تُلقي السياسة بظلالها على لعبة كرة القدم؛ إذ ظهرت مخاوف في مصر من احتمال اندلاع أعمال عنف بين المشجعين في ضوء إصرار نادي المريخ السوداني على لعب مباراته ضد النادي الأهلي المصري في دوري أبطال أفريقيا بإثيوبيا، حسب ما جاء في تقرير نشره موقع «المونيتور» الإخباري.
ذكر الموقع الأمريكي في مستهل التقرير، الذي أعدَّه الصحافي المقيم في القاهرة عمرو إمام، أن مشجعي كرة القدم في مصر تنتابهم حالة من الغضب تجاه نادي المريخ، أحد أفضل فرق كرة القدم السودانية؛ لطلبه خوض مباراته ضد فريق الأهلي المصري – في إطار منافسة قارية – ليس في السودان، بل في إثيوبيا.
ووضعت قرعة دور الـ16 من دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم (كاف) الفريقين في مجموعة واحدة، إلى جانب نادي الهلال، فريق سوداني آخر، ونادي ماميلودي صنداونز الجنوب أفريقي. ومن المقرر أن يلتقي الأهلي المصري مع المريخ السوداني يوم 11 فبراير (شباط) الجاري في السودان، ومع الهلال السوداني يوم 18 من الشهر نفسه في السودان أيضًا، وفقًا للجدول الزمني للمباريات التي وضعها الاتحاد الأفريقي لكرة القدم.
اتهامات بإشعال التوتر
لكن – وحسب ما يستدرك الكاتب – استبعد مفتشو الاتحاد الأفريقي لكرة القدم في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي ملعب الجوهرة الزرقاء في العاصمة السودانية الخرطوم، الذي يستضيف عادةً مباريات الفريقين السودانيين، معتبرين أن الملعب غير صالح لاستضافة المباريات الدولية.
ولهذا السبب طلب نادي المريخ خوض مباراته ضد الأهلي المقررة يوم 11 فبراير في إثيوبيا، أقرب دولة للسودان، بيد أن جماهير مصرية تتهم الفريق السوداني بالسعي لإعادة تأجيج التوترات بين مصر وإثيوبيا. وظهر الغضب في هذا الصدد على مواقع التواصل الاجتماعي وفي شوارع مصر، بحسب الكاتب. ونقل الموقع عن عبد الرحمن أحمد، أحد مشجعي الأهلي المتعصبين، قوله: «المريخ يثير مشكلات جديدة بين بلادنا وإثيوبيا»، مضيفًا: «النادي السوداني يدرك جيدًا المشكلات بين البلدين».
مشكلة تقاسم المياه
ولفت الكاتب إلى أن هذا الغضب يأتي في ظل توترات بين مصر، والسودان، وإثيوبيا، بشأن تقاسم المياه. وكانت دول حوض النيل الثلاث قد دخلت في نزاع دام 10 سنوات حول بناء إثيوبيا لسد عملاق على النيل الأزرق، الرافد الرئيس لنهر النيل الذي يوفر لمصر معظم احتياجاتها من المياه العذبة.
وتقول مصر إن إثيوبيا تهدد حصتها المائية من نهر النيل من خلال بناء سد النهضة. وتحصل مصر على ما يقرب من 90% من مياهها السنوية من النهر، وتضع مجرد فكرة بناء السدود نصيب مصر السنوي من المياه البالغ حوالي 55.5 مليار متر مكعب في خطر.
وحتى في ظل هذه الحصيلة السنوية من مياه النهر، كانت مصر تعاني من فقر المياه بالفعل، وسيؤدي بناء وملء خزان سد النهضة إلى زيادة العجز المائي السنوي في الدولة العربية المكتظة بالسكان؛ ليصل إلى 30 مليار متر مكعب. ولسد هذا العجز جزئيًّا يتعين على مصر معالجة كميات هائلة من مياه الصرف الصحي، وتحلية مياه البحر، وهو ما يُهدر مبالغ ضخمة من المال سنويًّا.
اتهامات بالمماطلة
وأضاف الكاتب أن مصر، وإثيوبيا، والسودان تتفاوض منذ 10 سنوات سعيًا للتوصل إلى اتفاق ملزم قانونًا بشأن السد، لكن هذه المفاوضات لم تسفر عن نتيجة ملموسة حتى الآن. ويأتي هذا التعثر بينما تتهم كل من مصر والسودان إثيوبيا بمحاولة كسب الوقت حتى يصبح السد واقعًا لا رجعة فيه.
وقالت نادية حلمي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة بني سويف: «إثيوبيا تهدر الوقت عمدًا لعرقلة أي حل قانوني بشأن السد. ولا يمكن لمصر أن تفعل شيئًا سوى مواصلة الضغط الدبلوماسي للتوصل إلى اتفاق». وأحالت مصر والسودان قضية السد إلى مجلس الأمن الدولي في يونيو (حزيران) من العام الماضي. ومع ذلك أحال المجلس الأمر برمته إلى الاتحاد الأفريقي وطلب من الدول الثلاث التفاوض بحسن نية.
جاء ذلك قبل أن تبدأ إثيوبيا المرحلة الثانية من ملء خزان السد. وتستعد إثيوبيا الآن للمرحلة الثالثة من ملء الخزان، وتَصُمُّ آذانها عن الدعوات المصرية والسودانية للتوصل إلى اتفاق. ويُؤجِّج هذا غضب المصريين ومخاوفهم، خاصة مع إصرار مصر على أن السد الإثيوبي سيضعها على حافة العطش.
تشابك الرياضة والسياسة
وقال الموقع إن المشجِّعين المصريين يرون أن طلب المريخ لعب مباراته ضد الأهلي في أديس أبابا يُزيد الطين بلة، ويعتقدون أن الطلب لن يؤدي إلا إلى زيادة التوترات بين القاهرة وأديس أبابا. وقال أحمد، مشجع الأهلي: «جماهير النادي الأهلي تعارض لعب المباراة في إثيوبيا لأنه سيكون هناك توتر كبير. ولا يمكنني أيضًا استبعاد احتمالية اندلاع أعمال عنف من المشجِّعين».
وأوضح الكاتب أن كرة القدم والسياسة تتشابكان في هذا الجزء من العالم، حتى أن كرة القدم تُستخدم باعتبارها أداة سياسية من بعض الحكام والحكومات في المنطقة. وكانت مباراة تأهيلية لكأس العالم في عام 2009 بين مصر والجزائر في الخرطوم قد دفعت القاهرة والجزائر إلى شفا الحرب؛ إذ شهدت المباراة عنفًا داميًا بين المشجعين؛ مما دفع الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك، والرئيس الجزائري آنذاك عبد العزيز بوتفليقة، بتسيير طائرات خاصة إلى الخرطوم لجلب جماهير بلديهما. وظلت العلاقات السياسية والدبلوماسية بين مصر والجزائر متوترة لعدة سنوات بعد المباراة، ولدى الكثير في البلدين ذكريات مريرة عن تداعيات هذه المباراة الكروية.
ويشير الكاتب إلى دولة قطر التي وجهت لها اتهامات برعاية الإسلام السياسي، بما في ذلك بعض الحركات الإسلامية التي تصنفها بعض الحكومات العربية على أنها عنيفة، فإن هذا الموقف شهد تغييرًا مع استعدادها لاستضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022. والآن أَضْحَت الدوحة، التي فرضت عليها مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين، مقاطعة دبلوماسية وتجارية في يونيو 2017، عاصمة كرة القدم في العالم العربي.
مهلة أخيرة
وأشار الكاتب إلى أن النادي الأهلي يُعد أشهر فريق كرة قدم في مصر ولديه عشرات الملايين من المشجِّعين في جميع أنحاء مصر وأفريقيا، وهو كذلك أحد أقوى الفرق في القارة السمراء. وحصد الأهلي عددًا كبيرًا من البطولات المحلية والقارية، وفاز بدوري أبطال أفريقيا 10 مرات منذ انطلاق البطولة عام 1964.
ومع ذلك فإن مواجهاته مع الهلال والمريخ قد تضع ضغوطًا إضافية على لاعبيه، إذا لُعبت المباريتان في أديس أبابا، كما يقول معلقون رياضيون محليون. وقال الناقد الرياضي المصري جمال هليل للموقع: «هذا صحيح، رغم حقيقة أن الأهلي هو أقوى فريق أفريقي إلى حد بعيد».
وسيمنح الكاف الفريقين السودانيين مُهلة أخيرة حتى يوم 8 يناير (كانون الثاني) لإصلاح ملعب الجوهرة الزرقاء، المملوك في الأصل لنادي الهلال، قبل أن يقرر أخيرًا هل سيكون الاستاد مناسبًا لاستضافة مواجهات الهلال والمريخ مع الأهلي، أم ينقل المباريتين إلى بلد آخر، على الأرجح سيكون إثيوبيا. ومع ذلك يتوقع المعلقون الرياضيون السودانيون فشل الفريقين في تأهيل ملعبهما قبل انتهاء الموعد النهائي الذي حدده الكاف.
ويختم الكاتب تقريره بما ينقله عن الصحافي الرياضي السوداني محمد صالح مطر: «الشيء المؤكد هو أن ملعب الجوهرة الزرقاء لن يكون جاهزًا للمباريات قبل انتهاء مهلة الكاف»، مضيفًا: «النادي السوداني أخطأ في طلبه خوض مباراته أمام الأهلي بإثيوبيا في ظل التوترات السياسية بين مصر وإثيوبيا».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».