر استخدامًا هو التأكد من قائمة سمات السيكوباتية للشباب. وتعد هذه الأداة تقريرًا ذاتيًّا، مما يعني أن المراهقين يخضعون للاختبار ويُطلَب منهم الإجابة عن الأسئلة المرتبطة بهم. ويُفترض أن يقيس هذا الاختبار السمات الشخصية بدلًا من السلوكيات. وعندما أُجري الاختبار على الشباب داخل السجون والمؤسسات، أثبت أنه موثوق به تمامًا، ويُقيّم الاختبار الأعراض الآتية:
- عمل غير نزيه أو شريف.
- العظمة.
- الكذب.
- التلاعب.
- القسوة.
- انعدام العاطفة.
- عدم الشعور بالندم.
- التهور.
- محاولة الإثارة ولفت الأنظار.
- انعدام المسؤولية.
وبالإضافة إلى ذلك من المرجح أن ينضم المراهقون الذين تظهر عليهم سمات القسوة وانعدام العاطفة إلى أقرانهم ذوي الشخصيات المعادية للمجتمع وذوي الميول الإجرامية في فئات. ومن المهم أن نلاحظ أن الأطفال الذين لديهم قدر كبير من سمات السيكوباتية قد لا يتأثرون بالضغط لخرق القوانين. لكنهم بدلًا عن ذلك قد يؤدُّون أدوارًا أهم مثل قادة العصابات التي تُؤثر على أعضائها للانخراط في سلوكٍ معادٍ للمجتمع.
السيكوباتية والمخدرات.. هل هناك رابط؟
يُلمح التقرير إلى أن الأبحاث وجدت في الكبار والمراهقين على حد سواء أن الأشخاص الذين لديهم قدر كبير من سمات السيكوباتية هم أكثر عرضة لتعاطي المخدرات. ويعتقد الباحثون أن العلاقة تبادلية، مما يعني أن الأشخاص الذين يميلون إلى التهور ولا يتحملون المسؤولية هم الذين يكونون أكثر عرضة لتعاطي المخدرات. كما يُؤدي تعاطي المخدرات إلى زيادة السلوك المتهور وغير المسؤول على الأرجح.
ويؤكد التقرير أن المراهقين الذكور الذين لديهم قدر كبير من سمات السيكوباتية يميلون إلى البدء في استخدام المواد المخدرة في سن مبكرة، كما أنهم يكونون أكثر عرضة لاستخدام مجموعة متنوعة من العقاقير والمعاناة من مشكلات تعاطي المخدرات في مرحلة البلوغ.
ثبات الأعراض
ويرى بعض الباحثين أن سمات السيكوباتية تظل ثابتة طيلة حياة الشخص المصاب بها؛ مما يعني أن الطفل الذي تظهر عليه علامات السيكوباتية من المحتمل أن يترعرع وتظل السمات نفسها تظهر عليه.
بينما يعتقد باحثون آخرون أن درجات السيكوباتية من المحتمل أن تتفاقم خلال مرحلة المراهقة. وتشير بعض الدراسات إلى أن الأطفال الذين يميلون إلى أن يكونوا قساة ومعدومي العاطفة هم الذين يكونون أكثر عرضة لأن يصبحوا عدوانيين لاحقًا، بالإضافة إلى أنهم يكونون أكثر عرضة لارتكاب الجرائم.
يجب أن نذكر الأسباب المحتملة
ويبرز التقرير أن هناك كثيرًا من النقاشات التي طرحت بشأن كون السيكوباتيين مصابين بهذا الاضطراب بالفطرة عند ولادتهم أم يكتسبونها من الظروف المحيطة. ويُشكِّك الباحثون في أنها مسألة غير واضحة المعالم. وبدلًا من ذلك، تعد السيكوباتية اضطرابًا ناجمًا عن علاقة معقدة بين علم الوراثة وديناميكيات الأسرة وتجارب الحياة. ومن المحتمل أن يمثِّل تعرُّض الأطفال مبكرًا لظروف مضطربة أحد العوامل التي تؤدي إلى تطور سمات السيكوباتية. والأطفال الذين تعرضوا للإيذاء الجسدي والإهمال والانفصال عن والديهم أكثر عرضة للإصابة بالسيكوباتية.
وترجح كاتبة التقرير أن يكون الارتباط الضعيف بأحد الوالدين أحد العوامل أيضًا. فعلى سبيل المثال لا ينبغي أبدًا أن يتواصل الوالد الذي يعاني من مشكلات في الصحة العقلية، أو مشكلات تعاطي المخدرات، أو كان اتصاله بالرضيع نادرًا. وتشير الدراسات إلى أن المراهقين الذكور المصابين بالسيكوباتية ربما يكونوا قد وقعوا ضحية في سن مبكرة على الأرجح. ومن ناحية أخرى يُرجَّح أن تكون المراهقات المصابات بالسيكوباتية قد نشأن من خلفية مضطربة، مثل التغييرات المتكررة في دور الرعاية والحضانة.
وفي هذا الصدد تشير بعض الدراسات إلى أن الأطفال التي تظهر عليهم سمات القسوة وانعدام العاطفة قد يكونوا مكبلين بالمعاناة نوعًا ما. وتختلف تفاعلات أدمغتهم مع الخوف والحزن والمثيرات السلبية، ويجدون أيضًا صعوبة في معرفة مشاعر الآخرين. وقد يؤدي إيذاء الأقران أيضًا دورًا؛ إذ من المرجَّح أن يصبح الأطفال الذين يقعون ضحايا لأقرانهم قساة ومعدومي العاطفة عندما تزيد أعمارهم.
هل هناك علاج للسيكوباتية؟
يلفت التقرير إلى أن الناس ظلوا لسنوات عديدة يعتقدون أن الأشخاص الذين يعانون من السيكوباتية لا يمكن علاجهم. لكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن الأعراض يمكن أن تتحسن من خلال تكثيف العلاجات المبتكرة خصيصًا للحالات العاطفية، والوجدانية، والتحفيزية الفريدة الموجودة عند الأطفال الذين لديهم قدر كبير من سمات السيكوباتية.
ويحتاج الأطفال الذين تظهر عليهم سمات السيكوباتية إلى علاج متخصص، فهم لا يستجيبون بصورة جيدة لأساليب العقاب المعتادة؛ إذ يبدون غير منزعجين من العواقب، ولا يهتمون إذا أصيب الآخرون بخيبة أمل في اختياراتهم. وتقدم بعض برامج إعادة التأهيل أنشطة معتمدة على المكافأة؛ مما يعني أن الأطفال يجب أن يفوزوا بكل امتياز بناءً على تصرفاتهم الجيدة. وتظهر الدراسات أن هذه الأنواع من الأنشطة يُمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على سلوك الأطفال.
وقد يستفيد الأطفال من تعلم السلوك الاجتماعي الإيجابي، وإظهار العاطفة، وتعلم مهارات حل المشكلات، ومعرفة المشاعر. وغالبًا ما يركز العلاج على تحسين قدرة الطفل على التعامل مع الغضب والإحباط. وإذا كنت ترى علامات تجعلك تتساءل هل طفلك مصاب بالسيكوباتية أم لا، فينبغي عليك طلب المساعدة المتخصصة. ويُمكن لطبيب الأطفال أو أخصائي الصحة العقلية المساعدة في تقييم حالة طفلك وتشخِيصها وعلاجها.
وفي الوقت الذي لا يُوجد فيه علاج محدد يُخفف من أعراض السيكوباتية، فقد يكون الدواء جزءًا من خطة العلاج. ووجد الباحثون أن الأدوية والعقاقير المضادة للذهان (نوع من أنواع أدوية العلاج النفسي المهدئة للأعصاب)، مثل ريسبيريدون، يمكن أن تخفف من الأعراض العدوانية عند الأطفال الذين يعانون من اضطراب السلوك. ويمكن أيضًا إعطاء الطفل بعض مثبتات الحالة المزاجية والأدوية الأخرى لمساعدته في تحسين وتنظيم الاضطرابات العاطفية.
كيف نحصل على المساعدة
تختتم الكاتبة تقريرها بالقول: إذا ظهر على طفلك أحيانًا عدم تعاطفه مع الآخرين، أو الكذب من حين لآخر، فمن المحتمل ألا يكون مصابًا بالسيكوباتية، لكنه بدلًا عن ذلك ربما يكون طبيعيًّا، ويحاول تعلم مهارات جديدة وتحسين إدراكه لفهم العالم بصورة أفضل.
ومع ذلك فإذا بدأ شعور الأطفال بالقسوة، وعدم الندم، يتفاقم ويزداد سوءًا، فينبغي على الآباء استشارة طبيب الأطفال على الفور. وربما ينصح الطبيب بإحالة الطفل لإجراء تقييم أكثر شمولًا لتحديد هل يعاني من أية مشكلات أخرى تتعلق بالصحة النفسية، أو الشخصية، أو الاضطرابات السلوكية أثناء اللعب أيضًا.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».