الشتاء يطرق الأبواب بثلوجه وعواصفه ولياليه شديدة البرودة، لكن الظروف الجوية لا يمكن أن تمنعك من الخروج يوميًا إلى العمل وقضاء الحاجات اليومية.. ماذا لو استخدمت أحدث التقنيات العلمية لابتكار معطفٍ يمنحك الدفء، حتى ولو كنت في سيبيريا، أو أعلى جبال الألب؟ هذا ما تكتب عنه الباحثة في مجال الأسواق وسلوك المستهلكين «باميلا إن دانزيجر» وتقريرها الأخير في مجلة «فوربس» بتفاصيلٍ أكثر عن المعطف المبتكر وتقنيته المتطورة.
نماذج للثياب شديدة العزل والدفء التي تنتجها شركة «أوروس»، المصدر
التجار يرحبون بالشتاء
ربما تكون من محبي الشتاء أو من كارهيه، لكن في كلتا الحالتين فإنه فصل يناسب أهواء التجار وفقًا للكاتبة، تكشف شركة الاستثمار «كوين آند كومباني» أنه من الناحية التاريخية كلما انخفضت درجات الحرارة ارتفعت حركة مبيعات التجزئة. وفضلًا عن ذلك توقّع «بيل كيرك» – الرئيس التنفيذي لشركة «ويذر تريندز انترناشونال» – أن يكون موسم شتاء 2018-2019 الموسم «الأكثر برودة والأكثر ثلوجًا خلال خمس سنوات».
هذه أخبار مرحب بها عند «مايكل ماركسبيري» و«ريذڤك ڤينا»، مؤسسي شركة «أوروس» وهي علامة تجارية لثيابٍ يلتقي بابتكارها العلم بالتجارة. تستلهم هذه الشركة تقنياتها من «ناسا»، متجاوزةً كل ما سبقها من تقنيات لعزل الحرارة في الثياب من الطبقات المبطّنة بالريش و«الثينسوليت» وغيرها من الألياف الاصطناعية. وكما تنقل الكاتبة عن «ماركسبيري» فإن:
للمرة الأولى في تاريخ عزل الملابس، يمكنك اكتساب قيمة حرارية كبيرة من عزلٍ رقيق
يخطط مؤسسا الشركة لبلبلةِ القطاع الصناعي المختص بالثياب الملائمة للحركة والنشاطات الخارجية عبر استخدام تقنية «سولاركور» العازلة الحصرية بـ«أوروس»، وهي العلامة التجارية لاستخدام الشركة لمواد الهلام الهوائي التابع لوكالة ناسا، وقد قدّمت على أساسها عدة براءات اختراع. هذا الاستخدام المبتكر للتكنولوجيا في الأزياء وصناعة الثياب أوصل المؤسسين إلى قائمة «فوربس» عام 2018 لأبرز 30 شابًا تحت الثلاثين مؤثرين في عالم التجارة والتجزئة.
تعد مواد الهلام الهوائي إيروجيل» المواد الصلبة الأخفّ في العالم، تتألف في معظمها الأعمّ من الهواء، وتتميز بقوة تحملها وعزلها الحراري والكهربائي
ابقَ دافئًا بأناقةٍ عصريّة
يصف مؤسسا «أوروس» أنفسهما بأنهما «مهووسا علوم» وهما شغوفان بالنشاطات والرياضات في الخارج أيضًا. التقيا في السنة الثانية من الدراسة بجامعة ميامي في أوهايو، حيث كان يعمل «ماركسبيري» في مختبر الأبحاث في المدرسة ليحصلَ حينها على منحةٍ من «أسترونات سكولارشيب فاونديشين»، وهنالك تعلّم بشأن العزل بالهلام الهوائي في ناسا، يشرح «ماركسبيري» وظيفة هذه المواد:
تستخدم ناسا الهلام الهوائي (إيروجيل) لعزل المكوكات الفضائية والمركبات الجوالة على سطح المريخ وغيرها من أشياءٍ في الفضاء. تنخفض درجة الحرارة في الفضاء حتى سالب 4450 فهرنهايت. يحافظ هذا العزل من أعظم اختبارِ تعذيبٍ في الكون، لكنه لا يُستخدم في الملابس
بعد أن أكمل «ماركسبيري» رحلة تجوالٍ في أوروبا، شملت تسلّق أحد أعلى الذرى في جبال الألب السويسرية، بدأ بالتفكير في تطبيق تقنية «إيروجيل» ليحلّ مشكلةً واضحةً واجهها فوق ذلك الجبل ويضحكه حين يستذكر تلك الرحلة كم بدا ممتلئًا ومثقلًا بالبدلة المضادة للبرد التي كان يرتديها:
قررت أنه يجب أن يكون هنالك طريقة تختزل كل ذلك الحجم والطبقات وتُبقي الثياب دافئة رغم ذلك.
وبعودتِه إلى المخبر اكتشف «ماركسبيري» و«ڤينا» معًا أنه لم يستخدم أحدٌ تقنية الهلام الهوائي بعد في الملابس، فهذه المادة في حالتها الطبيعية تكون هشّة وسريعة التهشّم إزاء النكز. حينها أصبح مشروعهما لسنّة التخرج اكتشاف كيفية جعل هذه المادة العازلة مرنةً ومتينةً كفاية لتطبيقها في الثياب.
يوضح «ماركسبيري» اكتشافهما طريقةً لأخذ جسيماتٍ صغيرةٍ من الهلام الهوائي واستخدامِه في إنشاءِ مركّب قابلٍ للوضع في نسيجٍ بالحدّ الأدنى من السماكة مع المحافظة على 97% من أدائه الحراري (قدرة العزل لديه). وقد سمّيت هذه الطريقة بالـ«سولاركور» وهي مستخدمة في كلّ معدات شركة «أوروس» حاليًا وفقًا للمؤسس.
ما ميزات هذه المعاطف علميًا وعمليًا؟
يشرح «ماركسبيري» مزايا تقنية «أوروس» وتفوقها عن المواد العازلة الأخرى علميًا:
1- اجتازت الاختبارات بنجاح: اختبرت تقنية «سولاركور» مخبريًّا باستخدام بروتوكول «ASTM C518» مقابل 250 مادة عازلة أخرى، وحتى الآن «لم نعثر على مادةٍ تغلبها» كما يؤكد «ماركسبيري».
2- لا حجم زائد: احتجاز الهواء هو المبدأ الرئيس وراء كل طرق العزل الأخرى، والتي تنشِئُ حجمًا بالنتيجة، ضمن ما يسمى بالصناعة الآن تحت مسمّى «لوفت». كلما ازداد الهواء المحجوز أو المبطّن ازدادت درجة العزل.
كلما احتجزت هواءً أكثر انتفخت أنتَ وانتفخَ جاكيتك أكثر، وينتهي بك الحال لتبدو كما لو أنك دمية ميشلان (الدمية المطاطية المشهورة لشركة ميشلان والتي تمثل رجلًا منتفخًا مصنوعًا من إطارات السيارات).
3- جودة التهوية: ما يقابل ميزة الدفء هو الشعور بالاختناق والحرارة العالية داخل الجاكيت، وهو أمرٌ غير محبّذ وإشكاليٌّ، خصوصًا للمؤدّين وممارسي الأنشطة في الخارج. الحلّ لدى «أوروس»؛ إذ لا يحتاج «سولاركور» إلى قماشٍ فائق الكثافة مثل نظرائه للحفاظ على قوة العزل.
يعاني معظمنا أثناء الشتاء من ضخامة الثياب التي نرتديها، وانتفاخها واحتباس الهواء فيها كأننا دمى ميشلان متحركة
يوضّح «ماركسبيري» أن معظم المواد العازلة – بما في ذلك «سولاركور» والثياب المبطنة بريش الأوز والمواد والألياف الصناعية المختلفة – ذات تهوية عالية، لكن تكمن المشكلة في الأقمشة المستخدمة للفّ حول ذلك العزل – مثلًا الثياب المبطّنة بالريش تُنسج بشكلٍ محكم للغاية للإحكام على البطانة؛ ما يقلّص من تدفق الهواء، في المقابل لا يوجد أيّ قيودٍ مشابهة بالنسبة لتقنيات «أوروس»؛ إذ يمكنهم استخدام أيّ قماشٍ يشاءون فوق العزل، وأن ينتقوه جيّد التهوية. وينبّه «ماركسبيري» أن البطانة الداخلية للثياب عندهم شبكيّة رياضية وهي من أعلى الأنواع وأفضلها للتهوية.
اختبارات ونجاحات
تشير الكاتبة إلى تصميم «أوريون باركا»، وهو العلامة الأبرز لدى شركة «أوروس»، فهو يلائم الأنشطة في الهواء الطلق والرياضات التي يشكل الدفء فيها وحرية التنقل عاملين حاسمين، لكنه أيضًا جاذبٌ للأشخاص العاديين الذين يطلبون الدفء والأناقة لأيامهم العادية وأوقات العمل أو التسوق أو حتى التسكّع.
تصميم «أوريون باركا» ويتسّم بالعملية والخفّة والفعالية لمختلف ظروف العمل أو الرياضة، المصدر: موقع الشركة
يقول «ماركسبيري»: إن هذا التصميم جرّب أثناء صعود قمة الجبال في نيبال، والعودة منها، وتحته قميص (تي شيرت) واحد فقط، مضيفًا أن «مجموعة من الرحّالة الألمان تحدّوا به درجة -°40 في طقس التندرا السيبيري خلال التجول في عربات الثلوج لمسافة 60 ميلًا»، ليصرخ بعدها بجزل: «إنها أدفأ سترة في العالم». يُذكر أن أحد موديلات قمصان الشركة دخل ضمن قائمة 2017 لمعدّات العدّائين السنوية.
أدرج هذا القميص ضمن قائمة معدّات العدائين السنوية عام 2017، المصدر
تشير الكاتبة في النهاية إلى التزام الشركة بالتجارة الإلكترونية لأنها تسمح لهم بالحصول على ردود الفعل المباشرة ومواصلة الابتكار والاستلهام انطلاقًا من حاجات العملاء أنفسهم، ولأن الإنترنت هو أفضلُ مكانٍ لتوسّع العلامات التجارية المبنيّة على أساس الابتكار الحقيقي والتواصل مع طموحات الزبائن واهتماماتهم وفقًا لتصريحات المؤسسين وتأكيداتهم على خططهم في مواصلة البحث والتطوير في هذا المجال.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».