مع القتال المستمر والمتصاعد بين أرمينيا وأذربيجان حول جيب ناجورنو كاراباخ، وضع أردوغان بوتين في أكثر موقف صعب منذ سنوات.

قال الكاتب نيك والش على موقع شبكة «سي إن إن» الإخبارية: إن تركيا وروسيا بدا وكأنهما على وشك التحالف، فقد نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استقطاب أحد أهم أعضاء الناتو – الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. إنهما يتبادلان الاتصالات باستمرار، وقد استبعدت تركيا من برنامج صناعة مقاتلات إف-35 الذي تقوده الولايات المتحدة بسبب شرائها نظام الدفاع الجوي الروسي إس-400.

أين يقف بوتين وأردوغان من النزاع في ناجورني كاراباخ؟

يوضح والش أن الوضع قد تغير؛ فبعد اشتباكهما في سوريا، ودعمهما أطرافا متصارعة في ليبيا، وتنافسهما للاستفادة من انسحاب أمريكا الإقليمي، لم يعد بوتين وأردوغان يتواصلان بسرعة مع بعضهما البعض. في الواقع، مع القتال المستمر والمتصاعد بين أرمينيا وأذربيجان حول جيب ناجورني كاراباخ، وضع أردوغان بوتين في أكثر موقف صعب منذ سنوات.

أدى دعم تركيا الكامل للحملة الأذربيجانية – وربما نقلها مرتزقة سوريين لدعم أذربيجان، وهو ما تنفيه أنقرة رسميًا – إلى إحراز باكو تقدما سريعا ووحشيا. اقترحت أرمينيا إحياء صيغة المفاوضات القديمة، وطلبت دعم الولايات المتحدة وتعهدت بمواصلة القتال.

دولي

منذ سنتين
مترجم: ما موقف مصر ودول الخليج من الحرب المشتعلة بين أذربيجان وأرمينيا؟

لكن يبدو أنها تفقد بعض القوة. وعلى الرغم من أن القصف يصل إلى مناطق مدنية بوتيرة أكبر وأعمق من الجانبين – يشير والش – يسود صمت مطبق من موسكو. استخدم سمسار القوة الإقليمي، الذي يجاور أذربيجان ولكن لديه تحالف أمني رسمي مع أرمينيا، الدبلوماسية للمطالبة بإسكات المدافع، ومع ذلك، يبدو أن جهود موسكو لم تحقق نتائج بعد.

لماذا لا تتدخل روسيا؟

لا يبدو أن أرمينيا تتمتع بالقدرات التقنية لمضاهاة الطائرات بدون طيار ووتيرة الهجوم الأذربيجاني، وبدلًا عن ذلك تعمل على توسيع نطاق الصراع، كما تزعم أذربيجان، من خلال قصف مدنها الرئيسة. هذه هي اللحظة التي كان الكرملين تقليديًا يهدد فيها الجميع مرة أخرى بالنظام القديم الراسخ، مذكرًا الجيران من كان الرئيس طوال العقود السوفيتية. لكن موسكو لم تفعل – يستدرك والش – والسبب غير واضح.

خلال نهاية الأسبوع، تحدث بوتين إلى مجلس الأمن عبر الهاتف، وبحلول ظهر الإثنين، تحدث عن هذه القضية مع رئيس طاجيكستان – في مسعى لمنع حدوث حريق إقليمي.

Embed from Getty Images

هناك حجة مفادها أن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الذي وصل إلى السلطة بعد ثورة ناعمة في عام 2018 تطالب بإصلاحات على النمط الغربي، كان بالضبط نوع الحليف الذي تكرهه موسكو. غازل باشينيان بحذر الاتحاد الأوروبي، مع حرصه على العلاقات الاقتصادية العميقة لبلاده مع روسيا. لذا فإن تجاهله ربما يكون عقابًا على سياساته. دعونا لا ننسَ أن روسيا غزت شبه جزيرة القرم الأوكرانية بعد أن سعت الأخيرة في عام 2014 لإقامة صداقة مع بروكسل.

لكن هذه الرسالة – عن ثمن الولاء غير الملائم لروسيا – ربما سمعتها أرمينيا بالفعل. الرسالة الإقليمية الأوسع نطاقا هي يبدو أن حليف تركيا ينتصر. إنها حسابات محفوفة بالمخاطر بالنسبة لروسيا – يؤكد والش – فقد يؤدي ميل أرمينيا نحو الاتحاد الأوروبي إلى خروجها من هذه الأزمة أكثر غضبًا من رئيس وزرائها الموالي للغرب، بدلًا من لعن حليفها التقليدي الذي تركها تواجه مصيرها.

