التحول الديمقراطي الذي أعقب 30 عامًا من الحكم العسكري على يد البشير تجاهل خطوط الصدع بين الأطراف المختلفة.
نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية تحليلًا للتطورات الجارية في السودان، موضحةً أن التناقضات بين مواقف الأطراف المختلفة في السودان تعرَّضت للتجاهل بعد إطاحة عمر البشير، الرئيس السوداني السابق الذي ظل في الحكم قرابة 30 عامًا، وأن التحول الديمقراطي في السودان متعثر للغاية، وهناك قوى خارجية تتدخل في دفع الجيش إلى التطورات الحالية.
وفي مستهل التحليل الذي كتبه بيتر بومونت، محرر الشؤون الخارجية في صحيفة الأوبزرفر البريطانية، والكاتب في صحيفة الجارديان، يوضح الكاتب أنه في عام 2019 وفي أعقاب سقوط الزعيم المستبد السوداني عمر البشير – الذي استولى على السلطة في انقلاب مدعوم من الجيش عام 1989 – كانت احتمالية حدوث انشقاقات في التسوية السياسية الوليدة في البلاد واضحة بالفعل، ولا تُخطِئها عين.
وفي الوقت الذي أرسل فيه ممثلو الحركات، التي وصفها التقرير بالمتمردة، في البلاد وفودًا إلى الاحتجاجات العامة الكبيرة والهائلة في الخرطوم، وناقش الطلاب إمكانيات الديمقراطية في أكشاك القهوة التي أقيمت على الرصيف خارج الجامعات، كان الجيش – الذي تخلى عن دعم البشير – يراقب الأوضاع عن كثب بينما يشغل جنوده نقاط التفتيش.
وتمثَّلت نتيجة ثمانية أشهر من احتجاجات الشوارع المتصاعدة التي أثارها ارتفاع تكاليف المعيشة، بما في ذلك إنهاء الدعم للقمح، في وصول ثورة السودان إلى حل وسط لكنه فوضوي. فقد اتفق الجيش والمدنيون في نهاية المطاف على إشراف هيئة انتقالية على الانتقال الديمقراطي، والهيئة عبارة عن مجلس سيادي يضم جنرالات وسياسيين مدنيين يشرفون على هذه العملية.
ويوضح الكاتب أن الواقع تمثل في تجاهل العديد من المنافسات الأكثر إلحاحًا على السلطة في السودان، بين الأحزاب السياسية والجيش والميليشيات والجماعات المتمردة المحلية وبين أولئك الذين يفضلون رؤية أكثر إسلامية للدولة.
صراع الجيش والمدنيين
يشير الكاتب إلى أن ما تكشَّفت عنه الأوضاع في هذه الفترة الفاصلة جاء في صورة منافسة طويلة الأمد بين الجهات الفاعلة السودانية العديدة، وقد وصلت هذه المنافسة إلى ذروتها في الأسابيع والأشهر الأخيرة، بما في ذلك محاولة انقلاب سابقة قبل شهر واحد فقط، حيث أخذت المصالح المتنافسة المؤيدة لكل من الجيش والديمقراطية على حد سواء في حث أنصارها على النزول إلى الشوارع.
ويمضي الكاتب إلى أنه على جانب القوات المسلحة السودانية، ممثلةً في الجنرال البارز عبد الفتاح البرهان، الذي تحرك الآن لاعتقال شخصيات مدنية في مجلس الوزراء بما في ذلك رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، كان هناك استياء متزايد بسبب الضعف المتصور للجيش في العملية الانتقالية.
وفيما يخص القادة السياسيين المدنيين، أكدت محاولة الانقلاب الفاشلة السابقة في سبتمبر (أيلول) – التي أُلقِي باللوم فيها على أفراد من الجيش وأنصار سابقين للبشير – الخطر الذي يمثله الجيش، حيث قال حمدوك: إن الحادث أكد «الحاجة إلى إصلاح الجهازين الأمني والعسكري».
ويوضح الكاتب أنه منذ محاولة الانقلاب تلك، دخلت الفصائل المؤيدة للديمقراطية والموالية للجيش في خلافات، فضلًا عن تنظيم الجماعات الموالية للجيش وحلفائها اعتصامًا في الأسبوع الماضي للمطالبة بالعودة إلى الحكم العسكري.
كل طرف يستغل التوترات لزيادة قاعدة سلطته
وينوِّه الكاتب إلى أنه مما يزيد الأمر تعقيدًا هو كيفية استغلال الأطراف المختلفة للتوترات السياسية للحفاظ على قواعد سلطتها أو توسيعها. وفي وقت سابق من العام الجاري قاوم قائد الميليشيا المخضرم الجنرال محمد حمدان دقلو، أو «حميدتي»، مقترحات دمج قوات الدعم السريع شبه العسكرية السيئة السمعة في الجيش. ويذكر أن جماعات حقوقية اتَّهمت هذه القوات بارتكاب فظائع في دارفور.
ومن جانبه قال حمدوك في وقت سابق من العام الجاري: إن الانقسامات التي لم تُحَل بين الفصائل السياسية الرابضة على قمة السلطة في المرحلة الانتقالية في السودان قد تؤدي إلى فوضى وحرب أهلية.
ومن بين أولئك الذين حذَّروا من احتمال اتساع نطاق العنف في ظل الأزمة المتصاعدة، ثيودور ميرفي، مدير برنامج إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الذي أشار إلى أن الجيش تصرف خوفًا من تعرضه للإضعاف وإهمال دوره، وأشار إلى أن تحرك الجيش كان مدعومًا من دول خارجية.
مصر والإمارات تدعمان التحرك ضد الديمقراطية في السودان
وقال ميرفي إن هناك «تقارير موثوقة تشير إلى أن مصر والإمارات تدعمان التوجه العام للقوات المسلحة السودانية». وأضاف: «بدأت المظاهرات ومن المتوقع حدوث اشتباكات بين مؤيدي العنصر المدني وبعض المتظاهرين الذين يحركهم مزيج من الداعمين المؤيدين للقوات المسلحة السودانية وبعض الحركات المسلحة».
وتابع: «ومن الواضح إلى أبعد حد أن حركة الاحتجاج المؤيدة للمدنيين لم تزل كبيرة في عددها وأنها مقتنعة بأنه على الرغم من تأكيدات القوات المسلحة السودانية، فإن ما يحدث هو انقلاب بالفعل».
وفي ترديدٍ للرأي القائل إن الجيش ربما أخطأ في تقدير الرأي العام السوداني، قالت سانيا سوري، محللة شؤون إفريقيا في وحدة المعلومات الاقتصادية في صحيفة الإيكونوميست، إنه «بينما تسلط التطورات الأخيرة الضوء على نكسة كبيرة للبلاد وهشاشة السلام، ليس هناك ما يمكن أن يأمل الجيش في كسبه من خلال التراجع عن اتفاق تقاسم السلطة».
وينقل التحليل في الختام ما أضافته سانيا قائلة: «الدعم الدولي والمساعدات المالية أمران حاسمان للمساعدة في الحفاظ على الانتعاش الاقتصادي في السودان، وبخاصة في أعقاب الجائحة». وتابعت: «وسيسارع الشركاء الدوليون إلى سحب الدعم في حالة تولي الجيش زمام الأمور. ونتوقع مزيدًا من الاضطرابات في الأسابيع المقبلة مع خروج مؤيدي الديمقراطية/الحكم المدني إلى الشوارع ومحاولات الجيش لسحق التظاهر».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».