الاتحاد الأوروبي يخاطر بمكانته التي قد تصبح غير مهمة في الصراعات التي تدور في جواره الأوسع.

كتب نيكو بوبيسكو، مدير برنامج أوروبا الأوسع في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، مقال نشرته صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية تناول فيه مسألة وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان في صراعهما بشأن إقليم ناغورني قره باغ. ويرى الكاتب أن الفائزَيْن في هذا الصراع هما روسيا وتركيا، في حين يبدو الاتحاد الأوروبي غائبًا تمامًا عن أحداث كبرى تدور في جواره الجغرافي.

وفي بداية مقاله ذكر الكاتب أنه بعد ستة أسابيع من القتال حول منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليها – وعدد من عمليات وقف إطلاق النار الفاشلة – توسَّطت روسيا في اتفاق بين أرمينيا وأذربيجان وعلى الأرجح سيُكتب لهذا الاتفاق الاستمرار والصمود.

ومع إعادة تجميد الصراع رسميًّا الآن أسفر الوضع عن فائزَيْن واضحيْن هما روسيا وتركيا، وهما اللتان استعرضتا عضلاتهما في المنطقة بينما جلس الاتحاد الأوروبي في مقاعد المتفرجين، ليبدو أنه كمٌّ مهملٌ على نحو متزايد في منطقة الجوار الخاص به.

وشدد الكاتب على أنه ما لم يُعد الاتحاد الأوروبي التفكير في إستراتيجيته في المنطقة، فسيكون مصيره الجلوس للمراقبة والانتظار بينما يتولى الآخرون المسؤولية ويُصرِّفون الأمور. كما أن هناك تشابهًا صارخًا بين الاتفاق الذي توسَّطت فيه روسيا مع ما اتَّفقتْ عليه أرمينيا وأذربيجان والمجتمع الدولي على أنه حل وسط معقول، بموجب ما يسمى بمبادئ مدريد قبل عقد من الزمان.

دولي

منذ سنتين
بعد حرب دامت شهرًا ونصف.. 5 أسئلة تشرح لك اتفاق أذربيجان وأرمينيا

التنفيذ بالقوة العسكرية

وأشار الكاتب إلى أن الفرق الرئيس بين الاتفاقين يتمثل في أن الاتفاق الحالي جرى تنفيذه بالقوة العسكرية، ولم يكن للدبلوماسيين أو السياسيين أي دور فيه. وكجزء من هذا الاتفاق، ستنشر روسيا حوالي ألفي جندي من قوات حفظ السلام؛ مما يضمن أنه سيكون لمنطقة ناغورني قره باغ خطوط اتصال برية بأرمينيا تحت حماية روسية، وسيكون لأذربيجان أيضًا خطوط اتصال وخطوط نقل عبر أرمينيا إلى جيب نخجوان الأذربيجاني تحت حماية روسية كذلك.

ولكن إذا كانت أذربيجان تبدو المنتصرة وأرمينيا هي الخاسرة، فإن الوضع سيغدو أكثر تعقيدًا بالنسبة لكليهما. وبالنسبة لباكو، هذه صفقة خاسرة أكثر من كونها انتصارًا. إذ حصلت أذربيجان على سبع مناطق حول ناغورني قره باغ، كانت تحتلها أرمينيا في السابق، وستحتفظ بمكاسب الأراضي التي حققتها في الجيب، لكن سيتعين عليها قبول القيود التي ستُفرض على سياستها الخارجية وأمنها في المستقبل.

Embed from Getty Images

موسكو تكتسب نفوذًا كبيرًا في أذربيجان 

ولفت الكاتب إلى أنه في ظل الوجود العسكري الروسي المنتشر على أراضٍ مُعترف دوليًّا بأنها أذربيجانية، وضمان أفراد الأمن الروس وصول أذربيجان إلى معقلها في نخجوان، اكتسبت موسكو فجأة نفوذًا أمنيًّا أكبر بكثير في البلاد.

وستبدو ناغورني قره باغ الآن أشبه بمناطق جورجيا الانفصالية، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية قبل عام 2008. ولطالما كانت المنطقتان الانفصاليتان في جورجيا بمثابة موضع صراع جيوسياسي؛ مما سمح لروسيا برفع درجة الحرارة الأمنية أو خفضها للتأثير على السياسة الداخلية والوضع الأمني ​​في جورجيا.

والآن انضمت أذربيجان إلى هذا النادي. وسيؤدي هذا إلى شهر عسل أذربيجاني روسي على المدى القصير، لكنه قد يصبح مصدرًا لعدم الاستقرار والضغينة مستقبلًا فيما يتعلق بالعلاقات بين موسكو وباكو.

وفي الوقت نفسه تحتفظ أرمينيا بالسيطرة الفعلية على جزء من ناغورني قره باغ، كما أن نشر قوات حفظ السلام الروسية على الأرض يجعل البلاد أقل عرضة للحرائق المستقبلية.

زيادة اعتماد أرمينيا على موسكو

وأوضح الكاتب أنه نتيجةً لذلك، تجد أرمينيا نفسها في موقف أكثر صعوبة والذي يتمثل في زيادة اعتمادها الكبير بالفعل على موسكو، حيث لا يمكن الدفاع عما تبقى من ناغورني قره باغ الذي يسيطر عليها الأرمن من دون مساعدة روسية. وتواجه يريفان الآن احتمال أن تدفعها روسيا بقوة أكبر لتقديم تنازلات مؤلمة في السياسة الداخلية أو الخارجية.

وفي النهاية، الفائزان الحقيقيان في التصعيد الأخير حول ناغورني قره باغ هما تركيا وروسيا. إذ أحكمت موسكو سيطرتها على أرمينيا وسياساتها الداخلية والخارجية. وأصبح لديها أيضًا نفوذ عسكري وأمني أكبر بكثير بشأن التطورات المستقبلية في أذربيجان.

دعاية للجيش والعتاد العسكري التركي 

ولدى تركيا أيضًا بعض الأسباب للاحتفال، إذ استعادت حليفتها أذربيجان مناطقها السبع، وجزءًا من ناغورني قره باغ، بفضل الدعم التركي إلى حد كبير. وحصل الجيش التركي، والطائرات من دون طيار ذات الصناعة التركية، على دعاية جيدة، وزيادة مصداقية تركيا باعتبارها قوة تدعم حلفاءها بالفعل (على عكس روسيا). وعلى الرغم من مناورات تركيا العسكرية الجريئة ظلت قدرة أنقرة وموسكو في البقاء على وفاق ثابتة.

Embed from Getty Images

ولا شيء مما سبق ذكره يُبشِّر بالخير لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية ومكانته الدولية. وأصبح صُنْع السياسة الخارجية في الجوار الأوسع للاتحاد الأوروبي يحمل طابعًا عسكريًّا على نحو متزايد. واللاعبون الرئيسون في المنطقة ليسوا دول الاتحاد الأوروبي. وبدلًا عن ذلك ترى تركيا وروسيا وأذربيجان الآن على نحو متزايد أن العمل العسكري الجريء وسيلة فعَّالة ومضمونة للنجاح من جنوب القوقاز إلى سوريا وليبيا.

وطالما استمر الاتحاد الأوروبي في التركيز حصريًّا تقريبًا على الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية لممارسة سلطته في الجوار، فسوف يستمر هذا الاتجاه.

كيف يمكن للاتحاد الأوروبي الخروج من حالة انعدام الأهمية

أكَّد الكاتب على عدم وجود طريقة سريعة للخروج من هذه الحالة من انعدام الأهمية بالنسبة للاتحاد الأوروبي. غير أنه إذا أرسل الاتحاد الأوروبي قوات عسكرية، وأقحم نفسه في كل مشكلة عسكرية تقع على حدوده، فستكون هذه طريقة أخرى ممكنة للمضي قدمًا.

وفي ختام مقاله ألمح الكاتب إلى أنه يجب على الاتحاد الأوروبي البدء في تطوير شراكات عسكرية، واستخباراتية، وشراكات أمن إلكتروني، مع عدد من البلدان حول حدوده الشرقية والجنوبية. ويجب أن يصبح قوة يمكنها أن تمارس نفوذًا في المجال الأمني​​، بالإضافة إلى نفوذه السياسي والاقتصادي. وعندئذ فقط، ومع مرور الوقت، سيكون صوت الاتحاد الأوروبي مسموعًا على نحو أفضل في الأماكن التي يجب أن يُسمَع صوته فيها.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد