في تمام الساعة 2:40 بعد الظهر في يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أصدر دونالد رامسفيلد أوامره إلى أحد مرؤوسيه في اجتماع ضمَّهما في ذلك اليوم. ومن بين أفكاره التي وُثِّقت خلال هذا الاجتماع:
- المعلومات الأفضل هي الأسرع.
- هذا جيد بما يكفي.
- الحكم بشأن هل كان هذا الأمر جيدًا بما يكفي.
- أن نضرب صدام حسين في الوقت نفسه وليس أسامة بن لادن وحده.
بالإضافة إلى:
- الأهداف القريبة المدى تحتاج إلى هجمات واسعة النطاق.
- انسف كل شيء.
- الأهداف ذات الصلة وغير ذات الصلة.
تعليقًا على وفاة دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ومهندس حرب العراق عن عمر يناهز 88 عامًا، كتب جون شفارتز تقريرًا نشره موقع «ذي إنترسبت» الأمريكي يكشف فيه عن الوجه الحقيقي لرامسفيلد، وهو الوجه الذي لا تتطرَّق إليه في العادة صحافة المؤسسة في الولايات المتحدة.
ويستهل الكاتب تقريره – الذي تتصدره برقيات رُفِعت عنها السرية لوزارة الدفاع الأمريكية إبان هجمات 11 سبتمبر – بلمحة عن رد فعل رامسفيلد فور وقوع الهجمات قائلًا: كان ذلك بعد أقل من ست ساعات من اصطدام أول طائرة بالبرج الشمالي لمركز التجارة العالمي، كان رامسفيلد حريصًا على «ضرب صدام حسين في الوقت نفسه». ولم يكن معنيًّا عناية خاصة بما إذا كان العراق أو أي جهة أخرى تتحمل مسؤولية الهجمات التي وقعت، بل أراد شن هجمات «واسعة النطاق» على الأهداف «ذات الصلة وغير ذات الصلة». بمعنى أنه رأى في مقتل الآلاف من الأمريكيين فرصة رائعة للقيام بكل ما تريده إدارة جورج دبليو بوش.
وفي تلك اللحظة، كان رامسفيلد يفعل أفضل ما فعله طوال حياته: تحويل معاناة الآخرين التي لا توصف إلى الغايات المرجوة له ولحلفائِه السياسيين. وُلِد رامسفيلد في مدينة شيكاغو عام 1932 ونشأ في الضواحي الثرية شمال المدينة. وبعد تخرجه في جامعة برينستون، خدم في البحرية لعدة سنوات، ولما بلغ الثلاثين من عمره، انتُخِب لعضوية الكونجرس عن ولاية إلينوي.
«الفريق ب» من إبداعات رامسفيلد
يشير كاتب التقرير إلى وجهة نظر ريتشارد نيكسون في رامسفيلد، حيث يتخيل قائلًا إنه يمكن سماع صوت الرئيس ريتشارد نيكسون في شرائط التسجيل التي تسجل اجتماعاته في مكتبه البيضاوي وهو يقول بإعجاب إن رامسفيلد «نذل صغير لا يرحم. وأنت تستطيع أن تكون واثقًا من ذلك». ووصف وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر رامسفيلد لاحقًا بأنه «هائل» و«ظاهرة خاصة بواشنطن: السياسي البيروقراطي الماهر المتفرغ الذي يمتزج فيه الطموح والقدرة والجوهر بسهولة تامة».
ونجا رامسفيلد من فضيحة ووترجيت ليخدم في الإدارة التي تلَت ذلك بصفته رئيسًا لموظفي الرئيس جيرالد فورد، وكان ديك تشيني نائبًا له. وفي سن 43، عُيِّن وزيرًا للدفاع – للمرة الأولى. وكان من أبرز أعمال رامسفيلد مشاركته في إنشاء وتعزيز «الفريق ب»، وهو مشروع خاص لوكالة المخابرات المركزية لتحدي تقديرات الوكالة للقوة السوفيتية.
توصل «الفريق ب»، الذي كان مليئًا بمنظِّري اليمين المتطرف، وكما كان متوقعًا إلى استنتاجات كانت مثيرة للقلق وخيالية إلى حد كبير: كان الاقتصاد السوفيتي ينمو بوتيرة سريعة، وكذلك أنظمة أسلحته، وكان مستعدًا لضرب الغرب في أي لحظة. وقال رامسفيلد نفسه في وقت لاحق، «كان من أهم الأحداث في حياتي هو الابتعاد الهائل في القوة من الولايات المتحدة إلى الاتحاد السوفيتي». يمكن الحكم على النزاهة الفكرية لـ«الفريق ب» وأخلاقياته من خلال حقيقة أن الاتحاد السوفيتي انهار واختفى في عام 1991.
ويشير الكاتب إلى أنه بعد هزيمة فورد في الانتخابات الرئاسية عام 1976 أمام جيمي كارتر، أمضى رامسفيلد معظم العقدين ونصف العقدين التاليين في أعلى المستويات في الشركات الأمريكية، حيث كان يدير عديدًا من الشركات الكبرى. غير أنه ظل ضالِعًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأشهر الأدلة على ذلك قيامه بعدة رحلات إلى بغداد للقاء الزعيم العراقي صدام حسين نيابةً عن إدارة ريجان، حتى في الوقت الذي استخدم فيه العراق الأسلحة الكيماوية خلال الحرب الإيرانية العراقية. ووفقًا لبرقية أمريكية رُفِعت عنها السرية بشأن أحد الاجتماعات، أظهر «صدام حسين سعادة واضحة» وأن الجلسة «كانت ذات فائدة أوسع لموقف الولايات المتحدة في المنطقة». وحذَّر صدام من أن غزو سوريا وإسرائيل للبنان أمر خطير، لأنه يعني «تشجيع الآخرين على مهاجمة الدول الأضعف واحتلالها. وقد ينتج عن ذلك فوضى وعدم استقرار». (والجدير بالذكر أن زيارات رامسفيلد الحميمة جرت بعد الجرائم التي أُدِين بها صدام وأُعدِم بسببها فيما بعد).
العودة إلى وزارة الدفاع
وأوضح التقرير أن رامسفيلد عاد إلى وزارة الدفاع مع انتخاب الرئيس جورج دبليو بوش. ومع عودة عديد من أفراد «الفريق ب» إلى السلطة، كان من المتوقع أن تتكون قضية الحرب مع العراق من أكاذيب هذيانية مماثلة – وقد كان. وأدلى رامسفيلد نفسه بأكاذيب على نحو متناقض في مقابلة أُجريت معه أواخر عام 2002:
«الطريقة الوحيدة التي يمكن بها العثور على (أسلحة الدمار الشامل العراقية)، من وجهة نظري، هي أن تعثر على أشخاص على صلة بهذه الأسلحة ويرغبون في التقدم إليك والتحدث بشأنها، وإبلاغِك عن مكانها. وآخر مرة دخل فيها مفتشو وكالة الطاقة الذرية، كان هذا بالضبط ما حدث. وانشق اثنان من أصهار صدام حسين، وذهبا إلى الأردن، وأعلنا ذلك، وذكرا أين يمكن لهؤلاء المفتشين أن يذهبوا، وذهب المفتشون وبحثوا، فوجدوا أسلحة دمار شامل».
يعلق الكاتب على تصريح رامسفيلد قائلًا إنه في الواقع، انشق اثنان من أصهار صدام وذهبا إلى الأردن في عام 1995. وبعد ذلك بمدة وجيزة، سلَّم العراق خبيئة من الوثائق كان يخفيها بشأن برامج أسلحة الدمار الشامل في الثمانينيات – ولكن لم يكن هناك أسلحة فعلية. وقال أحد العراقيين وهو حسين كامل، الذي أدار البرامج لوالد زوجته، للأمم المتحدة ووكالة المخابرات المركزية وحتى على شبكة سي إن إن، إن العراق لم يعد لديه أي أسلحة دمار شامل. وهذا، بالطبع، ما تبين أنه صحيح تمامًا. وهكذا فإن الدرس المستفاد من قصة رامسفيلد كان عكس ما زعمه تمامًا: يمكن للعراق أن يخفي بعض الأوراق عن المفتشين بنجاح، لكن سيكون هذا كل شيء.
وفي وقت لاحق، وفي مذكرات رامسفيلد التي تحمل عنوان المعروف وغير المعروف (Known and Unknown)، ادَّعى أن الولايات المتحدة كانت على حق فعليًّا بشأن قضية أسلحة الدمار الشامل. وقال جون نيكسون، وهو محلل بوكالة المخابرات المركزية استجوب صدام بعد أسْرِه، إنه كان مدفوعًا بـ«الهراء» الذي ورد في بعض الكتب مثل كتاب رامسفيلد لتأليف كتابه الخاص لتصحيح الأمور.
ويشير الكاتب إلى أن سجل رامسفيلد في القضايا الأخرى خلال سنوات بوش كان هو نفسه إلى حد كبير، حيث وافق على مذكرة تحدد طرق تعذيب السجناء المسموح بها، بينما سأل لماذا يجعلهم الجيش يقفون لمدة أربع ساعات فقط في كل مرة، نظرًا لأنني «أقف من ثماني إلى 10 ساعات في اليوم».
رامسفيلد وعلاوي
وفي عام 2006، امتدح رامسفيلد سرًّا إياد علاوي، الذي كان رئيس الوزراء المؤقت للعراق قبل بضع سنوات. وقال رامسفيلد إن علاوي «كان قويًا للغاية مثل الصلب… وكان رائعًا من حيث التعامل معه. ويمكنه اتخاذ قرار ما وطرْدِ بعض المتقاعسين من أجل تنفيذه، وشعرت بالرضا حيال ذلك». وكتب الصحفي سيمور هيرش أن علاوي كان يقوم بالقتل لصالح صدام خلال السبعينيات، وقتل منشقين عراقيين في أوروبا. كما ذكرت صحيفة نيويوركر أن هناك «شائعات مستمرة» تفيد بأن علاوي أعدم شخصيًّا سبعة سجناء قبل توليه منصبه في العراق.
وجاء سقوط رامسفيلد أخيرًا عندما خسر الجمهوريون السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب في انتخابات التجديد النصفي لعام 2006. وكان بوش بحاجة إلى أن يظهر كما لو كان يجري تغييرات، ولذلك ضحَّى برامسفيلد.
التقاعد في «جبل البؤس»
وألمح التقرير إلى أن رامسفيلد بعد تقاعده أمضى بعض الوقت في منزل عطلاته الذي يعود إلى ما قبل الحرب الأهلية الأمريكية في خليج تشيسابيك في ولاية ماريلاند. عرف ذلك المنزل باسم «جبل البؤس»، في اتساق مع تاريخه، فقد كان مملوكًا لمتخصص في «استئناس» العبيد العصاة. وأرسل فريدريك دوجلاس إلى هناك في سن 16 للعقاب ثم كتب لاحقًا: «لقد تحطمت بالكلية وتغيرت وغرقت في الحيرة؛ ودفعت إلى الجنون تقريبًا».
ويختتم الكاتب تقريره قائلًا: والآن رحل رامسفيلد. وقالت عائلته في بيان، «قد يتذكره التاريخ لإنجازاته غير العادية على مدى ستة عقود من الخدمة العامة… والنزاهة التي كان يتحلَّى بها طوال حياةٍ كرَّسها لخدمة الوطن». وهذا صحيح على الأرجح فيما يخص تاريخ المؤسسة. على سبيل المثال، لم تظهر أي من هذه التفاصيل بشأن رامسفيلد في النعي الذي نشرته للتو صحيفة نيويورك تايمز. ولكن على كل شخص آخر أن يتذكر حقيقة رامسفيلد – ونوع الشخص الذي تحتاجه للوصول إلى قمة السلطة الأمريكية.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».