نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية تقريرًا أعدَّه أندريه سولداتوف وإرينا بوروغان، يتناولان فيه كيف مهَّد سيرجي شويجو، وزير دفاع الروسي، الطريق لهجوم روسيا على أوكرانيا. في البداية، يشير الكاتبان إلى أن القوات الروسية وصلت إلى مشارف كييف في 25 فبراير «شباط» 2022 بعد 24 ساعة فقط من أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا، وكان وراء هذا الهجوم سيرجي شويجو ورجاله.

دور الجيش المتنامي

لفت التقرير إلى أن سرعة التقدم العسكري للقوات الروسية كانت مذهلة حتى مع أخذ القوة النارية المتفوقة لروسيا في الاعتبار. ولكن الحملة أبرزت أيضًا شيئًا آخر: دور الجيش الروسي في دفع حملة الكرملين ضد أوكرانيا.  فعلى النقيض من الجهود العديدة السابقة التي بذلتها موسكو لتحقيق أهداف سياسية في الغرب، لم يكن هجوم أوكرانيا مدفوعًا من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، والذي غالبًا ما استقطب نصيب الأسد من الاهتمام الغربي. وبدلًا من ذلك، تشكل هذا الهجوم منذ البداية من خلال إبراز القوة العسكرية على الطراز القديم: أولًا من خلال حشد قوة ساحقة على الحدود، ثم استخدام هذه القوة بسرعة وكفاءة أمام أنظار العالم.

دولي

منذ سنة واحدة
«ناشيونال إنترست»: كيف أخطأ الغرب في فهم أزمة روسيا وأوكرانيا؟

وأوضح التقرير أن بوتين، ومن خلال منحه الجيش مثل هذا الدور الحاسم، يعمل على تعزيز التحول الدراماتيكي الذي حدث في التسلسل الهرمي الأمني في الكرملين خلال العقد الماضي. وفي حين أن الجيش في السنوات السابقة لم يكن مشاركًا في صنع السياسة الروسية وظل تابعًا للأجهزة الأمنية، التي جاء بوتين نفسه من صفوفها، اكتسب الجيش في السنوات الأخيرة أهمية جديدة، ليس فقط في تفاعلات روسيا مع الدول المجاورة، ولكن أيضًا في كيفية تشكيل السياسات. وفي الوقت نفسه، اكتسب الجيش دعمًا شعبيًّا جديدًا في الداخل لم يكن يتمتع به في السابق.

وقد أصبح الجيش – بحسب التقرير- الآن مجهزًا بجيل جديد من التكنولوجيا ومدعومًا بمجمع صناعي عسكري يتمتع بقدرة متزايدة على الوصول إلى المجتمع الروسي، وبفضل نفوذه السياسي الجديد، برز الجيش بوصفه واحدًا من أهم المؤسسات في روسيا بوتين.

سيرجي شويجو: وزير دفاع قوي

وأوضح التقرير أن هذا التحوُّل يقوده أحد أكثر أعضاء الدائرة المقربة لبوتين طموحًا: سيرجي شويجو. وعلى الرغم من أنه لم يحظَ سوى باهتمام ضئيل نسبيًّا في الغرب، فإن شويجو هو أحد المطلعين في الكرملين منذ زمن بعيد وأصبح وزيرًا للدفاع في عام 2012.  وعلاوةً على ذلك، على عكس جهاز الأمن الفيدرالي، الذي عانى من سلسلة من النكسات والإحراج في السنوات الأخيرة – بحسب الكاتب- حقق جيش شويجو نجاحات تمثلت في الاستيلاء على شبه جزيرة القرم في عام 2014 والتدخل في سوريا.

Embed from Getty Images

ويلفت التقرير إلى أن كل من يسعى إلى فهم السبب وراء استعداد بوتين لإطلاق العنان للقوات والدبابات والطائرات الروسية في هجوم بالغ الخطورة على أوكرانيا لا بد وأن ينظر أولًا إلى تحول المؤسسة العسكرية الروسية تحت قيادة وزير دفاعه القوي.

وأشار التقرير إلى أن الجيش الروسي، وعلى الرغم من أهميته في المجتمع الروسي، لم ينخرط كثيرًا في صنع القرار السياسي لما يقرب من قرنين من الزمان، لافتًا إلى أن الجيش لم يتمتع أبدًا بدور قوي داخل الحكومة خلال معظم القرنين التاسع عشر والعشرين، على الرغم من مكانته الاجتماعية بين الروس.

ونوَّه التقرير إلى أن بوتين عندما وصل إلى السلطة لأول مرة، وكان ضابطًا سابقًا في الاستخبارات السوفيتية، تمسَّك بالتقاليد السوفيتية المتمثلة في تفضيل الاعتماد على الأجهزة الأمنية، كما فعل في حربه الأولى، التي بدأت في الشيشان عام 1999، والتي كان يديرها جهاز الأمن الفيدرالي، خليفة جهاز الاستخبارات السوفيتية (كيه جي بي).

كما تطرَّق التقرير إلى المكانة التي كان يتمتع بها شويجو في موسكو بوصفه سياسيًّا مخضرمًا، وبروزه السريع إلى الصدارة في أوائل التسعينيات في وقت تفكك الاتحاد السوفيتي، بصفته حلَّال العُقَد، وأصبح وزيرًا لحالات الطوارئ، وهو منصب وزاري اخترعه هو نفسه.

وفي التسعينيات والعشرينيات، رسم شويجو صورة لنفسه بوصفه مسؤولًا شجاعًا وحيويًّا يزور كثيرًا مواقع الكوارث الطبيعية والتفجيرات (الإرهابية) مع فريق إنقاذ محترف من النخبة، حتى إنه قاد بعض عمليات الإنقاذ بنفسه، وفي ذلك الوقت، كان من غير المعتاد للغاية أن يرتدي أحد أفراد النخبة السوفيتية زيًّا ميدانيًّا ويتحدث إلى ضحايا فيضان في سيبيريا أو تفجير في موسكو، كما فعل شويجو. وجلب له فريقه للاستجابة السريعة شعبية بين كل من القيادة الروسية والروس العاديين.

ولفت كاتبا التقرير إلى أنه فيما يخص بوتين، فإن سجل شويجو الناجح وشخصيته العامة الكبيرة جعلته حليفًا طبيعيًّا، وسرعان ما وجده مفيدًا للكرملين خارج مهامه الطارئة. وفي عام 1999، اختار بوتين شويجو ليكون أحد قادة حزبه، روسيا المتحدة، مما أتاح له الفرصة للقيام بجولة في البلاد وبناء قاعدة سياسية، ولكن الأكثر إثارة للدهشة هو قرار بوتين في عام 2012 بتعيين شويجو وزيرًا للدفاع، فبوصفه مهندسًا بالتدريب، لم يخدم شويجو أبدًا في الجيش، ولم يكن يتمتع بسمعة طيبة بين التسلسل الهرمي العسكري، كما أن أسلوبه الفظ في القيادة لم يجعله محبوبًا من الحرس القديم.

Embed from Getty Images

ونوَّه التقرير إلى نهج شويجو فيما يتعلق بتفضيله ارتداء العسكريين الزي الرسمي، وأنه كان يغضب من رؤية الضباط وهم يلبسون البِدل، وكان يعتقد أن الضباط يجب أن يرتدوا ملابس المعركة، وليس الملابس المكتبية.

لكن الأهم من ذلك كان نهج شويجو فيما يتعلق بالإستراتيجية العسكرية والاستعداد للمعركة، ذلك أنه تبنى الابتكار العالي التقنية، وشكَّل قيادة إلكترونية ودمج القوة الجوية وقوة الفضاء في قوات الفضاء الروسية الجديدة، كما رفع رواتب الضباط، وفي الوقت نفسه، جعل من المستحيل تقريبًا على الشباب الروسي تجنب الخدمة العسكرية. ومع ذلك، كان هناك نجاحان عسكريان مبكران هما اللذين رفعا أسهم شويجو لدى الكرملين وساعد في كسب الجيش مكانة جديدة داخل الحكومة.

نجاح الجيش مقابل فشل جهاز الأمن

وقال كاتبا التقرير إن النجاح العسكري الأول لشويجو جاء في أوكرانيا، في عام 2014، عندما اندلعت ثورة الميدان الأوروبي في كييف ضد فيكتور يانوكوفيتش، رئيس أوكرانيا المدعوم من روسيا، فبعد أن فشل جهاز الأمن الفيدرالي في إيقاف المتظاهرين أو منع يانوكوفيتش من الفرار من العاصمة، لجأ بوتين إلى الجيش، وتحت قيادة شويجو، ضم بوتين شبه جزيرة القرم بسرعة وكفاءة. وأظهر شويجو أن الجيش يمكن أن ينجح حيث فشل جهاز الأمن الفيدرالي.

وبعد فترة وجيزة، أتيحت لشويجو فرصة أخرى لإظهار قوة الجيش، وكانت هذه المرة، في صراعٍ أبعد بكثير، في سوريا، حيث نجح في تحويل مسار المعركة لصالح نظام بشار الأسد الذي كادت المعارضة المسلحة أن تطيحه لولا تدخل الجيش الروسي، وكان التدخل في سوريا ناجحًا وشعبيًّا لدرجة أنه في عام 2019، نظَّم الجيش الروسي معرضًا متنقلًا ضخمًا للدبابات والبنادق وغيرها من المعدات العسكرية التي استولى عليها من معاركه في الأراضي السورية.

وفي غضون ذلك، بدأ شويجو يتمتع بميزانية عسكرية أكبر ومكانة متنامية في الكرملين. والواقع أن النجاحات في شبه جزيرة القرم وسوريا كان لها نتيجة مهمة أخرى: فقد جعلت النخبة الحاكمة أقرب إلى الجيش وساعدت في إطلاق مجمع صناعي عسكري روسي جديد. ومن المفارقات أن هذا التأثير كان مدفوعًا بالعقوبات الغربية المفروضة على النخبة الروسية بعد ضم شبه جزيرة القرم.

Embed from Getty Images

وبسبب هذه العقوبات التي ذكرها الكاتب، كان عديد من النخبة يخسرون الأموال والعقود في الغرب. ولتعويض تلك الخسائر، سارعت الدولة الروسية لمساعدتهم من خلال تزويد شركاتهم بعقود عسكرية ضخمة.

التوجه إلى كييف

خلال العام الماضي، وبحسب ما يشير التقرير، عندما بدأ بوتين في التخطيط لحملته في أوكرانيا، كان من الواضح أنه لم يعد يتطلع إلى جهاز الأمن الفيدرالي لقيادة الحملة، وبدلًا من ذلك، سيقود شويجو والجيش الذي جرى تحديثه هذه الحملة. والجدير بالذكر أنه عندما اجتمع مجلس الأمن الروسي عشية الهجوم، بدا الجيش أقرب إلى بوتين أكثر من مسؤولي مخابراته، وبدا شويجو واثقًا ومستعدًّا لقيادة روسيا في المعركة بعد أن أمضى معظم العقد الماضي في بناء الجيش وتحويله إلى قوة سياسية قوية.

العالم والاقتصاد

منذ سنة واحدة
«كل رجال الرئيس»! هكذا انتهى اقتصاد روسيا إلى «رأسمالية المحسوبية»

وفي الأسابيع التي سبقت الهجوم الروسي، شكك عديد من المحللين في أن بوتين سيشن بالفعل مثل هذه الحرب الاختيارية الواسعة النطاق، ولكن عسكرة المجتمع الروسي وإعادة تشكيل الجيش في عهد شويجو قدَّم إغراءً لا يقاوم لبوتين، وهو إغراء لا يمكن أن تبطئه مخاوف المخابرات أو الاعتبارات الدبلوماسية.

ويقول الكاتبان في ختام التقرير: والآن بعد أن بدأ الهجوم بعنف، أصبحت التداعيات الكاملة لإستراتيجية الكرملين العسكرية الجديدة واضحة، ولا يقتصر الأمر على تشكيل الحملة من جيش احتضن الحرب علانية، بل كلما كانت أكبر، كانت أفضل. ويقودها أيضًا شويجو، الرجل الذي لم يشهد حتى الآن سوى نجاحات ويفتقر إلى التدريب العسكري اللازم لفهم أن الانتصار في ميدان المعركة، مهما كان مثيرًا للإعجاب، يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى هزيمة سياسية أكبر.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد