أعد بن فريمان، مدير مبادرة الشفافية في التأثيرات الأجنبية (FIFI) في مركز السياسة الدولية، وبراين شتاينر وليلى الريازي، الباحثان في المبادرة ذاتها، تقريرًا نشرته مجلة «جاكوبين» التي تُعَد صوت اليسار الأمريكي، عن الجهود السعودية لتحسين صورة المملكة في واشنطن بعد التوتر الذي شاب العلاقات بين الدولتين من جرَّاء خفض أسعار النفط، والحرب الأهلية في اليمن واغتيال كاتب العمود في «واشنطن بوست» جمال خاشقجي في تركيا. ويرى الكُتَّاب أن السعودية تسعى لتوسيع قاعدة دعمها بين القواعد الشعبية في الولايات الأمريكية وليس التركيز على العاصمة واشنطن فقط، وذلك من خلال استخدام شركات علاقات عامة يدفعون لها مبالغ هائلة.

وفي مطلع تقريرهم، أشار الباحثون إلى أنه في الأشهر الأخيرة، انتقل اللوبي السعودي على نحو متزايد من مركز جماعات الضغط التي تحاول التأثير في الساسة الأمريكيين (كيه ستريت) إلى الشارع الأمريكي؛ إذ بدأ هذا اللوبي العمل على نطاق واسع خارج بيلتواي في محاولة لدعم النظام الملكي الوحشي في المملكة. (بيلتواي هي المؤسسة السياسية في واشنطن العاصمة؛ بمن فيها من موظفين فيدراليين وجماعات ضغط ومستشارين ومعلِّقي وسائل الإعلام).

السفيرة ريما بنت بندر آل سعود

وألمح التقرير إلى تعيين الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، سفيرة السعودية لدى الولايات المتحدة، في موقع اتخاذ القرار. وفي أوائل مارس (آذار) 2020، بعدما اجتاحت جائحة كوفيد-19 العالم، انهارت أسعار النفط واندلعت حرب أسعار بين السعودية وروسيا؛ مما أثَّر تأثيرًا مؤلمًا في شركات النفط والغاز الأمريكية. وبعد انهيار أسعار النفط، وجَّه أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون من الولايات المُنتِجة للنفط سهام غضبهم نحو صدر السعودية مباشرةً. ودعونا ننسى تلك الحرب الأهلية في اليمن؛ ماذا إذن عن أرباح الوقود الأحفوري هنا في الداخل الأمريكي؟

ولمعالجة مخاوف هؤلاء الأعضاء الحانِقين على السعودية، وافقت السفيرة ريما على التحدث مع مجموعة منهم في مؤتمر عبر الهاتف في 18 مارس، ووجدت نفسها على الفور على خط النار، حيث وبَّخها سيناتور بعد الآخر من أعضاء مجلس الشيوخ بسبب دور المملكة في خفض أسعار النفط العالمية. وقال السيناتور تيد كروز صراحةً: «تكساس تنفجر غضبًا». وعندما حاولت السفيرة الرد، قال سيناتور ولاية ألاسكا دان سوليفان، «مع كل الاحترام الواجب، لا أريد أن أستمع إلى أي نقاط للحديث منكِ حتى تسمعين منا جميعًا. وأعتقد أن هناك أحد عشر أو اثني عشر سيناتور يحضرون المؤتمر».

Embed from Getty Images

وبالمثل، كان اللوبي السعودي في واشنطن في حالة شديدة من التخبط في رد فعله على الغضب المُستعِر في كابيتول هيل. وكانت هوجان لوفلز (Hogan Lovells)، وهي إحدى أكبر شركات الضغط لصالح المملكة في عاصمة البلاد، تقود الرد على ذلك الغضب؛ إذ أرسلت رسالة بريد إلكترونيٍّ إلى الموظفين في مكاتب أكثر من ثلاثين عضوًا في الكونجرس. وقد كانت الرسالة واضحة ولا يمكن أن تكون أوضح من أن تنص على أن: «السعودية لم ولن تسعى إلى الإضرار عمدًا بمنتِجي النفط الصخري في الولايات المتحدة».

جهود اللوبي السعودي لا تلقى آذانًا صاغية

غير أنه على ما يبدو لم تلقَ جهود اللوبي السعودي آذانًا صاغية، بحسب التقرير؛ إذ ظل بعض صانعي السياسة الأمريكيين الأكثر تعرضًا للضغط في واشنطن غاضبين من الرياض لخفض أسعار النفط. وحتى بعد أن اتصل أعضاء جماعات الضغط من هوجان لوفلز شخصيًّا أربع مرات بين مارس وأبريل (نيسان) بالسيناتور سوليفان، وفقًا لقانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA) الذي قدمته الشركة، دعا السيناتور إدارة ترامب إلى فرض رسوم جمركية على واردات النفط السعودية.

وهدَّد أعضاء جمهوريون آخرون في مجلس الشيوخ، كانوا قد دعموا سابقًا مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات للسعودية، إلى تقويض التحالف الأمريكي بأكمله مع السعودية. على سبيل المثال، حذَّر عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نورث داكوتا، السيناتور كيفن كريمر من أن «الخطوات القادمة للمملكة ستحدد مدى قابلية شراكتنا الإستراتيجية للإنقاذ».

السعودية

منذ سنتين
حلم قديم يتجدّد.. قصة ضغط اللوبي السعودي في واشنطن لحيازة سلاح نووي

ولم يكن هذا النزاع، الذي حدث الربيع الماضي بسبب انهيار أسعار النفط، النكسة الأولى التي تعرَّض لها اللوبي السعودي في واشنطن في السنوات الأخيرة. إذ بدايةً من الحرب السعودية الكارثية في اليمن إلى القتل الوحشي لكاتب العمود في «واشنطن بوست»، جمال خاشقجي، وتقطيع أوصاله في القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا، كان لدى الكونجرس أسباب كافية لإدارة ظهره لهذا البلد.

وربما ليس من المستغرب إذن أن يسعى الكونجرس، في سلسلة من مشروعات القوانين من الحزبين التي أجيزت في مجلسي النواب والشيوخ، إلى إنهاء المشاركة العسكرية الأمريكية في الحرب الوحشية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، ووقف مبيعات الأسلحة للمملكة. ولحسن حظ اللوبي السعودي، كان هناك الرئيس دونالد ترامب، الذي خطبَ ودَّه أفرادُ العائلة المالكة في السعودية منذ مدة طويلة بطرق شخصية خالِصة، بوصف ذلك شبكة أمان يوفرها لهم ترامب من خلال استخدامه حق النقض (الڤيتو) ضد هذه القوانين وحمايتهم من العقاب على جرائمهم العديدة.

ومع ذلك، وفي عام 2020، عندما اجتاح فيروس كورونا أمريكا، أصبح من الواضح على نحو متزايد أن احتمالات إعادة انتخاب ترامب كانت تتضاءل، ويتضاءل معها ضمان الحماية الأبدية. وهكذا نشأ السؤال: ما الذي يتعين على حكومة استبدادية، تنفق كثيرًا من الأموال من أجل الضغط، ولكن نفوذها متضائل في واشنطن، أن تفعل مع ازدياد احتمالية وصول جو بايدن للرئاسة ومجيء كونجرس ديمقراطي؟ واتضح أن الإجابة كانت نقل عملية التأثير من بيلتواي إلى قلب البلاد.

السعوديون يُولُّون وجههم شطر الولايات

أفاد التقرير بأنه منذ أن أصبحت الأميرة ريما سفيرة في فبراير (شباط) 2019، وجدت نفسها تقضي المزيد من الوقت مع أشخاص خارج بيلتواي، لا سيما في الولايات التي اشتهرت بعلاقاتِها العميقة مع السعودية. ومن ولاية مين إلى آيوا إلى ألاسكا، بدأت السفيرة السعودية حملة لمغازَلة الجمهور الأمريكي. وفي يوليو (تموز) 2020، تحدثت السفيرة في حدث افتراضي استضافته شراكة دي موين الكبرى ومجلس دي موين للتجارة الدولية وهيئة التنمية الاقتصادية في ولاية أيوا.

وكان من بين الحضور عديد من قادة الأعمال المحليين البارزين، مثل كريج هيل من مكتب مزرعة أيوا، وجاي بايرز، الرئيس التنفيذي لشراكة دي موين الكبرى. كما تضمن الحدث بعض القوة الضاربة المتواضعة؛ إذ ألقى هول ديلانو روزفلت، حفيد الرئيس فرانكلين دي روزفلت والرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال الأمريكي السعودي، كلمة. (بعد مدة وجيزة نشر مقال رأي في إحدى الصحف بولاية مين، يحث فيه صائدي الفُرَص المحليين على بناء علاقات مع المملكة).

Embed from Getty Images

ليس من المستغرب أن ينصب التركيز الرئيس لخطاب السفيرة ريما على «أهمية العلاقة التي استمرت 75 عامًا بين السعودية والولايات المتحدة». كما سلطت الضوء على التغييرات الرئيسة الجارية في السعودية، وذلك بفضل «رؤية 2030» لتلك الدولة، وهي خطة يرعاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نجل الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والقوة التي تقف وراء العرش هناك. وتهدف رؤية 2030، على الأقل من الناحية النظرية، إلى تحديث الاقتصاد المعتمد على النفط وتنويعه في السعودية.

وسرعان ما أصبحت مثل هذه العروض التقديمية التي تقوم بها السفيرة نموذجًا يُحتذى به. على سبيل المثال، قدَّمت حججًا مماثلة في وقت لاحق من عام 2020 إلى لجنة التوجيه والشبكات النسائية التابعة لغرفة تجارة سيوكسلاند في ولاية أيوا. ولم يقتصر الأمر على ولاية أيوا، إذ بدأت السفيرة بإلقاء كلمات مماثلة في جميع أنحاء البلاد. وفي يوليو (تموز)، تحدثت في حدث افتراضي استضافه مجلس الشؤون العالمية في ولاية مين، وحضره أكثر من سبعين عضوًا من مجتمع الأعمال في ولاية مين، وعضو الكونجرس الديمقراطي السابق، مايك ميشود.

وفي أوائل أكتوبر (تشرين الأول)، ألقت السفيرة السعودية خطابًا مرةً أخرى أمام قمة وايومنج العالمية للتكنولوجيا وبحضور أكثر من ثمانين من قادة الأعمال والسياسة. وكان من بين الحضور الحاكم مارك جوردون (الذي أهدته السفيرة قطعتين من المشغولات الفنية) وسينثيا لوميس، التي كانت ستُنتخب في مجلس الشيوخ في الشهر القادم. وفي وقت لاحق من شهر أكتوبر، تحدثت الأميرة إلى أكثر من خمسين من قادة الأعمال المحليين في مجلس الشؤون العالمية في ألاسكا.

العرض المتنقل للسفيرة

لفت التقرير إلى أن الجولة الترويجية للسفيرة ريما كانت ستستمر، بعد انتخابات الرئيس جو بايدن وتنصيبه. وفي أواخر يناير (كانون الثاني)، كانت السفيرة في مجلس الشؤون العالمية في دالاس، فورت وورث، وفي مارس (آذار) كانت في مجلس هيوستن للشؤون العالمية. وكما هو الحال دائمًا، يقتصر الحضور على قادة أعمال من المنطقة، بما في ذلك (لن تفاجأ بمعرفة ذلك) كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط.

السعودية

منذ سنتين
كابوس هجمات سبتمبر.. كيف خسر اللوبي السعودي أكبر معاركه في واشنطن؟

ومهما كانت القضايا المحلية التي قد تركز عليها السفيرة السعودية في مثل هذه المحادثات، كان تركيز السفيرة مُنصبًّا دائمًا على مدى روعة رؤية 2030 لمحمد بن سلمان ومدى أهمية تقوية العلاقة المستمرة منذ عقود بين البلدين. وكان القاسم المشترك في كل هذه الأحداث أن تنظيمها والترويج لها كان على يد وكلاء أجانب مُسجَّلين لدى السعودية.

وعلى الرغم من التأثير الظاهر، لم تكن مثل هذه الأحداث نتاج تخطيط دقيق من جانب الدبلوماسيين السعوديين أو السفيرة ريما نفسها. وبدلًا من ذلك، فعل السعوديون ما تفعله عديد من الحكومات الأجنبية لتوصيل رسالتهم. لقد استأجروا جماعات ضغط وشركات علاقات عامة. وفي هذه الحالة، كانت إحدى الشركات مسؤولة إلى حد كبير عن الطريقة التي ينشر بها السعوديون رسالتهم إلى ما وراء بيلتواي؛ وهي شركة «لارسون شاناهان سليفكا».

1600 نشاط من الشركة لصالح السعودية

أوضح التقرير أن «لارسون شاناهان سليفكا» تُعرف أيضًا باسم «LS2»، وتصف نفسها بأنها «شركة علاقات عامة وشؤون حكومية وشؤون عامة وتسويق من الحزبين، يقع مقرها الرئيس في مدينة دي موين بولاية أيوا». وتفاخر الشركة بمجموعة رائعة من العملاء، بما في ذلك «وول مارت» وشركة «فورد» لصناعة السيارات. غير أن ما يغيب عن موقعها على الإنترنت هو أي تلميح إلى حجم العمل غير العادي الذي قامت به لتعزيز السعوديين على المستوى الوطني الأمريكي منذ توقيع عقد مع المملكة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بقيمة 126.500 دولار شهريًّا.

وفي ملفات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب الخاصة بها، أبلغت تلك الشركة عن إجراء أكثر من 1600 نشاط سياسي لصالح السعوديين؛ أي أكثر من جميع الشركات الأخرى العاملة للسعوديين مجتمعة في عام 2020، وفقًا لتقرير سيصدر قريبًا عن اللوبي السعودي من مبادرة الشفافية في التأثيرات الأجنبية في مركز السياسة الدولية؛ حيث نعمل نحن.

Embed from Getty Images

أضف عاملًا آخر: على عكس الشركات الأخرى التي تمارس الضغط لصالح السعودية، يجرى عمل «لارسون شاناهان سليفكا» حصريًّا تقريبًا خارج واشنطن العاصمة. لقد وصلوا إلى مجموعة كاسحة على نحو ملحوظ من المؤثرين على مستوى الولاية والمؤثرين المحليين نيابةً عن العائلة المالكة السعودية، بما في ذلك شركات صغيرة، وسياسيين محليين، وشركات غير ربحية، ووسائل إعلام في بلدات صغيرة، ومعابد يهودية، وحتى طلاب المدارس الثانوية.

وسواء أدرك أيٌّ من هؤلاء الأمريكيين ذلك أم لا، فإنهم هدف لحملة تجتاحهم لمنح السعوديين نفوذًا محليًّا على المستوى الوطني، وبذلك يُمهَّد الطريق لحملة إعادة تأهيل العلاقات العامة السعودية في واشنطن العاصمة نفسها.

تكوين قواعد شعبية أمريكية لمملكة خليجية

ينوِّه التقرير إلى أن هناك نمطًا بسيطًا إلى حد ما للطريقة التي كان اللوبي السعودي يتودد بها إلى الولايات الأمريكية ليخطب بعد ذلك وُدَّ واشنطن العاصمة. أولًا، تُطلق «لارسون شاناهان سليفكا» حملة محلية، بما في ذلك مئات المكالمات ورسائل البريد الإلكتروني إلى المشرِّعين بالولاية والغرف التجارية وأساتذة الجامعات والشركات الصغيرة وأي شيء تقريبًا أو أي شخص يمكنك تخيله بين هذه الأهداف. وتخلق بعض هذه العلاقات بدورها فرصًا للحظات إعلامية مؤثرة، منها على سبيل المثال، عندما أجرى المتحدث باسم السفارة السعودية فهد ناظر – وهو وكيل سعودي سابق مسجل في قانون تسجيل الوكلاء الأجانب – مقابلات مع راديو «ساوث داكوتا العام» في أكتوبر الماضي، وبرنامج ميشيجان الكبير في فبراير (شباط).

وأدَّت أنشطة الضغط الأخرى إلى أحداث تواصل سعودية مهمة ودعوات على برنامج «زووم» من أجل مناقشات مراكز الأبحاث، أو منتديات الأعمال، أو حتى الحوارات بين الأديان. على سبيل المثال، عندما ألقت السفيرة ريما كلمة رئيسة تحت عنوان «محادثة جانبية» في قمة وايومنج العالمية للتكنولوجيا السنوية، قدَّم جون تيمتي، الذي يقود شبكة الأعمال التي تستضيف المنتدى، الأميرة وأدار مناقشة الأسئلة والأجوبة، وهو دور من المحتمل أن يكون قد رُتِّب في سياق المكالمات ورسائل البريد الإلكتروني الستة لشركة «لارسون شاناهان سليفكا» خلال الأسبوعين السابقين.

وبعد خمسة أيام، خاطبت السفيرة لجنة التوجيه والشبكات النسائية بالغرفة التجارية في سيوكسلاند، وقدَّمتها ليندا كالين، مديرة مركز مكافحة السموم في أيوا، وفرد اتصال آخر متكرر من «لارسون شاناهان سليفكا». وبهذه الطريقة، تواصل الشركة بفاعلية تحويل رواد الأعمال المحليين ومسؤولي الصحة العامة إلى سفراء مجتمعيِين للمملكة.

وعلينا أن نفهم هذا أيضًا: إن مثل هذه الأحداث ليست مجرد وسيلة للبيروقراطيين السعوديين للقاء قادة الأعمال المحليين. كما أنها توفر الفرصة المثالية لجماعات الضغط المدعومة من السعودية لبدء إعادة بناء العلاقات في واشنطن والتي تضررت من جراء هبوط أسعار النفط، والحرب الأهلية المدمرة في اليمن، ومقتل جمال خاشقجي. ضع في اعتبارك أن هذا هو الجزء الثاني من حملة تكوين قاعدة شعبية زائفة للمملكة، ومن أجل هذه الجملة تولَّت شركة «هوجان لوفلز»، إحدى مجموعات الضغط الرئيسة للسعوديين في واشنطن، زمام الأمور.

علاقة قديمة

أضاف التقرير أن علاقة شركة «لارسون شاناهان سليفكا» مع السعودية يمكن أن تعود إلى عام 1976 على الأقل، عندما وقَّعت سَلَف الشركة، وهي شركة «هوجان وهارتسون»، عقدًا مع المملكة لأول مرة. والآن، وبالإضافة إلى نشر انطباع مواتٍ للرواية السعودية عن الحرب الكارثية في اليمن، تعمل هذه الشركة على تحويل جهود «لارسون شاناهان سليفكا» الحكومية والمحلية إلى رأس مال سياسي في الكونجرس.

وتمضي الشركة مسلحة بملخصات متوهجة من صفحة واحدة لمثل هذه الحوارات من ولاية مين إلى ولاية ألاسكا، في الترويج لرؤية الدعم الأمريكي الشعبي للعلاقات الأمريكية السعودية داخل بيلتواي. وتسلط أوصاف الحدث التي ترسلها الشركة، الضوءَ على عديد من الأشخاص أنفسهم، الذين اتصلت بهم «لارسون شاناهان سليفكا» في البداية.

Embed from Getty Images

وتُصمَّم رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالشركة لكل مكتب من مكاتب الكونجرس الذي تتصل به، مع ذكر القضايا وأصحاب المصلحة المحليين ذوي الصلة بأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب المقصودين. على سبيل المثال، أشادت رسالة بريد إلكتروني أُرسلت إلى موظفي السيناتور الجمهوري، سوزان كولينز، من ولاية مين بمنتدى السفيرة ريما في يوليو في مجلس الشؤون العالمية في تلك الولاية، ووصفت اهتمام السفيرة بمعرض فني سعودي معاصر نظمته كلية بيتس (Bates College) المحلية، وأشارت إلى حضور عضو الكونجرس الديمقراطي السابق، مايك ميشود، الحدث.

وفي فبراير الماضي، بعد أن ألقت ريما كلمة أمام مجلس الشؤون العالمية في هيوستن الكبرى، أرسلت «هوجان لوفلز» بريدًا إلكترونيًّا إلى مكتب السيناتور الجمهوري، جون كورنين، لتأكيد ملاحظاتها بشأن التعاون الأمريكي السعودي في مجال الطاقة والتكنولوجيا واستكشاف الفضاء في الولاية التي يمثلها.

وأثناء وصف الجمهور في مثل هذه المنتديات المحلية على أنه يستجيب «بردود فعل إيجابية على نحو ساحق» لرسائل المملكة، يجرى دائمًا إغفال حقيقة أساسية واحدة: أن الأحداث نفسها كانت من تنظيم اللوبي السعودي. وعند قراءة الروايات البراقة عنهم، لا يكون لدى أعضاء الكونجرس وموظفيهم عادةً أي فكرة عن أن الاجتماعات – وليس فقط البيانات الصحفية التي يتلقونها – كانت نِتاج ذلك الضغط ذاته. وبعبارة أخرى، من خلال حذف مثل هذه التفاصيل، أطلق اللوبي السعودي على نحو فعَّال حملة خلق الانطباع الشعبي الزائف للتأثير في الكونجرس عندما يتعلق الأمر بالعلاقات المستقبلية مع المملكة.

النتائج

أكد التقرير أنه لا يوجد بالطبع جديد تحت الشمس بشأن جماعات الضغط هذه التي توظفها الدول الأجنبية التي تروج للتجارة مع الولايات المتحدة، أو أي شيء غير أخلاقي بالضرورة بشأن تعزيز مثل هذه العلاقات. غير أنه حتى في الوقت الذي روَّج فيه اللوبي السعودي بشغف لقصة وردية اللون عن اقتصاد المملكة المتنوع على نحو متزايد، وتوسيع حقوق المرأة، وفرص السياحة المثيرة (على الرغم من لحظة الجائحة)، يجب على صانعي السياسات ووسائل الإعلام التي تغطي ذلك أن يتذكروا أن مثل هذه الرواية هي، على أقل تقدير (ولنصف الأمر بأدب قدر الإمكان)، غير مكتملة.

السعودية

منذ سنتين
من أحداث سبتمبر لمقتل خاشقجي.. شركة اللوبيات التي لمّعت السعودية رغم كلّ شيء

وفي سياق خطة رؤية 2030 للأمير محمد بن سلمان، وعند تسويق الفرص الاقتصادية المستقبلية لمزارعي ولاية أيوا ومصنعي ولاية ساوث داكوتا وصائدي الفُرَص في ولاية مين، تتجاهل «لارسون شاناهان سليفكا» و«هوجان لوفلز» وغيرهما من الشركات المماثلة الجوانب الأكثر أهمية في العلاقة الأمريكية السعودية في اللحظة الحالية: المستويات المذهلة لمبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة والحرب المدمرة في اليمن التي يواصل الأمير محمد بن سلمان وفريقه خوضها واستهداف المعارضين السعوديين وجماعات حقوق المرأة، وتواطؤ محمد بن سلمان في القتل الوحشي لخاشقجي (كما اتضح مؤخرًا في تقرير استخباراتي أصدرته إدارة بايدن). وهذه عواقب حقيقية لشراكة غالبًا ما أفلتت من التدقيق الجاد، وكان يحميها الرؤساء السابقون لكلا الحزبين الأكثر اهتمامًا بحماية الوصول إلى النفط الرخيص والدفاع عن تعريفهم الخاص للإرهاب.

سراب آخر في الصحراء

ويرى الكتَّاب أنه من خلال تجنيد أعضاء المجتمع الموثوق بهم في جميع أنحاء الولايات المتحدة للمساعدة في الترويج لأفضل نسخة ممكنة عن المملكة، أعطى اللوبي السعودي لعلامته التجارية تألقًا محليًّا، مثل فطيرة التفاح الأمريكية. وفي الوقت الذي تدرس فيه إدارة بايدن والكونجرس مستقبل الشراكة الأمريكية السعودية، لا ينبغي الاستهانة بقيمة مثل هذه الصورة.

Embed from Getty Images

ونظرًا إلى أن المشرِّعين ينظرون على نحو أكثر تشككًا إلى الادِّعاءات القائلة إن المصالح الأمنية الأمريكية والسعودية لا تزال متوافقة، يَعِد اللوبي السعودي بالمشاركة في الأرباح المستقبلية في أوراق الحقائق المالية ورسائل البريد الإلكتروني التي تشيد بالعلاقات التجارية التاريخية بين ميشيجان والسعودية أو تصف المملكة بأنها «شريك الصادرات الأسرع نموًا لساوث داكوتا».

واختتم الباحثون تقريرهم بالقول: غير أنه في الواقع، حتى لو تحقق ازدهار اقتصادي مستقبلي موعود بين البلدين، فإنه لن يخفف من وطأة سلبيات عديدة لدى المملكة؛ من المجاعة الكارثية التي لا تزال تؤججها في اليمن، إلى انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان. ويجب على أعضاء الكونجرس والموظفين العموميين المحليين على حد سواء أن يكونوا على حذر. وما قد يبدو وكأنه عرض رائج للقواعد الشعبية لدعم المملكة، يمكن في الواقع أن يكون مجرد سراب آخر في الصحراء.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد