هل فكرت في الأثر المحتمل لهوسنا بوسائل التواصل الاجتماعي؟ هل تعرف صديقًا لا يفوت يومًا واحدًا بلا صورة له على موقع «إنستجرام»؟ قد تظن أنَّه أمرٌ عادي، لكن هوسنا بصورنا السيلفي قد يدفعنا إلى ما لا يُحمد عقباه، ويأخذنا إلى مدى لا يمكن تصوره.
تصطحبنا الكاتبة إيلي هانت في مقالها بصحيفة «الجارديان البريطانية» في رحلةٍ لمعرفة الأثر المدمر لهوسنا بالصور من خلال تجارب حقيقية لأشخاصٍ عانوا طويلًا.
كمالٌ افتراضي
من هؤلاء أنيكا. بين سن 19 و21 عامًا، كانت أنيكا وفقًا لقولها «مهووسة بتطبيق سنابشات، حتى أنَّها حصلت على 4 آلاف متابع». ولقبها الناس باسم «ملكة سنابشات». وفي قمة ذاك السلوك المأساوي، كانت تصور نفسها 25 صورة سيلفي يوميًا.
أحبت أنيكا وجود منصةٍ تجني فيها صورة سيلفي عادية 300 ردٍ من المتابعين، وتفسر: «كنتُ أقول: يا للهول أنا مشهورة! علي أن أظهر للمتابعين». لكنَّ المرشحات «الفلاتر» كانت دومًا جزءًا من المشهد. فبحسب إيلي، عانت الفتاة اللندنية لوقتٍ طويل بسبب وجود بروزٍ خفيف في أنفها. لكنَّ تأثيرات «سنابشات» المضحكة، التي تضيف لصورتك أذني كلب أو تاجًا من الورود، كانت تزيل كذلك نتوء أنفها بالكامل، مما جعلها تفكر: «فكرتُ أنني أحب أن أبدو تمامًا مثلما أبدو بهذا الفلتر الذي يجعل أنفي أنحف».
كان هذا هو الحال على مواقع التواصل الاجتماعي. أما في العالم الحقيقي، كانت أنيكا تختار دومًا مكانًا للجلوس يخفي عيب أنفها. وهي تعترف أنَّ ذاك تصرف غير منطقي، لكنَّ «هذا يحدث. أشعر أنَّنا في عالم فيه الكثير من الأشخاص المثاليين، لذا نحن نحاول ونصل لهذا الكمال».
وبحسب إيلي، أحيانًا كان متابعيها يقترحون مقابلتها وجهًا لوجه. ودفعها هذا للتفكير في أنَّها «يجب أن تبدو مثل صورها». في هذا الوقت، كانت أنيكا في قمة هوسها بـ«سنابشات»، وبدأت في التواصل مع أطباء تجميل عبر «إنستجرام».
تُسمَّى ظاهرة طلب الأشخاص لعملياتٍ جراحية تجعلهم نسخة من صورهم السيلفي الرقمية المعدلة باسم «تشوه سنابشات». وضع المصطلح الطبيب تيجيون إيشو، مؤسس عيادات إيشو التجميلية بمدينتي لندن ونيوكاسل. إذ لاحظ أنَّ المرضى بعد أن كانوا يجلبون صورًا لمشاهير لديهم أنوف مثالية، أصبحوا يشيرون لصورهم الشخصية المعدلة على التطبيقات.
بحسب إيشو، استخدم البعض صور سيلفي شخصية معدلة بـ«سنابشات» أو تطبيق «فايس تون» كدليلٍ لما يريدون أن يصبحوا عليه، وقال آخرون وفقًا للطبيب: «أريد أن أبدو تمامًا مثل هذه»، بأعينٍ كبيرة، وبشرة مثالية». لكنَّه يوضح أنَّ «هذا غير واقعي، ويصعب تحقيقه».
وتشير إيلي إلى تقريرٍ حديث نشرته دورية «جاما» الطبية الأمريكية المعنية بجراحات تجميل الوجه، يفيد بأنَّ الصور السيلفي المعدلة بالمرشحات التي «تموه الخط الفاصل بين الواقع والخيال» يمكن أن تسبب اضطراب التشوه الجسدي الوهمي (BDD)، وهو حالة صحية عقلية يركز فيها المرضى اهتمامهم على عيوبٍ مُتخيلة في مظهرهم.
تنتقل الكاتبة بعد ذلك إلى الطبيب وسيم تاكتوك، الذي يستخدم الحقن التجميلي المؤقت غير الجراحي، بما في ذلك «البوتوكس» وحقن الحشو الجلدية، لتكبير الشفاه أو تنحيف الأنوف الناتئة. يتذكر تاكتوك عميلةً جاءت لرؤيته في عيادته بمدينة كنسينجتون. كانت العميلة مستاءة بعد أن فشل موعدٌ غرامي رتبت له عبر أحد التطبيقات.
يروي تاكتوك: «حين قابلت الرجل، استخف بها، وقال: أنتِ لا تشبهين صوركِ على الإطلاق!».
أظهرت هذه المرأة لتاكتوك صورةً لها أجرت عليها الكثير من التعديلات مرفوعةً في حسابها، وقالت له: «أريد أن أبدو تمامًا كهذه». وعلَّق الطبيب: «كانت صورة السيلفي بلا عيوب، بلا علامة مميزة واحدة لأي وجه بشري طبيعي». أخبرها أنَّه يعجز عن مساعدتها، وقال لها: «إذا كانت هذه هي الصورة التي تريدين نفسك عليها، فستتسببين لنفسك في الشعور بالإحباط».
لماذا نُصوِّر أنفسنا بكثرة؟
للإجابة على ذلك السؤال، أشارت إيلي في تقريرها إلى دراسةٍ أُجريت عام 2017 عن هوس أخذ صور السيلفي، أو ما يُعرف بلفظ «selfitis». اكتشفت الدراسة الكثير من الدوافع، بدءًا من الرغبة في تحقيق مكانةٍ اجتماعية ما، وحتى التخلص من الأفكار الكئيبة، وتخليد الذكريات. بينما اقترحت دراسة أخرى أنَّ صور السيلفي تخدم غرضًا خاصًا وداخليًا، لوجود آلاف الصور التي نلتقطها ولا نشاركها مع أي شخص، ولا نضعها حتى في أي مكانٍ على الإنترنت.
وعليه، لا تستغرب الكاتبة ارتفاع عدد مستخدمي تطبيقاتٍ مثل «فايس تون» -أشهر تطبيقات آبل المدفوعة لعام 2017- وتطبيق «فايس تون 2» المجاني إلى عدد 55 مليون مستخدم، وتبرر ذلك أنَّنا أصبحنا نعيش جزءًا كبيرًا من حياتنا على الإنترنت، بدءًا من المواعدة، وحتى البحث عن الوظائف، لذا صارت جودة صورنا ضرورية.
يقول ستاف تيشلر، من شركة «لايت تريكس» المنتجة لكلا التطبيقين، إنَّ إتاحة التعديل على الصور قضى على «وهم الجسد المثالي … وساوى بين الجميع»، ويفسر قائلًا: «كل شخص يعرف أنَّ الآخرين يستخدمون التطبيقات، العارضات والأشخاص العاديون كذلك».
لكنَّ إيلي أشارت في تقريرها إلى دراسةٍ نُشرت عام 2017 في دورية «أبحاث الإدراك: المبادئ والآثار»، وجدت أنَّ البشر يميزون الصور المعدلة بنسبة من 60 إلى 65% فقط من المرات. ويضيف إيشو أنَّ انتشار تطبيقات تعديل الصور السيلفي على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يخلق «تصوراتٍ غير واقعية عما هو طبيعي»، ويقلل تقدير الذات عند الأشخاص الذين لا يستخدمونها، وهذا في رأيه: «دائرةٌ مغلقة تغذي نفسها».
ربما تبدو تلك التوقعات مبالغ فيها، لكنَّ الكاتبة أشارت إلى استطلاعٍ أجرته «الأكاديمية الأمريكية لتجميل الوجه والجراحات الترميمية» عام 2017، سألت فيه الأطباء عن دوافع مرضاهم. وقال 55% من الجراحين إنَّ دافع المرضى كان في الظهور بشكلٍ أفضل في صور السيلفي، مقارنةً بنسبة 13% من الجراحين عام 2016.
حتى المرشحات الحديثة التي يستخدمها «سنابشات» و«إنستجرام» ليضيف لوجهك أذني أرنب، أو غيرها من الإضافات، تنفخ شفاهك أو تمسح مسامك أو ترفع حاجبك أثناء استخدامها. ورفض «سنابشات» التعليق على تلك المسألة.
علَّق تاكتوك على تلك المسألة في حديثه مع إيلي قائلًا: «أول شيء تفعله تلك المرشحات في صورة السيلفي هو تجميل البشرة. إذ تزيل التجاعيد الناتجة عن الضحك التي تمتد من الأنف وحتى الفم، لكنَّ هذا ليس وجهًَا بشريًا، لا يوجد شخص لا يملك هذه الأشياء، يمكنك حتى رؤيتها في الأطفال». رغم ذلك، ووفقًا له، ما زال عملاؤه يطلبون إزالتها، وإزالة الأخدود الموجود عند مجرى الدموع في أعينهم. ويتابع: «أما رغبة الناس في الحصول على أعين أكبر فهي مسألة أخرى، الأمر ببساطة غير ممكن».
من التطبيقات إلى الواقع
وبحسب إيلي، ينعكس أثر السيلفي المُرشَّح في زيادة الطلب على شفاهٍ أكبر، وفكٍ مشدود خالٍ من التجاعيد. وكذلك زاد بشدة الطلب على العمليات التجميلية السريعة، بفضل سعرها المعقول نسبيًا وسهولتها. ذلك أنَّ تجميل الأنف بالحشو يكلف قليلًا من المال ويُظهر أثرًا فوريًا، مقارنًة بالتعافي المؤلم والبطيء من تجميل الأنف بالعمليات الجراحية.
وتستعين الكاتبة بتجربة مارلا، صاحبة التسعة وعشرين عامًا من نيويورك. حصلت مارلا على «أنفها المثالية» العام الماضي في استراحة الغداء أثناء العمل، وتقول عن ذلك: «عدتُ للعمل وأنا أشعر أنَّني لامعة وواثقة أكثر بنفسي، وكأنَّني حتى أصبحتُ أكتب رسائل بريدٍ إلكتروني أفضل».
كانت مارلا منزعجةً تمامًا مثل أنيكا من النتوء في أنفها، لكنَّها كانت تزيله في صور السيلفي، ثم بدأت في اكتشاف الخيارات الواقعية التي تمكنها من حل مشكلتها بعد انفصالٍ عاطفي مؤلم. وضعت قائمةً بالإيجابيات والسلبيات الخاصة بعملية تجميلٍ كتلك، لكنَّها وجدت أنَّ المخاطر المحتملة أقل من ميزات الحصول على «الأنف الذي خلقته لنفسها عبر تطبيق فايس تون».
وفي رأي إيلي، كان تأييد المشاهير مثل عائلة كاردشيان لعمليات الحشو له أثرٌ في زيادة شهرة تلك العمليات، سواءٌ التي تستخدم الحشو المؤقت الذي يتحلل بعد شهور مثل الكولاجين أو حمض الهيالورونيك، أو الحشو الدائم مثل حبات بولي ميتاكريليت الميثيل.
يقول تاكتوك إنَّ إزالة النجمة كايلي جينر لحشو شفاهها وإعادته مرةً أخرى حظي باهتمامٍ خاص، حتى أنَّ بعض الأطباء حاولوا الاستفادة من هذا بالترويج لـ«حزمة كايلي»، التي تتضمن عملياتٍ للأنف والفك والشفاه، وهو ما استنكره كليًا. ويشير كذلك إلى أنَّ عملائه من عشر سنوات كانوا شديدي الاهتمام بالحفاظ على السرية، أما الآن يقول: «تحول الأمر إلى: (هل تمانع لو وضعت صور العملية على إنستجرام؟) لم يعد الأمر محظورًا». ويضيف أنَّه رأى إعلانات عمليات للشفاه بقيمة 150 جنيهًا إسترلينيًا، وعمليات للأنف بقيمة تتراوح من 200 إلى 300 جنيه إسترليني، ويعلق: «وهذه من بين أصعب العمليات!».
موقف معارض
قد تكون عمليات حشو الجلد أقل تدخلًا من الجراحة، لكنَّها لا تخلو من المخاطر. وبحسب إيلي، تتراوح هذه المخاطر بين انعدام التماثل في منطقة الحشو، والعدوى، وانسداد الأوعية الدموية، وحتى العمى. وتشير إلى ما كشفته مجموعة «سايف فايس»، وهي أكبر سجل للممارسين المسجلين في بريطانيا في مجال العلاجات غير الجراحية، عن تقديم ألف شكوى في العام الماضي حتى شهر أكتوبر (تشرين الأول).
ورغم ذلك، هناك لوائح قليلة بخصوص هذه العمليات، ولا يوجد حد أدنى للسن. ويعلق إيشو قائلًا: «نحن نحمي المنازل أكثر من وجوه الأطفال. هذا جنون»، وطالب الطبيب بالتدخل لوقف هذه العمليات.
حتى مارلا، التي أجرت عمليةً لتجميل الأنف ووثقتها في فيلمٍ قصير لموقع «فايس»، وروجت لعددٍ من الأطباء، تقول إنَّها لن تشجع أي فتاة شابة على هذه العمليات، وتفسر: «أعرف أنَّني أحب نفسي، لذا أجريتُ هذه العمليات التجميلية السريعة، لكن يزعجني حقًا أن تخبرني فتاة يافعة أنَّها لا تحب نفسها».
أما تاكتوك فيرفض معالجة أي شخصٍ يقل عمره عن بداية العشرينيات، ويقول إنَّ أشخاصًا تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عامًا تواصلوا معه لإجراء «حقن بوتوكس وقائي». وتجيء كل الحالات بلا استثناء من «إنستجرام»، الذي تفيد التقارير أنَّ 60% من مستخدميه تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا. وأصبح التطبيق سوقًا للعمليات التجميلية، يعج بأطباءٍ يعرضون صورًا تُظهر الفرق بين ما قبل العمليات وما بعدها.
الهوس وتجربة أنيكا
بحسب التقرير، تصف أنيكا مسألة اتخاذ قرار العملية بأنَّها سهلة، تتطلب فقط «بعض النقرات على الحاسوب، والنظر إلى ما قوامه 10 بايت من الصور لأعمال الطبيب في دقيقة، لتندهش وتقرر الاتصال به».
وتروي إيلي أنَّ أنيكا، في عامها العشرين، ذهبت إلى عيادة تاكتوك بصورٍ لعمليات أنف أجراها، ومقطع فيديو لنفسها بأحد مرشحات «سنابشات». وقالت لها أنيكا وهي تضحك: «هل تعرفين الفلتر الذي يجعل وجهك يبدو ككائنٍ فضائي؟ كنتُ أشبهه، وكنتُ أفكر: «يبدو هذا رائعًا، أنفي تبدو أصغر بكثير»، لكنَّ الطبيب تاكتوك قال لي إنَّ هذا لن يحدث باستخدام حقن حشو الجلد. فأخبرني أن أذهب وأعود مرةً أخرى بصحبة والدتي».
لكن بدلًا من العودة مرةً أخرى، أخذت أنيكا عامًا للتفكير في قرارها، والاختيار بين مميزات حقن حشو الجلد مقارنةً بالعمليات التجميلية الجراحية. وعلَّقت: «عشتُ مرحلةً من التفكير في أنَّني يجب عليّ أنَّ أحاول الشعور بالحب تجاه نفسي». سألتها إيلي عما آلت إليه الأمور في النهاية، فقالت: «لم أجرِ عمليةً تجميلية جراحية، هذا ما وصلت إليه».
في الوقت الذي رجعت فيه إلى عيادة تاكتوك، كانت في الواحدة والعشرين، وعادت بتوقعاتها إلى الواقع. حقنها تاكتوك بالحشو في أنفها وساوى خطوطها، وأحبت النتيجة على الفور، وعلَّقت: «أشعر بأنَّني كنتُ أحتاج هذا لأتغير داخليًا، وأتوقف عن البحث عن الكمال».
حين ينتهي أثر الحقن بعد عام، ستعيد أنيكا الكرة. وأضافت في حديثها مع إيلي: «أجمل شيء أن يشعر المرء بالسعادة من الداخل. رغم أنَّ الأمر مثير للسخرية». وحسبما ترى، ساعدتها أنفها الجديدة على الوصول لهذا الهدف، إذ قالت: «لا أريد الحصول على أي شيءٍ آخر».
لكنَّها كانت قد تساءلت في لحظةٍ ما بعد العملية، رغم عشقها لشكلها الجديد، إن كانت بحاجة إلى حقن شفاهها أيضًا. كانت شفاهها من أبرز صفاتها، إذ قيل لها دومًا في الجامعة إنَّها تمتلك شفتي سمكة (أي شفاه منتفخة). لكنَّ تاكتوك طلب منها التوقف عن التفكير بسخافة، وقالت عن ذلك: «حين تجلس على كرسي العمليات، يصبح الأمر مغريًا، وتفكر: ماذا يمكنني أن أفعل أيضًا؟».
واقعٌ افتراضي.. غير ممكن
أوضحت إيلي أنَّ هناك خطورةً واضحة حين يقارن المرء نفسه بصورةٍ متغيرة بعيدة تمامًا عن الواقع. إذ تختلف الصور السلفي غير المرشحة التي نلتقطها بالكاميرا الأمامية للهاتف عن تلك التي نلتقطها بالكاميرا الخلفية، وهناك فروقات واضحة بين الصور التي تنتجها الهواتف المختلفة. حتى المسافة التي نأخذ منها السيلفي تصنع فرقًا عظيمًا. ذلك أنَّ دراسةً أُجريت عام 2018 اكتشفت أنَّ الصور الشخصية المأخوذة من مسافة 30 سم تختلف عن الصور السيلفي المأخوذة من مسافة متر ونصف، إذ تزيد الثانية حجم الأنف بنسبة 30%. وهذه النسبة لا تأخذ في الاعتبار أثر الإضاءة، أو منتجات التجميل.
ما يثير في رأي الكاتبة تساؤلًا هامًا: ما الذي نحاول تصحيحه، صور السيلفي أم الواقع؟
تحاول الكاتبة الإجابة عن سؤالها عبر قصة آنا، وهي مريضة أخرى من مرضى الطبيب تاكتوك، تبلغ 40 عامًا. تعترف آنا أنَّها ركزت في وقتٍ ما على الخطوط والتجاعيد الناتجة من الضحك، إذ تقول: «تُفاقمها الصور، وتجعلها اسوأ، ثم يجعلها الفلتر تبدو رائعة. فتصبح غير متأكدٍ من الشكل الذي تبدو عليه».
Embed from Getty Images
عانت آنا منذ الصغر من التناقض بين الشكل الذي ترى به نفسها في المرآة، والشكل الذي يراها الآخرون به. حاولت مرةً تحميل تطبيق يزعم أنَّه سيريك «شكلك الحقيقي»، وتعلق: «اعتاد التطبيق أن يرعبني ويشعرني بالسوء تجاه نفسي. لكنَّ هذه محادثات لا يمكنك خوضها مع أحد، لأنَّك ستبدو مهووسًا بنفسك، وستجعل نفسك عرضةً للنقد».
لكنَّها الآن أكثر ثقةً بنفسها، وتُعزي هذا للسن من ناحية، ولتقدير الذات الذي تعززه حقن البوتوكس والحشوات، وتقول: «أنا واقعية الآن، بينما في الماضي كنتُ أقود نفسي للجنون».
وبالنسبة لتاكتوك، حسبما أوضحت إيلي، تُصعب الحالات التي ترده من وسائل التواصل الاجتماعي حماية الصحة العقلية للمرضى. ساعدته خلفيته كممارس عام على إدراك الإشارات التحذيرية، مثل انتقاد المرضى للأطباء الآخرين، وإصرارهم على وجود عيوب غير موجودة، وادعاء معرفتهم المتعمقة بالعلاج. ويقول: «جاءني شخص هنا ورسم خطوط وجهه بنفسه، أنا متأكد أنَّ بعضهم تجاوز الفحص الدقيق الذي أجريه دون أن أدري». لكن حتى لو رفض تاكتوك تحقيق طلباتهم، سيجدون على الأغلب طبيبًا يفعل ذلك.
وأفادت تقارير أنَّ شركة «سوبر دراج» (التي بدأت في إتاحة البوتوكس نهاية العام الماضي)، وافقت على إجراء مسحٍ للصحة العقلية لمن يطلبون حقن البوتوكس، بعد النقد الذي تعرضت له من منظمة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية لعدم إجراء فحوصاتٍ طبية «جادة». لكنَّ تاكتوك يرى أنَّه ما زالت هناك حاجة للوائح تنظيمية واسعة النطاق، قبل حدوث مأساة تستحوذ على العناوين الرئيسية للأخبار، وقبل أن تصبح التطبيقات أكثر قدرةً على تغيير أشكال المستخدمين. ويشير تاكتوك إلى تطبيقٍ اسمه «ريتوتش مي»، يُركب عضلات البطن على صور ملابس السباحة، ويعلق: «رأيتُه وفكرت أنَّ هذه هي الموجة الجديدة لما نحن مقبلون عليه، سيأتي الناس ويقولون: نريد أن نبدو كهذا».
السعي وراء صورة السيلفي المثالية
هذا السعي للعمليات التجميلية للحصول على نتائج غير واقعية وغير ضرورية بحسب إيلي هو أحد الأعراض المحتملة للإصابة بـ«اضطراب التشوه الجسدي الوهمي»، وهو اضطراب موجود بين السكان في المملكة المتحدة بنسبة 2%، وشائع بالتساوي بين الرجال والنساء.
Embed from Getty Images
وتقول الطبيبة نيلام فاشي، المؤلفة المساعدة في التقرير الأمريكي الذي ربط اضطراب التشوه الجسدي الوهمي بتشوه السيلفي، إنَّنا بحاجة للمزيد من الدراسات لنتأكد أنَّ التقاط صور السيلفي بكثافة يُحفز الإصابة باضطراب التشوه الجسدي الوهمي، لكنَّه بالفعل في رأيها يمثل إحدى المعايير التشخيصية الأربعة الأساسية، وهو التفقد القهري للمرآة، بالإضافة للسلوكيات والأفكار المتكررة الأخرى.
وتشير إيلي إلى أنَّ هذا الاضطراب يظهر بدايةً في فترة المراهقة، رغم أنَّ المرضى لا يسعون للعلاج إلا بعدها بنحو 10 سنوات. ويقول الطبيب دايفيد فيال، استشاري الطب النفسي في مستشفى مودسلي بجنوب لندن، إنَّه يمكنك «التفكير في مظهرك لمدة ساعة واحدة في اليوم قبل أن يتطور الأمر إلى اضطراب». لكن كي تُشخَّص بإصابتك بذلك الاضطراب يجب أن يكون هذا السلوك مصحوبًا بضغطٍ كبير، أو فقدان القدرة على الاستمرار في حياتك بشكلٍ طبيعي. فمرضى اضطراب التشوه الجسدي الوهمي يلتقطون صور سيلفي لأنَّهم مقتنعون بأنَّهم «بشعون».
وتذكر الكاتبة حالة داني بومان، وهو شاب من نورثمبرلاند في بريطانيا، أُعلن عام 2014 حين كان يبلغ 19 عامًا أنَّه أول بريطاني مدمن لصور السيلفي، بعد مقابلةٍ أُجريت معه عن تجربته مع اضطراب التشوه الجسدي الوهمي. بدأت مشكلته قبل هذا التاريخ بأربعة أعوام، حين رفضته وكالة للعارضين، وكان في الوقت نفسه يتعرض للتنمر في مدرسته الجديدة، وعلى موقع «فيسبوك». يقول بومان إنَّ هذه الأحداث كلها بالنسبة له «كانت تأكيدًا على قبحه».
بعدها، قضى بومان ساعاتٍ طويلة أمام المرآة في وضع كريم مخصص لحبوب الشباب ومرطبات وجه، ثم يبدأ في التقاط عدد ضخم من صور السيلفي ليرى بنفسه التغيير الذي تحققه هذه المنتجات. بعد أشهر، توقف عن الذهاب للمدرسة، وارتفع عدد صور السيلفي إلى مئاتٍ يوميًا. ويعلق: «كنتُ أحاول رؤية التحسن التدريجي، والتقاط صورةٍ ترضيني، والوصول إلى الراحة، لكنِّي لم أصل. لم تكن هناك صورة مثالية، لا توجد أصلًا صورة مثالية».
بعد 6 أشهر من المكوث في المنزل، والانغماس في روتينه اليومي، حاول بومان قتل نفسه. وعلَّق على ذلك قائلًا: «يقول الكثير من الناس إنَّ النظر إلى أنفسهم في المرآة يشعرهم بعدم الثقة، لكن تصور فحص 200 صورة لنفسك يوميًا. كنتُ مستنزفًا، وشعرت أنَّه لا طريق للخلاص». لكن تدخلت أمه في الوقت المناسب، وهي متخصصة في الصحة العقلية، هي ووالده. شُخِّص بعد ذلك باضطراب التشوه الجسدي الوهمي. وخضع لعلاج استمر 12 أسبوعًا، وتضمن حرمانه من استخدام الهاتف.
Embed from Getty Images
الآن، يبلغ بومان 24 عامًا، ويدرس بجامعة نيويورك، وينظم حملاتٍ عن المشكلات المتعلقة بالصحة العقلية والصورة الإيجابية للجسد. وأعرب عن قلقه بخصوص أثر «إنستجرام» على أصدقائه، إذ يراهم «يضعون صورًا لأنفسهم كل يوم، مستخدمين تطبيقات التعديلات، جاعلين أنفسهم يظهرون بشكلٍ ليسوا عليه. كنتُ مثلهم، لكن بدرجةٍ أكبر بكثير». لكنَّهم قابلوا قلقه بعنف، وعلَّق: «أصبح أمرًا عاديًا ألا يرى الناس أنَّ ما يفعلونه غير طبيعي».
أما هو فبالكاد يلتقط الصور لنفسه الآن، ويفسر ذلك لإيلي قائلًا: «لا أشعر بالحاجة لذلك».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».