نشر مركز «ستراتفور» للدراسات الاستراتيجية والأمنية تقريرًا يستشرف التهديدات المستقبلية التي قد تواجهها العلاقات بين السعودية وقطر بعد الانفراجة الأخيرة التي أعقبت إنهاء الحصار على قطر.
في البداية، يتوقع التقرير أن تظل انفراجة ما بعد الحصار بين المملكة العربية السعودية وقطر هشة؛ وذلك لأن كثيرًا من العوامل الأساسية يمكن أن تفسح المجال لاستئناف التوترات بين البلدين، وفي 9 ديسمبر (كانون الأول)، زار ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قطر للمرة الأولى منذ أن أنهت الرياض في يناير (كانون الثاني) حصارها للدوحة الذي دام سنوات.
ولدى وصوله إلى العاصمة القطرية، تلقى الأمير ترحيبًا حارًّا من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانٍ، الذي استقبل ولي العهد السعودي بالأحضان على مدرج المطار، وتُمثل هذه الرحلة خطوة ملحوظة في مسار المصالحة في العلاقات بين السعودية وقطر، التي توترت في السنوات الأخيرة مع صعود الأمير محمد إلى السلطة والمقاطعة الخليجية التي تقودها السعودية لقطر.
السعودية وقطر.. دوافع الحصار
ولفت التقرير إلى أن السعودية بدأت بعد مدة وجيزة من تولي الأمير سلمان السلطة في عام 2016 توثيق تحالفها مع الإمارات العربية المتحدة، التي كانت تشاطرها المخاوف بشأن علاقات قطر الدافئة نسبيًّا مع إيران ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين، فضلًا عن استخدام الدوحة لإمبراطوريتها الإعلامية وعلى رأسها قناة الجزيرة في تسليط الضوء على المعارضة والأوضاع السياسية الداخلية السعودية والإماراتية.
وفي محاولة لإجبار الدوحة على عكس هذه السياسات أو التخلي عنها، حشدت السعودية والإمارات كلًّا من مصر والبحرين لقطع العلاقات الدبلوماسية والسفر والروابط التجارية مع قطر في عام 2017، وقدموا 13 مطلبًا للدوحة لتغيير سلوكها، وحتى إنهم في يونيو (حزيران) 2017 نظروا لوهلة في التدخل العسكري في قطر قبل تدخل الولايات المتحدة.
الحصار يفقد قيمته
وأضاف التقرير أن الحصار فقد قيمته على مدى السنوات الأربع التالية، ونما الاقتصاد القطري بالفعل مع تحول الدوحة في علاقاتها وروابطها التجارية، وحافظت الولايات المتحدة على تحالفها الوثيق مع قطر طوال مدة الحصار، الذي انتقده قادة الولايات المتحدة بصفته يُقوِّض تضامن مجلس التعاون الخليجي، ومن ثم الاستقرار الإقليمي العام، وأقامت القوات التركية قاعدة في قطر أيضًا، وفي الوقت نفسه، لم تستجب الدوحة لأي من المطالب الصادرة عن دول الحصار.
وفي أوائل يناير (كانون الثاني) 2021، قررت السعودية التخلي عن الحصار غير الناجح إلى حد كبير، وبدأت في استعادة العلاقات مع قطر لضمان وضع جيد مع إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الجديدة الأكثر تشككًا تجاه السعودية، ومنذ ذلك الحين، شرعت الإمارات والبحرين ومصر أيضًا في المصالحة مع الدوحة، دون ذكر مطالب الحصار.
ورجَّح التقرير أن تتحسن العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين السعودية وقطر على المدى القريب، ولكن مع عدم حل أي من القضايا التي تسببت في الحصار، فقد تتسبَّب بعض التطورات المختلفة في حدوث التوترات مرةً أخرى بين الرياض والدوحة، وربما تؤدي إلى قطع كامل آخر للعلاقات.
إيران أكثر عدوانية
وأوضح التقرير أن من بين هذه التطورات أن تصبح إيران أكثر عدوانية، لافتًا إلى أنه في حال فشلت جهود التقارب السعودية الإيرانية، فإن الرياض سوف تضغط على جيرانها، من بينهم قطر، لدعمها في استئناف نهجها المتشدد الذي يستهدف عزل طهران.
وبالإضافة إلى ذلك، وإذا فشلت المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران وأصبحت إيران أكثر عدوانية على الصعيد الإقليمي (وخاصة في الأماكن التي تتمتع فيها السعودية بمصالح حيوية، مثل اليمن والبحرين والعراق)، فسيكون رد فعل الرياض متمثلًا في تشديد موقفها من إيران وستتوقع من جيرانها أن يحذوا حذوها.
وفي كلتا الحالتين، ستحاول الرياض على الأرجح الضغط على الدوحة اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا للالتزام بالخط الإقليمي، ولكن نظرًا إلى التزام قطر الطويل الأمد بالحياد في التوترات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، فمن المحتمل أن تقاوم قطر هذه الجهود، الأمر الذي قد يؤدي إلى طريق مسدود وتصعيد سعودي محتمل يمكن أن يشمل قطع العلاقات الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية والعودة إلى الحصار الكامل، أو حتى التدخل السري أو العسكري.
عودة الإسلام السياسي
وانتقل التقرير إلى تطور آخر قد يؤثر في العلاقات حال حدوثه وهو عودة مفاجئة للإسلام السياسي، خاصة في دول الخليج العربي، مشيرًا إلى أن حركات الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، عانت من نكسات ملحوظة منذ 2012-2013، ولكن لا يزال بإمكان الحركة العودة إذا كانت هناك أزمة اقتصادية إقليمية في المستقبل.
ويمكن لجماعة الإخوان المسلمين أيضًا جذب مزيد من الدعم إذا حدث فراغ في السلطة في دول استبدادية مثل الأردن أو مصر (حال وفاة ملك أو رئيس مثلًا)، أو إذا أثارت الإصلاحات الاجتماعية في دول مثل السعودية رد فعل عنيف من المحافظين.
وإذا كانت الرياض تعتقد أن شرعيتها (أو شرعية أحد حلفائها مثل الأردن) مهددة بهذه العودة لحركات الإسلام السياسي، فمن المرجح أن تضغط على قطر مرةً أخرى من أجل قطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، والتي قد تصل إلى حد قطع الروابط الاقتصادية الثنائية، أو حتى قطع كامل آخر لتلك العلاقات إذا بدت الإسلاموية في وضعية قوية للغاية.
تغطية إعلامية غير مواتية
ونوَّه التقرير إلى أن الحالة الثالثة التي قد تتمثل في تغطية محرجة أو غير مواتية للشأن السعودي في الإعلام القطري، موضحًا أن سجل حقوق الإنسان في السعودية، وسجل الأمير محمد في الحكم، والفساد المتوطن في المملكة، كلها تُشكِّل موادًّا محتملة تتغذى عليها قناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام القطرية.
وقد تُحفِّز تغطية مثل هذه الموضوعات الرياض على العودة إلى الموقف المتشدد ضد قطر إذا نُظر إلى قصة معينة على أنها تجاوزت الخطوط الحمراء للسعودية، على سبيل المثال، من خلال توجيه النقد المباشر لأعضاء النظام الملكي السعودي (خاصة الأمير أو الملك)، أو التشجيع على مقاطعة الأحداث السعودية بسبب سجل حقوق الإنسان في المملكة، أو الإبلاغ عن كيفية قمع السعودية للمعارضة.
ومن المرجح أن تنتقم الرياض من مثل هذه التغطية غير المواتية، إما من خلال تبني وسائل الإعلام الخاصة بها تغطية انتقادية للدوحة أو عن طريق تقييد العلاقات الاقتصادية لمعاقبة قطاع الأعمال التجارية في قطر.
رئيس أمريكي جديد
وتطرَّق التقرير إلى التطور الرابع الذي يمثله وصول رئيس أمريكي جديد للسلطة، موضحًا أن العلاقات الأمريكية السعودية ظلت على حالها نسبيًّا منذ أن تولى الرئيس، جو بايدن، منصبه في يناير، ومع ذلك، أشار بايدن إلى أنه سيراقب سلوك الرياض الإقليمي أكثر من سلفه، وهو ما كان أحد العوامل التي وُضعت في الحسبان فيما يتعلق بقرار المملكة بالتخلي عن حصار قطر قبل مدة وجيزة من تنصيب بايدن.
ولكن إذا خلفت إدارة بايدن إدارة أقل تركيزًا على السلوك السعودي وحقوق الإنسان (سواء كان ذلك في عام 2024 أو 2028)، فقد يشجع ذلك الرياض على العودة إلى نهجها الأكثر عدوانية تجاه قطر، خاصةً إذا كان الأمير محمد هو الملك بحلول ذلك الوقت، لأنه لن يكون لديه ضوابط رسمية على سلطته، حسب ما يختم التقرير.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».