ثمة حجة أخرى هي أن ناجورني كاراباخ – منطقة جبلية تقع داخل حدود أذربيجان وتبدو حالة شاذة محيرة على الخريطة – ليس لها ببساطة قيمة إستراتيجية كافية لموسكو لتهتم بها. ومع ذلك – يضيف والش – فإن أرمينيا هي أحد الأصول التقليدية للكرملين، حيث بيعت المزيد من الأسلحة بأسعار مخفضة لعضو منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، على الرغم من غضب أذربيجان الغنية.

بوتين لن يتدخل إلا وفق رغبته

كان من المقرر أن تجري منظمة معاهدة الأمن الجماعي مناورات هذا الأسبوع في بيلاروسيا – تسمى الأخوية غير القابلة للتدمير – لكن أرمينيا قالت يوم الإثنين إنها ستنسحب بسبب الحرب. من الواضح أن أرمينيا لم تسقط عن رادار بوتين الأمني، فقد تحدث باشينيان عبر الهاتف مع بوتين عدة مرات وسط الأزمة.

في الغرب هناك ميل للاعتقاد بأن كل شيء حول بوتين يحدث وفقًا لرغبته. السرد التقليدي هو أن رئيس الكرملين الخبير في الجودو يتفوق على خصومه، بمرونة أكبر، وضوابط وتوازنات أقل، وخطط جيوسياسية أطول من الديمقراطيات التي تعارضه. ترى روسيا أزمات تنشأ، فتسارع إلى تطويقها بإجراءات حاسمة، في حين تعبر الولايات المتحدة أو أوروبا ببساطة عن مخاوفها بأقوى العبارات الممكنة.

ومع ذلك – ينوه والش – يتدخل الكرملين كثيرًا مؤخرًا. لدى موسكو حاليًا قوات (بالوكالة) في أوكرانيا وسوريا وليبيا (وفقًا لمسؤولين أمريكيين). كما اضطرت إلى إرسال دعم طارئ إلى الديكتاتور البيلاروسي المحاصر ألكسندر لوكاشينكو، من دون الإعلان عن نطاقه وشكله. هذه أربع أزمات منفصلة، وكلها ما زالت حية. فهل لدى الكرملين الموارد أو الجرأة لأزمة خامسة؟

Embed from Getty Images

لن يكون انخراط روسيا عسكريًا في نزاع ناجورنو كاراباخ أمرًا سهلًا. لديها قواعد في يريفان وجيومري بأرمينيا، ولكن سيتعين عليها نقل رجال وعتاد إضافيين أو استجداء جورجيا للعبور البري. إضافة إلى ذلك، فات الوقت. يبدو أن الأذربيجانيين لهم اليد العليا من الناحية الفنية والإستراتيجية.

كما أن وضع بوتين داخليًا ليس مستقرًا تمامًا. لقد تعافت تقييماته في استطلاعات الرأي مؤخرًا بشأن مكافحة كورونا والاستياء السياسي المحلي، ولكن لا يزال الاقتصاد الروسي في مأزق. وقد اتُهم من جانب ألمانيا بتسميم أبرز معارضيه. وازدادت الاحتجاجات. وبيلاروسيا بعيدة كل البعد عن الاستقرار. فهل الآن هو الوقت المناسب لمغامرة عسكرية جديدة مفتوحة النهاية؟ يتساءل والش.

ومع ذلك فغياب موسكو يثير الدهشة مثل غياب الولايات المتحدة. تقليديا، كان الوجود الأمريكي يحفظ استقرار منطقة القوقاز المضطربة، لكن أول رد لواشنطن على مناوشات ناجورنو كاراباخ هو اتصال نائب وزير الخارجية ستيفن بيجون بوزيري خارجية البلدين المتصارعين. في الأسبوع الماضي، صرح وزير الخارجية مايك بومبيو لشبكة فوكس نيوز: «نحن لا نشجع على تدويل هذا الأمر. نعتقد أنه يجب على الغرباء عدم التدخل في الأزمة. ونحث على وقف إطلاق النار». في الأساس، الولايات المتحدة ليست مهتمة، وهي مشتتة.

ما سيكون لافتًا للنظر في تبجح تركيا المتزايد وتوسع نفوذها الإقليمي هو ما إذا كانت روسيا مشتتة وغير مهتمة أيضًا.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد