يثير موضوع صوم الأطفال في رمضان تساؤلات في هذا الشهر من كل عام، وحول تجربتها الذاتية مع ابنتها؛ كتبت آسيا شاكر، وهي أم لفتاتين وأخصائية أمراض الجهاز الهضمي للأطفال في أتلانتا، مقالًا في صحيفة «نيويورك تايمز» حول أجواء رمضان في أمريكا أثناء الحظر المفروض بسبب كورونا، وتجربة طفلتها ذات الأعوام السبعة مع صوم رمضان.
تقول الكاتبة في مستهل مقالها: بسبب حزني لافتقاد أجواء الاحتفال الجماعي برمضان، وجدت نفسي عالقة في مشكلة كنت أنا السبب في وجودها. فرمضان هو الجزرة التي أدليها أمام أعين ابنتاي عندما يحدقن طويلًا في الهدايا المكدسة تحت أشجار عيد الميلاد أو في سلال بيض عيد الفصح الملون.
وأخبرتهما بأن فوائد هذا الشهر لا تُبارَى، حتى بمقاييس الرياضيات، فرمضان يحتوي على 28 ليلة من الاحتفالات، يتبعها ثلاثة أيام من تبادل الهدايا. ولكن أثناء الجائحة، لا توجد تجمعات بعد غروب شمس يوم الصيام لتناول الإفطار، ولن يصطف المصلون جنبًا إلى جنب في صلاة التراويح. الصيام في عزلة أمر كئيب، على حد وصف الكاتبة.
في محاولةٍ لإضفاء الجاذبية على شهر رمضان في الحجر الصحي، استعانت الكاتبة بصفحات من الكتب الدينية الخاصة بابنتيها. من المؤكد أن قصص الأنبياء الذين يصلون في عزلة ستكون مصدر إلهام وإعجاب. لكن لا توبة يونس من داخل بطن الحوت ولا الوحي الذي هبط بالنصوص المقدسة على النبي محمد أو موسى أوجد مثل تلك الصلة.
استمعت الفتاتان، وهما في السابعة والرابعة من العمر، إلى أمهما وهي تروي القصص لبضع دقائق، ثم ما لبثتا أن انتقلن بسرعة إلى مهام أكثر جاذبية. ومع عدم وجود أصدقاء أو عصائر «كابري صن» لإبقاء الأمور مثيرة للاهتمام، كانت جهودها نسخة مخيبة للآمال.
«هل ستوقظيني لتناول السحور حتى أتمكن من الصيام؟»
تضيف الكاتبة: مضينا في طقوس الاستعداد لرمضان. علقنا الأضواء، ورتبنا ركنا للصلاة، وبسطنا مفارش احتفالية على مائدة الإفطار. جلست ابنتي البالغة من العمر سبع سنوات في زاوية المطبخ، تطوي قطع العجين المحشوة باللحوم في سمبوسة على شكل مثلث، كما فعلتُ أنا قبل عقود في مطبخ والدتي. وهي تقضم حافة سمبوسة هشة، سألتني بحماسة: «ماما، هل ستوقظينني لتناول السحور حتى أتمكن من الصيام أيضًا؟».
تكمل الكاتبة حكاية تجربتها: عادة ما أشجع ابنتي على أداء صلاة الفجر (عن طريق رشوتها بسوارات تويستي بيتز)، لكنها تفضل النوم في ذلك الوقت. لذلك ترددت لبعض الوقت، وأردت أن أرد بالرفض المباشر؛ فالصيام لمدة 15 ساعة أمر شاق للبالغين، وسيكون من المستحيل تقريبًا على طفلة. سألتُها وأنا مترددة، ولكن مع بعض الفضول، «لماذا تريدين الصوم يا بيتا؟».
أجابت: «لأنني يا أمي أريد أن أعرف ما يمكن أن أشعر به عندما لا يكون لدي طعام مثل الأشخاص الذين ليس لديهم طعام ويشعرون بالجوع!».
تقول الأم: باغتني ردها المتعاطف. كانت تتواصل مع عالم خارج عالم الوفرة الذي تعيش فيه. كطبيبة أطفال، رأيت الأطفال يميلون إلى الإيمان بالغيب عندما يواجهون تشخيصهم الطبي بمرضٍ يسحقهم عاطفيًا. وافترضتُ أن الصعوبات هي التي عجلت بتلك الروحانية المبكرة، والقدرة على تجاوز التدين الظاهري وتعزيز العلاقة مع قوة أسمى، مما يحفز البشر على المساهمة في الصالح العام الأكبر.
الصوم بدون تأمُّل روحي مجرد تجويع للجسد
يتابع المقال: صيام شهر رمضان من أركان العقيدة الإسلامية، إلا أنه ليس واجبًا على الأطفال. اضطررت إلى معالجة تحيزاتي قبل محاولة تقديم أي إرشاد روحي. لا أطيق رؤية بناتي يتألمن، وأبكي عندما تتلقيان تطعيمات روتينية. ومشاهدة طفلتي تتضور جوعًا سيكون مؤلمًا على نحوٍ خاص، وأي تهديد يفرضه الصيام على نموها البدني سيكون مرهقًا. لكنني لم أستطع تجاهل طلب ابنتي الصيام، فقد كان منطقها دليلًا على الروحانية الوليدة.
قالت الأم لنفسها إن تلبية احتياجات طفلتها الفسيولوجية سيكون أمرًا سهلًا، خاصة بعد أن أصبحا معًا طوال الوقت في الحجر الصحي. ومثلما تفعل مع مرضاها، قالت إن بإمكانها تعديل وجبات ابنتها لتكثيف قيمتها الغذائية، ومراقبة توازن السوائل لديها، وتعديله حسب وزنها ومتطلبات الطاقة أثناء فترات تناول الطعام.
وتكمل: قررت احترام قرار ابنتي بالامتناع عن الطعام والماء إلى المدى الذي تختاره، سواء كانت 30 دقيقة أو بضع ساعات أو طوال اليوم. ومع ذلك، فإن الصوم بدون تأمل روحيّ ليس سوى تجويع للجسد. وفي محاولة لتحفيز القدرة على التفكُّر، كتبت أنا وهي «محفزات التأمل» على قطع من الورق المطوية. ولفرط حماستها بشأن الطقوس الجديدة، كانت تبتهج لإمكانية بدء ملاحظة جديدة عند كل إفطار.
كانت المحفزات قصيرة، مثل أي شيء يجب أن يفصل بين الجوع والوجبة، لكنها تطرح أسئلة كبيرة: ما هو الشيء الجميل الذي سمعته أو فعلته اليوم؟ ما الذي تشعرين به أثناء الانتظار قبل تناول الطعام؟ ما هي بعض الأشياء التي فعلتها للتوقف عن التفكير في الطعام؟ ما هو أصعب شيء فعلته أثناء الصيام؟ هل من الأسهل أن تكون عطوفًا أو أن تكون خبيثًا عندما تشعر بالجوع؟
تكشف هذه الأسئلة عن دروس الصيام، التي لا تختلف عن دروس التغلب على الجائحة: إذا كنت تبحث عن الراحة أثناء المشقة؛ فستجدها، فالتأمل يجعل الأمور الدنيوية تكتسب سمة روحية، والصبر (وشغل الانتباه) يستلزم الممارسة، والعطف دائما خيار، حتى عندما تكون الأمور خارج سيطرتنا.
وتختتم الكاتبة الطبيبة مقالها بالإشارة إلى إمكانية الاستمتاع بفوائد رمضان التي لا تبارى حتى في ظل الحجر الصحي، وذلك من خلال: تبسيط الطعام على مائدة الإفطار، وتكثير حوافز التأمل في مكاننا الصغير داخل هذا العالم الكبير ومضاعفة فهمنا له.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».