نشرت وكالة «بلومبرج» الأمريكية تقريرًا ترصد فيه ردود الفعل العالمية تجاه ابن سلمان في أثناء حضوره قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس، عاصمة الأرجنتين؛ إذ يتابع العالم بترقُّب ردود الفعل تجاه المملكة العربية السعودية وولي عهدها الشاب الأمير محمد بن سلمان منذ مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول.

تشير الوكالة إلى أنَّ مشاركة قادة المملكة العربية السعودية في مؤتمرات القمة العالمية عادةً ما تكون مشاركةً متواضعة؛ إذ يتركون الاستعراض العلني للآخرين.

لكن هذه المرة اتجهت جميع الأنظار صوب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي بعد أن قضى يومين مُتمترسًا داخل مسكنٍ سعوديٍ في حيٍ فخم بالعاصمة الأرجنتينية، ظهر أخيرًا لينضم إلى مجموعة القادة العشرين.

فبعد أن اعتاد تَوَدُّد الساسة الغربيين ونخبة رجال الأعمال إليه قبل أشهر قليلةٍ مضت بفضل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي روج لها في المملكة المحافظة، أصبح الأمير الشاب محور اهتمامٍ غير مرغوبٍ فيه نتيجة جريمة القتل الوحشية للصحافي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

سياسة

منذ 4 سنوات
«هآرتس»: هذه مكاسب تركيا إذا ساعد أردوغان ترامب على تبرئة ابن سلمان

كان خاشقجي ناقدًا لسياسات الأمير، وتُشير المعلومات الاستخباراتية التي سربتها تركيا إلى نظرائها مثل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى أنَّ الأمير كان له دورٌ في قرار قتله، وهو الأمر الذي تُنكره السعودية.

ويوضح التقرير أنَّ ولي العهد اضطر في قمة العشرين إلى الموازنة بين أمورٍ مختلفة. فمن جهة، احتاج الظهور من أجل إثبات أنَّه ليس منبوذًا على الساحة الدولية. ومن جهةٍ أخرى، أوضحت رغبته في التفاعل أنَّه كان عُرضةً للتوبيخ.

وفي النهاية، اختار عددٌ أكبر من المتوقع من القادة الظهور معه، حتى ولو كان ظهورًا عابرًا. وكان النفط أحد أهم نقاط الحديث. وشملت النقاط الأخرى محاولة إقناعه بتهدئة الحرب في اليمن، فضلًا عن إبقاء قنوات الاستثمار مفتوحةً.

شُوهد الأمير وهو يتبادل الضحك ويتجاذب أطراف الحديث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة الماضية 30 نوفمبر (تشرين الأول) 2018 خلال أحداث المؤتمر، وتبادل الاثنان التربيت على أكتاف بعضهما أثناء تصافحهما بقوةٍ، والابتسامات العريضة تعلو وجهيهما.

Embed from Getty Images

ابن سلمان وبوتين يتبادلان الضحك في اليوم الافتتاحي لقمة مجموعة العشرين.

أمَّا الرئيس الصيني شي جين بينج، فأفضى إلى الأمير بدعم الصين لجهوده في ما يتعلق بالتنويع الاقتصادي. ودعا إلى مزيدٍ من التكامل والتعاون في البرامج الاقتصادية الرئيسية للدولتين، وهي مبادرة الحزام والطريق الصينية ورؤية السعودية 2030.

لكن تشير «بلومبرج» إلى أنَّه رغم ردود الفعل تلك، يظل السؤال الذي يفرض نفسه هو ما إذا كانت الأيام القليلة الماضية قد غيَّرت أي شيء؛ إذ يضغط المشرعون الأمريكيون من الحزبين في الكونجرس على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتخاذ موقفٍ أقوى، رغم تجاهل ترامب الانتقادات الموجهة للأمير وإشادته به علنًا بسبب انخفاض أسعار النفط.

وفي أعقاب اللحظة العاطفية بين بوتين والأمير، كتب السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، الذي يُعَدُّ حليفًا دائمًا لترامب، على تويتر: «الطيور على أشكالها تقع … المكسب الوحيد من هذا العرض العاطفي: زيادة مجموع الأصوات المُؤيدة لتمرير مشروع فرض عقوباتٍ على محمد بن سلمان في مجلس الشيوخ».

وفي الوقت الذي تبادل فيه ترامب المجاملات مع ولي العهد، حرص البيت الأبيض على إبقائه بمنأًى عنه. وقال مسؤولٌ تحدَّث عن المشاورات الداخلية رافضًا الكشف عن هويته أنَّ الولايات المتحدة رفضت طلباتٍ من السعودية لعقد اجتماعٍ رسميٍ.

وعوضًا عن ذلك، عرضت الولايات المتحدة عقد الاجتماع بين ولي العهد ووزير الخارجية مايك بومبيو. لكنَّ السعوديين رفضوا ذلك، وعرضوا مشاركة وزير خارجيتهم عادل الجبير، بدلًا عن الأمير. وعُقِدَ ذلك الاجتماع في اللحظات الأخيرة، وبعيدًا عن أعين الكاميرات. وبدا الجبير سعيدًا بالمحادثات التي استمرت لساعةٍ من الزمن، واصفًا إياها بـ«المُثمرة للغاية». وصرَّح بومبيو لوكالة «سي إن إن» يوم أمس السبت بعدم وجود دليل يربط الأمير بمقتل خاشقجي.

لكن لم تمضِ جميع تفاعلات ولي العهد بالسلاسة نفسها. إذ قابله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوجهٍ عابس، ووقف ليُبادله أطراف الحديث باهتمامٍ لعدة دقائق. وأثناء اللقاء، شدَّ الأمير محمد على ذراع ماكرون كما لو كان يُطمئنُ صديقًا قديمًا.

Embed from Getty Images

ماكرون وابن سلمان يتحدثان سويًا خلال القمة.

ويذكر التقرير أنَّ مسؤولًا تحدَّث عن سبب توقُّف ماكرون للحديث مع الأمير قائلًا: «لن نلعب لعبة الغميضة. يجب أن نقول كل شيءٍ بصراحة، وبكل صرامة». وحسب تفريغٍ نصيٍ جزئيٍ للحديث بينهما، قال ماكرون لولي العهد في حديثهما: «أنت لا تستمع إليّ أبدًا»، وكان رد الأمير السعودي: «سأستمع بكل تأكيد».

وعلى نفس النهج، استغلت رئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي اجتماعها لحث الأمير على محاسبة المسؤولين عن وفاة خاشقجي. ويُذكر أن تيريزا عقدت سبعة اجتماعاتٍ ثنائيةٍ خلال القمة، وسمحت للمراسلين بحضور بداية الاجتماعات الست الأخرى. أما اجتماعها بولي العهد، فقد أصدر مكتبها صورةً وحيدةً له ظهرت فيها متحجِّرة الوجه وهي تُشيح بنظرها بعيدًا عن الأمير، بينما يُوجِّه هو نظراته إليها. في حين نشرت وسائل الإعلام السعودية لقطاتٍ للمُصافحة بين الاثنين.

وأعلنت وزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند فرض عقوباتٍ على 17 مواطنًا سعوديًا يوم الخميس الماضي 29 نوفمبر 2018، في حين تحدَّث رئيس الوزراء جاستن ترودو إلى الأمير محمد في مناسبتين يوم الجمعة، مُطالبًا إياه بتفسيرٍ موثوقٍ لمقتل خاشقجي، وناقش معه أسباب الأزمة الدبلوماسية المُستمرة منذ عدة أشهرٍ بين البلدين. وقال ترودو في تصريحه يوم أمس السبت: «ما زلتُ مقتنعًا أنَّ المحادثات الصريحة والمباشرة بين القادة أفضل من عدم الحديث».

ولا توجد مُؤشراتٌ تَدُل على اجتماع الرئيس التركي رجب طيب أردوجان بالأمير. إذ لم يُبلِغ أيٌ من الجانبين عن عقد أي اجتماع.

سياسة

منذ 4 سنوات
ابن سلمان يحب لقب الإسكندر الأكبر.. لهذه الأسباب لن يكون مثله

وعلَّق أحد القادة في ما بعد أنَّ الأمير محمد كان يتصبَّب عرقًا أثناء حديثهما، ووصفه بأنَّه يُرغب في إعادة تأهيل نفسه بحضور قمة مجموعة العشرين، دون أن يُقدِم على أي خطواتٍ ملموسةٍ لتنفيذ ذلك.

وفقًا للتقرير، أمضى الأمير محمد طوال الأيام التي قضاها بعد وصوله إلى الأرجنتين معظم وقته مُتمترسًا داخل محل الإقامة الرسمي، الذي تُحيطه أشجار خشب الورد وسط حي باريو باركي الفخم والهادئ. وأقام رجال الشرطة حواجزَ معدنيةً سوداء، وجابت دورياتهم المكان حاملةً البنادق الهجومية، في حين حملت السيارات السوداء من طراز مرسيدس المسؤولين السعوديين إلى داخل المبنى وخارجه.

وأقام مُعظم أفراد الوفد السعودي في فندق فور سيزونز القريب. حيث تهادى المساعدون داخل البهو ذي الإضاءة الخافتة، وتناولوا التمر أثناء شرب القهوة أو الشاي العربي.

ويضيف التقرير أيضًا أنَّ ولي العهد استقبل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي داخل محل إقامته يوم الخميس الماضي. ووصف وزير الخارجية الهندي فيجاي جوخال الاجتماع بأنَّه «اجتماعٌ ودود» ركَّز على فرص استثمار المملكة العربية السعودية في الهند. وناقش الزعيمان الحاجة إلى استقرار أسعار الطاقة.

Embed from Getty Images

اجتماع ابن سلمان وناريندرا مودي قبل القمة.

وتوضح «بلومبرج» أنَّ القضية الأخيرة هذه تعدُ سببًا مهمًا آخر لحصول الأمير محمد على هذا الحجم من التغطية في القمة؛ إذ قضت روسيا والسعودية العامين الفائتين في العمل على إدارة سوق النفط، وما يحدث في قمة مجموعة العشرين سيُحدِّد بشكلٍ كبيرٍ نتائج اجتماع أعضاء منظمة الأوبك وحلفائها الأسبوع المُقبل.

وتذكر الوكالة تصريحًا لبول سالم، رئيس معهد الشرق الأوسط، قال فيه معلقًا على القمة ومشاركة ابن سلمان: «قمة مجموعة العشرين ليست محكمةً قانونية، لكنَّها مساحةٌ يجتمع فيها القادة لإتمام المُعاملات التجارية. وبكل بساطة، تتمتع المملكة العربية السعودية بأهميةٍ كبيرةٍ تحول دون نبذها كما قد يحدث مع دولٍ مثل السودان أو سوريا. فضلًا عن أنَّ دورها اليوم في الحفاظ على انخفاض أسعار النفط له أهميةٌ عالميةٌ كُبرى».

وتابع سالم مُتحدِّثًا عن ولي العهد: «لم تُمثِّل قمة مجموعة العشرين مكسبًا أو خسارةً بالنسبة له. إذ لم يُحتفى به تمامًا، لكنَّه لم يُنبذ بالكامل في الوقت نفسه. وهذا يَدُلُّ أنَّ المصالح السياسية والاقتصادية ستظل تحظى بأهميةٍ أكبر من المواقف الأخلاقية، كما اتضح من تصرفات القادة غير الليبراليين الآخرين مثل بوتين وشي وترامب».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد