يواجه جنرالات الجزائر منذ فبراير (شباط) الماضي موجة من الاحتجاجات غير المسبوقة، كان من آثارها ظهور خلافاتهم على مرأى ومسمع من الجميع. الكاتب الفرنسي «جان بيير فيليو» نشر تقريرًا في صحيفة لوموند سلط من خلاله الضوء على أوجه الخلافات بين من كان يطلق عليهم يومًا «صناع الملوك»، وأسبابه.

بدأ التقرير بالإشارة إلى استمرار خروج المسيرات يوم الجمعة في عشرات المدن الجزائرية منذُ ستة أشهر، للمطالبة بتحول ديمقراطي حقيقي، وأن هذه المسيرات، أو كما باتت تعرف بـ«الحراك»، تسببت في استقالة الرئيس المخلوع بوتفليقة في 2 أبريل (نيسان) الماضي، بعد عشرين عامًا قضاها على سدة الحكم. كما كان هذا الحراك أيضًا هو السبب الأكبر في تفاقم صراع الجنرالات.

وأشار «فيليو» في تقريره إلى أن الاحتجاجات وضعت الجنرال «قايد صالح»، رئيس أركان الجيش، في موضع صاحب السلطة التنفيذية، خاصةً بعد انتهاء فترة «عبد القادر بن صالح» رئيسًا مؤقتًا للبلاد الشهر الماضي. في وقت ظهرت فيه خلافات الجنرالات الجزائريين على الملأ، أول مرة، في بلد تعود على تسوية خلافات القادة العسكريين خلف الستار.

سقوط «زعيم الجزائر»

لاحظ «فيليو» أن الجزائريين يصفون الجنرالات الذين يمارسون السلطة بـ«صناع الملوك». وقد أصبح هذا الوصف شائعًا منذُ عام 1992 بعد الإطاحة بالرئيس «الشاذلي بن جديد»، في انقلاب عسكري على يد مجموعة من الجنرالات. 

وقاد الانقلاب حينئذٍ وزير الدفاع «خالد نزار»، ورئيس الاستخبارات العسكرية مدين، المعروف باسم «توفيق». بعدما رفض «صناع الملوك» هؤلاء تفاهمات «بن جديد» مع الإسلاميين في ذلك الوقت، وفي الوقت نفسه حرصوا على البقاء في الخفاء، ولم يتحملوا المسؤولية العلنية عن الانقلاب، ثم عن الحرب الأهلية التي سميت بـ«العشرية السوداء»، مما ساعدهم في الحفاظ على نفوذهم ومصالحهم خلال تلك الفترة، حتى وقفوا بعد ذلك في عام 1999 إلى جانب بوتفليقة، الذي وجدوا فيه حلًّا مربحًا للغاية بالنسبة لهم، لدرجة أنهم كانوا يعملون على تجديد فترة رئاسته كل خمس سنوات.

التقرير أشار إلى أن الجنرال «قايد صالح»، رئيس الأركان المعين عام 2004، لم يشارك بصورة مباشرة في الإطاحة بالرئيس «بن جديد». وكان عليه أن ينحني لفترة أمام عاصفة الجنرال توفيق مدين، الملقب بـ«زعيم الجزائر». وذلك حتى الإقالة المدوية للجنرال مدين من منصب رئيس المخابرات في عام 2015، وانتقل المنصب بعده إلى أحد مساعديه السابقين، الجنرال عثمان طرطاق المعروف باسم «بشير»، والذي أُقيل أيضًا بعد ذلك. حتى خلت الساحة للجنرال «قايد صالح»، الذي أصبح زعيم «صناع الملوك» بدون منازع حتى الآن، واستغل هذا النفوذ في محاولة إعادة انتخاب بوتفليقة لفترة ولاية خامسة. 

إلا أن الجزائريين رأوا في ذلك إهانة كبيرة لهم، فنزلوا بالملايين إلى الشوارع منذ 22 فبراير 2019. وعلى أمل وقف موجة الاحتجاج، ضحى «قايد صالح» برئيس الجمهورية، الذي لا نعلم عنه شيئًا منذ «استقالته». 

وبمرور الوقت، وعلى غير المتوقع، سُجن مدين وطرطاق، بالإضافة إلى سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المخلوع في الرابع من مايو (أيار) الماضي، ونُقل الثلاثة إلى سجن البليدة العسكري بتهمة «التآمر ضد الدولة»، وهي تهمة عقوبتها الإعدام.

قايد صالح / القايد صالج

أحمد قايد صالح

«العصابة» تحت دائرة الضوء

ويرى الكاتب أن «قايد صالح» هو المسؤول عن جميع نكبات الجزائر ومعه «عصابة» الجنرالات، التي ازدهرت في عهد بوتفليقة، بالتواطؤ مع المخابرات العسكرية، طمعًا في نهب خيرات البلاد بأكبر قدر. ورغم ذلك يعمل على إظهار نفسه بأنه حصن الدفاع عن سلامة الجزائر واستقرار مصالحها، من خلال مواجهة «عصابة» كهذه. وعلى إثر هذا أطلق عملية تطهير واسعة النطاق، تحت اسم مكافحة الفساد، أطاحت باثنين من رؤساء الوزراء السابقين، وأعضاء حكومتهم، والعديد من المسؤولين، وبعض رجال الأعمال البارزين في البلاد. ويدعي أنه استجاب للتطلعات الشعبية المتمثلة في تحييد «العصابة»، ودعا الجماهير، بعد تحقيق ذلك الهدف، للعودة إلى «الهدوء تدريجيًّا».

ولكن المتظاهرين يدركون أبعاد هذه السياسة، التي يستغل فيها «قايد صالح» ذلك الحراك الشعبي في تسوية حساباته مع خصومه، دون تغييره للتعسف العسكري المُطبق على البلاد.

وفي سياق هذا الصراع بين كبار القادة العسكريين، أشار الكاتب إلى استدعاء «خالد نزار»، وزير الدفاع في الفترة من 1990 إلى 1993، شاهدًا في المحكمة العسكرية بالبليدة، إذ أقر بـ«المؤامرات» التي كان يقودها مدين وطرطاق. ومع ذلك، وُجهت إليه أيضًا تهمة «التآمر» في 6 أغسطس (آب)، وعلى إثرها حُررت له مذكرة توقيف دولية، فر بعدها إلى إسبانيا. ويمكن تفسير هذا التحول المفاجئ ضد «نزار» من خلال هجماته التي يشنها من حسابه على تويتر ضد «قايد صالح». على أي حال، يكشف هذا التطور عن حدة التوترات الخفية بين «صناع الملوك».

الكاتب اختتم التقرير بالإشارة إلى رؤية «أكرم بلقايد»، أحد أفضل محللي المشهد الجزائري، الذي أشار إلى أن هذا الصراع يعد أبرز دليل على «تفكك» النظام القديم. مشيرًا إلى رسالة المتظاهرين الواضحة التي يوجهونها إلى الجنرالات بأن «استمروا في تمزقكم، وسنستمر نحن في التظاهر والكفاح من أجل بناء جزائر جديدة». 

إصرار الجزائريين على التظاهر حتى الآن، يؤكد أنه قد مضى ذلك الزمن الذي كان يُعتقد فيه أن سقوط شخص ما، حتى لو كان رئيس البلاد، يكفي لإخماد الاحتجاجات.

دولي

منذ 4 سنوات
صراع العروش في الجزائر.. حرب الرئاسة والجيش والمخابرات

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد