توقعات
(1) لدى الجيش الأمريكي ميزات تكنولوجية كبيرة، لكن الأساس في أي قوة مسلحة هي نوعية موظفيها، التي تتحقق من خلال الاختيارات الجيدة والتدريب.
(2) القوى الكبرى والخصوم المحتملون للولايات المتحدة مثل روسيا والصين يقومون باطراد بتعزيز عمليات التدريب العسكري من أجل الحصول على ميزات تنافسية.
(3) على الرغم من أن الجيش الأمريكي سيواصل التباهي بتفوقه التدريبي في المستقبل (المنظور)، فإن الريادة المطلقة التي طالما ارتكز عليها تاريخيًّا لم تعد مضمونة.
(4) على المخططين العسكريين الأمريكيين أن يأخذوا في الحسبان حقيقة أن خصومهم في المستقبل سوف يكونون على مستوى أعلى من التدريب من أولئك الذين طالما واجهوهم في العقود السابقة.
تحليل
على مدار عدة عقود، اعتمد الجيش الأمريكي على تفوقه التدريبي لضمان النصر في حملاته العسكرية في جميع أنحاء العالم. بعيدًا عن الوطن، وخلال البعثات الخارجية المطولة، كان الافتراض السائد في التخطيط العسكري في مواجهة أي قوة معارضة في أكثر الأحيان يتجاوز مسألة الأعداد بشكل واضح. الثقة في أن القوات الأمريكية، وبالرغم من كونها أقل عددًا، غالبًا ما تكون أفضل تدريبًا من أعدائها كان واحدًا من مفاتيح ضمان النجاح، أو على الأقل درء الهزيمة.
ولكن التفوق المطلق للتدريب الذي يعتمد عليه الجيش الأمريكي منذ أواخر السبعينيات لم يعد مضمونًا، كما كان من قبل. روسيا والصين بدأتا تتعرفان إلى أهمية وقيمة امتلاك قوات عالية التدريب؛ فشرعتا في تجديد وتكثيف برامجهما التدريبية في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من أن أيًّا منهما لن تكون قادرة على تجاوز الولايات المتحدة في الهيمنة العسكرية التقليدية في أي وقت قريب، فإن على الولايات المتحدة أن تستعد لمواجهة خصوم أفضل تدريبًا من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية.
تقليص (سد ) الفجوة
مع عقود من الانتشار العسكري العالمي والحملات تحت لوائها، طورت القوات المسلحة الأمريكية أسسًا قوية للحرب المؤسسية. في المتوسط، وبالنظر إلى أي قوة في جميع أنحاء العالم، يمكن للمرء أن يجادل بأنه ليس هناك أي من الجنود والطيارين أو البحارة أفضل تدريبًا من نظرائهم الموجودين في الجيش الأمريكي أيًّا كان حجم المؤسسة. والواقع أن الجيل الحالي من الجنود الأمريكيين قد يكون جيدًا إلى الحد الذي يجعل منه الأفضل بين ما حظيت به الولايات المتحدة في أي وقت مضى.
ومع ذلك فقد بدأت روسيا والصين اللحاق بركبها. على مدى السنوات القليلة الماضية، اتخذت موسكو وبكين خطوات لإصلاح وتوسيع برامج التدريب العسكرية، وعلى حد سواء تبدوان مصممتين على الحفاظ أو حتى تسريع هذا الاتجاه في المستقبل.
في أعقاب الحرب الباردة، تدهور التدريب العسكري الروسي بسرعة كبيرة ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى نقص الموارد والاستثمار. ساهم التدريب متدني المستوى إلى حد كبير في الخسائر الكبيرة التي منيت بها القوات الروسية خلال حربي الشيشان، وبخاصة الأولى منهما. في مطلع القرن الـ21، حيث أصبحت المزيد من الأموال متاحة وأصبح القادة أكثر استعدادًا لتخصيص الموارد للجيش، بدأ تدريب القوات الروسية في التحسن باطراد. ورغم ذلك لا تزال القوة تعاني في أعقاب تركة كبيرة من المضايقات الكبيرة والفساد وعدم كفاءة الاعتماد على التجنيد الإجباري. لم تحدث نقطة التحول الرئيسية سوى بعد عدة سنوات حين أثبتت الحرب الروسية الجورجية بشكل مؤلم حاجة روسيا لمعدات أفضل، وبشكل أكثر إلحاحًا إلى مستوى أفضل من التعليم والتدريب.
الصين من جهتها، تعتمد في المقام الأول على إستراتيجية دفاعية إلى حد كبير من “الحرب الشعبية”، منذ ولادة جمهورية الصين الشعبية وحتى نهاية الحرب الباردة. وتعتمد هذه الإستراتيجية على الاستفادة من دعم السكان المحليين لهزيمة قوات مدربة بشكل أفضل ومجهزة بشكل جيد. وتحت نموذج الحرب الشعبية، بما يجمله من سمات الأيديولوجيا والالتزام المطلق، انخفض متوسط معدل الأداء التدريبي للجندي الصيني في الحروب التكنولوجية الحديثة مقارنة بمتوسط منظمة حلف شمال الأطلسي أو حتى الجندي السوفيتي. لكن القادة الصينيين راقبوا بشدة الحملات العسكرية الأمريكية في حرب الخليج والبلقان، وسرعان ما أدركوا أن جيشهم يحتاج للخضوع لتغييرات كبيرة حتى يكون بإمكانه الشروع في مواجهة القوى الكبرى شاملة الولايات المتحدة وحلفائها. ومنذ أواخر التسعينيات، فإن عقيدة إدماج التكنولوجيا الحديثة في منظومة التدريب الصيني قد زادت بشكل مطرد وخاصة في السنوات الخمس أو الست الماضية، حيث توسعت الصين بشكل كبير في برامج التعليم العسكري، وخطط التدريب والتمرين.
وعلى الرغم من وجود خلافات كبيرة بينهما، فإن القوات الروسية والصينية كانت في كثير من الأحيان تتدرب وتتعاون مع بعضها البعض. ويشارك الأسطولان حاليًا في مناورات البحر المشترك لعام 2015، وهي أكبر مناورات بحرية مشتركة في التاريخ. ومن المقرر أن تستمر حتى يوم 28 أغسطس (أمس). ويضم الحدث 22 سفينة حربية وغواصة وسفينة دعم محمولة في بطارية مائية مضادة للغواصات والطائرات.
مناورات البحر المشترك هي فقط لا تعدو كونها أحدث الأمثلة على النطاق الواسع للمناورات الروسية والصينية. كلا البلدين تجريان مناورات كبيرة واحدة على الأقل كل أسبوع تقريبًا. وفقًا للأرقام التي جمعها أتلانتيك كاونسل، فقد عقد الجيش الروسي ما لا يقل عن ست من المناورات العسكرية الكبرى التي تنطوي ما بين 65 ألفًا و 160 ألفًا من الأفراد بين بداية 2013 وحتى نهاية عام 2014. وفي الفترة نفسها كانت أكبر مناورات الناتو بالكاد تجاوزت 6000 فرد. في حين أن حجم التمرين بأي حال من الأحوال يحدد نوعية التدريب والتعليم، وحجم ونطاق وتيرة التدريبات الروسية يدل على نية موسكو الجدية. وبالنظر إلى الطريقة المؤسسية لهذه التمارين، فإنه لا يصبح بالإمكان تبسيطها أو تجاهل الإشارات الناجمة عنها. القوات الروسية، وخاصة القوات الخاصة والوحدات المحمولة جوًّا، قد أثبتت بالفعل على درجة كبيرة من الخبرة والاحتراف في النزاع الأوكراني.
وحتى لا تصبح خارج المشهد، زادت الصين بشكل كبير من جهود التدريب في السنوات القليلة الماضية، بناء على التحسينات التي أدخلتها منذ التسعينيات. في عام 2014، أكدت القوات الصينية تطوير تدريباتهم المشتركة في ظروف واقعية ومعقدة. في العديد من التدريبات ذات النطاق الواسع، عملت الوحدات الصينية من مختلف قطاعات الخدمة والمناطق العسكرية معًا ضد قوات معارضة باستخدام مكونات وتكتيكات خارجية. في هذا العام، قامت القوات البحرية في جيش التحرير الشعبي الصيني بزيادة التدريب البرمائي والساحلي. في يوليو/ تموز، شاركت في مناورات استمرت لمدة 10 أيام بالذخيرة الحية في بحر الصين الجنوبي والتي ضمت أكثر من مائة سفينة.
أصبحت غزوات البحرية الصينية وراء سلسلة الجزر الأولى أحد الأعمال الروتينية مع تزايد الدعاوى للتنسيق المشترك بين القوات البحرية والجوية. بدأت القوات الجوية بجيش التحرير الشعبي أيضًا في إدماج عمليات تدريب متنوعة مثل بناء “أسراب المعتدي” إضافة إلى عدد من عمليات التدريب غير المنصوصة. وقد منحت التدريبات المتعاقبة مع الجيوش الأجنبية رؤية قيمة للأفرع العسكرية الصينية، كما عززت من منهجيتها التدريبية. فمن غير المرجح أن الصين سوف تخفف الضغط من أجل تدريب أفضل في أي وقت قريب. وفقًا لأحدث تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية عن الصين، فإن المجموعة القيادية الجديدة في بكين لتعميق الدفاع والإصلاحات العسكرية تخطط لإقامة العديد من السياسات الجديدة، بما في ذلك رفع نسبة المجندين إلى الضباط، وإنشاء نظام قيادة مشتركة على مستوى العمليات. وتعزيز وضع ومسؤوليات الضباط غير المكلفين. ومن المرجح أن تنفذ هذه السياسات بالكامل بحلول عام 2020.
القوات الأمريكية تواجه خصوم صعبة في الفترة المقبلة
ويدق القادة العسكريون الأمريكيون ناقوس الخطر بخصوص المسائل المالية والتشريعية، وبخاصة تقليص عمليات الاستعداد والتدريب للقوات في السنوات الأخيرة. وفي حين أنهم على حق للقلق، فمن المحتمل أن الطبيعة التكيفية للغاية للقوات المسلحة الأمريكية سوف تخفف من الآثار السلبية للحصار الذي فرضه الكونجرس في واشنطن.
التهديد الأكثر إلحاحًا والأكثر تأكيدًا هو ما يتعلق باحتمالية أن تواجه القوات الأمريكية في صراعات في المستقبل خصومًا محتملين أفضل تدريبًا على نحو متزايد، ولا سيما القوات الروسية أو الصينية. على الرغم من أن الولايات المتحدة من المرجح أن تظل متمتعة بميزة التفوق التدريبي في المستقبل (المنظور). فقد حان الوقت للمخططين العسكريين أن يتوقعوا أن الأمر لم يعد مضمونًا على مدى أوسع. تظهر كل من روسيا والصين عزمًا على مواصلة الاستثمار في تطوير قواتهما. على الرغم من تزايد القيود المالية؛ وحتى إذا تم خفض الإنفاق العسكري في نهاية المطاف، فمن المرجح أن يستمر التدريب والتعليم ويكون له الأسبقية على غيره من المجالات. التدريب المتفوق وحده لا يمكن أن يضمن الفوز بالحرب، ولكنه يمكن أن يحدث فرقًا بين النجاح والفشل.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».