قال نواف عبيد، وهو زميل زائر في مشروع الاستخبارات والدفاع في مركز بيلفر في جامعة هارفارد كينيدي للعلوم والشؤون الدولية، إن دعم قطر لتنظيم الإخوان المسلمين، الذي أثبت فشله في تقديم نموذج قابل للتطبيق في الحكم، يظل القضية الخلافية الرئيسية في أزمة الخليج التي اندلعت منذ أكثر من شهرين، حيث فرضت عدة دول عربية تقودها السعودية والإمارات حصارًا على قطر على خلفية اتهامات بدعم الإرهاب والتدخل في الشئون الداخلية لدول المقاطعة.

وقال عبيد في مستهل مقال نشرته مجلة «ذا ناشيونال انترست» الأمريكية: «الشهر الماضي، عدّلت مجموعة من الدول التي تضم السعودية ومصر والبحرين المطالب الـ13 التي كانت قد طرحتها على قطر منذ أكثر من شهر، وأصرت بدلًا من ذلك على ستة مبادئ. هذه المبادئ هي محاولة لإقناع القطريين بمكافحة التطرف والإرهاب، ومنع التحريض على العنف، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والامتناع عن دعم الكيانات غير القانونية».

وأضاف الكاتب أنه في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن المطالبة بالحث على قبول المبادئ كلفتة تصالحية من جانب الكتلة المناهضة لقطر، تبقى القضية الخلافية المركزية هي: دعم قطر لتنظيم الإخوان المسلمين. يدرك التحالف الذي تقوده السعودية ما أثبتته تجارب العديد من الحكومات الإسلامية منذ فترة طويلة: الإخوان المسلمون هم حركة معارضة لا تمثل شكلًا مستدامًا من أشكال الحكم، ولا تقدم سوى القليل من البرامج الاجتماعية والاقتصادية، وقد كان بعض أعضائها مرنبطًا بالعنف السياسي والإرهاب.

اقرأ أيضًا: «وول ستريت جورنال»: الصديقان ابن زايد وابن سلمان.. هل يجلبان الخير للشرق الأوسط؟

أسباب فشل التنظيم

إن تنظيم الإخوان المسلمين لم يحصل أبدًا على السلطة في مصر إلا لفترة
قصيرة بعد ما يسمى بالربيع العربي، حين ثبت أن التنظيم غير قادر  على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وتم الإطاحة بالرئيس المنتخب المنتمي للتنظيم من قبل الجيش بدعم شعبي.

بحسب الكاتب، فإن الأزمة الراهنة تنطوي على سياق جيوسياسي وتاريخي – ديني. تعتبر قطر جزيرة صغيرة يبلغ عدد سكانها 2.5 مليون نسمة (أقل من 10% منهم من السكان). وعائلتها الحاكمة، آل ثاني، تصل جذورها أيضًا إلى رجل الدين السلفي محمد بن عبد الوهاب، الذي تحالف مع الأسرة الحاكمة السعودية في القرن الـ18 لإنشاء أول دولة سعودية.

وأشار الكاتب إلى أن قطر، التي تغذّيها الرغبة في ممارسة النفوذ الكبير والشعور بأهميتها الخاصة، قد آوت منذ فترة طويلة قادة تنظيم الإخوان المسلمين، ودعمت محاولاته للاستيلاء على السلطة في مختلف الدول العربية. يذكر أن أمير البلاد السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وهو والد الأمير الحالي تميم بن حمد آل ثاني، قريب جدًا من الزعيم الروحي الحالي لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي، الذي عاش في قطر منذ عام 1961. وبالإضافة إلى ذلك، مولت قطر شبكة الجزيرة، التي وفرت منذ فترة طويلة منصة عالمية للقرضاوي وآخرين لتعزيز البيان السياسي الثيوقراطي للحركة.

استعرض الكاتب تاريخ التنظيم الإسلامي الذي تم تشكيله في مصر عام 1928، وانتشر عبر منظمات تابعة له في تونس والمغرب وسوريا والأردن وفلسطين وغيرها. ومع ذلك، ففي كل حالة تقريبًا، فقد ثبت أن التنظيم غير قادر على العمل بنجاح و / أو سلميًا ضمن النظم السياسية السيادية الراسخة. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ثلاثة عوامل:

أولًا: أدى تركيز التنظيم على الأيديولوجية الدينية على حساب الاقتصاد التنموي إلى عزل السكان العرب الذين يفضلون بشكل متزايد الحكم العلماني.

