نشر موقع «لوبلوج» مقالًا للكاتب جليل بيات، وهو باحث في العلاقات الدولية في جامعة تربية مدرس في طهران، يسلط فيه الضوء على النتائج التي قد تسفر عنها سياسة ترامب تجاه إيران، وتقوية وجود المتشددين في البلاد.
قال بيات إن حملة الضغط القصوى التي يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران -بما في ذلك قراره الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرم في عام 2015- لم تؤد إلا إلى تعزيز مكانة المتشددين في مؤسسات السياسة الخارجية والأمنية الإيرانية. ويبدو كذلك أن عجز أوروبا عن إنقاذ الاتفاق النووي تحت وطأة العقوبات الأمريكية قد أسهم في ذلك أيضًا.
وقد أشار المقال إلى مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة في 19 يوليو (تموز) الجاري، قال خلالها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف: «التعامل مع الغرب فقد مصداقيته في إيران. الشعب لا يفكر في التفاعل مع المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة، بسبب عدم الوفاء بوعدها، والأوروبيون بسبب عجزهم عن الالتزام بكلمتهم. لذلك يفقد التعامل مع الغرب مصداقيته، ومن ثم، أفقد مصداقيتي أنا أيضًا».
تغيرات في الترتيبات السياسية لإيران
يرى بيات أن إدراك ذلك الاعتراف يمكن أن يأتي على نحو أفضل عن طريق مراقبة تصرفات إيران في الأسابيع الأخيرة. إذ أن أفعال إيران، التي تضمنت إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار بزعم اختراقها المجال الجوي الإيراني، والاستيلاء على ناقلة نفط بريطانية، ردًا على الاستيلاء البريطاني على ناقلة إيرانية في وقت سابق من الشهر الجاري يوليو (تموز)، تشير إلى تزايد نفوذ القوى السياسية الداخلية المعارضة للتعامل مع الغرب.
ويؤكد الكاتب على أن الجهة المسؤولة عن اتخاذ القرارات المهمة المتعلقة بالأمن والسياسة الخارجية في إيران هي المجلس الأعلى للأمن القومي. إذ يتضمن أعضاء هذا المجلس رؤساء الأفرع الثلاثة للحكومة، ورئيس أركان القوات المسلحة، ورئيس منظمة الخطة والميزانية، وممثلين اثنين عن المرشد الأعلى، ووزير الخارجية، ووزير الداخلية، ووزير الاستخبارات وقائد قوات الحرس الثوري الإسلامي وقائد الجيش.
فضلًا عن أن المرشد الأعلى يجب أن يبدي موافقة على قرارات المجلس قبل تنفيذها. لذا من المنطقي، بحسب بيات، أن نستنتج أن القرارات الإيرانية الأخيرة المتعلقة بالامتثال للاتفاق النووي أو ردها على الاستيلاء على ناقلة النفط الإيرانية «غريس 1»، قد اتخذها ذلك المجلس ووافق عليها المرشد الأعلى.
ومع أن المتشددين كانوا دائمًا أصحاب نفوذ في إيران، تشير جميع الأدلة الآن إلى تزايد هيمنة وجهات النظر المتشددة، بما في ذلك في مجلس الأمن القومي، على وجهات نظر المسؤولين الذين يؤيدون التعامل مع الغرب، مثل ظريف والرئيس الإيراني حسن روحاني، المسؤول عن السلطة التنفيذية.
تولى روحاني الرئاسة في عام 2013 بفضل التعهد في حملته الانتخابية بالتعامل مع الغرب وحل الأزمة النووية التي طال أمدها. لكنه أصبح الآن في موقف ضعيف بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، واتباعه سياسة ضغط قصوى ضد إيران. لذا يتعرض روحاني وظريف لهجمات متزايدة من خصومهم السياسيين لأنهما اختارا طريق المفاوضات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
دلائل على صعود المتشددين تغير الدفة
يذكر بيات مجموعة من الأمثلة التي تؤيد الاعتقاد بصعود تيار المتشددين. فقد انتقد رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني الذي يعمل الآن مستشارًا للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الوضع الحالي في إيران بشدة قائلًا: «في بعض الأحيان، يبدو أن البلاد يمكن أن تدار بشكل أفضل بدون حكومة (روحاني)».
ويضرب مثالًا آخر حدث في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي 2018، عندما اتهمت صحيفة «كيهان» المتشددة ظريف بخداع الشعب الإيراني لتوقيعه على الاتفاق النووي، وطلبت من البرلمان والقضاء توبيخه رسميًا مع بعض رجال الدولة الآخرين. وانتقد رئيس تحريرها حسين شريعتمداري -الذي يعمل ممثلًا رسميًا لخامنئي في الصحيفة- مقابلة ظريف في الأول من يوليو (تموز) الجاري مع شبكة «سي إن إن» الأمريكية واصفًا إياها بأنها دعوة من الولايات المتحدة لتدمير إيران.
وحتى بعيدًا عن تصريحات الساسة وعناوين الصحف، بث التلفزيون الإيراني الرسمي كذلك مسلسلًا حول اعتقال جاسوس أمريكي في الآونة الأخيرة تضمن توجيه انتقادات متكررة لحكومة روحاني بسبب طريقة تعاملها مع العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة.ويستدعي الكاتب مشهد الشعور بالفخر، وبالأخص بين الشباب الإيرانيين، الذي نتج عن إسقاط الطائرة الأمريكية بدون طيار والاستيلاء على ناقلة النفط البريطانية. إذ يرى أنه يدعم نفوذ الجماعات المؤيدة للمقاومة.
ولا يقتصر الأمر على مشاعر الفخر الوطني، فقد عزز إسقاط الطائرة الأمريكية بدون طيار أيضًا ثقة القادة العسكريين الإيرانيين، وهو أمر أسهم بدوره في الاستيلاء على ناقلة النفط البريطانية. وهذه الثقة -التي بلغت أقصى درجاتها- ربما تكون ضارة إذا دفعت هؤلاء القادة العسكريين إلى المبالغة في تقدير قوة إيران.
ينصح المقال الزعماء الغربيين الذين زعموا أنه لا يوجد فرق بين المتشددين الإيرانيين، وبين المعتدلين مثل ظريف وروحاني، بأن يعيدوا النظر في تحليلهم؛ فالوضع الحالي لم يضعف سوى موقف أولئك الذين يفضلون التفاعل مع الغرب، كما أسفر ما يفعله ترامب عن تقويض مصداقية هؤلاء داخل إيران.
ويضيف أن الرئيس الأمريكي يجب أن يعلم أنه إذا كان يأمل في إجراء مفاوضات مع إيران يومًا ما، لن يتسنى له فعل ذلك إلا مع المعسكر المعتدل، فلن يسهل أبدًا دفع المعسكر المتشدد المؤيد للمقاومة للجلوس على طاولة المحادثات مع الولايات المتحدة.
نتيجة حتمية
تجدر الإشارة إلى أن إيران ستجري انتخابات برلمانية في فبراير (شباط) 2020، وإذا استمر الاتجاه الحالي على ما هو عليه، فمن المتوقع أن يلقى المعتدلون هزيمة ساحقة، تاركين البرلمان في أيدي المتشددين. كما أن هذا الاتجاه قد يبلغ ذروته في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2021، وهي أخبار قد تبدو سيئة بالنسبة للرئيس ترامب.
يقول بيات في مقاربة تاريخية إنه مثلما رد جورج دبليو بوش الدين لإيران نظير تعاونها مع المجهود الحربي الأمريكي في أفغانستان بإدراجها ضمن «محور الشر» -وهي عبارة ترددت على لسان بوش ويقصد بها حكومات العراق وإيران وكوريا الشمالية- مما أدى إلى انتخاب الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد في عام 2005 بدلًا من الرئيس الإصلاحي الخامس لإيران محمد خاتمي، قد تسفر سياسات دونالد ترامب عن تحقيق انتصار انتخابي للمحافظين الإيرانيين.
ويرى أن مثل هذا المستقبل لا يخدم مصلحة أي من الطرفين؛ نظرًا إلى أن إيران ينبغي لها التفاعل مع الغرب لرفع العقوبات وإعادة بناء اقتصادها. وفي المقابل، يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التعامل مع إيران من أجل الاستقرار في منطقة الخليج العربي وضمان تدفق صادرات النفط. إذ أن الوضع الحالي يشكل خسارة لجميع الأطراف.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».