نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تحليلًا للارا جيكس، المراسلة الدبلوماسية لمكتب الصحيفة في واشنطن، حول التصويت الذي ستجريه الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2022 حول استمرار العمل في معبر «باب الهوى» الحدودي بين تركيا وسوريا لدخول مساعدات الأمم المتحدة إلى اللاجئين السوريين؛ وتوضح الكاتبة أن نية روسيا تتجه إلى استغلال التصويت لصالح تحقيق فوائد في حربها في أوكرانيا، لا سيما فيما يتعلق بتخفيف العقوبات المفروضة من الغرب على روسيا بسبب الحرب.
وتستهل الكاتبة تحليلها بالقول: لا يزال هناك طريق واحد مفتوح أمام القوافل الدولية التي تنقل الماء والغذاء، وغيرها من المساعدات إلى أكثر من مليون سوري محاصرين في الحرب الأهلية؛ والآن، يحذر المسؤولون من أن روسيا قد تحاول إغلاق هذا الشريان أو استخدامه ورقة مساومة مع القوى العالمية في حرب أخرى، يستعر أوارها على بُعد حوالي ألف ميل في أوكرانيا.
اللاجئون السوريون: موجة نزوح جديدة
وقال دبلوماسيون وخبراء إن إغلاق الممر الواقع عند معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، سيجبر بالتأكيد آلاف الأشخاص على الفرار من سوريا، ولن يؤدِّي ذلك إلا إلى تفاقم أزمة اللاجئين في أوروبا والشرق الأوسط، وهي الأزمة التي تُعد بالفعل الأكبر في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وتوضح الكاتبة أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ حيث تمارس روسيا حق النقض بقوةٍ، سيصوِّت في يوليو (تموز) 2022 على استمرار فتح طريق المساعدة من عدمه؛ لكن يبدو أن الممر عالق بالفعل في تداعيات الحرب في أوكرانيا والمصالح المتضاربة بين روسيا والولايات المتحدة.
وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مقابلة هذا الشهر في واشنطن: «للحرب في أوكرانيا تداعيات واسعة النطاق على سوريا، وعلى المنطقة بأسرها والعالم»، وقال الصفدي إن الأردن يراقب بحذر ليرى كيف ستتعامل روسيا مع التصويت، وقال إن أكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون بالفعل في الأردن، وأن التوسط في اتفاق سلام في الحرب الأهلية السورية التي دامت 11 عامًا «سيحتاج بالتأكيد إلى اتفاق أمريكي روسي»، وتنقل الكاتبة عن الصفدي قوله أيضًا: «بالنظر إلى الديناميكية الحالية، يمكن أن تكون العواقب وخيمة من حيث الظروف المعيشية للاجئين والنازحين السوريين».
بوتين: فيتو لإغلاق الممرات الإنسانية
تلفت الكاتبة إلى أنه باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ساعدت روسيا في إغلاق ثلاثة ممرات إنسانية أخرى إلى سوريا في عام 2020 ولم توافق في العام الماضي على استمرار فتح ممر باب الهوى إلا بعد مفاوضات مكثفة مع الولايات المتحدة، ودافعت روسيا عن إغلاق الطريق بوصفه ضروريًّا للحفاظ على سيادة سوريا، ودفعت باتجاه توزيع المساعدات بموافقة نظام بشار الأسد بدلًا من توزيعها من خلال الأمم المتحدة.
وتضيف الكاتبة أن روسيا هي أحد رعاة نظام الأسد في الحرب الأهلية السورية، التي بدأت في عام 2011، وكانت المساعدات تذهب إلى حدٍّ كبيرٍ إلى المناطق التي يحتلها المتمردون، ويؤدي الطريق من باب الهوى إلى محافظة إدلب شمال غرب سوريا، ويُعد هذا الطريق أحد الجيوب الأخيرة من الأراضي التي يسيطر عليها الثوار في البلاد، وأصبحت المنطقة ملاذًا لتنظيم (متطرف) مرتبط بالقاعدة.
وتجري الآن حملة ضغط دولية تهدف إلى استمرار فتح الطريق، وتترأس الولايات المتحدة مجلس الأمن هذا الشهر وقد عقدت سلسلة من الاجتماعات تناولت محنة السوريين الذين أصبحوا بلا مأوى أو يحتاجون إلى مساعدة للبقاء على قيد الحياة، وقال نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي إن موسكو لم تقرر كيف ستصوِّت؛ لكن في مقابلة يوم الجمعة، قال إنه في ظل النظام الحالي، تعد المساعدات عرضة للمتطرفين – بحسب وصفه – في إدلب.
وقال «أنا لا أنكر أنها تذهب إلى اللاجئين أيضًا، لكن الجماعات (الإرهابية) تستفيد من ذلك»، مضيفًا أن من يسميهم بالـ(المتطرفين) هاجموا المساعدات المرسلة، ولن يناقش بوليانسكي المفاوضات لاستمرار فتح الممر، باستثناء القول إن المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة في حالة من الركود، في ضوء «الظروف الجيوسياسية الحالية». وقال: «بصراحة، ليس لدينا كثير من الأمور التي تجعلنا متفائلين في هذه المرحلة».
لكن ثلاثة دبلوماسيين أجانب قالوا إن روسيا بعثت بإشارات غامضة تشير إلى أنها قد تحاول استخدام التصويت للحصول على تنازلات في المواجهة بشأن أوكرانيا، وفرضت الولايات المتحدة والدول الأوروبية مجموعة متنوعة من العقوبات على روسيا لمعاقبة البلاد على غزو جارتها.
موسكو تسعى للتهرب من العقوبات
وبحسب الكاتبة، لم يصف الدبلوماسيون الإشارات بالتفصيل، وقالوا إن موسكو لم تصل إلى حد ربط مصير الممر بالحرب في أوكرانيا، لكنهم قالوا إنهم يعتقدون أن موسكو ستعتمد على الدول التي ستتأثر تأثرًا مباشرًا بموجة جديدة من اللاجئين لمساعدتها في التهرب من العقوبات، وتوقَّع أحد الدبلوماسيين أيضًا أن روسيا ستواجه الاتهامات بأن غزوها انتهك سيادة أوكرانيا من خلال إدانة قوافل المساعدات بوصفها انتهاكًا لوحدة أراضي سوريا، وعلى الجانب الآخر، قال دبلوماسي أمريكي كبير إن الولايات المتحدة ودول أخرى في مجلس الأمن سترسل «رسالة واضحة» إلى موسكو تحثُّها على عدم إغلاق الطريق، لكن ليس هناك ما يضمن أن هذه الرسالة ستكون موضع اهتمام، وتحدث جميع الدبلوماسيين بشرط عدم الكشف عن هويتهم لوصف المناقشات الداخلية.
وقالت شيرين تادروس، رئيسة مكتب منظمة العفو الدولية في الأمم المتحدة: إنه «لم يكن هناك اعتراف من الروس بأن باب الهوى حيوي حقًا، ونحن بحاجة إلى استمرار فتحه؛ لقد كان مجرد جزء من إستراتيجيتهم في تقليص المعابر تدريجيًّا، وكان هذا دائمًا خاضعًا لعدم الوفاء بالاتفاقات بصورةٍ كبيرةٍ». وأضافت شيرين: «هذا أمر محزن للغاية حقًّا، كيف يلعبون بحياة الناس».
وتضيف الكاتبة أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين تعيش في تركيا، حيث حذر المسؤولون لسنوات من أن الشتات يدفع البلاد إلى نقطة الانهيار، وتستعد تركيا لما قد تفعله روسيا، وفقًا لشخصين مطَّلعَيْن على المناقشات الداخلية تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما لوصف الأمر؛ وقال كلاهما إنهما يتوقَّعان أن يكون طريق باب الهوى جزءًا من المحادثات الدبلوماسية مع موسكو بشأن أوكرانيا.
وتشير الكاتبة إلى أن تركيا، العضو في منظمة حلف شمال الأطلسي، تزود أوكرانيا بالأسلحة ومنعت السفن الحربية الروسية من عبور الممرات المائية الإستراتيجية المؤدية من البحر الأسود؛ لكن هذا الشهر، أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أن بلاده ستعارض السماح للسويد وفنلندا بالانضمام إلى الناتو، مشيرًا إلى مخاوف أمنية، ولطالما طالبت موسكو التحالف العسكري بوقف توسِّعه باتجاه حدود روسيا.
المجر تعرقل حظر الطاقة الروسية
وأشارت الكاتبة إلى أنه في المجر، يعرقل رئيس الوزراء فيكتور أوربان حظر الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، وطردت المجر عشرات الآلاف من اللاجئين من سوريا ودول الشرق الأوسط الأخرى، ولكنها استقبلت أكثر من 600 ألف أوكراني هذا العام.
وحاول الأردن، الذي تربطه علاقات مع كلٍّ من روسيا والولايات المتحدة، تجنُّب الانجرار بعمق إلى المواجهة بشأن أوكرانيا، وبدلًا من ذلك تحث إدارة بايدن على إحياء المفاوضات لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا، وقال الصفدي إن الصراع في أوكرانيا أوجد «مزيدًا من الجمود».
وقال في المقابلة: «الوضع الراهن خطير من وجهة نظرنا؛ لأنه لا يزيد إلا من معاناة الشعب السوري»، والأردن واحد من دول عديدة في الشرق الأوسط استأنفت العلاقات مع نظام الأسد، على الرغم من رفض واشنطن.
وتقول الكاتبة إن الحرب الأهلية السورية أجبرت 5.7 ملايين شخص على مغادرة بلادهم، وفرَّ حوالي 6.7 ملايين أوكراني من بلادهم منذ الغزو الروسي، ومن المتوقَّع أن يتسبب نقص الغذاء العالمي الذي يلوح في الأفق، والذي نتج جزئيًّا عن تعطيل صادرات القمح من أوكرانيا وروسيا نتيجة للغزو، في مزيد من المعاناة، وقال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي للصحفيين في واشنطن هذا الشهر عندما سُئل عن العدد المتزايد للاجئين في أوروبا: «لنفترض أننا سنواجه أزمة إنسانية بسبب نقص الغذاء، عندها يمكن أن تصبح إدارة الوضع أمرًا صعبًا للغاية».
مقايضات روسيا مع الغرب
وبحسب الكاتبة قال الكرملين في بيانٍ يوم الخميس إنه سيساعد في تجنُّب نقص الغذاء إذا خفف الغرب عقوباته، وذكر البيان الذي صدر بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس فلاديمير بوتين ودراجي يوم الخميس أن بوتين «أكد أن الاتحاد الروسي مستعد لتقديم إسهام كبير في التغلب على أزمة الغذاء من خلال تصدير الحبوب والأسمدة، شريطة رفع القيود ذات الدوافع السياسية من جانب الغرب».
ووصل مئات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى إيطاليا خلال أزمة بلغت ذروتها في عام 2015، إذ فرَّ 1.3 ملايين شخص إلى أوروبا، وفي واشنطن، قال دراجي إن إيطاليا استقبلت ما يقرب من 120 ألف أوكراني هذا العام؛ لكنه قال إن عدد السوريين الذين بقوا في بلاده، بدلًا من الانتقال إلى مكان آخر في أوروبا، «ليس كبيرًا».
وتُذكِّر الكاتبة أنه في مؤتمر دولي للمانحين هذا الشهر في بروكسل، تعهدت الولايات المتحدة بإرسال ما يقرب من 808 ملايين دولار لدعم الاحتياجات الإنسانية في سوريا؛ وهي واحدة من أكبر الإسهامات الأمريكية منذ بدء تلك الحرب، وجمعت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة 6.7 مليارات دولار في المؤتمر لدعم سوريا هذا العام، وما بعده، رغم أنها طلبت 10.5 مليارات دولار لعام 2022 وحده.
وعند الإعلان عن المساعدة، قالت ليندا توماس جرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إن نقص الغذاء جعل المساعدات الإنسانية لسوريا «مهمة أهمية خاصة هذا العام»، ودون أن تذكر روسيا، وصفت ليندا تصويت يوليو على استمرار فتح طريق الإغاثة بأنه «مسألة حياة أو موت».
وقال بوليانسكي الدبلوماسي الروسي إن المعابر الحدودية الأخرى غير الرسمية إلى سوريا يمكن أن تسمح باستمرار تسليم المساعدات. وقال: «سيكون من الصعب إيصال مساعدات الأمم المتحدة عبر هذه النقاط بالطبع، لكن هذا لا يعني أن نقاط العبور هذه ستكون معطلة»، كما أدَّت هذه القضية إلى ظهور مقارنات بين دعم روسيا لحكومة وحشية في سوريا واعتداءات بوتين في أوكرانيا.
وتختتم الكاتبة تحليلها بمقوله السيناتور بوب مينينديز، العضو الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: «لا ينبغي لأي شخص تابعَ وحشية بوتين في سوريا على مدار العقد الماضي أن يُفاجأ بأنه سيجعل الأوكرانيين يتضورون جوعًا ويقصفهم؛ تمامًا كما جوَّع السوريين وقصفهم».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».