ثانيًا: أظهرت الخلافات الداخلية بين التنظيمات التابعة للإخوان تناقضات التنظيم التي جالت دون تقديم نموذج حكم متسق.

ثالثًا: لم يتمكن التنظيم من القضاء على الشكوك المتعلقة بصلته بالعنف المتطرف.

وفقًا للكاتب، فإن تنظيم الإخوان المسلمين لم يحصل أبدًا على السلطة في مصر إلا لفترة قصيرة بعد ما يسمى بالربيع العربي، حين ثبت أن التنظيم غير قادر حتى بدرجة تفوق نظام مبارك على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وتم الإطاحة بالرئيس المنتخب المنتمي للتنظيم من قبل الجيش بدعم شعبي. ومع قيام بعض عناصر الإخوان المسلمين بشن هجمات إرهابية ضد ضباط الأمن، وصف المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر تنظيم الإخوان المسلمين بأنه مصدر نشأة التنظيمات الإرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

اقرأ أيضًا: الإخوان العدميون: من ورق البنا لورق «البفرة».. ماذا تبقى من مشروع أستاذية العالم؟

لعبة سياسية خطيرة

فشلت التنظيمات التابعة للإخوان المسلمين إلى حد كبير في الحصول على السلطة في دول أخرى لنفس الأسباب التي عرقلت التنظيم في مصر.

في الأردن، حاول التنظيم (المعروف باسم جبهة العمل الإسلامي) أن ينأى بنفسه عن الإرهاب، إلا أن أربعة من أعضاء التنظيم حضروا جنازة أقيمت لأبي مصعب الزرقاوي – الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في العراق – وقد أدان مسئولون بارزون في الجبهة الضربات الجوية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش.

في فلسطين، فشلت حركة حماس، وهي جماعة تابعة أيضًا للتنظيم، في تأسيس نفسها ككيان سيادي فعال، ونفذت عددًا لا يحصى من أعمال العنف.

في تونس، اكتسب تنظيم الإخوان المسلمين السلطة لأول مرة بعد ما يسمى بالربيع العربي، لكنه اضطر إلى التنازل عن السلطة بسبب فشل سياساته الاقتصادية، والمقاومة العامة لأسلمة السياسة، واغتيال اثنين من السياسيين العلمانيين البارزين.

وأخيرًا، في المغرب، لم ينضم حزب العدالة والتنمية إلى السلطة التنفيذية إلا من خلال الابتعاد عن المبادئ المستلهمة من جماعة الإخوان المسلمين.

وفي حين لم تكن كافة تنظيمات الإخوان المسلمين مرتبطة بالإرهاب، إلا أن أفرع التنظيم في مصر والأردن مرتبطة بالإرهاب. تجدر الاشارة إلى أن تحالف الدول المقاطعة لقطر قد أدرجت تنظيم الاخوان المسلمين كتنظيم إرهابي، ومازالت الحكومة الأمريكية تناقش منذ عقود ما إذا كانت ستدرج التنظيم فى قائمة منظمتها الارهابية الخارجية أم لا. ومعظم الذين يعارضون الإدراج يدركون بحرية أنه كان مرتبطًا بالعنف، ولكنهم يقولون أن إدراج التنظيم في القائمة سيؤدي إلى عدم إحراز تقدم سياسي.

تابع الكاتب بقوله: «أما بالنسبة للسعوديين وحلفائهم، فإن قطر تلعب لعبة خطيرة ذات وجهين. فبينما يدعم القطريون الإخوان المسلمين من أجل الوصول إلى السلطة من خلال الديمقراطية، والتحدث باستمرار عن الديمقراطية باعتبارها مستقبل العالم العربي، إلا أنهم لم يفعلوا شيئًا لتعزيز الديمقراطية في بلادهم. يمكن للتحالف المناهض للقطر أن يرى هذه الحيلة على ما هي عليه: محاولة من القطريين لكسب نفوذ لا مبرر له في العالم العربي من خلال سيطرة الإخوان المسلمين على الحكومات الإقليمية».

واختتم الكاتب بقوله أن تنظيم الإخوان المسلمين فشل حتى الآن ولمدة قرن تقريبًا في تقديم نموذج للحكم يكون قابلًا للتطبيق، وهذا هو السبب الذي يجب من أجله أن يتوقف الدعم القطري الكبير للتنظيم. وكما أن الولايات المتحدة محقة في الضغط على الدول الأخرى لقطع الدعم عن تنظيم داعش والقاعدة ، فإن السعودية وحلفائها على حق في الضغط على قطر لوقف دعمها لتنظيم الإخوان المسلمين.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد