لا نعرف كثيرًا عن السلالة الجديدة من فيروس كورونا، لكن الباحثين يدرسون ما إذا كانت هذه السلالة الجديدة ستؤثر في اللقاحات.
كتبت أشلي فيرلونج، مراسلة الرعاية الصحية، تقريرًا نشرته مجلة «بوليتيكو» حول السلالة الجديدة من فيروس كورونا في جنوب أفريقيا ومدى قابليتها للانتشار وقوة فتكها، في وقت لم يُحسم فيه بعد مدى فعالية اللقاحات الجديدة ضدها.
وفي مطلع تقريرها، أشارت الكاتبة إلى أن البلدان في جميع أنحاء أوروبا حظرت السفر من جنوب أفريقيا مع تزايد المخاوف بشأن ما إذا كانت اللقاحات الحالية ستكون فعَّالة ضد السلالة الجديدة من فيروس كورونا التي اكتُشِفت لأول مرة في البلاد.
ولفت التقرير إلى أن السلالة الجديدة حلَّت سريعًا محل سلالات أخرى في جنوب أفريقيا، في ظل أبحاث أولية تربطها بأحمال فيروسية أعلى وربما زيادة في قابلية الانتشار. ودفع ارتفاع عدد الحالات في جنوب أفريقيا البلاد إلى حافة إغلاق كامل آخر على مستوى البلاد؛ حيث تبذل المستشفيات أقصى جهدها للتعامل مع الأوضاع.
وما زلنا لا نعرف الكثير عن السلالة الجديدة، لكن الباحثين في جنوب أفريقيا وأماكن أخرى يحققون بسرعة في كل شيء بدءًا من ما إذا كانت ستؤدي إلى كوفيد-19 أكثر فتكًا أم ستحِد من فعالية اللقاحات.
ما الأكثر خطورة؟
يؤكد التقرير على أن التغيرات في التركيب الجيني للفيروس ليست جديدة. وهناك عديد من السلالات الجديدة الأخرى من كوفيد-19، بعضها أشد عدوى، وبعضها قد يكون أكثر فتكًا. على سبيل المثال، تُعد السلالة الجديدة البريطانية التي اكتُشِفت مؤخرًا أشد عدوى ولكنها ليست أكثر فتكًا.
ووجدت الورقة الأولى (التي لم تُنشر بعد) التي توثِّق السلالة الجديدة من الفيروس في جنوب أفريقيا أنه انتشر بسرعة، وفي غضون أسابيع، كانت هذه السلالة الجديدة هي السائدة في عدة مناطق في البلاد. ويشير الباحثون إلى أن السلالة الجديدة قد تكون مرتبطة بزيادة قابلية الانتشار.
كتب عالم أوبئة الأمراض المعدية البارز في جنوب أفريقيا، سالم عبد الكريم، الرئيس المشارك للجنة الاستشارية في البلاد بشأن كوفيد-19، في إحاطة يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) 2020 أن الحمل الفيروسي الأعلى في مَسْحَات السلالة الجديدة قد تُترجَم إلى قابلية أعلى للانتشار – وأن هذه السلالة الجديدة تنتشر بسرعة أكبر. وأشار إلى أن هذا قد يعني أن الموجة الثانية في جنوب أفريقيا تُعد أكبر من الموجة الأولى.
وما لم يُعرف بعد هو ما إذا كانت السلالة الجديدة تؤدي إلى مرض أكثر خطورة. وفي الواقع، قالت منظمة الصحة العالمية في 31 ديسمبر 2020 أنه: «لا يوجد دليل واضح على أن السلالة الجديدة ترتبط بمرض أكثر حدَّة أو نتائج أسوأ». غير أن المزيد من حالات الإصابة، كما تلاحظ منظمة الصحة العالمية، قد يعني دخول المزيد من الناس إلى المستشفيات والمزيد من الوفيات في نهاية المطاف.
يقول وزير الصحة البريطاني، مات هانكوك، يوم الإثنين إنه «قلق للغاية» بشأن السلالة الجديدة التي ظهرت في جنوب أفريقيا، وقال لبي بي سي إنها: «مشكلة بالغة الأهمية».
وعند الإعلان عن حظر السفر في المملكة المتحدة إلى جنوب أفريقيا في 23 ديسمبر، زعم هانكوك أن السلالة الجديدة تُعد «أكثر قابلية للانتشار ويبدو أنها قد تحوَّرت أكثر من السلالة الجديدة المُكتَشفة هنا في بريطانيا». وصرح جون بيل، أستاذ الطب في جامعة أكسفورد، لراديو تايمز في 3 يناير (كانون الثاني) أنه أكثر قلقًا «بعض الشيء» بشأن السلالة الجديدة في جنوب أفريقيا مقارنةً بالسلالة الجديدة في بريطانيا.
إلى أي مدى انتشرت السلسلة الجديدة بالفعل؟
نوَّه التقرير إلى أن اكتشاف السلالة الجديدة من الفيروس في جنوب أفريقيا لأول مرة في منطقة خليج نيلسون مانديلا في أكتوبر (تشرين الأول)، حيث أشارت الأبحاث إلى أنه كان من الممكن أن يكون منتشرًا منذ نهاية شهر أغسطس (آب).
ثم انتشرت السلالة الجديدة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك مدينة كيب تاون، وهي وجهة سياحية شهيرة. ورُفِع حظر السفر الدولي في جنوب أفريقيا في الأول من أكتوبر بالنسبة للسياح الذين جاءت نتائج اختبارات إصابتهم بكوفيد-19 سلبية، مما يعني أن الناس كان يمكن أن ينقلوا السلالة الجديدة إلى بلدان أخرى منذ ذلك الحين. ووفقًا للتقارير، اكتُشِفت السلالة الجديدة في المملكة المتحدة وفنلندا وسويسرا واليابان وأستراليا.
هل تنجح اللقاحات في القضاء على السلالات الجديدة؟
يشير التقرير إلى أن السؤال الرئيس الآن هو ما إذا كانت التغيرات الجينية للسلالات الجديدة قد تُقلِّل من فاعلية اللقاحات المتوافرة. وفي حين أن هناك تغييرات جينية في السلالات الجديدة للفيروس في المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا في مجالات ربط المُستقبِلات (RBD) ذات الأهمية البالغة المهم -مما يسمح للفيروس بالدخول إلى الخلايا البشرية– يشعر بيل أستاذ أكسفورد بالقلق على نحو خاص بشأن الطفرة الجينية التي تتسم بها السلالة الجديدة في جنوب أفريقيا في هذا الجزء من الفيروس.
يقول بيل إنه وفريقه في أكسفورد يدرسون هذا الآن، لكن «حدسه» هو أن اللقاحات ستظل فعَّالة ضد السلالة الجديدة في المملكة المتحدة. غير أنه حذر من أن هناك «علامة استفهام كبيرة» حول ما إذا كان يمكن قول الشيء نفسه عن السلالة الجديدة في جنوب أفريقيا.
وألمح التقرير إلى أن عديدًا من المؤسسات البحثية في جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى مختبر بورتون داون في المملكة المتحدة، يعملون حاليًا لتحديد ما إذا كانت اللقاحات الحالية ستكون فعَّالة ضد السلالات الجديدة.
يقول جوناثان فان تام، نائب كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا، ردًا على سؤال من «بوليتيكو» في 30 ديسمبر أن هذا العمل يمكن أن يستغرق من 12 إلى 14 يومًا، وقد يستغرق الأمر أسبوعين قبل أن يتمكن العلماء من إعطاء «رأي جازم» حول ما إذا كانت اللقاحات الموجودة ستكون فعَّالة في القضاء على السلالات الجديدة من الفيروس.
غير أن فان تام قال إن هناك سببًا للتفاؤل، موضحًا أن العمل جارٍ من جانب العلماء في جميع أنحاء العالم «لدراسة مجموعة كاملة من السلالات الجديدة المتنوعة والتي أظهرت، بوجه عام، أن إبطال مفعول الفيروس يجري عبر تفاعلية متصالبة (تفاعل بين مستضد وأجسام مضادة)». وقال: «بعبارة أخرى، ستغطي اللقاحات مجموعة كبيرة جدًّا من السلالات الجديدة من الفيروس».
وأضاف فان تام أنه نظرًا لأن اللقاحات تنتج عديدًا من الأنواع المختلفة من الأجسام المضادة، فإن السلالات الجديدة يجب أن تحتوي على «طفرات كبيرة للغاية» من أجل «التغلب على هذه اللقاحات كاملةً». وفي الوقت نفسه، قالت شركة بيونتيك إن لقاحها الذي طوَّرته مع شركة فايزر «من المرجح نسبيًّا» أن يعمل على السلالة الجديدة في بريطانيا.
هل حظر السفر فعَّال؟
يشدد التقرير على أن الطريقة الأكثر فاعلية لتقليل انتشار السلالات الجديدة هي الحد من تفاعل الأشخاص، والذي يشمل قيود السفر، وفقًا لورقة مشتركة أُعِدَّت في 23 ديسمبر على يد مجموعات علمية مستقلة في المملكة المتحدة تدرس انتشار الفيروس.
وأصدرت منظمة الصحة العالمية، التي كانت حذِرة بشأن الدعوة إلى حظر سفر كلي، توجيهات مؤقتة توصي باتباع نهج قائم على المخاطر لحظر السفر، والنظر، من بين أمور أخرى، في مسألة الانتقال المحلي للفيروس، وقدرة الخدمات الصحية، ومستوى قابلية سلالات جديدة بعينها من الفيروس للانتشار.
كما تنصح الأشخاص الذين يقيمون في مناطق تخضع لقيود على الحركة على مستوى المجتمع المحلي بعدم السفر إلا للأغراض الأساسية. وتعليقًا على انتشار السلالة الجديدة في جنوب أفريقيا في المملكة المتحدة، قال لورانس يونج، أستاذ علم الأورام الجزيئي في جامعة وارويك، إن المملكة المتحدة بحاجة إلى فعل «كل شيء ممكن» لوقفه. وقال إن: «إجراءات الحجر الصحي وتقييد السفر من وإلى جنوب أفريقيا أمر حتمي».
ولكن مع وجود السلالة الجديدة بالفعل في عديد من البلدان، فمن غير الواضح ما إذا كان حظر السفر سيكون كافيًا لمنع انتشاره. وقد أُعلِن حظر مماثل على السفر من المملكة المتحدة في أعقاب الأخبار عن اكتشاف سلالة جديدة أكثر قابلية للانتشار، ولكن أبلغت عشرات الدول، حتى الآن، عن وجود السلالة الجديدة البريطانية في بلدانهم.
هل سيكون هناك مزيد من الطفرات؟
ورجَّح التقرير في ختامه أنه من المحتمل ألا تكون السلالات الجديدة في المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا هي الأخيرة من نوعها، حيث يقترح الخبراء أننا يجب أن نُعِد أنفسنا لمزيد من السلالات الجديدة المتحورة. في الواقع، قد يكون هناك سلالات جديدة أخرى أكثر قابلية للانتشار لم تُكتَشف بعد لأنها لم تتناسخ حتى الآن.
يقول رافيندرا جوبتا، أستاذ علم الميكروبيولوجي الإكلينيكي في جامعة كامبريدج، إنه «ليس من قبيل المصادفة أن يكون المكانان اللذان يحتويان على هذه السلالات الجديدة المثيرة للاهتمام هما المكانان اللذان يحتويان على أكبر تغطية لتناسخ الفيروس».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».