يعتبر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من أقدم النزاعات في الشرق الأوسط الحديث. لعقود، ومنذ بدايته في عام 1948 إلى أوائل القرن الحادي والعشرين، سعت القوى الكبرى والصغيرة إلى إيجاد حل دائم للصراع. لكن في أعقاب الربيع العربي والقدرات النووية الإيرانية المتنامية، فإن أفضل ما تأمله معظم الدول هو ضمان التوصل إلى هدنة ووقف لإطلاق النار. وينطبق هذا بشكل خاص على قطاع غزة المضطرب، الذي يخضع لسيطرة حركة حماس منذ عام 2007. تتجه حماس نحو إقامة هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، لكن غزة لا تزال مركزًا للاشتباكات المنتظمة بين جيش الدفاع الإسرائيلي ومسلحين من غزة.

في هذه البيئة الفوضوية، تسعى معظم القوى الخارجية لتحقيق الاستقرار، بما في ذلك الخصوم التقليديين مثل مصر وقطر، بحسب ما وصف تقرير نشره مركز «ستراتفور» الأمريكي. لكن على الرغم من أن هذين المنافسين يعملان على منع اندلاع حرب أخرى في غزة، إلا أنهما يقفا على طرفي نقيض فيما يتعلق بحصار قطر الذي تقوده السعودية. وفي حال انهارت الهدنة، واندلعت حرب أخرى في غزة، فسوف تتسابق كل من الدوحة والقاهرة على إلقاء اللوم على الطرف الآخر، وفقًا للتقرير.

خيارات حماس الصعبة

نتيجة لغياب الدعم القطري، فقد انهار الاقتصاد الضعيف بالفعل في غزة وتم
تعليق جميع أعمال إعادة البناء منذ الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل في عام
2014.

كانت الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة سيئة للغاية منذ تولي حماس السلطة. لكن منذ قيام دول مجلس التعاون الخليجي بحصار الراعي الاقتصادي الرئيسي لغزة، قطر، في يونيو (حزيران) 2017، أصبحت الأمور سيئة بشكل خاص. تعاني المستشفيات والمدارس ومحطات الطاقة في غزة من نقص في التمويل، وذلك إلى حد كبير لأن قطر أوقفت المساعدات خوفًا من أن تنظر الولايات المتحدة – حليفتها الأساسية – إليها بوصفها دولة راعية للإرهاب.

ونتيجة لغياب الدعم القطري، فقد انهار الاقتصاد الضعيف بالفعل في غزة وتم تعليق جميع أعمال إعادة البناء منذ الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل في عام 2014. لم تجد حماس أي معونة كبيرة أخرى لأن تركيا وإيران لم يقدما الدعم المطلوب بسبب الأزمة الاقتصادية الخاصة بهما. وهكذا فإن لدى حماس مجموعة من الخيارات غير الجذابة: إما استعادة المساعدات الاقتصادية، ولكن التضحية بالحكم الذاتي من خلال التصالح مع منافستها حركة فتح، أو خوض حرب جديدة ضد إسرائيل وتحمل الخسائر المدنية في محاولة لوضع المسئولية على إسرائيل والمجتمع الدولي في تقديم هذه المساعدات.

تتوزع مساعدات الأونروا البالغة 300 مليون دولار بين قطاغ غزة الذي يستأثر بـ200 مليون دولار من هذه المساعدات، فيما تتقاسم كل من الأردن والضفة الغربية ولبنان وسوريا مساعدات بقيمة 100 مليون دولار-المصدر ستراتفور

تنسيق أمني لمصر ودعم اقتصادي لقطر

يقول التقرير إنه منذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق (وعضو جماعة الإخوان المسلمين المدعومة من قطر) محمد مرسي في عام 2013، كانت الحكومتان المصرية والقطرية في صراع حول دور الإسلام السياسي – والإخوان المسلمين – في مصر وبشكل أوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط. تسبب الخلاف في وجود ما يكفي من الانقسام الذي دفع القاهرة إلى الانضمام إلى الحصار الذي تقوده السعودية على قطر. لكن على الرغم من أن مصر تريد إبعاد النفوذ القطري، فإنها تجد نفسها تعمل على نفس الأهداف التي تعمل عليها قطر في قطاع غزة، وهو قطاع لا يريد أي بلد أن تندلع فيه معركة شاملة.

أشار التقرير إلى أن مصر وقطر ركزتا جهودهما على تحقيق الاستقرار في مختلف المجالات والتكامل. فمصر، على سبيل المثال، تعمل مع إسرائيل على الصعيد السياسي والأمني، وهما تنسقان عمليات إغلاق وفتح حدود قطاع غزة، وترسل مصر الوسطاء بعد الضربات الإسرائيلية على غزة لتسهيل التواصل مع حماس.

وفي الوقت نفسه، تركز قطر على الاستقرار الاقتصادي، وتعزز تعهدات المساعدات بمباركة الولايات المتحدة، التي قطعت المساعدات المقدمة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التي تدعم معظم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية في غزة. تحرص واشنطن على تشجيع الدول الأخرى – بما في ذلك قطر، التي تعهدت بتقديم 50 مليون دولار في ربيع عام 2017، للمساعدة في سد هذه الفجوة. (كما تعهدت الإمارات بـ 50 مليون دولار في حرب نفوذ خفية على من سيُنظر إليه على أنه الراعي الرئيسي للفلسطينيين بين العرب في الخليج، لكن التعهدات الأخرى للإماراتيين لم تكن واسعة النطاق مثل تلك الخاصة بالقطريين). وقالت قطر أيضًا إنها ستدفع تكاليف العديد من مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك جهود الكهرباء وتحلية المياه، التي تهدف إلى تحسين اقتصاد غزة وزيادة فرص نجاح وقف إطلاق النار.

وتريد القاهرة أن توافق حماس وإسرائيل على وقف طويل الأجل لإطلاق النار على طول حدود قطاع غزة مع مصر حتى تتمكن من استعادة النظام في سيناء، حيث يتحدى التمرد المستمر منذ سنين زعم عبد الفتاح السيسي بأنه الزعيم الوحيد القادر على الحفاظ على السلام في مصر. (وهذا مهم على وجه الخصوص للسيسي لدرء المنافسين المحتملين داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في البلاد). وبما أن السبب المباشر للعنف في غزة هو أزمتها الاقتصادية، فسوف تتسامح مصر مع برنامج الدوحة لتوطيد نفوذها طالما ظلت الأموال القطرية تتدفق إلى القطاع.

ماذا بعد؟

قال التقرير إنه من غير المرجح أن يؤدي الانحياز المصري والقطري إلى غزة إلى حدوث انفراجة في العلاقات بينهما بسبب الحصار الذي تقوده السعودية على قطر. بعد كل شيء، يمكن لمصر الحصول على ما تريد من قطر في غزة – أي المعونة الاقتصادية – من دون أن تتخلى عن موقفها فيما يتعلق بالحصار. في غضون ذلك، يمكن لقطر أن تحصل على التأثير الذي يأتي بمساعدة غزة دون إعطاء أي شيء لمصر.

في حال ترسّخت هدنة طويلة الأمد في غزة، قد تصبح المنطقة، في الواقع، مركزًا للمنافسة المتزايدة بين مصر وقطر، بالإضافة إلى قوى أخرى مثل السعودية والإمارات. إذا كانت قوى الحصار ترى قطر تعود إلى الظهور باعتبارها تمارس نفوذًا كبيرًا، فإنها ستشعر بأنها مضطرة إلى إيقافها، خاصة إذا كانت قطر أقرب إلى واشنطن – فالأمريكيون والسعوديون يضغطون على الولايات المتحدة لتبني موقفهم في الحصار. وتلتزم الإمارات بالفعل بتقديم المساعدات للأونروا كما تفعل قطر في محاولة واضحة لمنع الوكالة من التعرض للكثير من النفوذ القطري.

تبلغ إجمالي المساعدات المقدمة للأونروا 500 مليون دولار كانت الولايات المتحدة تتكفل بدفع 300 مليون دولار منها والاتحاد الأوروبي 200 مليون دولار-المصدر ستراتفور

لكن من الناحية الواقعية، من غير المرجح أن تكون هناك هدنة دائمة في غزة. يتم تحدي شرعية حماس من قبل النشطاء والجهاديين الإسلاميين المتطرفين، الذين يريدون جميعًا استراتيجية أكثر عدوانية ضد إسرائيل. وفي إسرائيل نفسها، يغضب رؤساء البلديات والمواطنين الجنوبيين من هجمات الحرق المتعمدة، ويشك الجمهور في أن حزب الليكود اليميني يقودها نحو المزيد من نفس التحديات.

إذا ظهرت صراعات جديدة، فسوف تسعى كل من قطر ومصر إلى تحقيق مكاسب من خلال إلقاء اللوم على بعضهما البعض في اندلاع العنف. بالنسبة لمصر، فإن النظر إليها باعتبارها ضامن أمني رئيسي لإسرائيل هو سبب رئيسي في أن تمدها الولايات المتحدة بالسلاح، لذلك فإن تحمل المسئولية عن هدنة فاشلة في غزة يمكن أن يهدد هذا الوضع المرغوب. بالنسبة لقطر، فإن النظر إليها باعتبارها غير فعالة في غزة قد يضعف علاقاتها الخاصة بالولايات المتحدة، والتي تعتبر مهمة لدرء الضغط السعودي وسط الحصار.

ومع وجود الكثير من المكسب والخسارة، فإن مصر وقطر ترغبان في الحصول على موافقة واحترام من إسرائيل، خاصة وأن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية كانت وثيقة الصلة في الآونة الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الجانبان يرغبان في فوائد الدعاية التي تأتي مع كونهم الراعي لغزة. بالنسبة لمصر، هذا الاعتبار محلي إلى حد كبير. إن شرعية السيسي ليست مدعومة فقط من خلال توفير الأمن للمصريين ولكن تهدف القاهرة أيضًا إلى حماية مصالح الفلسطينيين وأن تكون قوة دبلوماسية أساسية في الشرق الأوسط. بالنسبة لقطر، التي تضررت مكانتها الدبلوماسية بسبب الحصار، فإن النفوذ المتجدد في غزة هو فرصة لإثبات أنها شريك فعال للأصدقاء المحتملين في العالمين الإسلامي والعربي.

وتوقع التقرير أن تواصل قطر ومصر، على الرغم من الحصار، سعيهما لتحقيق الهدف المشترك لغزة هادئة. ولكن إذا انهارت الهدنة الهشة، فإن هذا التعاون سينتهي – وسوف يزداد الانقسام المصري القطري على نطاق أوسع.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد